شكلت أعمال الفنان التشكيلي عزيز التونسي، في المعرض الجماعي، الذي تنظمه حاليا حركة التشكيليين المغاربة بلا حدود، بفضاء (اوطو هول) بالرباط، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، انتعاش فني رقيق، لامس في أطيافه الساحرة، روح التراث المغربي، وقيم العبق التاريخي والحضاري الذي يميز المغرب عن باقي بلدان العالم.
لوحات التونسي في هذا السياق، التي أوجدها بهذه المناسبة اللطيفة، التفاتة راقية من أجل تكريم المرأة، ومن خلال ذلك، تكريم فيض من الطقوس والعادات، والهدايا التي تقدم للمرأة في لحظات فرح، تميزها عن باقي إناث الدنيا، إنها لوحات أشبه ما تكون من هدايا آتية من وحي أعراس بهيجة، ومواسم بهية تعيد إلى المرأة، القها وبشاشتها، وروعتها بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
في أعمال التونسي الجديدة، تكاد تسمع صهيل الخيول في عز انتعاشتها، نقش فني أنيق على حجر التاريخ، استنطاق بديع لسحر الفسيفساء، وأشكال الصناعة التقليدية التي تعد إحدى الصور السياحية النقية، التي تسافر باللوحة التشكيلية المغربية إلى ضفاف التمني، إنها صور بديعة أبدعها الفنان التونسي بطريقة راقية، تجعل من الفن التشكيلي في حضرته، تكريم لكل ما هو تراثي وحضاري جميل.
في أعمال التونسي الجديدة استحضار لتاريخ مجيد، ونخوة وأصالة، تمجد زهو المكان، والمدن العتيقة، في فاس ومكناس والرباط، ومراكش، وفي كل أضرحة الأولياء والمواسم، انه الفنان الولي المبدع، الذي يرسم وفي رسمه، إبداعات خالصة، مجددة، وتمنح للفن التشكيلي المغربي أفقا راقيا، وسحرا لا يقاوم.
نصوص التونسي في هذا المقام نقش ساحر على حجر، أطياف سقايات مسقسقة، وأبواب شريفة وأشكال هندسية من وحي الأندلس، فسيفساء لازوردي، يعيد إلى صمت الأضرحة بهاء الناسكين وتصوف العاشقين، انها زهو فرسان شرفاء يمتطون صهوات خيولهم المطهمة، بحثا عن الخلاص، انها بكل تأكيد، عقد بلورية تهدى لأجمل نساء العالم، آتية من عمق إفريقيا، هذه القارة الأسطورية التي تحبل بفيض خرافات، وتقاليد وعادات، وأساطير طريق الحرير باتجاه تمبكتو.
في لوحات التونسي الجديدة هدايا بلورية لعرائس ليس من قصب، بل لعرائس بهية مضيئات كأنها الشموس تتبسم من أفق المنى ذات ربيع، انها احتفال لطيف بسحر الأنوثة في عيون العذارى، مفاتيح تنتظر من يفتح كنوز عشقها، مجرات من سمن وعسل مصفى، أناقة الطين ببشاشة سديم الأرض، إنها ورود لها عبق العاشقين في مزهريات الأحلام.
هكذا يفاجئ الفنان عزيز التونسي جمهوره وكل المتتبعين، بجديد أعماله، فلا احد يدرك النبع الأصيل الذي ينهل منه هذا الفنان المجدد، تارة، يفلسف الأشياء والموجودات، وأخرى، يصالح التاريخ والحضارة، باحثا عن كنوز الأولين من عمق إفريقيا.. تلك هي فسلسة الفنان التونسي التي يوحدها في قالب فني ممتع، وبتقنية دقيقة، تجعله احد الفنانين التشكيليين المغاربة المجددين، والذي يشتغل على مشروع تشكيلي متكامل تيمته التجديد في كل شيء، وتقديم المتعة البصرية للمتلقي، وجعل اللوحة التشكيلية، التزام، ورسالة، وقضية، وهوية ووطنا... ما يجعل تجربته التشكيلية شمعة تضيء دروب فنونا تشكيلية مغربية سديمية تعاني الكثير من المحاكاة، إنها شموع مضيئة في ذكريات عيد الميلاد، أساور برنة التاريخ، ليست كالأساور، ودمالج رائعة تتهادي يانعة كأنها قطاف دانية من زوايا الأحلام، إنها ستائر مخملية بريش أنيق تنفتح على أفق ترف فني مشوق، إنها باختصار، مشاهد حية من تاريخ أصيل، وحضارة عريقة.
تلك هي أعمال التونسي في هذا المعرض الجديد، صور تتراقص في خيلاء، نسائم لها أريج يتجدد مع حبة كل نسيم، إنها جزء فائض من أسطورة تاريخية مغربية، تجعل من للوحة التشكيلية في حضرته، ذلك المعادل الإبداعي الموضوعي الذي يقدم حدود التواصل مع الأنا والآخر، بحثا عن الحقيقة الفنية التي يبتغيها الفنان.
تلك هي الإطلالة الجديدة التي أطلقها الفنان التونسي، من خلال هذا المعرض، إطلالة تعد إحدى الاشراقات الراقية، التي تمنح لتجربته تميزا بينا على مستوى الشكل والموضوع، وهو ما يفصح بكل ما تحمله الكلمة من معنى عن سر تشكيلي يمتلك الفنان ناصيته لوحده، حيث كلما أحس بتجدد في خلاياه يبدع لوحات جديدة، وفي إبداعه فيض دلالات واشراقات تشكيلية نقية، هادفة، ومشبعة بسحر التجديد.