الطاهر الطويل ـ عبدالحق ميفراني
شهدت خشبة المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، مساء أمس الجمعة 16 يناير الجاري، حفل اختتام الدورة السابعة لفعاليات مهرجان المسرح العربي والذي شهدته المملكة المغربية خلال الفترة الممتدة من 10 إلى 16 يناير 2015، بتتويج العرض الفائز بجائزة القاسمي وإعلان الكويت حاضنة للدورة الثامنة للمهرجان العام المقبل. كما يعرف هذا الحفل تكريم عشرين وجها مسرحيا، استطاعت أن تشكل مسارات تاريخ الممارسة المسرحية في المغرب.
الدورة السابعة للمهرجان شهدت مشاركة أزيد من 500 مسرحي عربي، وذلك كثمرة شراكة بين الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة المغربية. كما حظيت الدورة برعاية سامية من لدن العاهل المغربي الملك محمد السادس وبدعم كريم من طرف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح.
وأجمع كل المشاركين في المهرجان ووسائل الإعلام والجهات الداعمة على اعتبار الدورة السابعة دورة متميزة وعلامة فارقة في تاريخ هذه التظاهرة المسرحية وتاريخ المهرجانات المسرحية العربية لاعتبارات عديدة، وفي مقدمتها التنظيم الجيد والمحكم والأجواء الرائعة التي مرت فيها هذه التظاهرة الثقافية، بفعل روح المسؤولية والنضال والتفاني التي أبان عنها كل من مسؤولي الهيئة وإدارييها وكذلك كوادر وموظفي وزارة الثقافة المغربية وباقي الطواقم التنظيمية التي ضمّت ثلة من الفنانين المسرحيين وكوادر وأساتذة وطلبة المعهد العالي للفن المسرحي وإدارات المسرح الوطني لمحمد الخامس ومسرح المنصور ومسرح سينما لارونيسونس والمراكز الثقافية المغربية وكل العاملين في هذه المنشآت الثقافية.
وتميزت الدورة بإلقاء كلمة اليوم العربي للمسرح (يوم 10 يناير)، تحت عنوان "أي مسرح نريد؟"، وهي الكلمة التي أعدّها وألقاها الدكتور يوسف عايدابي (المستشار الثقافي لصاحب السمو حاكم الشارقة). كما صادفت الدورة الاحتفال بمئوية المسرح المغربي، مما دعا المنظمين إلى إعداد برمجة خاصة لهذه المناسبة، سواء على مستوى العروض أو على مستوى المؤتمر الفكري أو على مستوى فقرة التكريم.
المؤتمر الفكري
كما شهدت فعاليات الدورة السابعة، انعقاد أوسع مؤتمر فكري في تاريخ مهرجان المسرح العربي، وهو المؤتمر الذي شارك فيه أزيد من أربعة وأربعين باحثا. وقد اشتمل برنامج المؤتمر على ست ندوات شارك فيها مسرحيون عرب من الوطن العربي والمهجر إضافة لمسرحيين أجانب، ناقشوا على امتداد أيام المهرجان قضايا الراهن من التناسج والتوثيق والتفاعل وهوية المسرح في المهجر، إضافة إلى الاحتفاء بمئوية المسرح المغربي وما أفرزه الحراك المسرحي المغربي من بيانات.
أربعة وأربعون صوتاً معرفياً من الدول العربية إضافة لألمانيا و بريطانيا ودول المهاجر شاركوا في فعاليات المؤتمر الفكري، والذي انطلقت فعالياته الأحد 11 يناير بالقاعة الكبرى بمقر جهة الرباط، بأولى ندواته والتي تمحورت حول موضوع "مئوية المسرح المغربي" شهدت مشاركة ثلة من الباحثين المغاربة وحضور وازن للمسرحيين والنقاد والباحثين العرب والمغاربة المشاركين في المهرجان. وحاولت أن تستقصي التجارب التي أفرزها المنجز المسرحي المغربي والتي استدعت التعاطي معه بنفس جديد وبأسئلة جديدة من شأنها أن تسلط الضوء عن كل الحقب التي مر منها المسرح المغربي منذ النشأة إلى اليوم.
لذلك توقفت المداخلات عند إضاءات زوايا منسية من تاريخ المسرح المغربي، كما ذهب إلى ذلك الناقد الدكتور رشيد بناني، فيما اختار الناقد عبدالواحد بن ياسر القيام بقراءة تشخيصية في استبصاره لأسئلة المئوية، بالنظر إلى حجم الزخم والتراكمات والتنوع الذي شهدته الظاهرة المسرحية في المغرب، وبالتالي "لا يمكن استيفاء جانب واحد من جوانب هذه التجربة، نظرا لشساعة الموضوع وطابعه الإشكالي الشائك"، وذهب الباحث أحمد مسعية إلى جانب التكوين والحركة المسرحية في المغرب عبر تحقيب لمراحل التكوين. وقام الباحث محمد مصطفى القباج بملامسة قضية التأريخ للمسرح المغربي انتهاء بالتحليل النفسي التاريخي لهذا المسار المتشعب، في رصد لأهم الأحداث التي عرفها تاريخ المسرح المغربي منذ نشأته. واتجه الناقد يونس الوليدي إلى إثارة جملة من الملاحظات حول حقيقة ما بعد أسئلة الحداثة في المسرح المغربي، حيث انتهى الى خلاصة مفادها أن تجارب ما بعد الحداثة في المسرح "تنقصها الصرامة التنظيرية٬ ويغيب عنها المصطلح الدقيق٬ مما يصعب معه القول إن ما بعد الحداثة هي مرحلة تاريخية محددة أوهي نوع جمالي محدد". واستعرض الباحث عز الدين بونيت في عرضه المعنون بـ "من تأصيل الوعي بالمسرح إلى توطين الممارسة المسرحية.. تساؤلات حول آفاق المهننة"، الرحلة التي قطعها المسرح المغربي من الطليعة الثقافية إلى المهنية، عبر مسافات اتسمت بكثير من التفاعلات.
وتواصلت فعاليات المؤتمر الفكري "في جاذبية لافتة لقامات وازنة في عالم الفكر المسرحي عربيا وعالميا؛ جاذبية قوامها نقاش نظري ونقدي جاد، نسيجها تبادل معرفي متنوع وغني، مسعاها العام يصب في تعميق البحث والسؤال حول ما يعتمل في مسرحنا العربي من اجتهادات واقتراحات وتجارب درامية وفرجوية في علاقاتها المتشعبة مع الآخر بهذا العالم الذي أصبح اليوم مجرد قرية صغيرة بفعل الميديا وتنامي الوسائط المتعددة والمتجددة".. ضمن هذا السياق اندرج موضوع الندوة الثانية والموسومة بـ "تناسج ثقافات الفرجة.. حوار الشمال والجنوب". وشاركت فيها أصوات ووجهات نظر من آفاق فكرية وجغرافية مختلفة لوضع تيمة "التناسج" على المحك انطلاقا من زمن الندوة ذاتها.. لذا التأمت على طاولة هذه الندوة، ثلة من الباحثين. وركز الباحث خالد أمين في عرضه المدخلي على فورة المفاهيم والمصطلحات، وجنوحها نحو ابتداع أخرى تروم تصحيح الأسس النظرية التي قامت عليها المفاهيم السابقة. هذا ما حصل مع مصطلح "مسرح المثاقفة" الذي يتعين إعادة التفكير في مقتضياته ومستلزماته.
وذهبت مداخلة إيريكا فيشر ليشته التي أقرت أنه من خلال تاريخ المسرح، يتبين بأن التبادلات بين الأشكال المسرحية للبلدان المجاورة، وأيضا بين الثقافات المتباعدة، تقع بالفعل كلما وجد دليل على ممارسة مسرحية ما. فقد كان تفاعل المسرح مع عناصر من الثقافات الأخرى أداة دائمة ووسيلة للتغيير والتجديد. وفي سياق الحوار شمال/ جنوب، سعى الباحث ستيفن باربر أيضا لتقديم أفكار عن "الطوبوغرافية" الغير قارة التي تسم حوارات الشمال/ الجنوب خاصة ضمن وسيط الفرجة. ولم تخف الباحثة مروة مهدي عبيدو تبنيها للطروحات النظرية للألمانية إيريكا فيشر ليشته معتبرة أن كلمة تناسج تبدو لها ملائمة تماما لما ترصده نظرية فيشر ليشته عن تداخل ثقافات العروض الفرجوية/ الأدائية، لأنها توضح جوهرها وتشرح مغزاها ببساطة. وأطر الباحث خالد جلال وجهة نظره النقدية ضمن "البنية المتحررة للمسرح بين صدام وحوار الحضارات" إذ يرى أن الصدام يكون بين المصالح وموازين القوى، بينما الخيط الناظم للعلاقة بين الحضارات هو الحوار.. أما الأستاذ راضي شحادة فارتأى أن يركز مداخلته حول فكرة تناسج ثقافات الفرجة في علاقتها مع الصراع الأبديّ بين الفرجوي والمنطوق، ليطرح بشكل مباشر إشكالية اللغة ومدى إعاقتها للتواصل وحيلولتها دون الانتشار في ظل طغيان وسيادة وسائل الاتصال السريعة والناجعة..
الندوة الثالثة من سلسلة ندوات المؤتمر الفكري، كانت امتدادا لندوة مئوية المسرح المغربي، "بحيث لا يستقيم أي تحقيب لتاريخ المسرح المغربي منذ البدايات إلى الآن من دون الوقوف على مرحلة مهمة من مسار هذا المسرح، وهي الفترة التي كانت فيها حركة مسرح الهواة في أوج العطاء، إذ كانت مشتعلة بالبيانات المسرحية التي أعلن أصحابها من خلالها عن تيارات فنية تستند على أوراق أو تنظيرات تقعد لتجارب أو توجهات فنية بخصوصيات ومبادئ معلنة.. ومن أهم التجارب التي كانت بارزة في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، سواء على مستوى البحث والتنظير أو على مستوى الإبداع والإنتاج، نذكر المسرح الاحتفالي لرائده عبد الكريم برشيد، والمسرح الثالث لمؤسسه المسكيني الصغير، والمسرح الفقير للمخرج سعد الله عبد المجيد، والإخراج الجدلي لواضعه المخرج عبد القادر عبابو، ومسرح المرحلة لصاحبه الراحل الحسين حوري، ومسرح النقد والشهادة لمبدعه الراحل محمد مسكين".. هذه التيارات كلها كانت حاضرة في ندوة الثلاثاء التي ترأسها قيدوم الاحتفاليين العرب الكاتب المسرحي الدكتور عبد الكريم برشيد، حضرها المؤسسون الأحياء، وناب عن المؤسسين الرواد من عايشهم وكان شاهدا على تجاربهم..
وشكلت الندوة الرابعة في حلقات المؤتمر الفكري للدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي، والتي تمحورت حول موضوع "المسرح وتفاعل الفرجات"، قيمة مضافة عمقت التفكير وأغنت النقاش والجدل الذي دار في هذا المهرجان حول المسرح وإبدالاته وتفاعلاته وتناسجه مع ثقافات وتعبيرات فنية مختلفة.. وبذلك تكون هذه الندوة متصلة موضوعيا ومنهجيا بطبيعة الندوة التي سبقتها حول "تناسج ثقافات الفرجة". وحدد الدكتور مسعود بوحسين آليات الفصل والإدماج في مفهوم الفرجة، وأبرز تقسيما جديدا للفنون: فنون بسيطة: كالتمثيل والرقص والموسيقى والأدب، وفنون مركبة كالمسرح (الأدب والتمثيل) والأوبرا (الغناء، التمثيل، الموسيقى) والمسرح الراقص (الغناء، التمثيل، الرقص)، وهذا التقسيم فتح إمكانيات الدمج بين الفنون وامتد هذا الدمج إلى جوانب تشكيلية تنتمي أصلا إلى المركب التقني كالتشكيل والعمارة (السينوغرافيا، هندسة المسارح الخ). الدكتور حسن بحراوي اختار أن يركز في بحثه على تجربة الفنان الرائد الطيب الصديقي في علاقتها بتلاقح الفرجات، وذكر في البداية أن المسرحي الطيب الصديقي انخرط في تجربة تستمد من التراث المغربي موضوعها وأشكالها وجمالياتها..
وبعيدا عن عوالم الطيب الصديقي، ذهب بنا الباحث محمد أبو العلا مذهبا مقاربا بشكل تفاعلي وتناسجي بين علمين من أعلام الأدب والمسرح، في مداخلة موسومة بـ "خميائي كويلو/ كمياء مسرح بروك السرد والفرجة ( التقاطع و الامتدادات)".. وبعد تقفي أثر خميائي باولو كويلو البطل سانتياغو الذي انتهى إلى فهم "أن للعالم روحا، وأنه جزء من هذه الروح"، بماهي لغة كونية مقوّضة للحدود، سيجعل بيتر بروك متماهيا مع كويلو، بتأكيده على "أننا لسنا سوى أجزاء من إنسان كامل، وأن الكائن الإنساني مكتمل التطور، يحتوي في داخله على ما يسمى اليوم إفريقيا أو فارسيا أو إنجليزيا. وانطلاقا من هذه المقاربة المتماهية والمتفاعلة في نفس الوقت مع موضوع الندوة، يطرح الباحث أبو العلا جملة من الأسئلة كمفتاح لتصحيح عقم مسرحي في الغرب منذ النصف الثاني من القرن العشرين المتزامن مع نقاش فلسفي مفكك نعدمه نحن هنا والآن.
المسرحي الجزائري هارون الكيلاني اقترح على الندوة ورقة بعنوان "فرجة بين عطر البخور ودخان المطاط"، وهي ورقة كتبت وأعدت بنفس انزياحي ممزوج بمسالك وعرة ومحكيات ومجازات واستعارات لتخدم غرض السفر بنا في رحلة حول سيرته الذاتية ومشروعه المسرحي وتجربة ورشته المسرحية. وقدم الباحث الدكتور محمد عبازه بحثا في موضوع "المسرح التونسي وفنون الفرجة" الذي عرض من خلاله أهم التجارب التونسية التي تفاعلت مع فنون فرجوية كثيرة، ومنها فن فرجوي وُجد قبل المسرح وكان يملأ الساحات العامّة والأسواق والمقاهي، ألا وهو فنّ القصّ الّذي تفاعل معه العرب وأبدعوا نصوصًا قصصية بقيت خالدة في المكتبة العربية.
وكما هو دأب الهيئة العربية للمسرح منذ نشأتها هاهي اليوم تضع المسرحيين والباحثين والمهتمين والمتتبعين أمام رهان آخر، يتمثل في ندوة "التوثيق للمسرح العربي: مسؤولية من؟". الندوة التي من شأنها فتح آفاق واسعة لتدارس راهن التوثيق في المسرح العربي وتحدياته الحالية والمستقبلية وذلك من خلال محورين أساسيين. قراءة في واقع التوثيق للمسرح في الوطن العربي، ومقترحات عملية في مجال التوثق للمسرح العربي.
ومنذ تأسيسها سعت الهيئة العربية للمسرح الى مد جسور التواصل المعرفي والإبداعي مع المسرحيين العرب في كل مكان، وأينما تواجدوا، وذلك بالبحث الدائم عن إيجاد صيغ على شكل تكوينات أو لقاءات أو إطارات تنتظم ضمن فعاليات سعيا الى تنشيط العمل المسرحي وتداوله. واحدة من هذه الإطارات هي (مسرحيون عرب في المهجر) والتي جاء تبنيها من طرف الهيئة العربية للمسرح إيمانا منها بأهمية التواصل المعرفي والإبداعي بين فناني المسرح داخل وخارج الوطن العربي، وسعيا لتفعيل العلاقة بينهما وإنشاء جسور لتبادل الخبرة والمعرفة نظمت ندوة "المسرحيون العرب في المهجر، رؤى عربية أم مسرح عربي؟"