كعادة نصوصها تتفرد الشاعرة العراقية المغتربة في البحث عن معاني لتلك الأشياء التي تبدو أقرب الى المألوف، إذ تصر على اختراق رؤاها منافذ قصية تتأمل عبرها شكل الأمكنة وسطوتها ودلالة الزمن وانفلاته..

رؤى

ماجدة غضبان المشـلب

كلاهما: النيزك و الهلام يدوران كما شاء لهما شبق الزمن المفترض، يرافقان اميال ساعة لا تحظيان باهتمام مجرة ما.....

 

نيزك مكة

 

لطالما وقفت قربها ، متأملا سكونها ، وإنعكاس الألوان على محياها..

في حدقتيها يلمع بريق الماس..

ثغرها مفتوح بدهشة ابدية.. و يداها مفتوحتان ، و ذراعاها ممدودتان كأنهما تنتظران هبات المدى..

جميعنا شعرنا بحزن شديد حين قالت امي:

 كانت طفلة تلعب مع البنات لا اكثر.. غير انها فكرت اكثر مما ينبغي لبنت بالنجوم..

شغلت نهارها، و ليلها تتخيل عما يمكن ان يكون عليه هذا الشيء اللامع البعيد..

لم تجد سعادة في مرافقة اقرانها.. ولا فيما ركن حولها سعيدا بغبار الاهمال.. حتى رصدها شهاب فضائي، اخترق جسدها، وخرج من هامة رأسها عائدا من حيث جاء..

انها جميلة و خالدة كما ترون.. لكني أشك بوجود روح في جسدها الماسي..

 ـ هل تستطيع ان ترانا كما نراها يا اماه؟..

ابتعدت أمي، و هي تقول بيأس:

ـ انها مجرد نيزك سماوي، لم يحظ بكعبة، ولا طوفان حجيج..

 

هلام

يجلس عند الدار التي زينت عتبتها بالجفاء..

خليط مما مضى عبر قرون غابرة، و شيء من الآن، و أملا في غد يصنعه من يقيمون بعد تلال الموت..

هكذا تربع على حصى الطريق.. غير معترض على عنجهية الطقس، و لا على غموض المكان.. منتظرا دونما ملل.. دونما أمنية ان يهطل المطر صيفا، ان يهب نسيم البحر من جهة الصحراء.. ان تهبط النجوم من أعاليها لتكون ثمار شجر الشوك الصحراوي..

ليس لجسده ان ينثني أكثر مما انثنى لحظة وداع حتى قبل شفاه القبر.. وليس لعينيه ان تترقبا سوى ما تمنحه الرمال من سراب..

تحسب انه نتاج مخاض الصدفة.. أو صنيع قرار الهي.. لكنه يظن ان ما بين محجريه يقيم كون اشتهاه.. ليس من الضروري ان يكون واقعا ذات يوم.. فهو لم يرسم خطته بعد ليوم قادم.. ولن يفعل..

هذا المخلوق ينام على وسائد الذهب دون ان يشعر انه ملك.. دون ان يعرف بريق الذهب.. ويضطجع على الحرير، وهو لم ير بعد سوى خيوط الحبال في تلعثم المشانق عند الرقاب الصاغرة..

انه أبيض كخيط فجر قد يحيله الغيث الى حزمة الوان.. غير ممتنع عن أنامل خزفي ليصبح أهزوجة جمال بين روابي الصمت القبيح..

قد تجرفه الانهار الى حيث لا يتمنى.. و قد تداعبه الجبال باحمرار حممها.. وقد يبدو عصيا فوق موجة بحر حتى يرسو عند شاطئ..

مازال كشأن الاصنام يجلس عند عتبة دار يشده الترقب، وهو بين الترصد، وشعوره باليقين انه قد لا يدخلها ابدا..