يتوقف الناقد المغربي عند أولى سلسلة كتب، يشرف عليها المفكر محمد عابد الجابري، تتناول موضوع العلاقة بين الإسلام والغرب من زوايا نظر مختلفة لمجموعة من المفكرين والمثقفين تتطرق لأبرز إشكالات هذه العلاقة تاريخيا وسياسيا وحضاريا وفكريا.

«الإسلامُ والغربُ»: حوار صعب وجوار مفقود

فريد أمعضشو

 

كثيرة هي الدراسات التي تُكتب واللقاءات التي تُعقَد في السنوات الأخيرة، هنا وهناك، لمناقشة موضوعة العلاقة بين الإسلام والغرب، وكثيرة هي الآراءُ والمواقف التي تُتَّخَذ منها انطلاقاً من قناعات وتحليلات توجِّهها اعتباراتٌ وحيثيات عديدة. ومن التآليف التي ازدانت بها الساحة الثقافية والفكرية العربية مؤخراً في السياق نفسِه كتابُ "الإسلام والغرب" "304 ص، من القِطع المتوسط" الذي افتتحت به الشبكة العربية للأبحاث والنشر "بيروت" سلسلة كتبٍ تعتزم طباعتها ونشرها بتنسيق مع الدكتور محمد عابد الجابري، المفكر المغربي الكبير.

يضم هذا الكتابُ اثنتين وعشرين دراسة، مصدَّرَة بتمهيد وضعتْه الدار الناشرة، اختارها الجابري من المقالات التي نُشرت سابقاً في مجلة "فكر ونقد"، التي يرأس هو نفسُه هيأة تحريرها، خلال الفترة الممتدة ما بين 1997 و 2008، وتتناول هذه الدراسات التي كتبها نخبة من المفكرين والمثقفين المغاربة وغيرهم ـ من زوايا مختلفة ـ نظرة كل من الإسلام والغرب إلى الآخر، وتتطرق إلى إبراز أشكال العلاقة بينهما سياسياً وتاريخياً وحضارياً وفكرياً، وتمتاز بكونها "لا تقتصر في معالجتها النظرةَ إلى الآخر على المستوى الإيديولوجي الذي كثيراً ما يحكم الخطاب السياسي الغربي اليوم، بل تنطلق في مقارباتها من الفلسفة في تحليل مسألة "الغيرية" و "الوعي بالآخر"، وتناقش "المسألة الثقافية" بين الإسلام والغرب عبر التاريخ، وتستعرض صعوبات الحوار والجوار المفقود، وتلجأ إلى أحكام الاجتماع السياسي لتبحث نظرة كل طرف إلى حضارة الآخر وتمدُّنه، ومظاهر هذه النظرة كما تتبدّى في الثقافة والأدب والمسرح وأدب الرِّحْلات كما في الاستشراق، وخصوصاً الذي يهدف العودة إلى الأصول..." "ص ص 7 ـ 8".

شارك د. محمد عابد الجابري في الكتاب، من موقعه كفيلسوف، بأربعة إسهاماتٍ، تعرض في المقالين الأوليْن إلى علاقة الإسلام بالغرب أوالأنا بالآخر، مركزاً على مناقشة مسألة "الغيرية" فكرياً وحضارياً، ومقترحاً نمطاً آخرَ من الوعي بـ "الآخر"، نمطاً يختلف عمّا هو سائد ومُشاع بين المثقفين العرب منذ زمان. والإسهامُ الثالث عبارة عن حوارٍ كان قد أجْراه معه القسم العربي بهيأة الإذاعة البريطانية، على حين إن الرابعَ هو،في الأصل، نصُّ التعقيب الذي عقَّب به الجابري على بحث السيد يسين الذي شارك به في ندوة "التسوية السلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي وتاثيرها على الوطن العربي"،المنظَّمة بالقاهرة من قبل معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وقد حاول المُعَقِّب في مداخلته هذه إماطة اللثام عن واقع المسألة الثقافية في التسوية السلمية مع إسرائيل وكل ما يتمحّض لها وما تثيره من تداعيات وأبعاد.

وضمّ الكتاب مقالتين للمفكر المغربي كمال عبد اللطيف، أولاهما تبحث في صعوبات الحوار بين الإسلام والغرب، وثانيتهما تسلط الضياء على نظرة المغرب وأوربا إلى بعضهما من خلال استقراء نصوص منتمية إلى الأدب الرحلي، وقد آثرَ مقاربة هذا الموضوع انطلاقاً ممّا جاء في كتابي "سفراء مغاربة في أوربا "1610 ـ 1922": في الوعي بالتفاوُت" لعبد المجيد القدوري، و "أوربا في مرآة الرحلة: صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة" لسعيد بنسعيد العلوي، اللذين نشرتهما معاً كلية آداب الرباط عام 1995. وحَوَى الكتابُ دراسة للمستشرق الألماني غيرنوت روتر حول الجوار المفقود بين الإسلام والغرب، وأخرى لهوبرت هيركومر، أستاذ الأدب الألماني في جامعة بيرن السويسرية، حاولت أن تستخلص دروساً ومواعظَ من العلاقة الشائكة بين الطرفين الحضاريين الآنفين خلال المرحلة القروسطية. والدراستان معاً ترجمهما إلى العربية الأستاذ ثابت عيد.

وركزت مقالة محمد نور الدين أفاية على تِبيان نظرة الغرب وصورته عن الإسلام وموجِّهاتها وتمظهراتها المختلفة، وحاول بحْث عبد المجيد الصغير أن يرصد بعضاً من معوّقات الحوار الإسلامي ـ المسيحي، محدّداً جملة من الشرائط لتجاوزها. وحملت دراسة عبد الإله بلقزيز عنوان "المجتمع العربي والثقافة غير العربية أوتعدد الوعي العربي بالغرب". وأسْهم عبد السلام بنعبد العالي، سكرتير تحرير مجلة "فكر ونقد"، بمقالين بينهما قرْبى واضحة، أولهما بعنوان "في مرآة الآخر..."، والآخر بعنوان "الثقافة العربية في مرآة الآخر".

وتضمّن الكتابُ دراسة مصطلحية ومفهومية لمفهوم "الحضارة" في الثقافتين العربية والغربية قديماً وحديثاً، كتبها الباحث المغربي فريد أمعضشو. وحاول عبد الفتاح كيليطوفي مقاله الموسوم بـ "المنزلة بين المنزلتين" إبراز وضعية الأدب العربي وعلاقته بنظيره الأوربي استناداً إلى ما ورد في كتابي أحمد فارس الشدياق اللذين يقدمان مادة معرفية مفيدة جدا وغنية للباحثين في المجال المُقارَني، وهما "الساق على الساق في ما هوالفارياق" و "كشف المخبأ عن فنون أوربا". وانصبّت دراستا الناقد المسرحي المغربي حسن يوسفي على تسليط الضياء على العلاقة بين الشرق والغرب مسرحياً، بحيث أوْضَح،في أولاهما، صورة "الشرق" في المسرح الغربي المعاصر بدءاً من الاستيهام إلى خلخلة المركزية الثقافية الغربية، وقدّم،في الثانية، مطارحات أنثروبولوجية بشأن مفهوم "العودة إلى الأصول" بين المسرحيْن الغربي والمغربي.

واختار عبد الواحد أكمير في مقاليْه أن يقدم قراءَتين معمَّقتين في كتابين لمُسْتشرقيْن إسبانيَيْن، أولهما"الإسلام يتحدّى" "El reto del Islam" لبيدرومارتينيز مونتافيز "P.M.Montavez"، تناول فيه أسباب الأزمة السياسية والاجتماعية طويلة الأمد التي يعيشها العرب منذ ما بات يُعرف بـ "صدمة الحداثة". والكتابُ الثاني موسومٌ بـ "الأفريقانية والاستشراق الإسبانيان في القرن 19" "Africanismo y orientalismo espanol en el siglo" لفيكتور موراليس ليزكانو "V.M.Lezcano"، صدر بمدريد عام 1989، وهوـ حسب أكمير ـ " لا يسعى إلى طرح قضايا سياسية جديدة، وإنما يريد إيجاد علاقة بين الخطاب السياسي الإسباني الذي أفرزه طرْد العرب من الأندلس في نهاية القرن 15، والخطاب السياسي الإسباني الذي أفرزه المشروع الاستعماري الأوروبي في القرن 19، وذلك من خلال اعتماده كمصدر الاستريوغرافية المهتمة بالعالم العربي الإسلامي وخصوصاً المغرب". "ص 251"

وناقش عبد اللطيف الخمسي في دراسته، بشكل مستفيض، الإشكال المنهاجي في تعامل الفكر العربي والإسلامي مع الاستشراق والفكر الاستشراقي الذي يطرح تحديات كثيرة وخطيرة، ليخلص إلى أن "إشكالية المنهج الحداثي ما زالت تُرفَض من طرف دعاة العقل الخصوصي. وهذا لا يقوّي إلا سلطة الاستشراق من جهة، وتراكم عمليات الأسْطَرَة للتراث من جهة أخرى، ما يعني أن مشروع العقل النقدي الجديد سيكون منطلقه المعرفي هوبدايةَ التخلص من أحكام الاستشراق الجاهزة ومن سطوة التراثوية لصالح رؤية منفتحة للمناهج خارج نزعة القداسة ووهْم الأصالة المطلقة" "ص250". وأسْهب إسماعيل العثماني،في مقاله، في الحديث عن كل ما يتصل بالاستشراق الروماني، ومقاله هذا منشورٌ سابقاً في كتاب جماعي أصدرته جامعة ابن زهر ـ كلية الآداب ـ بأكادير عام 2006، تكريماً لاثنين من أساتيذها المبرّزين، بعنوان "مدارات ثقافية وفكرية" "صفحات 409 ـ 418". وفي الكتاب مقالٌ هو،في الأصل، جزءٌ من كتاب "الثقافة والامبريالية" "Culture et imperialisme" للمفكر الراحل إدوارد سعيد، ترجمه عن الفرنسية الباحث محمد هشام، تحت عنوان "ألبير كامي أواللاشعور الاستعماري".

هذه، إذاً، مختلِفُ موادّ الكتاب الأول الذي أصدرته الشبكة العربية للأبحاث والنشر متضمِّناً مقالاتٍ نُشرت في وقت سابق في مجلة "فكر ونقد" الرائدة حقّاً، وذلك بتنسيقٍ مع مديرها د. محمد الجابري الذي يعد من كبار مفكري المغرب المعاصرين وفلاسفته المتميزين، وقد وُلد عام 1936 بشرق المملكة المغربية، وحاز دكتوراه الدولة في تخصص الفلسفة عام 1970 من كلية آداب الرباط، وله عددٌ مهمّ من المؤلفات والكتابات الغنية والدّسِمَة.

وتستهدف دراسات الكتاب المذكور جميعُها "تفكيك عبارة "الغرب والإسلام" في محاولةٍ منه لتحريرها من الأفكار الموروثة والمشحونة بدلالات غامضة تجمع بين قلق الحاضر والخوف من المستقبل"، كما جاء على صفحة الغلاف الخلفي للكتاب. وتجْدُر الإشارة إلى أن الشبكة العربية للأبحاث والنشر قد شرعت في إصدار كتب خاصة تشتمل على أعداد من كتيْبات سلسلة "مواقف" التي يقدم فيها الجابري، شهرياً، إضاءات وشهادات عن مجموعة من القضايا والموضوعات التي استأثرت باهتمامه فكرياً وتاريخياً، والتي ينبش خلالها في عديدٍ من "ملفات الذاكرة". 

باحث من المغرب