نقترح على قراء (الكلمة) ديوانا شعريا "جريئا" من مصر يحاول أن يستقرئ مرحلة كابوسية لازالت ترخي بظلالها، رغم أن للحظة الشعرية حكمتها التي تقدم رؤى تتقاطع فيها كاليجولا ألبير كامي بـ"كائنات" الشاعر الى جانب رؤية ثالثة لعلها اللحظة التاريخية التي جعلت من الشاعر عين نافذة على مفارقات الزمن العربي.

ديوان العدد

إخوانِيجُولا

إيهاب خليفة

كُتِـبَ النصُّ في الفترة ما بين الثورتين

عدا مقاطع محدودة

كتبت بعد ذلك.

 

يا كل إخوانيجولات العالم :

" كــلُّ اليــابسةِ الشــاسعةِ

كفضــاءٍ لا متنــاهٍ

                لم تعد تتسع لنا معا !! "

 

" إنه يحولُ فلسفتَهُ إلى نعوش !"

                                        كاليجــولا

                                           ألبير كامو

 

إلى هذه اليابسة المعذبة بنقائها ،

اليابسة التي تدفع فاتورة حُسن النوايا

من كبريائها التي تنزف !

إلى العظمة والمجد اللانهائيين

لهذه اليابسة !

                                خليفة

 

إخوانِيجُـولا

مولانا الذي في المقطم

نحنُ ضحاياكَ

قشرْتَنا رويدًا ،

وغرستَ النسيانَ فيما يشبهُ الذكرى ،

فأصبحنا لا نشبهُ صورَنا القديمة ،

و لا نحنُّ إلى ذكرياتِنا معًا ،

و لا ننشغلُ عنكَ إلا بك .

أرضعْتَنا مراوغاتٍ في الليل ،

وهجرًا

على هجر !

 

و...عزلتنا

ننظرُ ولا نبصرُ،

نسمعُ استغاثاتٍ ولا نلتفتُ  ،

و كلما مشينا

جاءتنا بيوتٌ بلا نوافذ ،

و أشجارٌ ميتة تسقطُ عبرَ الأهداب !

 

وأقمارٌ أشبهُ ما تكونُ  بجلطةٍ ،

ولم نفهمْ حينئذٍ

أنكَ تقطعُ حبالنا السُّرية ،

وجذورَنا المخبأةَ في الطمْي ،

في الوقتِ الذي تجعلنا فيه

أبناء شرعيينَ للسهو !

 

بينَ المدنس و المقدس ،

بين الممكن والذي لن يكون

أهتزُّ كَبندولٍ و أخفقُ كقلبٍ

ارتجفَ فيه خفاشٌ ماثلُ للقنص ،

خفاشٌ وحيدٌ

بأذنين كسيحتين .

 

الذبابةُ العمياءُ تحومُ مثلَ الأباتشي ...

في عنبر العميان ،العميانُ يرفعونَ تعاسة المصائد ، و يصفعونَ الأذى ، عبثا يرتلونَ التعاويذ ، و يسألونَ الربَّ أن يخلصَهم من لعنةِ الدوار الأعمي حولَ الطنين الأعمى ، يسألونَ دقيقة ضوءٍ ؛ لتنفلتَ الهواجسُ من  القصفِ المتوالي، و يفروا بوحدتهم بعيدًا عن الأباتشي، و الأباتشي العمياءُ الهزيلة التي تحومُ بكابوسين مهترئين تحلمُ بفتح النافذة !!

 

الحقائقُ طافيةٌ كجثةٍ بلا رأس ،

الحقائقُ مخبأة

في سهو الشوارع الجانبيةِ .

الحقائقُ ليستِ المرآة َ

فوقَ الحجارةِ المصقولة  ،

لكنها الظلُّ .

ليست الخيط لكنها الوخزُ المتتالي

كلسعاتِ النحل .

الحقائقُ لا يمكنُ أن تمسكَها بأهداب قلبك .

تتفلتُ كالحنين في معركةٍ .

هي في النهايةِ دودةُ قز

تفرزُ مشنقة من حرير .

 

    ...النجاةَ يا ربِّي !

 ...بكرةُ صوفٍ ملتفةٌ حولَ أرجل الناس في المترو ، ائتلافاتٌ و منظماتٌ و أجنداتٌ و أمة لا سبيل إلا الهتافُ ، تجاهدُ لعزل الأرجل عن بعضِها ، و تبحثُ عن أول الخيطِ أو آخره .

 

حفلُ زفافٍ هنا و جثةٌ ممددةٌ هناكَ ، تذاكرُ المترو انسلتْ طائرةً من الجيوب و بدأتْ كلُّ اثنتين تتناطحان ، ثم التفتْ كإعصار مدوِّخ ،  والغريبُ أن الجثة تمايلت كأنها تتراقصُ ، والغريبُ أن العروسَ نزفتْ من بين فخذيها دمًا أسودَ ، و زحفت ؛ لِتحتضنَ الوداع ؛ فاضطررْنا لقطع خيوط كثيرةٍ ؛ لِيَمُرَّ النزيف ...

 

بكرة الصوف هي التي قتلت  الجثة ثم التهمتها ، هذا ما صورته الهواتف مرهفة اللمس،البكرة خنقتها بوحشية . هذه البكرة خرجت من جريدة محمومة - و بشكل لا يكاد يصدق،لا حفل الزفاف تم ، ولا العزاء اكتمل ، ولا أحلامنا وصلت ، بل مخالسة للتوقع تطاولت الخيوط و بدأت الأظافر والقصافات الرديئة  في خطة جبارة لهتك تلك الشرانق المرعبة !

 

نحن فخاخ

سقطت

في فخاخ ،

ومصائد اصطادتها مصائد!!

 

يزحف اللايقين على العالم

كظل ديناصور لم ينقرض

في سهو الاحتمالات ،

وظل يتنامى حتى اللحظة !

تشعر النجوم بالخزي،

وهي ميتةٌ في جلدها ؛

عاجزة عن تقبيل شفتي الأرض!.

 

كنا اثنين و لم يكن بيننا طرف ثالث !

 كان يصيد الفراشات

في عينيَّ

بمصائد السهو التي في عينيه !

كنت أسقط الصور المعلقة

على جدار قلبه ،

بطلقات مطاطية مخبأة في ذاكرتي !

 

كان يحلو له أن يسير

في جنازة قوس قزح .

ويحلو لي أن أقود حملة تبرع

لترميم النسيان .

كان يعلم أنني مدنس ،

وكنت أعلم أنه واطِئ !

كنا اثنين - ولم يكن بيننا طرف ثالث - .

وكان كلما سألتنا اليابسة

الغارقة

في السهو و الهتاف ؛ قلنا معا :

" ثمة قلة مندسة يا ناس

وراء الموضوع !"

 

القناص الوحيد

في المدينة الخراب

يقظ كالسعال ،

شاخص

كدمية الشمع !

    لم ينم منذ ستين ...،

و لم يجد حكاية في أي شرفة ،

تنشر ملابس ،أو تنفض سجاجيد .

حكاية بشعر معقوص ، وغمازتين !

 

 منذ ستين

فوق البناية المرصودة من الأشباح ،

البناية الوحيدة الباقية

وسط كومة الرماد !

 

عبر سنواته الهائلة ،

و بوجهه المُتحفيّ

لم يجرؤ طائر على اختراق

الغابات المفخخة في عينيه .

في كل ليلة

كانت الأماكن تنهار

وتخلف قصة مغبرة في الركام ،

وكان صامدا

كإطار جنائزي يتشبث بمسمار يتآكل،

يتآكل من الوحدة .

 

مرة أطلق الرصاص على " مانيكان "

اختطفته الريح السكيرة

 من ردهة مظلمة .

 

  و مرة اصطاد ظلا هيستيريا

   كان يتعمد استفزازه

بكف رباعية الأسى !

 

القناصُ ... وحيدًا

يريد عدوا واحدا

ليلقيَ عليه السلام

أو يبصقَ في وجهه ،

أو يشتمَهُ بأمه ،

القناص يحلمُ بقناص

يساعدُه في حفر مقبرة جماعية

لصور هائلة تطارده

بلا هوادةٍ ، بعد إعدامها ميدانيا ،

أو  يدلُّ جسدَه على باب للخلاص !!

 

أبحث عنكِ أيتها الثورة كحاقد

يبحث عن وجه غريمه في الغرام .

أبحث عنك أيها العصيان المدني

كأيقونة نجاة .

أبحث عن شعب

له أجفان و يرى .

أبحث عن حناجرَ تسحق الهراوات

بصرخة .

أبحث عن بوصلة لكي أصل إليّ ،

عن كعكة  خضراء

تنبت في الهتاف ،

يرويها عرق ،

تخبزها ميادين !

 

- حين عزلتموه

لم تخذلونا فقط ،

لم تغدروا بنا فقط ،

لم تعذبونا فقط

لكنكم بعتمونا ؛ فبعناكم !

و أشعلتم هشيم النهايات

في كل ركن !

 

السبب الحقيقي أن العرائس كانت تتسلي بالحرير الميتافيزيقي على مسرح " رابعة " ، بينما الرب لا يقبل أن يكون قناعا لخيانات! ، السبب الحقيقي أن هؤلاء أسروا ملائكة في سهو الفراشات ، و بغباوة يلطخون سمعة  قوس قزح ! السبب أننا لا نقبل أن تحكمنا مشيئة الدُّمَى التي حجرت على الله ، كما أننا لا نحب حياة الرفوف! 

 

-         من أنت أيها الوجه الخالي من القسمات ؟!

-         لست أفهم سيدي  .

-         هل لديك كف كاملة في روحك ؟!

-         لست أفهمك سيدي  .

-         لماذا ببساطة تتنصل من الاكتمال ؟!

-         لا أفهم سيدي  .

-         هل أنت ذات متحولة يا فتى ؟!

-         ماذا تقصد بكلمة " ذات "

    سيدي ؟!

 

المدينة مكتئبة

ولم تنظر في المرآة منذ يومين ،

المدينة ألقت هاتفها الجوال عبر الشرفة ،

و لا نِفس لديها لتتابع برامج "التوك شو " !

المدينة لديها ما يشبه العدم ،

والاسترسال في الصمت ،

قصت شعرها بالموسي ،

وهي ترمق المرآة بالهواجس ،

وهناك دم غزير

لم يتحدد مكانه .

 

أمس ِالمزمن ، خمسُ حدائقَ هاجرتْ ،

وخلفتْ حفرة هائلة مكانها

و مائدة للهتاف

وللكفِّ رباعيةِ الأذى !!

 

    أمس المذبوح ظهر المتحولون فجأة ؛

بالوا على " سيد درويش"

ظهر المتحولون فجأة ؛

فارتجفت يد الله فينا و نحن ارتجفنا معه !

هناك ميادين تمددت على وجوهها

موقوفة

وعارية  ،

هناك منازل سحلت بأصحابها ،

و لوحات إعلانية

شبكت أيديها من خلاف و اختفت!

 

ليس الله بطاقة انتخابية .

ليس سفينة يمكن لقراصنة ما

اقتيادها عنوة  .

ليس قناعا للوقت ، و ليس  وجها للترهات.

ليس الله حجرا في طريق الألفة .

و ليس جسرا

لعبور مصاصي الدماء ‍.

 

كأنكَ – أيها اللاربيعُ -  شجرة

جذورها في الهواء و ثمارها  

في الطين .

سهل اقتلاعُكَ ،

سهل تسويتكَ في محرقة نسيان .

سهل أن نرى مكانكَ حفرة هائلة

كالوداع ،

و وردة بلا وجه !

 

ظهر المتحولون في الأرض

ربطوا النهر من ركبتيه حتى بكى ،

و أخذوا طلاء النسيان ؛

شكلوا رجالا و نساء و صبية

كانوا كالبراعم ،

فصاروا تماثيلَ شمع باردٍ ،

صاروا إخوانيجولا

و صوبوا سلاحهم الآلي

على الاحتمالات !

 

- في كل العالم

يحمل الصبية  زهرا كالفراش ،

ويتراشقون بالبهجة و الألوان  .

في مصر فقط

يحمل الصبية المتحولون

نعوشهم المصغرة ،

و يرتدون ...

الأكفان !!

 

الجدران تكتشف ذاتها في الجرافيتي  ، أول الدهشة لم تكن تصدق أنهم يزيلون جحيم الرماد عن رئاتها التعسة ، أو أنهم التفتوا إليها أخيرا ؛ لتصبح المكان الوحيد الآمن لتخبئة الذاكرة ، إنها لا تصدق و كطائر يجرب جناحيه أولَ مرة ، ترتعد أمام الهجوم المباغت لليد العازفة بكل ألوان الطيف ، و تبتسم كعجوز تتحسس ما تبقى من صدى صدرها الضامر .

 

الجدران ها هي في ثوبها الخرافي الجديد ...،

لقد عاشت عمرها كله كمهرج في هذه الغابة السوداء المرصعة بالنيون ! ، كان جلدها المتقشف شركَ السياسيين للعامة ، و فخَّ الرأسماليين للفقراء ، كان وجهها يُجبَر على الابتسامة بكل ألوان العالم ،و يُحقَن " بالسيليكون " كأي شمطاء اعتقدت أنه بإمكانها مخالسة الوقت  بينما تحت الجدران ترقد شحاذة بمعطف نفايات وشعر كثيف هائج و مكتظة بالكائنات ، لا أحد يراها ، ولا موت

في دربها !!

 

الجدران 

عاشت حبيسة في هذا الفضاء اللانهائي ، كانت تئن في آخر الليل ، لا عسكري الدرك انتبه إليها ، ولا  أي عاشق وحيد علق محبته على شرودها، عاشت كما تعيش الأحجار المنفية في الجبال التعسة ،و كأنها منبوذة أو ابنة سفـاح . الجدران كانت تبصر أخواتها من الأحجار عديمة الخبرة المرصوصة تحت البنايات الجديدة وهي تتسامر ببلاهة و لا تعي خطورة أن تكون حجرا في مدينة ،أن تكون حيا كميت، أو أن تكون حيا في حكم الميت !   

 

-         "يا حبيبي :

لنا حياة ...ما

في مكان ...ما !!"

 

الجدران اليوم  لا تكلموها .

إن الكاميرات تدغدغ عواطفها ،

و قنوات كثيرة تركع تحت أرجلها الخشنة ،

 وأطنان من الصور المثيرة للتعاطف .

إنها تشعر كما لو أنها تولد من جديد .

كأنها عادت للتو إلى حضن أبيها الجبل .

ها هي تلقي كلماتها المقدسة

في البحيرة الآسنة ،

ها هي  تخبر أي ديكتاتور

أن العاصفة قد تولد في الجدار ،

و أن الموتى قد يعودون إلى الحياة

عبر  " صورة في جدار!!"

 

الجدران نطقت

صرخت في وجوه السفلة ،

الجدران لولا أنها مشلولة القدمين

لتحركت معنا !

الجدران بكت و هم ينتزعون الوشم

من فوق صدرها .

الجدران انتحبت و هم يطلونها بالأبيض

المميت و البازلت المقرف.

الجدران ارتجفت

وتشنجت

ثم اكتشفتهم على حقيقتهم

ثم صمتت

للأبد!!

 

- " لا تفكّرْ ،

و  فجّرْ !! "

 

الكناري التعيس في الشقة المفروشة ، شارد عبر الشرفة المتربة ، كأنما يريد أن يقول للنسيان شيئا ، لكنه لا يتذكر!

 عاش الكناري هنا كحارسِ عقار أصمَّ و أبكم ، التأرجح في هذا القفص اللطيف كان تطوافَهُ الصوفيَّ و تحديقه فيما وراء الهتاف . صور الحوائط التي تتبدل أمر بدهي كلما ارتحل لغز ، و حل لغز غيره !

 

  الناس ملغزة  بقدر ما هي سخيفة . على الحائط هنا علقت صور لجنرالات لها أطر لامعة ، ثم حلت مكانها مع الوقت صور لكلمات مقدسة قالها الله ، كلمات كانت تئن تحت ثِقَل السيوف المتكئة على رقابها !، أُحْرِقََت الكلمات المقدسة - دونما قصد - عند إسقاط السيوف الصدئة و علقت صور لجيفارا و أحمد حرارة و مينا دانيال، ثم فجأة صعدت صورة لسيد  – حفر حفرة هائلة للمتاهة ، صعدت وحدها ؛ فاقشعر الحائط الهش و انتبه !

 

الكناري في كل مرة كان يتأرجح في قفصه القدري ، يتوحد براقص التنورة المحلق في السجادة المنسية على الأرض !، حتى يغيبا معا في عالم اللذات .هذا الكناري المحلق تناثر ميتا هذا الصباح ، فوق بقعة دم نزفها فم راقص التنورة. الدخان كثيف

و الحوائط  مرتجفة

و ثمة بقايا صور

تتداعى

في الغبار!

 

الكلمة التي أصبحت منسية .

الكلمة التي لقيت مصرعها

في الوقت الذي تعملقت فيه كائنات النهايات

الكلمة التي لم يعد أحد يذكرها !

الكلمة التي لفظت أنفاسها على الطريق السريع ،

و لم يسعفها أحد !

 

بل تركوها

والخيول تخرج من بين عينيها جريحة

و تكبو .

و الفراشات تحترق فوق شفتيها !

   الكلمة التي خرجنا نبحث عنها و نسيناها .

   الكلمة التي سحلوها حرفا حرفا

    حتى هتك عرضها كلاب الحراسة ! .

   الكلمة التي وضعوا خطة لاغتيالها

  مع الفجر .

 

الكلمة التي لم تعد سوى كلمة

و لا دليل إلى بيتها ،

ولا شاهد فوق قبرها .

الكلمة الرنانة التي خرجت مثل تسونامي

أول الثورة ، و أعمق الهتاف .

الكلمة التي جلدوها عند الاتحادية ،

و سووها بالأرض في ماسبيرو

و محمد محمود .

و زعموا أن الله ركلها بقدميه !

من يذكرها تلك الكلمة ؟

و من يجرؤ الآن على منح الحريةِ

بعضًا

من الحرية !!

 

أرجوك يا وطني أرجوك

ساعدني على نسيانك !!

 

لم يعد مهما أن تغلق فمك، لينفجر البركان.

لم يعد مجديا مراوغة الإعصار ،مادمت مشلول الحلم.

لم يعد بإمكان الوردة مقاومة السؤال .

لم تعد الشمس جيدة في تجفيف ابتلال الروح .

لم يثبت أن العتمة أصبحت نافذة .

لم يتمكن طوفان من غسل بقع الليل في الذاكرة .

لم ينجح الدوار في أن يعالج الصدمة .

 

تنهش الكائناتُ الكائناتِ التي تدافع عنها !

تلتهمها كما تلتهم الأناكوندا الوعول البرية

الغارقة في السهو .

 

الكائنات التي تفتح الطريق أمام الكائنات

قد تموت في التدافع المباغت

تحت أقدام الكائنات التي

تستميت لتفتح لها الطريق !

 

الكائنات التي تفتح النوافذ لتغني للريح ،

تموت مشنوقة في خفقة عاصفة ما

بأنامل الستائر نفسها ،

وتظل معلقة كبندول جاحظ العينين ،

و جارح كصرخة !

 

أعزائي :

يسعدنا افتتاح مركز  "جرائم  ديليفري "في ثوبه الجديد  ، أينما تكونوا تداهمكم جرائمكم طازجة و ساخنة !، على الشاطئ . في المصح العقلي . أو و أنتم تتريضون

في " قاعات الجيم ". لستم محتاجين أن تعلموا ما اقترف نسيانكم ، نحن نعرف و هذا يكفي ! هل وقف أحدكم اليوم في الشرفة .إذا كنت فعلت ؛ فلقد قتلت الزهرة في الحديقة البعيدة بدهشة عينيك ، ولعل خوفك من اكتشاف فعلتيك الدنيئتين – النظر و الدهشة - ؛ قد جعلك تقفز من النافذة بسرعة هائلة !!، أنت ممدد على الأرض ،مختبئ في موتك و هذا لا يكفي لأن تكون بريئا ،الحديقة شديدة الاستياء مما جرى ، و الزهرة شهدت عليك ، الزهرة الميتة التي قتلتها عمدا هذا الصباح !

 

ادعمني يا رب

ادعمني بالملاك الجبار الذي

لم ترسله إلى أي شخص .

ادعمني بالقوة التي خبأتها لأجلي وحدي .

بالحقائق التي تصلِح هذا الإرباك .

بالإرباك التي يشوش كل شيء .

ادعمني بالجسورالمضادة للجسور

التي تجعل كل شيء

لا يصل

إلى أي شيء .

بأدق الأسلاك الشائكة

لكي أحول بين المرء و وطنه ،

وبين العاشق

و صورة حبيبته الناعسة

في هاتفه الجوال !!

 

هؤلاء المارة أفذاذ ،

يجلسون على النهر

    وقلوبهم زوارق ،

بهواتفهم مرهفة العينين

يلتقطون صورا للسعادة ،

 وهي تضحك من قلبها .

 

هواتفنا النقالة مصائد أزمنة ،

هواتفنا لعنة غياب .

هواتفهم ألفة

و هواتفنا صناديق سوداء !

 

غالبا ما يأتي الصوت الداكن

بشىء ما :

سوف نتراص في الميادين و نهتف ،

سننفعل ، يجب أن ننفعل

وعلى الأرصفة أن تفر؛

لأننا سوف نقشرها .

وعلى الأشجار أن ترتجف ؛

لأننا سوف نحرقها .

نحن منفعلون يا أولئك !

وأجسادنا تشير في وجه العالم

بالكف رباعية الدماء !

 

- ولن يسألوا أبدا أين ذهب

الإصبع الخامس ؟!

كأنما كانوا يبحثون عن مأساة تتقمصهم ،

أو عن ميراث من الأسى !

ديناصوران هائلان وهائجان ، خرجا من أنامل ستيفين سبيلبرج ، ديناصوران أكبر بكثير  من ترابيزة السفرة المتربة ، ثمة صَبِيَّة محشورةٌ وعرائسُها على المحك، و هما يتحاربان ، النجفة تسقط فوق العالم ، المعرفة ضجرة ، الحكاية كلها حدثت بسبب نزاع على البهجة ، أراد الديناصور المتصابي أن يضاجع البهجة المشغول قلبها بغيره ، متأثرا بمشاهد إباحية غير مدبلجة ، البهجة ظلت عالقة في النسيان ؛ لم تتوقع شيئا كهذا يمر في طريقها ، في طريقها الذي

لن تكمله أبدا !!  

 

الليلة بحثت عن هُوية للأرصفة ،

وجدت مفتاحا صدئا

أظن أنه لغيمة ،

وجدت صوتا يخبرني

أنني موجود !

أن هذه الرئة المثقوبة يمكنها النسيم،

و أنني لا أحيا في حظيرة ،

ولم أولد كابن شرعي لمهزلة أو لغابة .

 

هذا العالم مشوه ،

و ابن كلب .

 

هذا العالم سقيم و مستفز،

مسموم كالانتماء ،

متأرجح كالنسيان ،

كالح كالسعادة .

 

هذا العالم غبي كالضحك ،

و فاجر كالحقيقة !!

 

في بلادي ...

الصباح قائم على الشفقة ،

العامة في الشوراع ،

الخبز أقصى أماني التعساء .

ثمة صبي سار وراء حبة قمح ،

رآها وهي تزرع ؛ فاشتهاها .

و رآها وهي تطحن ؛

فبكى .

 

رآها وهي تخبز ؛ فانتحب .

 

ذات سهو فر من تحت جلاديه ،

نظر في النجوم ؛ لكنه لم ير الضوء ، لم يجد الطريق.

فكر في اختطاف النزهة ،

بجواره على الأرض ،

في الروث نفسه ،

غفت الهيستيريا بشعرها المنكوش ،

واهتزت بعنف في عناق

مع الضآلة .

 

فيتو ضد تعطيل الأسى دون إذن ، ضد النُصُب التذكارية  ، ضد جمع الياسمين عند الفجر ، ضد فتح الأبواب أمام السعادة ، ضد اللجوء إلى  النوافذ لتسريب الأحلام ، ضد صيد الهواجس الضجرة كعقرب كسيح ، ضد تحريك المروحة على وجه السيد بيد الخضوع! ألم أقل لكم حين تضعون فيتو واحدا ضدي  ، سأشل العالم أجمع ، سأرعى لبلاب العصيان المدني ، ليتسلق ضلوعي ، و نافذتي والمجرة، وأجعل غدكم كرجل متصلب الأطراف ، ظمآن على حافة نهر !

أيها المندسون الأقذار،

أيها العدائيون الكلاب ،

أيها الخونة ،

أيها الليبراليون المنحطون ،

أيها السلفيون النيئون ،

أيها الثوار الراكعون تحت البيادات ،

يا مناديل المراحيض النجسة ،

يا كل المضحوكي عليهم ،

وكل المغيبين

نحن نمل الداخل المجلجل

في هذا الجسد الذي سينهار حتما،

كعش هائل منسي

كان في سقف المجرة !

 

أحزن على الفرحة التي اندلقت من يد الوقت... كصحن من اللبن . أحزن على صناديق اقتراع تولد بداء التوحد .أحزن على حيوات تسقط كعرائس البولينج .أحزن على المهرجين في برامج " التوك شو" وهم يحتجزون التبرير كرهينة  . أحزن على الذي لا يحزن حينما يجب أن نحزن !

 

- " لابد أن تأكلنا النار؛

كي نصل

إلى النور !! "

 

لنمض في الدروب الزلقة

إلى النهاية

في وحل الداخل ،

حيث لا شمس يمكنها

أن تصفف شعر الهزائم ،

لنمض في الدروب الزلقة

إلى آخرها

 

بنظرة ثلجية ، و وجوه تماثيل !

العالم يكرهنا ،

و نحن نلعنه !

تسقط الصور العائلة

تسقط أراجيح الطفولة ،

تسقط  الراية

يسقط النشيد

و يسقط الوطن !!

 

افعلوا شيئا لأجلنا :

خذوا الغابات إلى حتفها ،

خذوا النجوم الشتوية إلى العدم ،

خذوا البهجة وأجلسوها في بيت مسنين ،

خذوا مسلماتكم إلى الوخز،

واتركوها تتلاشى

كفقاعة .

 

خذوا تاريخكم المترهل إلى نعشه الأبدي ، خذوا الوقت الذي هو القاتل و المهرج ، النافذة والحائط ، خذوه إلى اللامكان ، وأخلوا لنا الساحة تماما ، سوف يحدث شيء مدهش فوق هذا المسرح، فوق هذه الخشبة الدموية  لهذه العرائس ...، العرائس التي تبحث عن مقصات ، و تجرحها خيوط !!

 

 

يمكننا أن نكون أي شيء

سوى أن نكون !!

نحن دواب الأرض

و الانتماءات منسأة

يتوكأ عليها ظل لميت برائحة مقززة !

يمكننا أن نكون ذلك الانهيار الثلجي                 

الذي يطمر الوجود بلحظة

 

أو دلو طلاء هائل

وكلما مضينا ؛ شكلنا العالم

بجرة طلاء نلغي بلادا بسكانها ،

معنا ما نريد من ألوان لنفخخ الاحتمالات

إن رضينا تركنا الأخضر

يسير تحت قمر !

إن غضبنا يصبح الأحمر

متحدثنا النبيل ،

ليهديكم كل ليلة وردة أو قنبلة !

إن أقصينا

نترك الأسود يزدهر بلبلابه النهم !

 

ثمة بهجة في الخراب

أن تبحث عن الفراش ؛ فيصدمك الأسود .

أن تجد النهر

رجلا هائل التجاعيد

بمعطف وحيد .

أن  تهدم أسرع مما يبنيه أحد .

أن تجعل الحلم قلقا على السعادة .

وأن تجعلهم دائما يتشككون

في الاعتياد ،

ويترقبون الصدمة !

 

الصباح لا يأتي مع الشمس ،

المتحولون

يأخذون الضوء كله ، ولا يتركون

لنا حتى الزيت لنضيء التعاسة .

ينتزعون ملكية الحلم،

ويتركون الكوابيس بلا مأوى !

 

ربما ستوضع التيجان فوق رأس الهتاف ،

بعد أن يكون الهتاف نفسه بلا رأس.

ربما سيقيدون المديح ضد مجهول ،

و يحفرون للقداسة قبرا واسعا .

لكن في الوقت الذي سندلى أرواحنا كحبال ؛

ليخرج العامة من ظلام النسيان ؛

لنكتب تاريخ الذين هم تحت جلاديهم ،

الذين يسكنون الوحدة ، و العراء

و يؤاخون الانكسار ،

الذين كانوا بشرا ، و حولوهم مسوخًا !

 

في هذا الوقت تماما

الذي نفتش فيه عن الرحمة في كومة قش ،

و ندعو الغرباء ؛

ليحفروا الليل وراء الظلام ، بشمعة

ويأخذوا النفاق إلى مثواه الأخير ،

سينهار عالمنا

كبيت جليدي استضاف بركانا

على عشاء  !

كبركان اقتلع غيمة ،

في الصباح !

 

نبحث عن سترات واقية من الهتاف .

نبحث عن يقين لا يفتته أحد .

نبحث عن

اليد الغاضبة

هربا من اليد المرتعشة .

نبحث عن سلالم  و ساحات واسعة ،

و ضحك طفولي ، وعالم بلا إخوانيجولات ،

وبشر حقيقيين !

 

نبحث عن نار تذيب ذلك الشمع الأحمر

فوق حواس

ربما كانت لنا ،

حواس نحملها معنا كجيفة

لا يتسع لها قبر،

لا يواريها كفن !

 

لدينا الذرائع الكاملة :

نحرق الفراشات ؛لأننا لا نقبل أن تحتال علينا دودة قذرة .لأن الفراشة حين تموت وحدها ،لا تحتمل الذاكرة السير في جنازة قوس قزح ،لأن الوردة تعبت من الهجران .

لأنه ستحدث معارك ولا نريد للفراشات أن تبصرالغابات وهي  تقشر جلودنا وتزحف

بالرغبات البدائية !!لأننا لا نحتمل أن ترانا الفراشات بهيئتنا الحيوانية بعد أن ظنت أننا بشرٌ حقيقيون !

الخيانة ضعيفة

لكنها مستمرة عبر أجيال ،

النضال جبار ، لكنه مرتبط بمواعيد

مع قوس قزح !

 

المتحولون جسر يفضي بنا إلى متاهة ...

 

المتحولون ليسوا سوى جدران لامعة ،

وحوائط مطلية بخيانات !

 

المتحولون كلاب حياة ،

لهاثهم في الأعماق ،

فرائسهم فينا ،

ونحن نستدرج ببلاهة كل مرة !! .

 

المتحولون لا يترددون أبدا.

مسالكهم وعرة

وإذا لم يمروا فينا ،

سيحفروننا ليلا ،

ويجعلون الدماء قناديل ،

ليمروا بخيولهم العرجاء !

المتحولون لا يمنحون السذج سوى

عظْمة الرضا الكاذب.

 

المتحولون - برشفةِ روحانياتٍ  مسرحيةٍ ساذجة عن الحجز في قطار الأبدية -  يجرون الهتاف معصوب اليقين   من قدميه خارج مسرح الوجود ! هم لصوص الداخل الأشد مكرا الذين يقيمون فينا باعتبارنا فنادق آمنة للنسيان !

 

المتحولون حين يريدون أن يبقى العالم براقا ،

يصادرون الأحداق! 

حين يريدون بقاء العالم أخضر؛

يحرقون العصافير !!

 

المتحولون كذبة ،

و الشعوب سهو .

 

الأشياء عالقة

ثمة استغاثات فوق التوقع ،

البهجة عالقة في النسيان.

هناك شعب يُدَوَّخ في الباب الدوار لفندق المقبرة الانتقالية ، المصائر عالقة  في زيت مصبوب بعناية

عند مطلع الجسر ،الأحلام نائمة على مقود الشاحنة

- أغلب الظن جرعة زائدة - .

 

النسيج الميتافيزيقي

عالق و ينتظر من يحرره من مخالب كائنات النهايات المرعبة  . برامج " التوك شو "عالقة في مزبلة الشرعية . الصحف عالقة في وحل الرياء . اللعب على المكشوف وعما قليل سنجد الشعب كله وراء القضبان

بتهمة الخَرَف !.

 

الهُتاف المظلة و الهتاف المهر والهتاف الممر والهتاف الصدمة والهتاف الصمت الذي هو أعلى من أي تسونامي والهتاف الرجفة والهتاف الرعد والهتاف  حائط الصد و الهتاف الذي يرفع رأسه عاليًا رغم نزيفه و الهتاف الفراشة و الهتاف الشوكة والهتاف الحربة و الهتاف النافذة ،و الهتاف النهر،والهتاف اليد الواحدة ، و الهتاف الأمومة ، و الهتاف الجسر ،

و الهتاف الشجرة ،

كل تلك  هتافات

خرجت ولم تعد !!

 

أريد أن أفر بطفولتي المعرضة للسطو ، ثمة لصوص - يا سادة – بهواجس ملثمة ، ليسوا بمتحرشي ليل و لا عازفين على قيثارة الجسد ، إنما يمر عليهم المرء أسود الشعر ، فيدلف بعد حين مرتديا معطف تجاعيد ،وقد شاب بلحظة ... !،

 

طفولتي... معي ،و أريد أن أهربها، وهذا صعب ،لأن الملثمين هنا يسمحون بتهريب السلاح والمقابر الجماعية والخيانات الميدانية ، ولا يسمحون بأن يمر المرء

بوردة

أو حلم !.

... ... ...

هنا يسمحون بتهريب الخيانات الميدانية

و المقابر الجماعية

و السلاح

فقط !!