اختتمت الشهر الماضي فعاليات الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي، والذي نظمته الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة المغربية بالرباط العاصمة، هذه الدورة الاستثنائية التي شهدت الكثير من الفعاليات من عروض مسرحية ومؤتمر فكري ومؤتمرات صحفية وعروض تطبيقية وتوقيعات لكتب وورشات تكوينية، هنا ورقة للمسرحي والإعلامي المغربي المرموق يرصد تقييمه الخاص للفعاليات.

قبل العرض: مهرجان حقيقي ونجاح منطقي

الحسـين الشعـبي

يجمع المشاركون والمتتبعون لفعاليات النسخة السابعة لمهرجان المسرح العربي الذي احتضنته بلادنا خلال الأسبوع الذي نودعه، والتي أسدل عليها الستار أمس الجمعة، أن دورة الرباط كانت ناجحة بكل المقاييس..

وتقوم علامات النجاح، عموما، على مؤشرات ومعايير متداولة ومشتركة بين خبراء إدارة التظاهرات الثقافية والفنية من هذا الصنف ومن هذا الحجم.. أولها يتعلق بطبيعة ونوعية وحجم البرنامج المسطر للتظاهرة ومدى التمكن من تحقيقه برمته أو نسبة عالية منه. ثاني هذه المؤشرات يتمثل في حجم الإقبال على التظاهرة من قبل جمهور الفئات المستهدفة. وثالثها قياس درجة الاحترافية والمهنية في الجوانب المتعلقة بالتنظيم والتمويل والتواصل.. ورابعها، وإن كان سابقا لأوانه اليوم، يتعلق بتقييم النتائج والأهداف المرجوة سلفا من الحدث.

هذا ويمكن الإقرار بسهولة، وهذا أصبح مشاعا لدى الجميع، أن فقرات المهرجان اتسمت بالغنى والجودة والجدة والتنوع، وأنها تحققت بنسبة مائة في المائة بحيث لم يتم إلغاء أي عرض مسرحي ولا أي فعالية من الأنشطة الموازية. ولعل أقوى لحظات المهرجان تجلت ببريق لامع في احتفالية المهرجان بمائوية المسرح المغربي التي انعكست على سائر فقرات المهرجان..

هكذا إذن تتبعنا وعشنا، انطلاقا من هنا والآن في عاصمة المغرب، حياة استثنائية لم نألفها في تظاهراتنا المسرحية، وسأسردها باختصار كما يلي:

·                    ستة عشر إبداعا مسرحيا قدم على خشبات المهرجان، تسعة منها تنافست على الظفر بجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بالإضافة إلى تنظيم أزيد من خمسين عرضاً مسرحياً في ربوع البلاد بمناسبة احتضان المغرب للمهرجان العربي. عروض مسرحية تميزت بالاختلاف والثراء شكلا ومضمونا، عكست هواجس الفنانين المسرحيين العرب ورؤاهم، عروض وإبداعات وإشراقات من كل الآفاق..

·                    ست ندوات فكرية وازنة شكلت الوعاء الثقافي للتظاهرة في أكبر مؤتمر فكري عرفته مهرجانات الهيئة العربية للمسرح، من حيث عددها وتنوع مواضيعها ونوعية وحجم المشاركين فيها إذ تمكنت دورة الرباط من استقطاب أزيد من 45 باحثا من القامات الفكرية والنقدية العربية والمغربية والدولية..

·                    إثنان وعشرون ندوة صحفية أقيمت في فضاء المركز الصحفي المجهز بكل الوسائل التواصلية والتقنية الضرورية، نشطها كتاب ومخرجون وممثلون ورؤساء وفود قدموا فيها للصحفيين تفاصيل عروضهم وخلاصات تجاربهم في بلدانهم، وكانت هذه اللقاءات الصحفية والتواصلية متاحة لكل الفرق المشاركة بدون استثناء.

·                    تسع ندوات تطبيقية ونقدية أقيمت مباشرة بعد العروض، يلتقي فيها النقاد والمهتمون مع الأطقم الفنية للفرق، اتسمت هذه الندوات بقوة وحيوية النقاش النقدي، كما تميزت بإشراف خيرة النقاد العرب على تأطيرها بقراءات وأوراق رصينة وعميقة استطاعت أن تلهم شهية النقاش لدى الحاضرين والمتتبعين. بالإضافة إلى تنظيم خمس ورشات تكوينية أطرها أحد عشر أستاذا من المسرحيين العرب والمغاربة استفاد منها الفنانون المحترفون والشباب من هواة المسرح..

·                    سبعة أعداد من نشرة يومية للمهرجان، طبعت في حلة قشيبة بالألوان وبورق صقيل من 24 صفحة من حجم ماغازين، وزعت بالمجان في كل فضاءات المهرجان، أشرف عليها طاقم صحفي محترف من المغرب، بقيادة الإعلاميين والمسرحيين الزميلين عبد الحق ميفراني والطاهر الطويل، وأشرف على تركيبها وإخراجها بشكل أنيق الفنان الشاب أحمد الزياتي الإدريسي، وكانت مفتوحة لكل الأقلام المسرحية من المهرجانيين بمن فيهم المنتقدون للمهرجان، مجلة تتبعت وواكبت ورصدت دينامية المهرجان ونقلت للجمهور المتتبع مختلف فعالياته وأطواره وحياته الداخلية.

·                    معرض للكتاب المسرحي تصدرته منشورات الهيئة العربية للمسرح مع إصدارات خاصة وجديدة أصدرتها الهيئة بمناسبة احتضان المغرب للدورة السابعة بما في ذلك العدد السابع عشر من مجلة المسرح العربي التي تضمنت ملفا خاصا عن المسرح المغربي، وارتأت الهيئة أن تطبع آلاف النسخ من عشرات العناوين هنا بمطابع المغرب. وفي إطار الاحتفاء بالكتاب المسرحي ومؤلفي المسرح أقيمت مسابقة لكتاب النص المسرحي من الشباب وإصدار النصوص الفائزة في كتاب ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح.

·                    وفي باب التكريم، ولأول مرة في تاريخ المهرجان، تم تكريم عشرين من كبار نساء ورجال المسرح المغربي الذين أفنوا زهرة عمرهم في خدمة المسرح في ظروف صعبة ومستعصية وبإمكانيات ضئيلة إن لم نقل منعدمة.. لكنهم أصروا على الحضور والإبداع بروح من التضحية ونكران الذات، بصموا تاريخ المسرح والثقافة الوطنية وتاريخ البلاد بمخيلتهم وعطاءاتهم الغزيرة واهدونا ريبرتوارا يخق لنا أن نفتخر به في خريطة المسرح العربي والعالمي.. كما تم أيضا تكريم الفائزين بمسابقة تأليف النص المسرحي بشقيها للعام الماضي، وسجلت التفاتة تكريمية تجاه قيدوم المسرحيين العرب الكاتب والمناضل السوداني يوسف عايدابي حين وقع عليه الاختيار هذه السنة لتوجيه رسالة اليوم العربي للمسرح.

·                    وعقدت على هامش هذه الدورة لقاءات لتعاونية مواقع الإعلام الإلكتروني العربي وتنسيقية  المسرحيين العرب في المهجر، كما تم توقيع اتفاقيات تعاون بين جهات مشاركة في المهرجان منها المعهد المسرحي "ليزاداك".

·                    هذا ولا يمكن أن يتحدث المرء عن دورة الرباط من دون أن يحكي عن بهاء السمو الذي تمتع به الجمهور في الحفل الافتتاحي للمهرجان الذي أنجزه محترفون عارفون بفن الفرجة ومعهم فنانون شباب طمأنونا على مستقبل المسرح في وطننا الحبيب.

من جانب ثان عرفت فضاءات الفرجة المسرحية الموزعة على ثلاثة مسارح إقبالا ملحوظا، أولا، من قبل المهرجانيين المشاركين فنانين ونقادا وباحثين وعددهم يفوق 500 نفرا، وثانيا من طرف ممثلي مختلف أطياف وألوان وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية العربية والوطنية، وثالثا لوحظ إقبال كبير ومنتظم لجمهور الرباط والضواحي، وخصوصا الجمهور المتعود على ارتياد المسرح الوطني محمد الخامس. أما المؤتمرات الصحفية المقامة يوميا فيحضرها مهنيو الإعلام، بينما ندوات المؤتمر الفكري التي غالبا ما لا يهتم بها الجمهور الواسع، فإنها عرفت إقبالا لافتا من قبل المسرحيين العرب والمغاربة وبعض المهتمين بالشأن الثقافي، الذين أغنوا بمناقشاتهم عروض الأساتذة الباحثين.

ولا ينكر أحد مدى الانسيابية التي اتسمت بها المقاربة التنظيمية للقيمين على المهرجان، من حيث سلاسة التننظيم، وسهولة الولوجية لكل الفضاءات بما فيها إدارة المهرجان التي تكاد لا تغلق ولا تهدأ بفعل حيوية خلايا النحل العاملة المشتعلة والمشتغلة في الليل والنهار بعيدا عن الأضواء بأريحية المناضلين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة الجميع، اشتغلوا في الإدارة، والاستقبال، والضيافة، والنقل، والطبع والنشر، وتأثيث الفضاءات، والاتصال والعلاقات العامة، والاستشهار.. قبل وأثناء المهرجان.

 جنديات وجنود خفاء ينتقلون من فضاء إلى آخر للاستجابة لجميع الاستغاثات والطلبات بما فيها الطلبات الزائدة عن اللزوم، إنه طاقم من الشباب والأطر الكفأة المجربة يقودهم فريق منسجم متناغم مكون من أطر وزارة الثقافة والهيئة العربية للمسرح تحت عيون المهندس الكبير الفنان والمناضل الحسن النفالي الذي أبلى البلاء الحسن في حسن التنظيم وتوفق بشكل كبير في تدبير البشر والعقليات وتدبير الزمان والمكان وكل صغيرة وكبيرة.. ونجح في ضبط إيقاع المهرجان الذي يؤدي حتما إلى عزف سمفونية النجاح.. وحسنا فعل الأستاذ محمد الأمين الصبيحي وزير الثقافة حين منح للحسن النفالي شرف الإعلان الرسمي عن افتتاح المهرجان أمام كل العيون وعدسات الكاميرا اعترافا وتقديرا منه للرجل على سائر أعماله.

هذه كلها من علامات النجاح الذي عرفه المهرجان وهو نجاح للمسرحيين والهيئة العربية للمسرح وللمغرب.

هذا لا يمنع من تسجيل بعد النواقص والثغرات التي لم تؤثر على كل حال في سير وتألق المهرجان وبرنامجه. ربما سنعود إلى تشخيصها وتدقيقها بتأن في وقت لاحق.

أما عن تقييم نتائج وخلاصات المهرجان ومدى تحقق الأهداف المرجوة، فتلك مسألة تحتاج إلى قليل من الانتظار ونتركها لتأمل قادم بعد الإنصات لصناع القرار في الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة ومن يتوسمون في أنفسهم التحليل الموضوعي والقدرة على قراءة واستشراف المستقبل..

فهنيئا للمسرح والمسرحيين في سائر الأمصار والأقطار..

وهنيئا للمغرب وناسه ومسؤوليه..

وإلى اللقاء في الدورة الثامنة...

في بلاد الكويت.

 

مسرحي وإعلامي من المغرب