شكل هذا اللقاء الثقافي مفتتحا لسلسلة لقاءات الشهر والتي تنفتح على الأصوات النقدية والإبداعية المغربية، واختار هذا اليوم الدراسي مقاربة كتاب نقدي مرشح هذه السنة لجائزة الشيخ زايد في صنف المؤلف الشاب، ويقربنا هذا التقرير من أهم الخلاصات التي تطرقت إليها المداخلات وأهم انشغالات الناقد ومفاتيحه المفاهيمية والنظرية.

دراسات في «حركية البديع في الخطاب الشعري»

للباحث الدكتور سعيد العوادي

نظمت مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون بأسفي بتعاون مع أساتذة شعبة الآداب والعلوم الإنسانية والفنون بالكلية متعددة التخصصات بأسفي، عشية يوم الجمعة 19 دجنبر 2014، يوما دراسيا بفضاء الخزانة الجهوية بأسفي، حول كتاب "حركية البديع في الخطاب الشعري" للناقد الدكتور سعيد العوادي، من مواليد أسفي والكتاب مرشح هذه السنة لجائزة الشيخ زايد في صنف المؤلف الشاب، بعنوان "البديع من دائرة التحسين الى أفق التكوين" وقد شارك في هذا اللقاء الأدبي المتميز ثلة من الباحثين والنقاد من بينهم الدكتور أحمد قادم {كلية اللغة العربية بمراكش}والذي تناول بالدرس والتحليل مداخلة له تحت عنوان: دينامية الحجاج في حركة البديع، فيما حرر الدكتور الحسين آيت مبارك مداخلة سماها : حركية البديع من صدام الشعر الى صدمة النقد، أما الباحث والناقد الأستاذ هشام دركاوي فقد أعد مداخلة قيمة تحت عنوان كتاب حركية البديع في الخطاب الشعري : بحث في النسق والنسق المضاد ، وفي كلمته الترحيبية نوه الناقد الأستاذ عبد الحق ميفراني رئيس مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون بهذا الإصدار الأدبي المتميز الذي يتم الاحتفاء به في هذا اللقاء الذي يعد افتتاحا للموسم الثقافي والفني لمؤسسة الكلمة للثقافة والفنون بأسفي {2015}، كما يرسخ لسلسلة لقاءات الشهر التي أطلقتها المؤسسة منذ تأسيسها، احتفاء بالوجوه الثقافية والفنية بالمدينة والجهة، وأيضا لخلق فضاء للحوار والنقاش حول الكثير من القضايا الراهنة وتكريس مبدأ الاعتراف .

وقد حضر هذا اللقاء الفكري العديد من الأساتذة و الطلبة والمهتمين بمجال الأدب والنقد  بصفة عامة، وأطره الناقد الدكتور سعيد أهرو {من الكلية متعددة التخصصات باسفي} الذي توسم من هذا اللقاء العلمي حسن الفائدة ويمن العائدة، معربا عن اعتزازه بالاحتفاء بهذا الكتاب الذي تنادى له الملأ من الفضلاء بوصفه كتابا يوفق الى خيرة حسنة في موضوع البديع ، والبديع قضية مشكلة استشكال قضايا النقد والبلاغة ، ووجود الأشكال في الموضوع ، وحدة الأشكال فيه محمدة مبتدئة في البحث بلا خلاف.

وفي مداخلة له ، ركز الدكتور احمد قادم على الحجاج في كتاب حركة البديع ، حيث استهلها بتعريف هذا المفهوم  على نحو ممتاز قائلا: الحجاج الغلبة بالحجج،  وان الحجاج يكون في مجال المحتمل، أي ليس مجال اليقينيات والامور المسلم بها ، وان مجال الحجاج هو الاختلاف وان نتائجه ليست قطعية، وعرج الدكتور احمد قادم على التذكير بمراتب المنطق في محاولة الى تحليل فصل دينامية الحجاج، متحدثا في الوقت ذاته عن الاستدلال البلاغي الذي مؤداه الانتقال من المعنى الى معنى المعنى، وافاد المحاضر الى ان كل البلاغة حجاج، موضحا كون جدة الكتاب  ارتقاؤه بالبديع من سبة التحسين الى فعالية التكوين ، وان للشعر ميلا حجاجيا لطيفا ، وان حجاج الشعر وسيلته التخييل الذي هو محتوى النفس ، وضرب مثالا على تكوينية البديع بالطباق الذي يزدوج فيه الامتاع والاقناع ، كما ميزت دينامية الحجاج بين البراهين الجاهزة والبراهين غير جاهزة ، أي الحجج الصناعية وغير صناعية .

ومن جهته مهد الدكتور الحسين ايت مبارك في مداخلته البليغة بتذكير بمسار الباحث سعيد العوادي وعدد بعضا من دوافع هذا البحث والمتمثلة في: الرغبة في تجديد الرؤية مع إبراز روح التمرد والنقد التي تسكنه بحيث فتح نافدة جديدة على مفهوم البديع بالإضافة الى الارتقاء بهذا المفهوم الى أفق الحرفة الجمالية النافذة ، واصفا الباحث بكونه قد جمع أصلين مهمين أصل المعرفة واصل المنهج، وان له مقروئية أصلية ومستبحرة، كما أن له نزعة الى الجواب عن مسائل قضيته ، وقد افلح بناء على ذلك في الجمع بين أدوات منهجية متعددة تطلعا الى نجاعة الإجراء، كما أفاض في الكلام عن الرواية البديعية، ونبه في الوقت ذاته الى إنصاف صاحب الكتاب للبديع في وقت كثر فيه المقللون من شأنه، وارجع في الوقت نفسه اجلالات الكتاب الكثيرة، دالا على جدية الباحث وتفانيه في البحث، وعرض في الأخير لنموذج من البديع لمنصور النمري الذي ورى في هذا الشاهد عن ولائه الحقيقي لأل البيت .

ومن جانبها كشفت مداخلة الناقد الأستاذ هشام الدركاوي عن منهجية قرائته للكتاب وهي الدراسات الثقافية والقراءة التفكيكية، مستعرضا في الوقت ذاته شواهد من التراث تزدري البديع وتمجه وتنزل به الى أدنى أبواب البلاغة، لينتقل بعد ذلك الى التذكير بأطروحة سعيد العوادي: البديع مكون مركزي وليس عرضا تابعا، لينتهي بعد ذلك الى مجموعة أفكار تمثلت بالخصوص في ضرورة قراءة البديع في وظيفته لافي تحسينته، مما أدى إلى إلغاء المركزية البيانية وفي الآن ذاته إلغاء لمركزية الأنا العربي العنجهي. مبينا أن  رفض البديع قرينة من قرائن الصراع العتيد بين القديم والجديد ، معبرا عن مفارقة الناقد العربي بين رفض محدث الشعر والإعجاب به  من خلال الاستشهاد بابن العربي في الرفض الشديد للبديع ، واختص الباحث قضية الطبع والصنعة بنظرة متفطنا الى أنها مظهر من مظاهر محاصرة البديع وصراع التابع والمركز .

أما الدكتور سعيد أهرو فقد تساءل عن أي وجه اشكلت قضية البديع، محاولا الإجابة عن تساؤله قائلا : لقد اشكلت هذه القضية واعضلت من جهة الاختلاف الذي شجر فيها بين طوائف من النقاد والبلاغيين، فابن المعتز يطلق مفهوم البديع إطلاقا، مدرجا تحته الاستعارة والتجنيس والمذهب الكلامي، أما السكاكي فقد قيده وضيق من حيزه، حتى انتكس عنده الى مجرد الدلالة على ألوان محدودة من التحسين اللفظي والمعنوي ، ثم خلفه من ناحية الغرب الإسلامي خلف من البلاغيين كالسجلماسي وابن البناء المراكشي، حلوا هذا القيد الذي قيده السكاكي ، فارجعوا البديع الى سابق عهده من الإطلاق مع امتياز منهجي لهم في المعالجة .

وفي ختام هذا اللقاء العلمي الرصين، الذي أثمر مناقشات أثرت الجلسة بلمع وملاحظات وأسئلة هادفة  ذات ارتباط بالمداخلات، وأخرى ساءلت متن الكتاب وآفاقه المعرفية المستقبلية، أعرب الدكتور سعيد العوادي عن سعادته بهذا اللقاء الذي أتاح له زيارة مسقط رأسه بوصفه كائنا ثقافيا وليس كائنا اجتماعيا، مشيدا بالمداخلات، ومؤكدا على ضرورة مواكبة حركية البديع بحركة نقدية؛ في نوع من الاستطالة النقدية الذكية (حسب غراهام هو).