تقدم الباحثة العراقية هنا دراستها لملامح النسوية وقضايا الجنوسة في الثقافة العربية وما يتعلق بها من إشكاليات، قبل أن تختبر الكثير من تلك الملامح في دراستها التطبيقية لرواية الكاتبة العراقية المرموقة التي عملت فيها على تثبيت هوية المرأة الثقافية والمعرفية والمهنية كاسرة بذلك بؤرة التمركز الذكوري فِي الهيمنة.

ملامح النسوية فِي الرواية العربية

روايــــة (المحبوبات) لعالية ممدوح نموذجاً

بشرى البستاني

(1)

يعد الأدب الذي تكتبه المرأة وبهذا الزخم الذي نجده اليوم ظاهرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، ليس فِي الوطن العربي حسب، بل وفي العالم بأسره، مما يحيل على أمور جوهرية حافزة خارج العملية الإبداعية أدبا وفنا ونتاجا عاما، أمور تتصل بعلاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية وشيجة مع هذا الإنتاج، فما أن انفتحت أمام المرأة مجالات العلم والعمل والمعرفة حتى وجدنا الكثير من المبدعات اللواتي أكدن قدرات ومهارة فِي الميادين الَّتِي فتحت الأبواب أمامهن مما دفع إِلَى نهوض حقيقة جديدة تدحض ما أشاعه الفكر الذكوري عن قصور المرأة وضعفها وعجز قدراتها عن اللحاق بالرجل، حقيقة تؤكد أن غياب المرأة عن الحضور فِي قلب الحياة كان بسبب ما لحق بها من غبن وقمع فكري وقهر نفسي، وبسبب حجب حقوقها فِي العلم والتدريب على العمل والإسهام فِي دفع عجلة التنمية وإقصائها عن المشاركة فِي صنع القرار([1]) وليس بسبب عجز فسلجي أو نفسي أو قصور عقلي فيها، حتى صار الأنثوي طاقة وسلطة وفيضا شعوريا تقوم عليه أركان الحداثة بما هي نسق ومنجز وخبرة للإنسان الجديد كون الكتابة النسوية تصاعدت مع تصاعد روح الحداثة وما بعدها، وأصبحت ظاهرة عالمية لها تبعاتها الإنسانية، ولذلك فهي تقع فِي قلب الحياة وليس على سطح الورقة البيضاء حسب([2]).

لقد انبثقت الحركات النسوية فِي القرن العشرين محتجة ورافضة، من أجل إحداث نوع من التوازن فِي المواقع لكلّ من المرأة والرجل، فاتّخذت هذه الحركات طابعًا عمليًّا ونظريًّا، وسعت إِلَى تغيير أوضاع النِّساء من جهة، وإلى الاهتمام بما يكتبنه من جهة ثانية، وهذا النَّقد الذي تناول كتابات المبدعات النسويات فِي كل أنواعه بالاهتمام والكشف هو ما أطلق عليه النَّقد النسوي. لقد تعدّدت اتّجاهات الفكر النسويّ، وانصبّ كثير من اهتمامه على مفهوم (الجنوسة)، إذ فرّقت النسوية بين النوع البيولوجيّ (Sex) والنوع الاجتماعيّ (Gender فالأوّل يعنى بالفروق الخِلقيّة بين الذكر والأنثى، أمّا الثاني فيندرج فِي سياق الدراسات الاجتماعيّة والثقافيّة؛ لأنّه يهتمّ بالمكانة الاعتباريّة والمعنويّة للإنسان تبعًا لجنسه. وكاد يتحقّق إجماع على ترجمة الكلمة (Gender) بـ(الجنوسة) الَّتِي يقصد بها التنميط التربويّ والاجتماعيّ والثقافيّ، ذلك التنميط الذي خصَّ المرأة بموقع دونيّ مقارنة بموقع الرجل فِي الأدوار والوظائف والمسؤوليّات، فقط لأنّها امرأة، وليس لأنّها أقلّ كفاءة ومعرفة. وتعزو الدراسات النسويّة ذلك إِلَى أنّ الثقافة الذكوريّة انتقصت المرأة، وافترضت أنّها دون الرجل فِي كلّ شيء، وعليه فإنّ مهمّة تفكيك الثقافة الذكوريّة المهيمنة، وامتصاص التحيّزات الَّتِي استوطنتها عبر التاريخ، وردّ الاعتبار للأنثى بوصفها كائنًا إنسانيًّا مناظرًا للذكر، كفيل بزحزحة العلاقة بين المرأة والرجل، ونقلها من مستوى التبعيّة إِلَى مستوى الشراكة([3]).

لقد كان النَّقد النسوي الذي استوت أصوله فِي فرنسا مع استواء الحركة الطلابية عام 1968 واحتجاجها الحاسم على سلطة الوصاية الأبوية فِي كل المجالات من أبرز تيارات مرحلة ما بعد الحداثة الَّتِي شهدت الطور السياسي الأول من تطور الحركة النسوية الحديثة والتي كان عمل ماري ايلمان (التفكير بالمرأة) الصادر فِي العام نفسه من النصوص المبكرة والمثيرة، فقد هاجمت النَّقد الذكوري وسخرت من فكرة (ولتر بيتر) اللامعقولة عن الرجولة فِي الفن كونها التصنع الواعي وتماسك الحدس والغرض فِي مقابل غير المتماسك ادبيا وما هو قابل لملء الفراغات، وفي 1969 بدأت الكاتبات النسويات بقراءة آراء الرجل بأدب المرأة من وجهة نظر نسائية، وكان طبيعيا أن تتسم القراءات بتعدد وجهات النظر وتباينها من خلال الإفادة من مختلف التيارات والتوجهات الأيديولوجية السائدة، وظلت الحركة النسوية ونقدها وتياراتها فِي تطور عبر عقود النصف الثاني من القرن العشرين حتى يمكن القول ان مساهمة المرأة فِي المعارف الإنسانية لعبت دورا مهما فِي إثراء هذه المعارف([4])، فضلا عن الأثر الذي تركه إصرارها ومشاركتها فِي الفعاليات الدولية ومطالبتها بالحقوق والإلحاح فِي المتابعة مما أدخل قضيتها إِلَى صميم ميادين عمل هيئة الأمم المتحدة ولجانها، وحينها صار الأمر واقعا أمام المؤسسة الذكورية والمدافعين عنها.

وقد تشعب القول فِي النسوية كثيرا لاختلاف المرجعيات الَّتِي صدرت عنها وتباين آراء المنظرات لها حتى فِي المسالة الواحدة كما حدث فِي الموقف من النظرية بين ماري ايجلتون والفرنسية هيلين سيكسو وغيرهن (غيرهم) من اللواتي والذين شككن (شككوا) بأهمية النظرية كون الحياد فِي منطلقاتها خرافة وانحراف عن المبادئ النسوية لان النظرية فِي نظرهم قالب والقالب من مكونات الموروث والموروث صناعة رجالية أوجدها الخطاب السائد والمتسلط الذي جعل المرأة ملحقا فِي الهامش، بينما تؤكد الزابيث رايت ضرورة الالتزام بنظرية ما أياً كانت([5]).

يعرف سايمون بلاكبيرن الفيلسوف الانكليزي المذهب النسوي بانه منهج دراسة الحياة الاجتماعية والفلسفة وعلم الأخلاق، من خلال العمل على تصحيح انحرافات التحيز الَّتِي تؤدي إِلَى إحلال المرأة مكانة التابع الثانوي، والى الغض من قيمة الخبرة الخاصة بها واستصغار شأنها ومن ثم فان علم الأخلاق النسوي الحديث يركز على قضية الانحياز للرجل مسلطا عليه الأضواء وكاشفا عن خباياه فِي الدراسات والنظريات الفلسفية المتوارثة جيلا بعد جيل([6]) فالنسوية حركة أيديولوجية تدافع عن حقوق المرأة وترفض اقتصار الرؤى الإنسانية وخبرات الحياة على الانفراد برؤية الرجل وقواه الذكورية واعتماد منهجه الأبوي منفردا ومهيمنا فِي توجيه العلم وكتابة التاريخ وتفسير الأديان، وتدعو إِلَى الاهتمام بتصورات المرأة ورؤاها فِي جوانب الحياة كافة، كما أكدوا أن سير التحليلات لأدوار المرأة فِي وسائل الإعلام من قبل الفكر الأبوي الذكوري غير كافية، فهم لم يقدموا الموقف الفلسفي للمرأة ولم يكشفوا الاستغلال الجنسي الموجه ضدها ولا نبهوا إِلَى سيطرة الرجل عليها فِي أماكن العمل وفي النصوص الأدبية والقيم والمعتقدات مما يعني انهم يتعاملون فحسب مع السيطرة والاستغلال([7])، فالنسوية تتجاوز الأعراق والتصنيفات الاجتماعية وهي من معطيات مرحلة ما بعد الحداثة الَّتِي كانت نتاج التطورات الَّتِي مر بها المجتمع الغربي وصيرورته الثقافية، وقد انطلقت من تطور منظمات وحركات الدعوة لتحرير المرأة الَّتِي بدأت بالحراك قبل ما يزيد على القرنين، فقضية الحرية والاضطهاد لم يكونا غائبين كليا لدى النِّساء، بل كانا كامنين كمونا متأهبا بمرور الزمن لشرارة اليقظة. ولشدة الحماس الذي قوبلت به هذه الحركة، وكثرة التوجهات الَّتِي تبنتها فقد تعددت مرجعياتها حد التشتت، ولذلك يؤكد الرويلي والبازعي ان هذا النَّقد فِي العالم الغربي لا يتبع نظرية او اجرائية محددة وانما تتسم ممارسته بتعدد وجهات النظر ونقاط الاختلاف وتنوعها، لكنهما يحددان له عدة خصائص([8]):

1.                إن الثقافة الغربية ثقافة أبوية كرست هيمنة الرجل ودونية المرأة فِي كافة مجالات الحياة ومفاهيمها المختلفة بحيث تبنت المرأة هذه البنية الايديولوجية المتحيزة للرجل وصارت تجسدها فِي حياتها وفكرها حتى أصبحت ترى دونيتها قضية بديهية لا تحاور فيها وهذا الأمر من أخطر أنواع العبودية.

2.                إن تحديد طبائع النوع البشري ذكرا أو أنثى إنما هو من نتاج البنية الثقافية الَّتِي أفرزتها التحيزات الغربية الذكورية السائدة الَّتِي وسمت الذكر بالإيجابية والعقلانية والإبداع، بينما وصفت الأنثى بالسلبية والرضوخ والتردد والعاطفة.

3.                إن هذا الفكر الأبوي هو الذي اجتاح أدب وكتابات الثقافة الغربية من أوديب ما قبل الميلاد حتى عصرنا الحاضر معززا سمات الذكورة فِي الأعمال الأدبية وأبطالها وبالمقابل من هذه المركزية كانت المرأة فِي الأدب تتسم بالهامشية والدونية الَّتِي تجعلها على استعداد لتبني رؤية الرجل ضدها.

4.                ليس الأدب وحده الذي كان منحازا للفكر الذكوري، بل تبعه النَّقد كذلك وكل معايير التحليل وتقييم الأعمال الأدبية، وذلك ما جعل الأدب الذي تكتبه المرأة هامشيا لم ينل اهتمام النَّقد والنقاد، مما دفع النَّقد النسوي إِلَى المطالبة بإنصاف إبداعها، بإلقاء الضوء على نتاجها والاهتمام بتجربتها الأدبية([9]).

ولا بد من الإشارة هنا إِلَى تعدد مرجعيات النسوية مما أدى لتعدد فروعها وتشعبها فهناك النسوية الراديكالية والنسوية االلبرالية والنسوية الماركسية والنسوية البطريركية ونسوية الجنوب والنسوية البيئية والنسوية الإسلامية الَّتِي عارضت قضايا التمييز فِي الإرث والشهادة، ونسوية معارضة الإباحية والنسوية اليهودية وغيرها مما يؤكد افتقاد هذه الحركة لنظرية شمولية متماسكة تجمع أهداف الداعين إِلَى مبادئها، لكن مجمل هذه المرجعيات الَّتِي انطلقت منها تؤكد ضرورة العمل على إزالة الحدود والقيود والمعيقات الَّتِي تعترض سبل نهوض المرأة بمهماتها الَّتِي استحوذ عليها الذكور حين اختصوا لأنفسهم بالعقل وصنع القرار وما يتيحه لهم ذلك من سلطات سياسية واقتصادية وتشريعية ومنحوها سلطة الجسد والعاطفة وما يترتب عليهما من وجوب التلقي وركون فِي البيت خادمة للأولاد والأسرة، من هنا فقد دعت معظم الحلقات النسوية إِلَى خلخلة النظام الذكوري السائد برمته وبعضها تطرف فِي طروحاته فذهب بعيدا عن الأهداف المتوازنة الَّتِي يمكنها السعي حقا لتحقيق التوازن فِي الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل. ومن ذلك التطرف مثلا دعوتهم لتدمير الأديان أولا لأنها قائمة على أساس الرب الذكر وإحلال دين جديد محله تكون الربة فيه أنثى كما كان قائما فِي العصور القديمة، وتدمير السياسة المعاصرة برمتها لأنها قائمة على أساس الحاكم الذكر، وتدمير نظام الأسرة التقليدي لأنه قائم على زعامة الرجل ربا لها، ونسف المحاور الَّتِي نهضت عليها عبر التاريخ وكرست من خلالها المرأة تابعا هامشيا وملصقا وخادما للرجل ونسله وأمجاده؛ ولذلك دعوا إِلَى إلغاء الزواج وتخليص المرأة من أعباء الحمل والولادة والإرضاع والتربية بإحلال الإخصاب والحمل الصناعي الذي يتولاه الطب، وإسناد رعاية الطفولة لمؤسسات تنشئة وتربية تتعهد بها الدولة وتتولاها أجهزتها المختصة، وغير ذلك من الأسس المتطرفة الَّتِي دعت إليها هذه الحركات وطرحتها فِي مؤتمرات دولية كان منها مؤتمر بكين الذي ضم ممثلات وممثلين عن معظم بلدان الدنيا، وكانت فِي بنودها المتطرفة مثار انتقادات كثيرة ومعارضة شديدة حتى فِي الغرب نفسه، ولعل من أهم الانتقادات الَّتِي وجهت للنسوية أنها دعت لقلب المعادلة إِلَى ضدها فمن تطرف إِلَى تطرف جديد، ومن انتقادها لتحيز المنظومات للرجل دعت إِلَى التحيز للمرأة وعدتها هي الأصل وعدّ الرجل عدوا حسب تحديد توريل موي([10])، فضلا عن كون النظرية المطروحة كانت ناهضة من صلب الحضارة الغربية واستجابة لظروفها المجتمعية وإشكاليات نسائها المحايثة، كما الحضارة الغربية تماما الَّتِي ادعوا أنها نهاية التاريخ، تلك الَّتِي لا يمكن إن تصلح لكل شعوب الدنيا كما توهم بعض فلاسفتها واستقر فِي أذهان حكامها فراحوا يعملون بلا هوادة وبكل التقنيات الَّتِي ابتكرها علماء الأرض وما صاحبها من معلوماتية وهيمنة على العالم من خلال شبكة عنكبوتية لا يفلت منها دبيب النملة. إن النسوية الغربية لا يمكن لها أن تصلح نظريةً لكل النِّساء على وجه الأرض لان الظروف المحيطة بنساء أي شعب من الطبيعي أن تختلف عن ظروف شعب آخر، وهذا الاختلاف يحتاج لتأمل ومعالجات نابعة من الحاجات الظرفية الَّتِي أوجدت الخلل وكانت سببا من أسباب تكريسه والعمل على هيمنته. كل ذلك أسهم فِي إنتاج نظرية لا تتسم بالتماسك النظري مما جعلها عرضة للنقد هي وجهازها المصطلحي.

إنَّ ما يهم موضوع الأدب والنَّقد مما طرح أعلاه أن اشتراطات كتابة النِّساء الجديدة شقت طريقها فِي الثقافة الجديدة وآدابها فِي العالم، وتسربت مبادئها سريعا إِلَى ثقافة الدول النامية، تلك الكتابة الَّتِي تبنت المطالبة بحقوق المرأة عن وعي عميق وشمولي بمعاناتها وبما يجب أن تنال من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وشخصية ووجودية تمنحها الحق فِي التعبير عن ذاتها ومشاعرها، فمن موضوعات الكتابة الجديدة الَّتِي دعت إليها النسوية التحول بالتعبير عن جسد المرأة من كونه وسيلة استمتاع للرجل إِلَى النظر إليه بوصفه طاقة متعة فكانت الدعوة لكتابة حركيته الأنثوية ومشاعره واشتعالاته وتوهجه ورغبته وشجونه المعبرة عن وجوده الإنساني ووجعه فِي تجاربه الخاصة كالحمل والولادة، والمرأة من خلال هذا الوعي الجديد تكتب جسدها بهواجسها هي وأحاسيسها الَّتِي لا يمكن للرَّجل أن ينوب عنها، ويكتب مشاعرها تجاه شعبها ووطنها والتعبير عن رأيها فِي القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية، ولتكريس هذا الوعي الجديد بالجسد والحياة، فقد رفضت النسويات تسليع الجسد والدفع به نحو استعراض مفاتنه وعريه إثارة للرغبات، وراحت توجه انتقاداتها لسلطة الذكورة المنفردة فِي توجيه الحياة كما دونت ردود فعلها ضد تلك السلطة، ودعت إِلَى إعادة النظر فِي تقسيم أدوار العمل سواء فِي المعمل أو الدائرة أو المنزل. هذه الكتابة هي الَّتِي أطلق عليها الكتابة أو الطروحات النسوية الَّتِي طال حولها جدل كثير وما يزال.

(2)

لم يكن من السَّهل على النِّساء فِي مجتمع إنساني هيمن عليه الفكر الذكوري الأبوي من قَبل عصر أرسطو بطروحاته المتحيزة للذكورة والتي شوهت صورة المرأة ان يجترحن طرائق جديدة فِي دحض الهيمنة فِي الكتابة لترسيم هوية الأنثى الحقيقية القائمة على العدل والتكافؤ والمساواة فِي الحقوق، وذلك لرسوخ هذا الفكر عبر التاريخ وعد الهيمنة الذكورية حقا من حقوق الرجل أولا، وتوطين المرأة على قبول الواقع فِي كونها التابعة والحاضنة والهامشية الملحقة به ثانيا، واستتباب المجتمع الإنساني بكل منظوماته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على هذا الإرث التقليدي المشوه، مما جعل زحزحته أمراً بحاجة إِلَى طاقات مقتدرة ولا سيَّما فِي الميدان الثقافي والأدب منه على وجه الخصوص؛ كون اللغة وما تشكله من فنون هي الأكثر تداولا وتأثيرا فِي كل شرائح المجتمعات؛ ولذلك عمد النَّقد النسوي الذي نبع أساسا من حركة تحرير النِّساء إِلَى تشخيص وظائفه الَّتِي لا بد من الانتباه إليها وفي طليعتها أن يكون قادرا على تشكيل منبر للنساء جدير بالثقة عبر طروحاته، وثانياً أن يساعد على تحقيق التماثل الثقافي، وثالثا أن يوفر نماذج قيادية جاذبة وذات كفاءة عالية فِي الكشف والإقناع معا، ورابعا أن يعزز الأخوة النسائية من أجل تحقيق عملية النهوض بالنِّساء ولا سيما الشرائح الَّتِي مازالت غير قادرة على تأمين حاجاتها الأساسية. ثم أن يعمل على تنشيط عملية تنامي الوعي([11])، لان تعميق وعي المرأة سيعمل على تيسير طرائق الممارسات والدفاع عن المبادئ والقدرة على مواجهة المناوئين والتصدي لهجمتهم، وخامسا، الانعطاف بالنظر إِلَى جسد المرأة من كونه وعاء ووسيلة إِلَى كونه طاقة لا تقل فاعلية عن طاقة جسد الرجل، بل قد تفوقه فِي امتلاكها قدرات لا يمتلكها، كونها حاملة الخصب وفرح الديمومة، من هنا سارعت المؤسسات الذكورية بالهجوم على الحركة النسوية والعمل على تشويش منطلقاتها وإحالتها على الدونية، واتهمتها بالعمل على تجزئة الإبداع ووسمه بالسمة البايولوجية ووسمت مفهومه بكره الرجال مما دفع بعض المبدعات بالإعراض عنه ورفض إطلاق مصطلحه على ما يكتبن من إبداع([12]).

وبعد، فإن النسوية حركة انفتحت على مختلف المؤثرات المعرفية والفنية، إذ نهلت بشكل تهجيني من الفرويدية والماركسية والوجودية، كما تقاطعت أحيانا مع تأويلات النص والوعي الديني وكان حضورها دائما وسط جدل الحداثة وما بعدها حتى وصلت إِلَى ما أطلق عليه اليوم بتيار النسويين البيئويين وهو اتجاه للتفكير بصيغة جديدة مع الأرض ومتعلقاتها البيئوية إقرارا بحقوق الكائنات كلها حتى وان انتفى شرط كينونتها البشرية، وبدت الايكوفمنزم تشتغل بوصفها حركة اجتماعية معنية بقضايا اضطهاد المرأة والطبيعة والنظر فِي قضايا التمييز العنصري والاجتماعي وحقوق الحيوان فِي آن، مما حولها إِلَى حركة تحررية كبرى وهي لم تكتف بالدَّعوة إِلَى التَّماهي مع الطبيعة بل عملت على ربط الجندر بكافة أشكال الاضطهاد الذي تتعرض له المخلوقات دفاعا عن الحقوق والخصب والجمال وما ينفع الإِنْسَان فِي هذه الحياة([13]).

(3)

إنَّ دخول هذا المصطلح إِلَى السَّاحة النَّقدية العربية كان له اثر مهم فِي تعميق الدَّعوة للتحرر والتَّأثير فيما أنتجت المُبدعات من أنواع أدبية وأجناس فنية، بالرَّغم من المعارضة الَّتِي لا تزال قائمة ضده من جهات عدة وإذا سلمنا بما للمناهج وأجهزتها المصطلحية من اثر فِي تماسك المتن النَّقدي وتبئير محاوره، وإضاءة مقاصده المعرفية، فنحن مع الكثيرين الذين يشكون من الإرباك الذي يعيشه النَّقد العربي، ومن ورائه الثقافة العربية بمجملها، والسبب فِي ذلك واضح كون النَّقد جزءا لا يتجزأ من حركة الموقف الحضاري العربي برمته، ذلك الموقف الذي ما زال تابعا ومستهلكا – بكسر اللام – للحضارة الغربية، فهو غير قادر على التحقق الذاتي من خلال إنتاج متطلباته العلمية والثقافية لأسباب متشعبة لا تخفى على الدارس، فِي طليعتها هيمنة عوامل السلب الَّتِي تكرسها عوامل داخلية وخارجية تتمثل بسطوة آلة الدمار والإبادة الآتية من الخارج، والقمع الداخلي الذي تمارسه أنظمة الحكم المكرسة للجهل وعوامل التخلف الخادمة لديمومة مصالحها.

إنَّ النَّقد العربي الحديث ما زال يعاني من التَّداخل والاضطراب المصطلحي لأسبابٍ عدة ليس هنا مجال التَّفصيل فيها، لَعَلَّ فِي طليعتها التَّدفق السَّريع الوافد من الغرب وإرباك ترجمته لعدم وجود مؤسسة ترجمية عربية فاحصة ومسؤولة تعنى بتوحيد ترجمة الوافد فِي كل المجالات من قبل خبراء وعلماء متخصصين تتوفر فيهم الشروط المعرفية المطلوبة الَّتِي يجب أن يتصف بها المترجم من علم باللغتين وقدرة على اختيار الموضوع ودقة فِي معرفة جوانبه بشمولية. ومع ذلك فان بعض المصطلحات الوافدة قد اكتسبت نوعا من الاستقرار فِي الاستعمال، وإن كانت ما تزال عرضة للاختلاف فِي التفاصيل. ويؤكد الدكتور محمد عناني أن النَّقد الأدبي النسائي من أشد مجالات النَّقد الأدبي تعقيدا بسبب صعوبة ترجمة مصطلحاته ترجمة كفيلة بتوصيل المعاني المقصودة إِلَى القارئ العربي، ويعرّف مصطلح النسائي والمذهب النسوي بأنه مذهب الانتصار للحياة([14]) بالرغم من اختلاف مقاصد النسائي عن النسوي وكون تعبير مذهب الانتصار للحياة تعبيرا غير قادر على التحديد المصطلحي للنقد الأدبي، لأنه يمكن أن يحيل على دلالات تتوزع على مجالات حياتية عدة لا تختص بالأدب أو النَّقد وحدهما.

ومن هذه المصطلحات ما دار حول الأدب والفنون الَّتِي تنتجها المرأة، فالأدب مرة هو أدب المرأة وأخرى نسوي وثالثة أدب نسائي ورابعة أدب أنثوي أو أنوثي أو نقد أنثوي (وهو ما تكتبه المرأة عن الإبداع النسوي وهو يكاد ينطلق أيضا من وعي مغاير أو وعي خاص له ميزاته)([15]) ومن هذه السمات انه نقد يفيض بطاقة الأنثى ولهذا لا يمكن للرجال كتابته حتى عندما يجارون الحركة النسوية([16]). لكن المدقق فِي هذه المصطلحات يجد أن كلا منها يختص بسمات خاصة، فالأدب النسائي يشير إِلَى كل ما تكتبه المرأة عموما سواء أكان تقدميا أم منضويا تحت المظلة الذكورية وسماتها الَّتِي تكرس التبعية والضعف والدونية، والتي تؤمن بهيمنة المؤسسة الأبوية بكل ما تملك من سلطة تاريخية، بينما نجد مصطلح الأدب النسوي اليوم من أكثر المصطلحات الَّتِي يزداد حضورها مع عمق وعي النِّساء بحقوقهن الشخصية والعامة فِي جميع المجالات وبتصاعد نضالهن من أجل هدم كل المعيقات الَّتِي وقفت دون نيل المرأة مكانتها الَّتِي تستحقها إنسانة تتمتع بقدرات ومواهب لا تقل عن قدرات الرجل ومواهبه.

وهنا لا يمكن إغفال حقيقة ان النسوية لم تدخل للثقافة العربية بيسر ومرونة، بالرغم من قبول تيار متوازن جعل منها واحدة من المفاهيم الَّتِي يمكن الإفادة منها فِي عملية تحرير المرأة والمجتمع معا، والسعي لمعالجة عوامل السلب المعيقة للتطور الاجتماعي، فقد لقيت معارضة شديدة، وجوبهت بمواقف مضادة من التيارات الدينية مرة، ومن تيارات الفكر التقليدي المحافظ أخرى، وهؤلاء معا حاولا إدخال مفاهيمها جميعا فِي باب المحرمات دون فرز بين ما يمكن الإفادة منه، وما يجب الاستغناء عنه ورفضه لأنه لا يتوافق وظروفنا، والثوابت المجتمعية المجمع عليها، من ذلك تطرفها فِي النظرة إِلَى الأسرة والدعوة لتخفيف أعباء الحمل والإنجاب عن المرأة بالتلقيح والحواضن الصناعية وسن العلاقات المثلية، وغيرها مما ترفضه الفطرة والأديان وطبيعة مجتمعاتنا.

(4)

ستكون رواية المحبوبات الفائزة بجائزة نجيب محفوظ لعام 2003 للروائية العراقية عالية ممدوح موضوع حوارنا لملامح النسوية، وهي رواية حداثية من حيث انفراط الحبكة وتكسير الزمن، واستيهام التاريخ وحوار الحضارات والموروث الشعبي ووقائع السياسة والحروب والمنافي، استغرقت الرواية عشرين مشهدا فِي مئتين واربع صفحات، ويوميات استغرقت احدى وثمانين صفحة لم تزد طاقة الرواية الداخلية زخما، بل تبدو تفسيرا لموجزات الرواية الَّتِي منحت المتلقي فجوات قرائية كان حرا فِي ملئها والتصرف بمدياتها، كل ذلك تحرك داخل ثيمة مركزية اعتمدت الصداقة قيمة إنسانية عليا، وخلاصا راقيا من الأنانية وسجن الذات الذي أنتجته عزلة الأنا داخل شبكة علاقات الحضارة المادية المعاصرة، صداقة بين جنسيات واديان وفلسفات واثنيات متعددة، تجارب متباينة تتحاور بحرية فِي البوح وفي التقبل، نساء واعيات ومؤمنات بان الدين تجربة باطنية شخصية روحية مطلقة ولذلك لا نجد تعارضا فِي الرواية بين المواطنة والإنسانية والعالمية، فهذه العلاقات لا تشكل تناقضا بل مبعثا للانفتاح والشعور بالبهجة والمحبة والإيثار، مما جعلنا نتقبل الأديان بإجلال حين نجد كل امرأة تقف حول سهيلة الشَّخصية الرَّئيسة المريضة ترتل آيات من القرآن أو التَّوراة أو الإنجيل، لأنَّ كل دعاءٍ من تلك الأدعية يحيلنا على الملاذ الأول والأخير، على الله سبحانه مخلصا ومعينا فِي المحن. صداقة بين رجال ونساء جعلت من سلوك الجميع ولا سيما النِّساء نموذجا فِي المحبة والتعاطف وتماسك المواقف وتمثلا للقيم الراقية واستنفارا لحراستها بكل ما أوتين من قوة وقدرة على البذل مؤمنات بان تشكلات جوهر الكينونة لا تتأتى من امتيازات خارجية تنتزع أو توهب، بل هي تنبع من الداخل، إنها موقف إيجابي واضح من الإنسان، من قدرته على العطاء التلقائي غير الذرائعي، والمحايث لنبل الروح وصفائها مع انتقالات تاريخية سياسية تداخلت بانسيابية داخل الحدث، فعالية ممدوح خبيرة فِي امتصاص الوقائع والأحداث، مبدعة فِي اختيار مواقع استحضارها، لان التَّناص عندها لا يرد نتوءا فِي نص أدبي، بل ينساب مع انسياب لغتها وهي تتوهج بانثيالات فاتنة.

رواية المحبوبات عملت بمثابرة على تثبيت هوية المرأة الثقافية والمعرفية والمهنية فِي الطب والفن والأكاديمية وفي الفعاليات الإلكترونية وفي إتقان الحرف والدفاع عن حقوق الإنسان، كاسرة بذلك بؤرة التمركز الذكوري فِي الهيمنة على هذه المفاصل المعرفية والإنتاجية المهمة ومبطلة أفكاره فِي العمل على ترسيخ فكرة عجز المرأة عن الخروج على الخطوط الَّتِي رسمها لها فِي رعاية البيت والأطفال وبعض المهن التربوية المبسطة، ودونت لها حضورا حولها من موقع المتلقي المنفذ والمغيب إِلَى موقع الحاضر القادر على امتلاك سلطة الخطاب، والخطاب سلطة وهوية معا لأنه المفصح عنها. فضلا عن كون الرواية لم توظف الجسد وسيلة إثارة جنسية كما كان شائعا من قبل وما يزال، بل عملت على قلب السائد حين دونت الجسد الأنثوي للتعبير عما لحق به من وجع واضطهاد وصل حد الغثيان والتقيؤ فِي العلاقة الزوجية، بينما كان الرجل يستمتع غير آبه بعذابها، وكما كان الجسد الأنثوي موطن اضطهاد من قبل الرجل فقد كان حيزا لاضطهاد السياسة المعاصرة ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وهي تطبق بسيطرتها وطغيانها على العالم فتحطم فيتنام وتدمر العراق وأفغانستان والبقية تأتي.

لقد كان صوت المرأة هو المهيمن فِي الرواية وان تركت السَّاردة نادر/ الابن يروي، إلا أن الفعل والصوت الداخلي كانا من نصيب النِّساء إذ انفتحت الوقائع على كشف خصوصية تجارب نسوية متنوعة دون المبالغة بتفاصيل المصطلح وتفرعاته إلا ما جاء حديثا عن الأنوثة؛ مما جعل الرواية تحتفظ بخصائصها الأدبية.

لقد كانت شخصيات الرواية تبحث عن معنى الكينونة داخل فضاء العذاب الذي شكلته الحروب وانكساراتها وخسائرها ومنافيها مرة، وعن أهمية التسامي على كل ما عمل ويعمل على تشويه العلاقة بين إنسان وإنسان وشعب وآخر، إنها تتحدى الحضارة المادية المعاصرة وعملها على تشييء الإِنْسَان والعبور على أمانيه بالسعي وراء تمجيد المصالح والاحتكارات بسلبها وعدوانيتها، والوطن فِي الرواية يتجلى عبر صورتين، وطن الذاكرة ووطن الواقع المشوه وهي رواية تقوم على الغياب، غياب الوطن وحضور المنافي غياب الزوج فِي مصير مجهول يوازي غياب الوطن فِي مصيره المجهول، غياب الأخ الذي ظل فِي حالة تواصل لكن عبر الانفصال، غياب الابن بعيدا عن الحبيبة ليال الَّتِي فارقها بسبب رفضها الجمع بين حربين حرب العراق وحرب لبنان، غياب يفصل بين الأم فِي باريس والابن وعمله فِي كندا، فضلا عن غيابات أخر تترى داخل الوقائع والأحداث.

الهوية وجود فِي الصيرورة:
ظلت الهوية تبحث عن (محددات الأنا/ النحن/ الهم ومكوناتها تمييزا وفصلا جوهريا يموضع الذات داخل نسق معياري أخلاقي يُترجم عامة فِي قالب أيديولوجي ذو بعد واحد وتحت مجموع مثل ورموز تحول المجاور إِلَى مناور يتهددني ويعمل على إقصائي... والدخول تبعا لذلك فِي دائرة الصراع تغايراً فاعترافا)([17]) وقد وضعت للهوية محددات تميزها عن أية هوية أخرى أهمها الوطن واللغة والمصير المشترك، لكن هذا المدار لم يلبث أن انفتح على ما يشكل جوهر الإِنْسَان ويحفظ خصوصيته، فكانت فكرة المغايرة حسب ريكور تتناول الإِنْسَان بعدا زمنيا بالمعنى المنفتح على الزمن بفاعلية سردية، ومصاغا وفق مسارات الإمكان ومجالات الانتظار، عبر مفاتيح بها يُدرك وجود الذات فاعلةً عبر اللغة والفعل والسرد، فالهوية حسب ريكور مسار تكويني يصاغ بفن سردي وحركة تفاعلية بين الأنا والآخر تأسيسا للوجود([18]).

لقد جرى الاهتمام فِي الفلسفات والتَّيارات الفكرية الحديثة بمفهوم الهوية وسماتها، ويتركز سؤال الهوية على تأكيد مبادئ الوحدة مقابل التعدد والكثرة والاستمرار، مقابل التغير والتحول مع الحرص على التطابق مع الذات واستمرارية الفرد، ففي عصر التنوير صار المركز الجوهري للذات هو هوية الشخص، وفي القرنين التاسع عشر والعشرين صارت الهوية الجمعية تعني انتماءً للجماعة ضمن مبادئ الوحدة والتماسك فِي كيان تاريخي وثقافي منسجم وجوهر مشترك، فالهويات روابط حاسمة ووجود شخص يمتاز بالتماسك الذاتي ويمتلك هوية تُعدُّ نتاج عملية تاريخية معينة هي عملية تشكيل دولة الأمة الحديثة، لكن الحداثة وما بعدها جاءت بأفكار ومواقف أكثر تطورا من ذلك الثبوت والتماسك، مواقف مضادة للجوهرية، لأن الهوية من منظورهم تتأسس فِي سياقات اجتماعية وتاريخية محددة وتتجاوب مع الأحوال المتغيرة، وأنها لا يمكن أن تكتفي بذاتها فِي عالم دائم التطور والتغيير([19])، وصار من المؤكد أن هذا المصطلح ليس جوهرا ثابتا سابقا على السلوكيات والممارسة وإنما هو معطى محكوم بالصيرورة والتشكل عبر فعاليات الذات وممارستها فِي ميادين عدة لا تقتصر على الجانب البايولوجي حسب،([20]) فعدُّ الهوية مفهوما ثابتا وسكونيا أمر يعطل تطورها لأنَّه يجعلها سجينة الماضي، بينما الذات الحركية تبدع ذاتها باستمرار ما بين الثابت والمتحول، مما يجعل هويتها أفقا مفتوحا على المستقبل. واذا كان اكتشاف الذات أول الطريق إِلَى تحديد الهوية فان هذا الاكتشاف لا يمكن أن يتم بمعزل عن الجماعة فنحن نكتشف ذواتنا أكثر من خلال تفاعلنا مع الآخر وتفتحه أمامنا، وكلما تجلى لنا الآخر عبر سلوكياته معنا ومنجزه على مرأى منا تعرفنا عليه وعلى ذواتنا بوضوح أكثر.

إن حرص الفكر الذكوري على سجن المرأة فِي الدائرة الَّتِي اختطها لها الرجل عبر العصور هو الذي جعل هويتها سجينة التقسيم البايولوجي من جهة واعتناق طروحاته الفكرية والسمات الجمالية المعيارية الَّتِي وضعها لها، لكن الوضع تغير حين وعت المرأة ذاتها واكتشفت ما تعاني من ضعف وانقياد، تقول سهيلة (أما هويتي فقد كانت مبعثرة ما بين السيد الوالد والسيد العسكري. والدي استعملني أيضا من اجل أمجاده العظيمة، ظل يردد: سأستخرج منك اللالئ واحيكها على خصر المسرح العراقي الحديث) ويعثرة هوية المرأة ناتج طبيعي لإصدار الأوامر من الخارج، دون مساعدتها العلمية على استكشاف طاقاتها الداخلية بنفسها، لاختيار الطريق الذي يتناسب وتلك الطاقات، فكانت النتيجة ابتعادا عن الأب والزوج رفضا لدور التسلط، وابتعاداً عن نفسها كذلك رفضا لاستسلامها لهما؛ فكان جمال الشَّكل والمظهر فِي رؤية الرجل أهم للمرأة من جمال الفكر والعمل والمعارف والإنتاج والفنون، وهذا الجمال الشكلي قاده إِلَى تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية تخدم مشروعه المادي الاستغلالي، فكان تسليع المرأة وبيع جسدها وتحويله من إنساني يستحق الاحترام إِلَى سلعة بشكل صورة تُعرض على الشاشات بأنواعها لتسويق الأفكار والبضائع وترويج السلع وإشاعة المتع الهابطة، دون التفكير بالحوار والتطور والعمل والإنتاج الذي يشكل هويتها الحقيقية، هوية ترفض علاقة الأعلى والأدنى، والراقي والمهمش، لتبتكر هوية جديدة تقوم على حوار الاختلاف، وما بينهما كانت فكرة القائلات بتمركز أنثوي يحل محل التمركز الذكوري بحجة الخصوبة والديمومة الَّتِي اختصت بها الأنثى. تقول السَّاردة عن نادر الرَّاوي الثَّاني بعد الشَّخصية الرئيسة سهيلة (شاب عراقي، كل ما يريده موطئ قدم، قدمين لكي يستحق حظوة الجنسيتين المباركتين اللتين سوف يحصل عليهما عما قريب ... يقف او يسير، يكذب على نفسه بأنه موجود، يعتقد انه موجود، يشعر بنفسه انه غير متماسك، لكنه ذكي، يحس أنه غير كامل)(15)، نعم هو ذكي لأنه يدرك انه لن يكون (هو) بهاتين الجنسيتين، لـ(أنه) أمام نفسه ومجتمعه الأصلي سيظل عراقيا فِي وجوده الشرعي، فالهوية هي الوثيقة الَّتِي تمنحنا وجودا شرعيا أمام أنفسنا وأمام الآخرين (الأصل، أصلك مسيو عراقي، هه..؟)(15)، هذه الهوية هي الأصل وهي الثابت الذي لن يحول دون التَّشكل الإنساني المستمر، هوية تؤكدها الرواية وتدور حولها وحول معاناتها عبر السفر والمنافي والتَّشردات مرات ومرات.

(تجلب بغداد دائما إِلَى كل مكان عشنا فيه لكي تحتمل، لكي تبقى ولا تموت، اذا كان ثمة شيء صرع سهيلة فهو بغداد، والجدار يعلو فيما بيننا.. 150) فالنفي الإجباري عقوبة لا تدانيها أيٌّ من العقوبات، حتى انها لتوازي القتل كما ورد فِي القرآن الكريم،([21]) يقول نادر: ( كيف استطعت أن أتغير إِلَى هذا الحد، شعرت بأنني سرقت، مسلوبٌ أنا، نُهبت مني طبيعتي الأولى البسيطة وأنا فِي ذلك المرآب المظلم شعرت للمرة الأولى منذ أن هجرنا بغداد بأنني لم اعد إِلَى هنا ولا بمقدوري العودة إِلَى هناك 184) هكذا تضيع الهوية وتنثلم بالتشرد ولذلك يحاول المنفي أن يحيطها بالرعاية وتعويضها بما يغذيها، بتأكيد الثابت وتجذيره وتغذية المتحرك وتطويره. وعالية ممدوح تعي هذه القضية بعمق، وتدرك أن النفي عن المكان حين يشتغل على الهوية سلبا، فإن الذات الفاعلة ستبحث عما يعمل على بنائها وتعويضها بالإيجاب، وفي مقدمة هذه العوامل البانية، المحبة والصداقة والانتماء لناس هويتها وتقبل الآخر فِي مجتمعه وبنية حضارته تقبلا حواريا وليس قبولا استلابيا والعمل على تطوير المواهب والمعارف، وما وجود الفلكلور الشعبي من الأغاني العراقية الشعبية (جا وين أودي الحجي، واتعاتب ويا من) 238 والأمثال والأكلات العربية وتلاوة الأدعية على المريضة وتواجد مفردات الحياة اليومية العربية فِي بيوت الشخصيات إلا حضور لسمات الهوية، وفي هذا المجال يكون الإيمان عاملا حاسما فِي انسجام بنية الشخصية، الإيمان بشخص آخر يعني أننا متأكدون من وثوقية صفاته الرئيسة واستقرارها ومن جوهر شخصيته وحبه، وليس المقصود ان الشخص لا يمكن أن يغير آراءه، بل المراد أن دوافعه الرئيسة لا تتعرض للاهتزاز كاحترام الحياة والكرامة الإنسانية. [22] وقبل ذلك علينا لامتلاك الهوية أن يكون لدينا إيمان بأنفسنا، بوجود جوهر أصيل فِي شخصيتنا، يجابه ويمتلك القدرة على المقاومة، وهذا الجوهر هو الحقيقة وراء كلمة (أنا) والذي عليه تقوم القناعة بذاتيتنا، وما لم يكن لدينا إيمان بإصرار فان شعورنا بالذاتية يتعرض للخطر، لان الثقة بالنفس هي وحدها الَّتِي تجعل الإِنْسَان قادرا على الثقة بالآخرين حسب اختياره الذاتي، فالإيمان هو شرط من شروط الوجود الإنساني.([23]) من هنا نجد الرواية قد عملت بمثابرة على تثبيت ثلاث خصائص ترتكز عليها هوية المرأة، الوعي بالذات والإصرار على تطويرها، والوعي بالواقع والتصميم على بناء عالم مغاير، بل مضاد للعالم الذي همشها وجعلها تابعا وهي إنسان كامل الأهلية، ثم المحبة والحب كينونة ومرتكزا وجوديا ثانيا، فالحب لدى المرأة المبدعة ليس فكرة افتراضية أو مجرد خلفية يمكن للحياة أن تسير على احتمال حدوثها، إنما هو الفاصل الأجمل من حياة واقعية مديدة وشرط وجود أو هو كل حياة المرأة، فضلا عن كونه مرتكزا يقوم على القيم الأساسية للحداثة بما هي حالة لإنتاج الأحاسيس الجديدة الَّتِي يتم بموجبها اكتشاف الذات([24])، وثالثها، اعتماد العلم والمعرفة كاشفين عن القدرات الذاتية، والعمل من خلالهما على تحقيق هدفين الأول تقوية الذات وتماسكها بأدوات معاصرة قادرة على المواجهة والثاني، العمل على التكامل المعرفي ما بين النِّساء بشكل خاص والرجال كذلك من خلال التماسك النموذجي فِي العلاقات والإفادة من خبرات بعضهن / بعضهم، والمبادرة لتنويع فضاء خبراتهن وتوسيعها، وإدخال التقنيات ووسائل الإعلام الإلكترونية الحديثة فِي العمل والتواصل، مما أبطل أسطورة الأنثى الخرساء الَّتِي أسست لقيم الامتثال لأوامر الرجال والحاجة إِلَى رعايتهم وانتظار شغفهم مشفوعا بالاعتراف بجمالها، والإقرار بضعفها، واستمتاعهم بقبولها دور التابع، فتلك هي السلسلة المتضافرة من ضروب التقدير الَّتِي تتوقّعها المرأة من الرجل، ولا تحضر فيها المشاركة والمساواة واقتسام والمسؤوليّات، فتلك ممّا اختصّ به الرجال، ولا ضرورة لأيّة مزاحمة من طرف النِّساء([25]). ولعل أرقى تجليات الهوية فيما حققته المرأة المعاصرة كانت الكتابة بوصفها فعل وعي وتحرر وتحققا لإنسانيتها تحديداً([26])، فِي الكتابة وعت وعبرت واكتشفت ودونت حضورها، وفي الكتابة انتقدت سلبياتها وتسليعها وسلبيات التعامل معها، وانتقدت السياسة المهيمنة على العالم، سياسة امريكا بعدوانها وعنجهيتها (التسويق يا أمي... هويتي هنا هي انتمائي المهني فحسب، إنني سلعة أيضا يا أمي، التسليع يطال جميع ما يخطر ببالك فالأمريكي الحقيقي يشتري بضاعة امريكية اما الفرد العربي الحقيقي فهو يشتري البضاعة الأمريكية كذلك)250 لقد كانت المرأة فِي (المحبوبات) كاتبة يوميات ومدونة معارف وأكاديمية وذات عقلية نقدية من خلال الحوار وتبادل الآراء وصنع القرار فِي مختلف المواضيع، (لقد جعلتني تلك القراءة كما قال الكاتب الفرنسي سيلين، أجيد إصدار الأحكام على النَّاس بسرعة من أول نظرة) 236. وتتحدث بلانش لصديقتها سهيلة عن رأيها بالكتابة المسرحية الماهرة الَّتِي تنجزها صديقتهما تيسا هايدن (يبدو لي انها تشحن نصوصها بمواد مشعة، هذه الكتابة هي الَّتِي أحب، إنها الكتابة اليورانيوم .... الحياة ما زالت بالنسبة إلي غاية لا وسيلة... تسألينني كعادتك فِي باريس عن مسودة الكتاب واين وصلت.؟ هل بدأت.؟ قلت لي إن الكتابة عن السجاد إبداع صاف أيضا، لماذا لا تصدقين ذلك، عن لذة تلقي ردود الفعل، وعن، وعن) 236.إن أسمى وأجمل ما فِي موضوع الهوية أن الإِنْسَان حينما يشعر بذاته أعمق، فانه يغدو أكثر إحساسا بالآخرين وأدق إدراكا لمعاناتهم، وهذا ما وجدناه فِي سلوك شخصيات الرواية وعبر ممارساتهن الواعية الَّتِي تجلت فِي رعاية سهيلة والسهر على صحتها والتناوب بإخلاص على رعايتها.

الجسد والمنظورات النسوية:
اهتمت الثقافة المعاصرة بموضوع الجسد اهتماما خاصا يتباين كليا عما حفلت به الثقافة التقليدية من نظرة الريبة والأساطير والخرافات ومن أوهام وتصورات جعلت منه سجنا للروح وجثة فانية وبؤرة للشهوات، فقد غدا الجسد اليوم رمزية عامة للعالم ومصدر كل الرموز الإنسانية القائمة او المحتملة، فالموقف من الجسد يعكس موقفا من المجتمع والكون، ويحدد علاقة الإِنْسَان بنفسه وبالآخرين([27]).

فجسد الأنثى ليس وعاء للمتعة، بل هو كجسد الرجل تماما كيان وجودي يحتوي النفس وإراداتها ومشاعرها، والعقل وقراراته، وهو فضاء الروح الَّتِي تنبض داخله الحياة وتبث فيه حركيتها وما ينبغي أن تثير فيه من ممكنات، ولذلك فهو يتسم بنوعين من العلاقات الوجودية والكونية، داخلية مع ذاته وخارجية مع جماعته ومجتمعه وعالمه ومع القيم المحايثة له عبر المجتمع الإنساني. إن الارتقاء فِي التعامل مع الجسد واحترامه من قبل الشَّخص والمؤسسات عامل مهم من عوامل تأسيس القيم الإيجابية الَّتِي من شأنها السّمو بالإنسان واحترام كرامته. ولقد أدت عوامل مهمة أفرزتها حركة المجتمعات إِلَى قبول الأنثى ببيع جسدها فِي أسواق الدعاية والإعلانات الاقتصادية على مختلف شاشات التلفزيون والأنترنت والهواتف والسينما والأغاني منها الفلسفات والمواقف الموجهة بهيمنة الفكر الذكوري، والجهل والأمية والفقر وعدم احترام الذات بسبب انهيار منظومات القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية وانهيارات مستوى المعيشة، مما أدى إِلَى ضياعٍ سبّبَ فيما سبّب الوقوع فِي أدران الشبق الجنسي والجوع الجسدي تعبيرا عن خواء روحي، ونوعا من أنواع الخلاص الواهم، فضلا عن التهافت على معايير جمالية معينة فِي قياس شكل الأنثى وإظهار مفاتن جسدها عارية لجذب أنظار الرجال تغييبا لايجابياتها الأخرى، ولقد انتبهت النسوية لهذه القضية الخطيرة الَّتِي تعمل على تشيئ المرأة حين تسلِّعها وتغيّب مفاتنها الأساسية فِي عمق الفكر ونبل المشاعر وفي تفوقها الإبداعي والثقافي ودورها الفاعل فِي الميدان الاقتصادي وصنع القرار السياسي حين تتاح لها فرص المشاركة، فعملت على قلب المعادلة التقليدية الذكورية فِي جعل المرأة شكلا للفُرجة والانتقال بها من العناية بجذب الرجل لشكلها فقط إِلَى العمل بمثابرة على مشاركته فِي ميادين الحياة كافة، مما دعا النسويات إِلَى رفض تسليع الجسد وتشييئ المرأة والانصراف عن المبالغة بالاهتمام بمعايير الجمال الذي استقر فِي نظر الرجل ومعه المجتمع، وانتقاد كون الجسد أداة زينة للعرض والمتعة فقط، مما عمل على تفكيك معطيات الفكر الذكوري وتشكيل معايير جديدة ذات منطلقات مغايرة تطرح فكرا جديدا وكتابة جديدة وقدرة على المواجهة عملت على تغيير نوعية العلاقة التقليدية المستقرة بين الرجل والمرأة من علاقة تبعية وخضوع ومحاولة إرضاء وترغيب إِلَى علاقة حوار وانسجام ومشاركة وتعاون وتكافؤ، دون التخلي عن حاجات المرأة الإنسانية فِي جسدها وروحها معا. إذ تعلن عالية ممدوح بوعي معرفي على لسان شخصيتها الرئيسة (المرض أقل الأوجاع إيلاماً، الم تفكري يا عزيزتي بالآلام الأخرى، والشَّقاءات الَّتِي لا ترى بالعين المجردة، كانتظار ضمة من رجل... حتى لو متّ بعد تلك الضمة، لا يهم) 19، 20. إن إشكالية المرأة ما زالت وفي كل أرجاء العالم، لا تختلف القضية إلا بأرقام النسب، تكمن فِي هيمنة إرادة الذكورة الَّتِي تملي عليها أن تكون مَرضيّة محبوبة من قبل الرجل، وليس من حقها أن تكون راضية، مُحبة، مبادرة، وذلك ما يجعلها بعيدة عن جرأة المبادرة، محرومة من البحث عن فرصتها فِي التوافق والانسجام والحب، فنقصان الحب فِي حياة المرأة أمر غاية فِي الأهمية، كونه من الحاجات الأساسية فِي حياة الإِنْسَان من أي مصدر جاء من أعضاء الأسرة والمجتمع، أما أن تعيش العمر تعطي دون اخذ فذلك ما سيحيل على ما لا تحمد عقباه على المجتمع كله وليس على المرأة وأنوثتها حسب.

وقد انتبهت عالية ممدوح لذلك بدقة حين جعلت من شخصياتها النسائية نماذج للوعي فِي اتجاهات عدة، فإقبال النِّساء على أنواع العلوم والمعارف إقرار بقدرتهن على التواصل العلمي والمعرفي وتأكيد للفكر الذكوري ان هذا الميدان ليس حكرا على الرجال (كانت تستهويها العلوم وأخبار الفضاء ومجرات الكون الهائلة)20 فقد كانت الشخصية الرئيسة (سهيلة) ومعها شخصيات الرواية الأخر قادرات على التواصل، منفتحات على الفهم والتقبل لان أكثر أشكال التواصل بينهن وبين الآخرين كانت تتم ايجابيا عن طريق اللغة ولا تقتصر على الانفعالات والمشاعر فقط، فضلا عن كونهن قادرات على قراءة مشاعر الآخرين وإشاراتهم الانفعالية ([28]) ووضع ذواتهن موضع النَّقد فِي كل حين، وكانت كل سيدة من السيدات اللواتي أدرن الوقائع والأحداث قد اتسمت بسمات إيجابية فيما يخص العمل والأنشطة داخل وخارج بيتها على عكس ما طرحه الفكر الذكوري من أن المرأة غير متمكنة من أي عمل خارج البيت ورعاية الأطفال، فكانت بلانش تاجرة ومبدعة فِي صناعة السجاد الأصلي، وتيسا مبدعة فِي العمل الأكاديمي وفي الإخراج الفني وليال وهي تنال درجة الامتياز فِي الدكتوراه متفوقات فِي قدراتهن العلمية وكذا وجد فِي الطب وكارولين ونور ونرجس ورباب وأسماء على كثير من الرجال.

إن الراوية العليمة الَّتِي شكلت السرد الكلي والتي كانت تدفعها وعياً وسلوكياتٍ، رؤى عالية ممدوح الَّتِي اتسمت بسعة فضاءاتها وقدرتها وإدراكها لكل منطلقات المنظومة الذكورية. ومن خلال الاسترجاع والمنولوجات طرحت لنا الشخصية الرئيسة سهيلة تفاصيل ماضيها، ماضي المرأة ومكابدة العذاب الذكوري الذي ألحقه بها زوجها المتعلم والقائد العسكري وهو يضربها بقسوة، يضربها دون أسباب تبرر الضرب إن كان هناك ما يبرر ضرب إنسان، يضربها حتى وهو يمارس معها علاقته الزوجية. (لا اقدر على تحريك ساقي وظهري كما يجب، يعتقدان دائما انني مريضة، قبل أن يعرفن مثلا أنني ضربت ليلة البارحة ضربا حقيقيا..... عيناي الكبيرتان يزداد اتساعهما وانا أظلل جفنيهما باللون الرمادي المزرق كي اخفي ورمهما... الألم الشديد، الرفسات فِي القفا، والهراوات العسكرية كان المسدس فِي بعض الأحيان يخرج من الدرج ويصوب علينا خلال ثوان، فيشعرون بلذة طاغية حين يشاهدوننا نستعد للفرار منهم) 8 – 9.

ان النفي المادي والمعنوي الذي تطرحه رواية (المحبوبات) منذ الصفحة الأولى (فِي المطارات نولد والى المطارات نعود) تؤكد لنا المسار الذي ستتخذه الرواية منذ استهلالها وحتى الخاتمة فكان الخوف والشعور بالغربة والاضطهاد والصبر المر والكفاح الوجودي وفي الأسرة والمجتمع وعلى الصعيد السياسي هو جوهر الرؤى الَّتِي شكلت الخيوط الرئيسة الَّتِي نسجت فضاء النص بكامله. الخوف الذي ينخر الداخل الإنساني فيخرب أمنه ويوجع جسده، ويقلق شعوره ليمنع تسرب اي نوع من البهجة او الفرح إليه (انتابني خوف شديد لما وقع نظر شرطي الامن الفرنسي فِي مطار شارل ديجول على ملف أوراقي الكندية المؤقتة. أصبت بالهلع. خوف يشبه الأسيد، قادر على حرق جلدي وقلبي من دون أن ينبعث مني أي دخان. لازمني طوال سني عمري ولا اعرف من أين أتى ومتى سيتخلى عني، كان حاضرا على الدوام وأنا أمشي خلفه، وسط المدن والناس والبيوت الَّتِي سكنتها فالتصق بعضنا ببعض وبدونا كتوأمين. تقول أمي، لا، خوفي أنا كالزرنيخ أضعه فِي جيوبي وهو حاضر للمص والبلع)13.

لكن سهيلة لا يفوتها بعد أن وعت القضية أن توجه لنفسها ولنساء جيلها من الصديقات نقدا مرا على سكوتهن على الإهانات وابتسامهن بوجه القامع ورضاهن بدور المقموع الذي يخفي استياءه وراء الجدران العالية. ان الازدواجية ما بين النظرية وادعات التقدم تتمثل بأخر موديلات السيارات والأحياء الَّتِي لا تعرف من الرقي غير الجدران الشاهقة والأسلاك الشائكة وفي الداخل يُمارس سلوك مشين تعيشه الشرائح البرجوازية وتدفع ثمنه النِّساء من كرامتهن وصحتهن وأجسادهن، وهن مسؤولات عما يجري مسؤولية القامع نفسه ما دمن خانعات تحت سلطة الجلاد. تلك أزمة الوجود الَّتِي تعاني منها المرأة فِي العالم كله وفي الدول المتخلفة خصوصا والقسر الذي صار أمرا اعتادت عليه تتقبله واقعا مُرا وتصفح عنه. إن الإِنْسَان لا يمكن ان يدرك ذاته إلا من خلال علاقته بالآخر وبالأشياء من حوله ذلك ما أقره كانت ومن بعده أكدت ظاهراتية هوسرل إن الوعي لا يتحقق إلا بتوجهه نحو إنسان أو موضوع أو أي شيء، أما هيدجر فيؤكد أن الموجود البشري ليس ذاتية مغلقة على نفسها، بل هو بطبيعته خارج عن ذاته، كائن فِي العالم، ويغدو إنسانا وهميا حينما ينكفئ على نفسه معزولا عمن وما حوله([29])، وفي هذا الانغمار بالعالم والتفاعل معه يتحقق وجوده، لكن هل كانت سهيلة معزولة أو شبه معزولة عن حركة الحياة والمجتمع وهي فنانة وراقصة مسرح ووالدها فنان ومخرج..؟ دائرة فِي فضاء الرجل، حتى أنقذها الوعي بذاتها، فأحست بضيم القسر الذي يحيط بها، وزادتها الحركات التحررية والنسوية وعيا فراحت تعمل على توسيع دائرة معارفها وعلاقاتها. ان نظرة راوية عالية ممدوح للجسد وحركاته تقترب من التصوف احترما واحساسا حادا بدواخله وما يعتلج فيه من مشاعر تسمو بها وتمنحها من القوة ما لا يقهر (تضع الأسطوانة المختارة للمغني الغجري القبيح وتنفصل عني وعن الموجودات، وتصير كائنا ليس بمقدور أحد قهره، تهمس فيما بعد وهي على وشك البكاء: إن الجسم أثناء الرقص يسعى إِلَى الكتمان، والنّاس لا تفكر سوى فِي إفشاء الأسرار)21.

إنَّ روايات عالية ممدوح لا تؤمن بالحياد، إنها روايات قضية، والقضية قضية الإِنْسَان وليس المرأة حسب، الإِنْسَان المضطهد بحكامه ومنظومات قيمهم الظلامية مرة، وبثرواته الَّتِي كانت وبالا عليه أخرى، لأنها استعدت عليه طغاة الدول المتسلطة فاجتاحوها نهبا وسلبا وقتلا واعتداء وكان النفط من أكثر تلك الثروات الَّتِي ابتلي بها الشرق العربي وبالا، تنتقد الرواية مادية الحضارة الغربية المعاصرة وإهمالها الإِنْسَان وقضاياه واعتمادها التسويق جلبا للأرباح المادية فِي كل شيء وما ألحق ذلك بالإنسانية من خسائر بشعة وحروب مدمرة. فممدوح لا تخص رؤيتها الروائية بالدفاع عن قضية المرأة منفصلة عن المجتمع، بل هي تدافع عن قضية الإِنْسَان عموما، عن حريته وكرامته وحقه فِي العيش بسلام، فقضية الإِنْسَان لا يمكن تجزئتها بموضوعية، لكنهم جزؤوها بالمصالح والذرائع الَّتِي يحرص عليها الطغاة والمحتكرون.

السُّلطـــة مـن منظـــور الرُّوايــــة النُّسويــــة:
السلطة هي القوة والقدرة على التحكم بالآخرين، والسيطرة على مجريات الأحداث بأساليب عدة بعضها يذهب للإقناع ويتذرع الآخر بالإكراه([30])، وأكد بعضهم ضرورة التفريق بين السلطة والتسلط من حيث كون الأولى أداة لإحقاق الحق الذي لا يمكن أن يجري دون نوع من القوة، بينما التسلط هو الظلم فِي استعمال القوة واتباع وسائل القهر والعنف والقمع الَّتِي قسمت على ثلاثة أنماط حسب جون كينيت هي، الكيفية القسرية فِي استعمال السلطة حين تلجأ للعنف وقهر الإرادة والإقصاء ومصادرة القرار، والثانية الكيفية التعويضية الَّتِي تعتمد الإغراء والهبات فهي تصادر حقوق الفرد يشرائه ماديا، والثالثة الكيفية التَّلاؤمية وهي اقرب الثلاثة للحوارية الَّتِي يمكن لها معالجة الاختلاف عبر الحوار المعرفي([31])، وهذه الطريقة هي الَّتِي عولت عليها التنظيمات النسوية كثيرا فِي مجابهة الفكر الذكوري، أما الطرائق الَّتِي ظلت سائدة عبر التاريخ فِي التعامل بين الطرفين فقد كانت الكيفية القسرية الَّتِي تعتمد القسوة ومحاولة الإخضاع حتى بين الأبناء الذكور والأمهات، تقول سهيلة: (أتوق إِلَى لمسة حنان من الأبناء القساة)150.

تتمثل هيمنة السلطة السياسية والذكورية وكوارثها فِي روايات عالية ممدوح بالخوف القامع الذي يسيطر على شخصيتها الرئيسة وعلى حركة الشخصيات الأخريات من حولها، وهو فِي الحقيقة خوف المؤلفة الذي يدفع بمشاعره نحو شخصياتها كما أكدت لنا رواية (الأجنبية). وهذا الخوف كان منبعه من وطنها القسر والحروب والموت وجوع الحصارات والسطوة المنبثة فِي جوانب الحياة كلها، كابسة على الحرية الشخصية والحريات العامة، مما يجعل الفرد يفتقد الشعور بالأمن والسلام حتى فِي بيته، وبعيدا عن العراق ظل الخوف هاجس الشخصية الذي لا يفارقها، يؤازره فِي إشاعة الوجع بروحها معاملة الرجل القاسية، وفيما يخص التعامل مع جسد المرأة فقد امتد العنف المتسلط ليشمل هذا الجسد حتى فِي اللحظات الإنسانية الَّتِي يُفترض أن تكون حميمة، ان الرَّجل فِي القرن الحادي والعشرين يواصل أساليب الضرب ذاتها فهو يضرب الزوجة والابنة والأخت كما كان يضرب العبيد فيما مضى، تقول سهيلة بعد حادثة ضرب . وينسى الرَّجل انه فِي عنفه مع المرأة حتى فِي علاقته الزوجية لا يسيئ اليها حسب، بل يسيئ لإنسانيته أولا،231 تيسا الأكاديمية الفنانة المخرجة المسرحية تقول لسهيلة: (لا تترجمي رقصك، ارقصي فقط، استسلمي لكل ما يزدحم فيك) وتلك نصيحة معرفية فِي الفن كي تتفرغ الموهبة للأداء، لكن الراقصة لا تستطيع الانسحاب من ذلك الماضي الثقيل الذي يرهقها، ذلك السيد الذي ينتظرها كحفار القبور فتنقاد اليه (كجثة قديمة، يتحكم بظلام الغرفة ويركز قوة الضوء على حوضي على عجل، بسرعة، بثيابه، وسرواله الكاكي والقبعة فوق رأسه... لا ينظر فِي وجهي، أصير فراغا رهيبا... فتنقلب احشائي يدفعني، فاذهب إِلَى الحمام أتقيأ) 231، إن الرجل هنا لا يريد مشاعر المرأة، ولا يأبه بمشاركتها، انه يضاجعها بجفاء الغريزة الجائعة، دون كلام ولا لمسة محبة أو نظرة حنان فتنقلب أحشاؤها، وتتحول مشاركة المتعة والتراحم إِلَى تعذيب. أية مرارة هذه العلاقة الَّتِي لا تعمل على استحضار زهو الحياة وديمومتها بالتواصل الحميم، بل تسهم فِي عقمها. إنها اللغة الكاشفة الَّتِي عملت على تعرية عنف التعامل مع المرأة وزجر إنسانيتها بلغة مغايرة عما سبق لأنها لغة امتلكت شجاعة الإزاحة، إزاحة اللغة الخانعة التابعة والهادفة إِلَى الإرضاء والاستكانة والحرص على ركود السائد، ولذلك أكدت جماعة السياسة والتحليل النفسي انه لا يمكن تحقيق الثورة إلا بتعطيل رموز اللغة البرجوازية وإزاحة الأغطية عن الحقائق والتمرد على الموضوع المتناسق من خلال تغيير الموروث واللعب بالدلالة والتلاعب بالألفاظ بشجاعة، وعلى نحو متواصل، يمكن تدمير اللغة والنظام القديمين)([32]). ولا يقتصر الزوج على إهانة المرأة فِي فراشها وبيتها حسب، بل يلاحقها بالإهانة إِلَى حيث تعمل، وعلى المسرح امام جمهور المتفرجين (م يحولني الواقع إِلَى شجاعة مثلهم، حتى بعد ان باغتني الزوج وهو يسحبني من ثياب آخر دور قدمته على المسرح أمام جميع أولئك الزملاء. لم ينطق احد بحرف واحد وضع راسي على قدميه وضربه بيد خبيرة فلم احتج مثلهم بالويل والثبور، قلت ربما هو تجاهل الواقع وأنا اجهر به وهذا ممنوع)230، (وهذا الاستسلام دفع برباب الفنانة المبدعة بالنحت أن تقول لسهيلة) (كنت تزعجينني كثيرا باستسلامك) 266، فأبشع أنواع العبودية أن يستسلم العبد لعبوديته ولا يرفضها ويثور عليها. أضغط على الفودين وأكاد أصرخ، لكنني لا أفعل، ما نفع كل هذا، كنت غبية ودمي نشّفته سياط الجمهورية الفتية والزوج يهوي بعصا الطاعة على جسدي، وأنا لا أصرخ، أنظر إِلَى جسمي من سقف فمي، من أحمر الشفاه الفاقع.... بالسم المغشوش الذي كنت على استعداد لبلعه كي أنام وحدي.. وأنت يا سهيلة فِي كل وقت بالدموع، يا للحظ العاثر.213).

وقد يؤدي الوأد العاطفي لتوليد عنف متبادل بين الرجل والمرأة، فيتبادلان الضرب الجسدي حين تكون المرأة صلبة وقوية الإرادة فترد الإهانة بالإهانة والقسوة بالقسر، لأن قوة المرأة كثيرا ما تستفز الرجل وتزيده عنفا هادفا إذلالها، تقول فريال (انه حتى حين يتقلب فِي السرير كان يصب لعناته علي، كان مصابا بي، انا النوع الذي لا تسيل الدموع على خديه، حديد غير مطواع، اذا لطمني على خدي لطمته على قفاه، امر فظيع وبغيض 262) وأية كارثة كانت النتيجة، احتقار الطرفين لبعضهما وما يلحق الأسرة وأطفالها جراء ذلك من تقكك وشتات وسوء تنشئة.

ومع موجة التفكيك ومصطلحاته الجديدة، أفادت الحركة النسوية أيما فائدة من الجهاز المصطلحي لهذا المنهج وما طرحه جاك دريدا من العمل على هدم الثنائيات الَّتِي تهيمن فيها الأولى على الثانية، وفي طليعتها ثنائية الرجل والمرأة الَّتِي همشت القوة الأولى فيها الثانية وأقصتها وغيبت خبراتها الإنسانية، فضلا عن تفجير المراكز والالتفات نحو الهوامش الَّتِي ظلت خبراتها غائبة هي الأخرى والتشكيك بسلطة العقل، وهدم فكرة المركزية الغربية انطلاقا من كون الحضارة الإنسانية جهدا مشتركا للبشر كلهم عبر العصور التاريخية وليس حكرا على غرب أو شرق..

وقد يشمل العنف الرجل والمرأة كليهما، كما يشمل الطفولة حين يكون الطغيان سياسيا شاملا فِي حالة الحروب والاحتلالات، فالحركة النسوية فِي بعض جوانبها هي الحركة السياسية للمرأة الجديدة وقد كان نموها اسما وفعلا منذ الستينات ملازما للنقد النسوي، فكلاهما غير مقتنعتين بحضارتهما، والنِّساء الناقدات يمكن لهن أن يكن نشيطات سياسيا، وقد أدت الحركة إِلَى تشجيع النِّساء على السلوك كما لو ان كل امرأة ناقدة قادرة على الانشقاق والتشريح والوعي بقوة النظم الرمزية والايديولوجيات والعقائد والنصوص([33]). فالرواية تكشف أدران الجريمة وتعريها، ومن خلال فلم وثائقي عن الحرب الفيتنامية تعرضه القناة البريطانية الرابعة تسترجع سهيلة وجه (كن) الفيتنامي وهو يحكي لها بوجع ما وقر فِي ذاكرته عن عذاب تلك الحرب ورعبها (إنها امي يا سهيلة الَّتِي حشرتني بين ضلوعها وقفلت علي ثيابها من الخوف الشديد علينا ونحن ننتقل فِي عربات النقل والقطارات المحملة بالجثث لكي لا اصرخ جوعا وعطشا، كنت جامدا وهي تنقلني من صدرها إِلَى ما بين فخذيها، تحبسني هناك فأسترق النظر إِلَى ما حولي من بنيتها الصفراء المعظمة والمريضة على طول الطريق الذي كان مزدحما بالجنود الامريكيين....كنا هدفا سهلا نحشر ونسحق كالحشرات ويُلقى بنا فِي الغابات والمزابل وعلى مفارق الطرق، بول أمي – الذي كنت أشربه – هو الذي أنقذ حياتي هي ورثت التهاب المثانة المزمن وانحباسا فِي الكلية، وأنا ورثت التهابات فِي الحلق وتشققا فِي البلعوم لا زالت آثاره باقية حتى الآن، كان البول يحتوي على حصى ورمل والكثير من الدم بلعته ولم أعر ذلك اهتماما، من يميز فِي تلك اللحظات بين البول والدم.252) إن مثل هذه الانتقاءات الَّتِي يلتقطها الأدب من الواقع ويحولها من خلال نمذجتها إِلَى فن يفعل فعلا يفوق الوثيقة التاريخية تأثيرا وتعرية للجرائم المنافية للإنسانية الَّتِي أوقعتها أمريكا بالشعوب البريئة والناس الابرياء، إنها تكشف عن زيف الادعاءات الَّتِي ادعتها تلك الحضارة الماجنة عن الحرية والديمقراطية وسعادة الإنسان، فِي حين كانت تحطم حياة الإِنْسَان ظلما وعدوانا لأنها حضارة تفتقد القيمة وتدوس على المقدسات وتمتهن كرامة الروح، وهي تعلم أو لا تعلم أن الله سبحانه مقدس فِي السماء وعلى الأرض، وألا أكرم على الأرض من الإِنْسَان بتأكيد من الله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم)سورة الإسراء، 70. وهذه السلطة الغاشمة لن تنتهي بانتهاء الحرب، بل تترك آثارها على المسحوقين بها لأزمان. يقول (كن) بعد سنوات طويلة (تعلمت رجَّ جسمي رجا شديدا، كنت أخزه، وأضربه، وأشقق لحمه وأدميه، أدوس الشجيرات الشائكة، أغرز لحمي بالزجاجات المهشمة والآلات الحادة، وأشاهد دمي يسيل أمامي... أريد أن أقطِّر وأنظف دمي الفيتنامي كي أتخلص من العرق الأمريكي) 252 – 253. هذه الإدانات لأمريكا تؤكد التزام الرواية بموقف من خلال رؤية تحدد لها توجهات السياسة المعاصرة الَّتِي أغضت عن مصالح الإِنْسَان الحقة وانصرفت بغطرسة الطغيان لمصالح الاحتكار ونهب الشعوب بقهر إرادتها مؤكدة عنجهيتها، إذ لم تُفد أمريكا من الدرس الذي لقنها إياه الشعب الفيتنامي فراحت تواصل مشروعها العدواني على العراق وأفغانستان، فضلا عن تدخلاتها فِي السياسة الداخلية لكثير من شعوب الأرض.

خــــبرات ومعــــارف نسويـــــة:
الخبرة هي اكتساب المهارات عبر التجربة والمعرفة والممارسة والتمرين المستمر معا، وتطلق على من امتلك الطاقة والكفاءة والقدرة على البرهان فِي ميادين عملية بمختلف التخصصات العلمية والعملية والفكرية والتعبيرية وفي صنع القرارات، وترتبط الخبرات بالتجارب وطرائق معالجة الأزمات وما تمليه وقائع الحياة الَّتِي تتطلب من الإِنْسَان الصبر والتأني وسعة الأفق والجدارة فِي القدرة على تجاوز التجارب بنجاح، هذا النجاح الذي يتطلب الحكمة والإفادة من تجارب الآخرين ومعارفهم، إنها معرفة بالحياة لا تكتسب إلا عبر التجارب العملية الَّتِي يعيشها الإِنْسَان فعلا، ويكتسب من خلال معايشتها دروسا حياتية وعبرا ومعارف جديدة. وكلما اتسعت فضاءات عمل الإِنْسَان وتباينت كما ونوعا زادت خبراته وتعمقت تجاربه، وتلونت معارفه، فالمعارف ليست تلك المسطورة بالكتب حسب، بل هي تلك الَّتِي نعيشها وتسعدنا مرة، ونكتوي بنارها وعذاباتها مرات، وعبر الحزن والفرح والمكابدات يكتسب الإِنْسَان الجرأة والشجاعة على مواجهة مصاعب الحياة بوعي أعمق، ولقد عاشت المرأة عبر التاريخ ألوانا من المعاناة والألم والاضطهاد وتحملت قسوة الرجل والمجتمع وظروف الفاقة والحرمان، وتعلمت من خلال كل ذلك الكثير، لكن الهيمنة الذكورية لم تدون خبراتها ولا أستنارت بتجاربها، فراحت بنفسها اليوم تفصح عن كل ذلك، انها تتحدث عن الإبداع بحداثة على لسان المخرج (فالنصوص سجون كما هي سجون الوطن وما عليكم إلا أن تكسروها بالأداء المغاير الذي يزعزع.. 260) وهو يُلمح بتعبيره للقسر الذي يعيشه إنسان وطنه من خلال حديثه عن النص المغلق الذي يسجن القراءة فِي بعد واحد فِي حين يفتح النص الحداثي دلالاته ونهايته لقراءات عدة، وتبدع سهيلة فِي حديثها عن الرقص اذ تدمجه بحركة الروح والجسم والجنس والخبرة، فهو ليس محاولة لملء فضاء الفراغ بحركات جسدية جمالية حسب، بل هي تصفه بشعرية تؤهله ليكون فنا كونيا لتجريديته فهو يرشدها لتحريك العالم معها وضمن الهامها، يرتب المها ويجعله اكثر صلابة وخفاء، أطر الصداقة وحصّن صداقاتها أعمق، وحين تبدأ بالحركة الاولى تراقب التحولات الَّتِي تطرأ عليها من الداخل والخارج، فتستوعب العالم فِي الحال حتى لو هجرها الجميع، وهن على الخصوص، فسرعان ما أعود وأستحضرهن تباعا، وأنا أقود جسمي إليهن ثانية وثالثة، تقوده ولا تجعله حاجزا، تعلمه ويشرح لها كيف يدرأ الأخطار عني وعنهن([34]) هذا ما تدونه سهيلة عن مشاعرها وهي تمارس الرقص، فهو فن تحس وهي تمارسه بمقدرة على اختراق الحواجز وامتلاك طاقات استثنائية لدرء الاخطار واحتضان العالم، فنحن نجدها تتحدث بالسياسة والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع وبالحرف والقوانين وحقوق الإنسان،([35])، تفصح عن رأيها بالحب وبالأزواج والصداقة والقوانين([36]). تقول رباب لسهيلة عن الصداقة والحب (هؤلاء الشبان اصدقاء لا يقدرون بثمن، لا يجمعنا واياهم العار ولا يفرقنا الندم والانين، إنني مثل معظم النِّساء، أومن بان الحب شيء لا علاقة له بالجنس قدر علاقته بالمخيلة، وأنا أحب الحب كثيرا، أعني به الحب النادر، يخيل الي ان للأمر علاقة تكاد تكون قدسية مثلما نشعر بحضور الله، شقاؤنا لا محدود عند غيابه، وفوق هذا كله اشعر بان الله يحبني جدا كما أحبه، 271) إذ يقترب الأدب هنا كثيرا من الفلسفة فِي النظر إِلَى الحب حد الاشتباك، ففي موضوعة العلاقات الإنسانية كانت المحبة واحدة من انشغالات النِّساء المهمة، وقد حرصت الرواية على طرح ألوان رائعة من علاقات الصداقة الحميمة والراقية بين النِّساء من جهة وبين العوائل من جهة أخرى مما عزز الاخوة والتلاحم والانسجام بين الجميع على اختلاف انتماءاتهم الدينية والقطرية والقومية مما جعل العلاقات تمتاز بتوجهها الإنساني النبيل مع الحرص على الخصوصيات الَّتِي تتعلق بالأوطان ومشتركات الماضي الشعبية، أما العلاقات الزوجية فقد كان القليل منها ما تحرك بعوامل الإيجاب كالعلاقة بين نرجس وزوجها حاتم، ونور وخطيبها أحمد، بينما تموج العلاقات الأخرى فِي ذهن سهيلة ووجد ووالدة كن الفيتنامي وغيرهن بعوامل السلب والصراعات والإهانات والكبت والضرب والقسوة، فِي حين ينعطف نادر عن صفات والده القاسية الَّتِي عانت منها والدته إِلَى الرقة واللين والتعاطف الشديد مع الزوجة، وانعطافته تلك تشكل رد الفعل العكسي لما شاهده من غلظة سلوك الأب وجفائه.23 و232 حتى أثناء العلاقة الزوجية الحميمة، (وفي حالة عجزه الجنسي ينصبُّ على المرأة عنفا ، أحاول الاختفاء عن طريقه وهو يجري خلفي بكل الآلات والمنافض وأفلام الفيديو الخليعة، يزجرني بالعصا الغليظة ويرميني بآنيات الزهور ويجلدني بحزامه الجلدي على ما يفضله من بدني)([37]).

وتؤكد معظم الشخصيات النسوية أن المرأة فِي الحب تشعر بإنسانيتها، بنبلها، لأنها من خلاله تشعر بكينونتها وهي بدونه (فارغة خاوية ومعطوبة ، أحبُّ أن أحبَّ، أحبُّ أن أُحب وأكون محبوبة، أحب جميع الكلمات الَّتِي انتظرتني ولم أقلها لأحد، أحب الكلام المجهول الذي لم أتأكد من وجوده)([38]) لكن الحب الذي تتطلع إليه المرأة لا يُجهض بالضعف والخيانات حسب، بل بالحروب وذرائع الطغاة كذلك. إنَّ عالية ممدوح تطرح الحب حاجة إنسانية أساسية تبدع شخصياتها النسوية فِي التعبير عنها، تقول رباب (إنني مثل معظم النِّساء أومن بأن الحب شيء لا علاقة له بالجنس قدر علاقته بالمخيلة وانا احب الحب كثيرا، أعني به الحب النادر، يخيل إلي أن للامر علاقة تكاد تكون قدسية مثلما نشعر بحضور الله، شقاؤنا لا محدود عند غيابه، وفهذا كله أشعر بأن الله يحبني جدا كما أحبه 271) وكأن كل واحدة منهن تدرك بالفطرة أن كل حب عظيم إنما هو نسيج وحده فهو عالم مستقل قائم بذاته ولا سبيل إِلَى مقارنته بغيره من ضروب الحب لكن هناك دلالة إنسانية عامة تكمن وراء كل أنواع الحب، إنها قيمة كلية مشتركة، وصورة من صور الخبرة البشرية بكل ما تنطوي عليه من تناقض وصراعات، وهذه الخبرة تتيح لنا أفقاً نبصر من خلاله ماهية مشتركة تسمح لنا بتسمية كل تلك الأنماط المختلفة من التجارب الإنسانية باسم واحد هو (الحب)([39]). 237. وهي تطرح قضية الموت بوصفه أليفا لا يبعث الرعب فِي نفسها، بل حالة تنقلها لعالم (أفكر فِي موتي، فكرت فيه طويلا، موتي لا يعكر صفوي، يعجبني، يأتمر بأوامري. 285)([40]).

وتدرك تيسا الأكاديمية أن رضا الناس غاية لا تدرك ولذلك تطلق وصيتها بأهمية القدرة على صنع قرار ذاتي، فذلك أمر جوهري بالنسبة للنسوية كونه يدعو المرأة لتفعيل العقل والتجربة والخبرة والتأني من أجل صنع قرار صائب تستطيع الدفاع عنه وتحمل تبعاته (يا سهيلة بنت احمد، يا من اعترفت لي ببراءة عجيبة ان الدقائق السبع الَّتِي راقصت فيها السيد فاو من على مسرح الشمس تعادل سيرة حياتك كلها فصدقتك.... لا تفعلي سوى ما ترضين عنه وعليه أننا لا نرضي من حولنا أبدا مهما حاولنا) 237. وفي الحديث عن العلاقات العابرة بين الجنسين تعبر رباب عن رفضها العلاقات العابرة كونها علاقات غير بانية، فالرواية تدعو إِلَى بناء حياة إنسانية متماسكة ومسكونة بالمحبة (ومع هذا فلا أحبذ شخصيا العلاقات العابرة، إنها تثير لدي رعبا كما لو كانت موتا، وإهانة لا مرد لها من السماء أو من الأرض، خفة لا أطيقها فِي روحي، العلاقات العابرة هي العيش بالمقلوب) 270. وهذا رأي سليم – يؤكد بورني - لان النضج الجنسي للمراة اكثر ارتباطا بحياتها العاطفية مما يجعل الزواج المستمر المجال الحيوي للازدهار والاستقرار، فِي حين لا تقدم لها العلاقة العابرة مثل هذه الإمكانية([41])؛ لأن العلاقات العابرة تتسم بالهشاشة ولا توفر حياة أسرية متماسكة تتسم بمشاعر الأمن العائلي.

وأمام تألق ليال اللبنانية فِي مناقشتها للدكتوراه تؤكد سهيلة أنها للمرة الأولى تشهد نصرا عربيا فِي مكان أجنبي وفي اتجاه خارج المدفعية والدبابة. وكأنها تقول إنهم لا ينتصرون علينا علميا ولا بالمنطق بل بالحديد الذي يسرقونه ووقوده من بلادنا، فيخربون حياة أبنائنا كما خربوا حياتنا (كنت ارتعد وأنا اسمع صوت المارشات العسكرية وصواريخ ارض جو وأشاهد ألوان الحرائق فِي سماوات بلدي، ذلك الشرق المحاصر بين فلسطين وبغداد وبيروت، هاهما ليال ونادر كل فِي قارة بينهما الهزائم والجرائم الَّتِي ضربتهما كل فِي اتجاه) 222 حيث تحول الحروب بين تواصل المحبين وتعمل على تخريب علاقات كانت مهمة الحضارات تيسير أمور سعادة الإِنْسَان وفرحه فِي تحققها.

وتبدع سهيلة فِي التعبير عن خبرة المرأة ومشاعرها أمام إحساسها الصوفي وهي تمسك بحفيدها بين يديها، فأمام اللحظات الجليلة لا يستطيع الإِنْسَان وصفا، هناك من المشاعر ما تعجز بلاغة الأدب والفنون عن وصفها (للجدة حاسة جديدة لم يسبق أن امتلكتها الوالدة، لم أدرك ما بين يدي ونادر يسلمني إياه بعد ساعات فِي المستشفى. لم يكن بالنسبة إلي حفيدا، ما هذا الأمر الذي كان يتجاوز إدراكَه عقلي، انه ليس مجرد طفل... لديه سلطان وهو بين ذراعي يجعلني أغير جميع تصرفاتي، كنت أتحاشى عناقه، خفت على حالي وليس عليه، خفت وأنا أتأمله من أن أتلاشى بينما أشم رائحته، رائحة غير محددة تجري بيننا، تبعث فِي النفس نوعا من الإيمان والورع لا علاقة له بالأديان جميعا، وإنما بشيء لا أعرف كنهه بالضبط، رضى غير مكتمل، شِعر منهوك القوى وتصوف يرتدي الحرير لا الصوف 238) وهذه اللحظات لا توصف لأنها تبعث فِي النفس نوعا من الإيمان والورع لا علاقة له بالأديان جميعا، لأنها لحظات تصل الروح بالله سبحانه مرسل الأديان كلها، الله الذي جعل من الإِنْسَان خليفة على الأرض وكرمه ومنحه شرف الديمومة، ومثل هذه اللغة النورانية تقترب كثيرا من الشعر فِي لغة عالية ممدوح الروائية.

وتفخر بلانش بدقة عمل المرأة وإتقانها (كان شعوري بالفخر يتعاظم وأنا أقرأ ان جل صناع تلك الأنواع الرائعة والفاخرة من السجاد هن من النِّساء 235) ان الاعتداد بصناعة السجاد ونسج خيوطه هو المعادل الموضوعي لنسج علاقات شبكة الحياة الَّتِي تدير جوهرَها بهاجس الحب والحرية روحُ المرأة المؤثرة والمانحة بلا حدود، تقول خبيرة صناعة السجاد بلانش (أنا حالة خاصة حياتي اليومية فِي تفاصيلها إبداع يتنفس... كلما التفت فِي شقتي أشاهد أنواع السجاد ولوحات السجاد ونصوص السجاد الصغير وهو يحيط بي... اشعر بشبكة من الأصابع والأكف والأذرع والسواعد تحيط بي، اشعر بايد حنونة،حرة وحقيقية تعبر عن عواطفها، وهي بذلت جميع ما بذلت لكي تصل إِلَى الكنز، الحرية 236). والمرأة فِي الرواية أمام كل فخرها بالعلوم والفنون والمعارف والسياسة وبأنوثتها وأمومتها لا تنسى خبراتها الطويلة فِي فن الطبخ وصنع انواع الحلوى وحتى فِي خبز انواع من الكعك والمعجنات الَّتِي تجيدها بمهارة فِي بيتها وعلى مائدتها، مما يؤكد ملامح نسوية متوازنة يؤازرها الرجل نفسه كما كان يفعل حاتم ونادر([42]).

كلمـــــات أخـــــيرة:
لا يخفى أن فِي رواية المحبوبات ما يؤشر نوعا من التحيز للمرأة، وتعرية لمساوئ الكثير من الرجال من ذوي التعليم والرتب القيادية، لكن ذلك يمكن تبريره بأمور عدة لعل أولها أن المرأة العربية ما تزال تعاني الكثير من القسر والغبن على المستويات الحياتية كافة، وأنها بحاجة إِلَى دعم كل القوى الإنسانية الَّتِي يهمها الانتصار لقضية الإنسان، وثانيا ان كل حركة أو نظرية جديدة تحتاج فِي بدايتها لدعم خاص وكل خصوصية يكمن فيها شيء من التحيز وهي تدعو إِلَى الإقناع بما تطرح، وثالثا لكون رواية المحبوبات كتبت بمقصدية تفصح عن هدفها من خلال أكثر من موازٍ نصي كان أول هذه الموازيات هو العنوان، فالمحبوبات هن النِّساء فِي الرواية وسواء كانت وظيفة العنوان هنا دلالية منفتحة على المتن ام مغرية ام اغوائية فإنها تمثل سلطة موقعية دلالية معا يؤكدها تمركزه المهيمن على كلية المتن، وكان ثاني الموازيات هو الغلاف الذي كان لونه ورديا تطلع فِي وسطه كف امرأة دليلا على فاعلية حركيتها، وكأن المرأة طاقةً وإمكانيات وتطلعات قد تبلورت بكف تعمل وتؤشر وتمنح وترفض وتنتج، فضلا عن الإهداء الذي يمثل علامة مهمة من علامات الحركة النسوية المعاصرة، إذ أهدت المبدعة عالية ممدوح روايتها للناقدة والمبدعة النسوية هيلين سيكسو، المراة الفرنسية الجنسية والجزائرية الأصل، والكاتبة بأكثر من لغة، تلك السيدة الحوارية الَّتِي ناضلت ضد الاندماج الكامل فِي الهويّة الفرنسية بالقدر الذي ناضلت فيه من موقعها بوصفها واحدة من أبرز الناقدات النسويات من أجل أن تظل حريصة على عدم الانصياع للسجن فِي مفهوم المرأة، ومثل ذلك فعلت فِي حيز الإبداع، فكانت ضد حبس فاعليتها الإبداعية فِي نوع أدبي معين فكتبت الرواية والمسرحية والشعر والكتابات الذاتية العصية على التجنيس، وحتى فِي الكتابة لم تعمد إِلَى لغة صافية فكتبت سيكسو بلغة فرنسية تصفها بأنها مهجنّة تحمل فِي أعماقها آثار لغات أخرى كالعربية والإسبانية واللاتينية المهجورة وهي تعمل على تثويرها من خلال اشتغالها على إعادة اكتشاف ينابيع أصول الكلمات من جهة، وعلى السعي لابتكار كلمات جديدة من جهة أخرى، كما رفضت أن تسجن اشتغالاتها فِي حقل معرفي واحد فاشتغلت بالنَّقد الأدبي والفلسفة والتحليل النفسي والانثروبولوجيا، فِي سعي لرسم صورة للذات، بالرغم من إدراكها لصعوبة الوصول إِلَى تلك الذات بدقة، وإيمانها بعدم ثبات الكائن البشري وبتعدّد الأنوات فيه وصعوبة حبسه فِي هوية مغلقة[43]. وعالية ممدوح فِي تحيزها لقضية المرأة لا تنسى توجيه الانتقادات حالما تواجهها سلبية النِّساء وترددهن وصبرهن على القسوة والاستلاب، لكنها تعمل بمثابرة على جلاء الحقيقة الجمالية لفعل النِّساء الواعيات الناذرات انفسهن من اجل تحقيق الذات والهوية، والوقوف بعنفوان إِلَى جانب الرجل باذخات بفعلهن التاريخي وليس بشكل ملبس، ولا بما يعفر وجوههن من أصباغ ومحسنات، والمتأمل فِي التاريخ يجد رجالا منصفين قد دونوا فضائل المرأة بطرائق توازي او تفوق مدونات النِّساء أنفسهنَّ، ففيرنسزي يعتقد (أنَّ المرأة قد تطورت بدرجة عليا وان الرجل بقي بدائيا، والنِّساء كما يقول غاندي تشكل النصف الأفضل من الإنسانية، ويقول أراجون، لم يولد الرجل بالطبيعة طيبا، ولكنه يمكن ان يكون كذلك بفضل المرأة. إنني عدو السيطرة الذكورية الَّتِي لم تنته بعد، فالمرأة بالنسبة لي هي مستقبل الرجل بالمعنى نفسه الذي يقول فيه ماركس إن الإِنْسَان هو مستقبل الإنسان)([44]).

تقول سيمون دو بوفوار، ليس السر فِي الكلمة، وإنما فِي الوعي، ورواية المحبوبات كانت تعي أن الطابع الإنساني لم يكن يسير جنبا إِلَى جنب مع حضور المرأة فِي الواقع أولا، وفي الرواية، بل كان يطلع من صميم قضيتها وهي تناضل بضراوة من أجل الانحياز للحياة بأمن وسلام وبهجة مفقودة. إن الرواية إذ تكشف سلبيات ثقافة رائجة وسلوكيات استعراضية للقوة الهشة وسلطاتها، فإنها لا تبرئ المرأة من ركودها وسلبية ردود فعلها تجاه ما تعاني من قسوة وصدود ونكران، لكنها بالرغم من ذلك تواصل العمل من أجل التماسك والمقاومة وكثيرا ما تنجح، لكن سهيلة الَّتِي أحبت الجميع وأحبها الجميع، والتي كانت رمزا للمرأة المكافحة المنفية والصبور، مثَّل انهيارها ومرضها وقدرتها على التلقي مع عجزها عن الكلام والإفصاح انتكاسة كانت النهاية الطبيعية لذلك الكبت والصد والصبر ومعاناة الحروب وغياب الزوج فِي حرب طاحنة ومصير مجهول، فضلا عن مغادرة البلد هربا من ملاحقة أنظمة حكم قاسية وأجهزة لا تنفك تنشر الذعر، وكأن الرواية بنيت بناء دائريا، إذ بدأت محتجة على التغييب والإقصاء والنفي وانتهت بالتصميت مرضا فِي المنفى، لكن التحسن البطيء الذي تنتهي به بطلة الرواية الرئيسة يفتح باب الأمل للقراءات، ومهما يكن من أمر فإن الوقائع والأحداث ظلت تترى عبر حركية الشخصيات وتداخل زمنها وامتداد حيزها المكاني، وتلون الفواعل فيها واختلاف أعمارهم وجنسياتهم، وتباين أنماط السلوكيات الَّتِي عرضوها ما بين فن وعلم ومهن وأكاديمية وحِرف وتجارة وانهماك بحقوق الإنسان، يفوق كل ذلك قدرة هؤلاء المحبوبات على التواصل وإشاعة المحبة والعمل على تشكيل الانسجامات من خلال علاقات راقية وبوح حميم وتواصل دائم وتعاون فِي الشدائد، وما اجتماع (المحبوبات) حول سهيلة الشخصية الرئيسة فِي المستشفى واقتسامهن الأدوار للعناية بها إلا مثال على تلك العلاقات الإنسانية الَّتِي جمعت النِّساء بجنسيات مختلفة معظمها من الشرق، ومعهن تطلُعُ نماذج تقدمية من الرجال الذين آزروا المرأة فِي سموها وسعيها لحياة أفضل. وكأنَّ الرواية ترسم صورة ضدية راقية لما يرسمه المشهد السياسي العالمي من تكريس الحرب وتفكيك الدول وتفتيت الأمم والشعوب وإشقاء البشرية بالألم والتشرد والفقدان، ليكون الأدب رائدا فِي خدمة قضية الإِنْسَان واحترام كرامته، وطليعيا فِي تنبيه السياسة على استدراك الأمر ومراجعة خطيئاتها، مؤكدة سلطة الخطاب وأهمية المعرفة فِي مواجهة سلطة السياسة وعنجهيتها. إن صورة النِّساء حول سهيلة وحرصهن على استعادة صحتها مدفوع بوعي القضية الَّتِي يعملن من أجلها وتمثلهن إياها، ذلك أن ما يسعين من أجله لن يكون إلا بجهد صاحب القضية أولا، ومساندة كل الواعين من الرجال الذين كانوا عونا لهن فِي مسيرة المحبة، مؤمنين جميعا، بأن تقدم الحياة وازدهارها وتسريع عجلة تقدمها وبناء حضارتها لن يتم إلا بمشاركة كل أعضاء المجتمع الإنساني نساء ورجالا، وأن غياب نصف البشرية – النِّساء – عن عملية البناء هذه لن يعود على المجتمع البشري إلا بالخسائر، وبشلِّ نصف طاقاته وتعطيل كثير من خبرات هذا النصف عن فاعليته مما يعود على المعارف والإنتاج وميادين الحياة كلها بالخسران والقصور، ولذلك كان من حق (بلانش) أن تزهو بتفاؤل النِّساء وجمالهن الذي يعني ظهور الحقيقة من تحجبها الذي طال أمده، (فِي صحة أولئك النسوة صانعات ضوء جميع ما يحيطني من سجاد، فِي صحة ضوئك يا صديقتي 237) فالحقيقة ليست ما أشاعه الفكر الأبوي الذكوري الكابح عن سلبيتهن وضرورة إقفال البيوت عليهن خادمات لمصالح الرجل، حارسات لأمجاده، إنما الحقيقة هذه الَّتِي تجلت أمام بلانش بعد أن فُتحتْ أبواب البيوت ليخرجن إِلَى الحياة منتشرات فِي فضاءاتها، مبدعات بالعمل والفن والمسرح والديكور والحِرف والتجارة والإعلام والصناعات، حريصات على الأمن والسلام وحقوق الإنسان، مخلصات للأسرة والحفاظ على أمنها واستمرارها أكثر من الرجل، مؤمنات بالاستقلال الاقتصادي، متواضعات لا يتنافسن على الألقاب كما يفعل الرجل (أينما أتحرك ينتشي مزاجي وأنا أشاهد وجوههن أمامي مبتسمات وجميلات وبعيدات عن ألقاب البطلات... يعرفن بلا تردد إِلَى أين يتوجهن وماذا يفعلن حتى لو كانت حياتهن مدمرة من الألم، إنهن قادرات على العيش من إنتاجهن قادرات على العمل مع أنفسهن حتى لو لم يدركن ذلك تمام الإدراك)235. إنها تعرِّض بالرجال وبتهافت الكثيرين منهم على المناصب وامتلاك السلطة، بينما تتحمل المرأة أعباء مسؤولياتها الحياتية وعذابها بصبر ومكابدة وهن بهذا التحرر الاقتصادي يتحررن من التبعية بكل أنواعها ومن الرضوخ لاستلاباتها. وليس أخيرا يمكن القول ان الكثير من المفكرين الغربيين يدركون اليوم أهمية الطروحات النسوية الَّتِي لا تدعو للتطرف بل تحرص على إحلال التوازن الإنساني محل التمركز، يقول بيير بورني إن المجتمع المعاصر (يرتكب خطأ جسيما عندما يعلي من شان القيم الذكورية والنشاطات العدوانية وقيم المنافسة وعندما ينظم حياته بطريقة أحادية الجانب على أساس القيم الذكورية المفرطة الَّتِي تتحول إِلَى نوع من الامبريالية والعرقية الذكورية والعدمية لان هذه القيم لا توجد فِي حالة توازن أو تكافؤ مع القيم المناقضة لها والمتكاملة معها ولا سيما هذه الَّتِي تعبر عن القيم الأنثوية وهي الانفتاح والاحترام والحب والترحيب)([45]) مؤكدا أن الايروتيكية تأتي نتاجا لتلك الهيمنة الذكورية الَّتِي تعلي من شان جسد المتعة والجنس بالدرجة الأولى، بينما الجنس لا يشكل إلا جانبا واحدا من جوانب إنسانية لا تحصى، فضلا عن كون الجسد ينهض بوظائف تبني الحياة وتسمو بالحضارات وتفعِّلها، وتعمل على تطويرها.

إنَّ رواية (المحبوبات) تعالج بالتزام ومسؤولية قضية الألم اللاّ مشروع وهو ذلك الألم الذي لا ينتج عن طبيعة المنزلة البشريّة كليا، أي عن المرض والاعتلال والفقدان والموت، بل يتسبب نتيجة الأذى الذي توقعه القوى المتسلطة والمهيمنة ويكرسه التّمييز والتحيزات وجرح الإنسان. إنّه يلتقي مع العنف بأنواعه: إذ يمارس بين الأشخاص، أو تمارسه الدّولة على نحو مفرط، أو يكون ناتجا عن النّظام الاقتصاديّ المتسبّب فِي البؤس والفاقة وانعدام العيش الكريم. ولكنَّ هناك عنفا من نوع آخر يسبّب هذا الألم، وتدافع عنه الحركات الَّتِي لا تعنيها حياة الإِنْسَان ولا سعادته وأمنه، إنّه عنف القوانين الَّتِي لا تحلّ مشاكل النّاس بل تزيدها تعقيدا، لأنّها لا تعترف بحرّية الإِنْسَان أو كرامته أو ذاتيّته. فالكثير من مصادر الألم تبقى عنفا غير معترف به فِي البلدان الَّتِي لا تعتمد معايير حقوق الإنسان، بل تعتمد معايير أخرى تقليديّة أو قبلية أو مرتبطة بأدلجة دينيّة، فضرب الزّوج زوجته لا يُعدُّ عنفا فِي بعض البلدان الَّتِي تعتمد التشريع الأصولي مثلا والأعراف الذكورية بالرغم من كونه يسبّب ألما غير مشروع ولا داعي له؛ لوجود أساليب أخرى حوارية يمكنها أن تحلَّ محله دون أن يلحق بالمرأة آلاما مبرحة فِي روحها وجسدها معا([46]) فضلا عن الآلام الَّتِي سببها طغيان الهيمنة الأميركية على العالم وما إشاعته من فوضى مريعة فِي بلدان متعددة من أقطار الدنيا، ولاسيما أقطار الوطن العربي. ومن الجدير بالذكر أن رواية المحبوبات تطرح فكرة التكامل المعرفي والإنساني بوعي ذكي يفهم أهمية تكامل الأدوار فِي الحياة، وأن هذا الإيمان بالتكامل يؤدي للألفة والاستمرارية وتعميق العلاقات بين الجميع من أجل عودة الحضارة لهدفها الأصلي فِي تحقيق سعادة الإِنْسَان والتخفيف من أعباء حياته، وليس استعباده ومصادرة حياته وحريته.

 

كلية الآداب - جامعة الموصل

 

المصادر والمراجع

§       أحلام المرأة الوحشية للكاتبة هيلين سيكسو، ترجمة وتقديم وليد السويركي، مجلة نزوى، نت، http://www.nizwa.com/articles.php?id=2031، 20 / 1 / 2014.

§       استكشاف الذات، انس شكشك، دار النهج للدراسات والنشر والتوزيع، حلب، ط1، 2007.

§       بول ريكور، الهوية والسرد، حاتم الورفلي، ومصادرها، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2009.

§       تاريخ العار، د.عبد الله ابراهيم، حروف مجلة ألكترونية تعنى بالادب والنَّقد، انترنت www.huroof.org، 4 / 2 / 2014.

§       الجسد، صورته وحقوقه فِي الإسلام، المنصف الوهايبي، ومصادرها، ضمن كتاب حقوق الإِنْسَان فِي الفكر العربي،دراسات فِي النصوص،مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 2002.

§       الحرية فِي أدب المرأة، عفيف فراج، مؤسسة الأبحاث العربية، ط 3، بيروت، 1985، 345.

§       دليل الناقد الأدبي، ميجان الرويلي ود. سعد البازعي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط2، 2000.

§       رجاء بن سلامة فِي حوار مفتوح عن نقد الألم اللامشروع، انترنت، 2 / 2 / 2014.،http://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=397751

§       سادنات القمر، محمد العباس، 21 دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق ط2، 2010.

§       سايكولوجية السلطة، سالم القمودي، 64 وما بعدها، الانتشار العربي، بيروت، ط 2، 2000.

§       شعرية الحدث النثري، محمد العباس، 35 – 37، الانتشار العربي، بيروت، ط1، 2007.

§       فلسفة الحب والجنس، بيير بورني، ترجمة د. علي وطفة، 120، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، ط1، 1996.

§       فن الحب، أريك فروم، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، 189، دار العودة، بيروت، ط1، 1972.

§       ما هو النَّقد، بول هير نادي، ترجمة سلافة حجاوي، مراجعة د. عبد الوهاب الوكيل،223، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989.

§       المحبوبات، عالية ممدوح، دار الساقي، بيروت، ط1، 2003.

§       مدخل فِي نظرية النَّقد الثقافي المقارن، د. حفناوي بعلي، 109، الدار العربية للعلوم، ناشرون. منشورات الاختلاف، الجزائر، ط 1، 2007.

§       مشكلة الإنسان، د. زكريا ابراهيم، دار مصر للطباعة، القاهرة، د. ت.

§       مشكلة الحب، د. زكريا ابراهيم، دار مصر للطباعة، القاهرة، ط 2، مصر، د. ت.

§       المصطلحات الأدبية الحديثة، د. محمد عناني، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان ط 3، مصر 0.

§       المعرفة والسلطة، ميشيل فوكو، ترجمة عبد العزيز العبادي، 43، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت ط 1، 1994.

§       مفاتيح اصطلاحية جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، طوني بينيت وآخرين، ترجمة سعيد الغانمي، 701-705، المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2010.

§       ميشيل فوكو، إرادة المعرفة، ترجمة مطاع صفدي وجورج أبو صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990، 14.

§       النظرة الجنسية إِلَى الأدب، ريتا عوض، 72، مجلة العربي، ع. 541، 2003.

§       النظرية والنَّقد الثقافي، الكتابة العربية فِي عالم متغير، محسن جاسم الموسوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005.

هوامش:



[1]. النظرة الجنسية إِلَى الأدب، ريتا عوض، 72، مجلة العربي، ع. 541، 2003.

[2]. سادنات القمر، محمد العباس، 21 دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق ط2، 2010.

[3]. تاريخ العار، د. عبد الله إبراهيم، حروف مجلة الكرتونية تعنى بالأدب والنقد، www.huroof.org، انترنت، 3 / 2 / 2014.

[4].مدخل فِي نظرية النقد الثقافي المقارن، د. حفناوي بعلي، 113 - 115.، الدار العربية للعلوم، ناشرون. منشورات الاختلاف، الجزائر، ط 1، 2007.

[5]. المصطلحات الأدبية الحديثة، د. محمد عناني، 189 – 190، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان ط 3، مصر. وينظر النظرية والنقد الثقافي، الكتابة العربية فِي عالم متغير، محسن جاسم الموسوي، 75، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005..

[6]. المصطلحات الأدبية الحديثة، 182.

[7]. مدخل فِي نظرية النقد الثقافي المقارن، د. حفناوي بعلي، 109، الدار العربية للعلوم، ناشرون. منشورات الاختلاف، الجزائر، ط 1، 2007.

[8]. دليل الناقد الأدبي، 123ميجان الرويلي ود. سعد البازعي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط2، 2000.

[9]. المصدر نفسه، 223- 224.

[10]. المصطلحات الأدبية الحديثة، 193.

[11].. ما هو النقد، بول هير نادي، ترجمة سلافة حجاوي، مراجعة د. عبد الوهاب الوكيل،223، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989.

[12]. الحرية فِي أدب المرأة، عفيف فراج، مؤسسة الأبحاث العربية، ط 3، بيروت، 1985، 345.

[13]. شعرية الحدث النثري، محمد العباس، 35 – 37، الانتشار العربي، بيروت، ط1، 2007.

[14]. المصطلحات الأدبية الحديثة، 180.

[15]. النَّظرية والنَّقد الثَّقافي، الكتابة العربية فِي عالم مُتغيرٍ، محسن جاسم الموسوي،77، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005.

[16].المصدر نفسه، 77.

[17]. بول ريكور، الهوية والسرد، حاتم الورفلي، 5 ومصادرها، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2009.

[18]. المصدر نفسه، 5-6.

[19]. مفاتيح اصطلاحية جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، طوني بينيت وآخرين، ترجمة سعيد الغانمي، 701-705، المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2010.

[20].ميشيل فوكو، إرادة المعرفة، ترجمة مطاع صفدي وجورج أبو صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990، 14.

[21]. تنظر، سورة المائدة، 33.

[22]. فن الحب، أريك فروم، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، 189، دار العودة، بيروت، ط1، 1972.

[23]. المصد نفسه، 189- 190.

[24].سادنات القمر، 7،23 محمد العباس، 7، 23، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، ط2، 2010..

[25]. تاريخ العار، مجلة حروف الإلكترونية.

[26]. سادنات القمر، محمد العباس، 20.

[27].الجسد، صورته وحقوقه فِي الإسلام، المنصف الوهايبي، 281 ومصادرها، ضمن كتاب حقوق الإِنْسَان فِي الفكر العربي، دراسات فِي النُّصوص، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 2002.

[28]. استكشاف الذات، انس شكشك، 140، دار النهج للدراسات والنشر والتوزيع، حلب، ط1، 2007.

[29]. مشكلة الإنسان، د. زكريا إبراهيم، 38، دار مصر للطباعة، القاهرة، د.ت.

[30].المعرفة والسلطة، ميشيل فوكو، ترجمة عبد العزيز العبادي، 43، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1994.

[31].سايكولوجية السلطة، سالم القمودي، 64 وما بعدها، الانتشار العربي، بيروت، ط 2، 2000.

[32]. ما هو النقد، بول هير نادي، ترجمة سلافة حجاوي، مراجعة د. عبد الوهاب الوكيل،223، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989.

[33]. المصدر نفسه، 228.

[34]. الرواية 263.

[35]. الرواية، 227.

[36]. المصدر نفسه، 227.

[37]. الرواية، 230، وينظر، 232،

[38]. الرواية، 232.

[39]. مشكلة الحب، د. زكريا ابراهيم، 20-21، دار مصر للطباعة، ط 2، مصر، د. ت.

[40]. ينظر، الرواية، 279.

[41]. فلسفة الحب والجنس، بيير بورني، ترجمة د. على وطفة، 90-91،

[42]. الرواية.161.

[43]. أحلام المرأة الوحشية للكاتبة هيلين سيكسو، ترجمة وتقديم وليد السويركي، مجلة نزوى، نت، http://www.nizwa.com/articles.php?id=2031، 20 / 1 / 2014.

[44]. فلسفة الحب والجنس، 122.

[45]. فلسفة الحب والجنس، بيير بورني، ترجمة د. علي وطفة، 120، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، ط1، 1996.

[46]. رجاء بن سلامة فِي حوار مفتوح عن نقد الألم اللا مشروع، أنترنت، 2 / 2 / 2014.،http://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=397751