تصوغ هذه القصة التي كتبها كاتب عربي في أمريكا استعارتها الخاصة لتلك الدولة المهيمنة والمسيطرة على عالمنا، وتحاول أن تتقصى إمكانيات أن يتعايش العربي مع عالمها الغريب.

الحاثة الغربية

حسين سليمان

أريد أن أعرف ما الذي يجري في الداخل، قلت لصديقتي التي حذرتني قائلة:
ـ ماذا تظن، معاقرة خمرة ونميمة لرواد أغلبهم من ذوي "الرقبة الحمراء" يجب أن تحذر وأنت تدخل وتنتبه الى تصرفاتك فهم طائشون.
ـ ألا تدخلين؟
فتقول: لا، لا أريد أن أدخل. سوف تقف عند الباب او تتمرح في الساحة وحين تسمع صوتي يخرج من خلال ضجة عالية ستهاتف البوليس.
حين دخلت كان هناك دخان بل أدخنة تملأ سقف الحانة ومن الصعب تمييز الناس. الضوء خافت يغطيه غلوب وفي الزاوية تلفزيون يعرض لعبة كرة القدم بين فريقين يرتدي أولهم القمصان الصفراء وثانيهم القمصان البيضاء.
قبل أن أدخل قالت لي كي اشجع الفريق الذي يشجعونه فالوقوف مع الفريق الآخر سيجعلني عرضة لتهكماتهم ومن المحتمل أن يؤذوني. قلت لها، لا، لن اشجع الفريق الذي يشجعونه، بل سأشجع الفريق الأفضل. بالاضافة فأنا كما تعرفين أحب أن أكون وحدي لا علاقة لي مع أحد. فقالت، لا، ويجب أن لا تنسى أنهم كالقطيع وإن أردت ان تمضي بأمان في داخل الحانة فيجب أن تجاملهم وتكون معهم. تعرفين، في العادة أختار الطريق المعكوس أين يمشي القطيع أمشي عكسه أو ابتعد عنه. انت عنيد! ليس عنادا لكن أعرف أن القطيع لن يختار الطريق الصحيح .. إلا أن هؤلاء الرجال غليظي الرقاب التي يغطيها النمش. دخلت الحانة وتقدمت خطوة وهناك كان بعض الخوف نظروا نحوي كمن ينظر إلى مشتبه به. سوف أبقى واقفا كي أكسر الحاجز الذي بيني وبينهم. لكنهم أداروا رقابهم نحو التلفزيون وهم يلوون شفاههم. شيء عادي مو مشكلة سوف أتابع وأشجع فريق القمصان البيضاء يبدو لي أن لعبهم افضل. وطلبت بيرة، سألتني النادلة أي نوع تريد؟ لا أعرف انواع البيرة لو كان معي سام لقال لها أريد "هينيكن" فهو يحبها كثيرا والكأس على الطاولة أمامي وهناك أضواء البيرة المنعكسة. جاءني صوت قريب مني قال: أنت، هيه ، يا هذا، انت مع من؟  فقلت له: لا أدري، لم أقرر بعد. نظر نحوي ثم دفعني في كتفي، إن أردت أن تبقى هنا فمن الأفضل لك أن تكون مع القمصان الصفراء. آلمتني يده الثخينة كانت كيد بحار .. سميكة يده .. فقط آلمتني.

حين رحت أشرب البيرة جاءني إلهام الحب، دوما يأتي مع الشراب، لهذا زال الخوف واقتربت منه أقول، إن يدك أيها السيد سميكة آلمتني، مرة أخرى لا تضرب بهذه القوة. نفخ سيجارته في وجهي. أنت تصمت يا ابن. لم يكمل لأنه رأى ابتسامة صافية على وجهي. ضجيج الحانة يرتفع لقد سجل اصحاب القمصان الصفراء هدفا، فنظر نحوي وهو يصيح، ألم أقل لك أن تشجعهم؟ أنت خاسر الآن.
لا، لست خاسرا، لن تنتهي القصة عند هذا الهدف فاللعبة كما تعلم طويلة. أوه يا بليد والديه. سوف تخسر وسترى بعينيك. في وقت الاستراحة رفع صوته قائلا لاصدقائه: أنظروا الى هذا المعتوه إنه مع القمصان البيضاء. فتقدم مني رجل له لحية طويلة عليها بعض التبغ والعطاس وبعض الألوان الأخرى قال: إذهب واجلس هناك في زاوية الحانة مثل مطرود فنحن لن نحبك ولن نسمح لك أن تبقى بيننا. فذهبت الى المكان الذي أشار إليه، جلست إلى طاولة منعزلة بعيدة. لم أكن وحيدا، كان هناك صوت ما يدور في خلدي، وهناك ايضا رجل يجلس امامي فرحت أقول له: هذا أنا وحيد وبعيد عن القطيع. صح. فقال صح، أنا مثلك بعيد أيضا، لقد طلبوا مني أن أكون هنا معك. سوف نجلس سوية ونتسامر. كان يشرب بيرة نوع "هينيكن" ايضا، وعلى وجهه ابتسامة بيضاء. كان في خلده سؤال عن الحب فهو يظن أنني في هذه الزاوية لأنني أحب، فسألني:
ـ هل حدث وأحببت؟
ـ لا، لم يحدث
ـ مو معقول، أنت بهذا العمر ولم تجرب الحب ولا مرة
ـ نعم جربته لكن في كل مرة كان يفشل، لم يتحقق حتى النهاية
ـ أوه، الحب لا يتحقق ذلك لأن المرأة لا تحققه، لكن يكفي أن تعيش لحظة حب، تعيشه لخمس دقائق فقط، فكما تعلم فإن المرأة تنهي الحب بسرعة وتجعله يذبل مثل عباد الشمس.
ـ يذبل مثل عباد الشمس؟ لم اسمع بهذه العبارة من قبل!
ـ أقصد عباد الشمس الأحمر الذي يظهر فقط في الربيع، هو مثل الورد ثم يختفي.
ـ لا أظن ان اسمه عباد الشمس
ـ مو مشكلة، المهم فهمت ما أقصده
ـ نعم فهت ... لكن ليس عباد الشمس، له أسم آخر لكنني نسيته ايضا
ـ نعم، كلانا نسي الأسم.
ارتفع الضجيج لقد سجل فريق القمصان الصفراء هدفا آخر. فقال أحدهم وهو ينظر نحوي:
ـ أنت أيها الصعلوك الجبان، هذا هدف آخر
ـ يذبل تعرف لماذا، لأن المرأة هي السبب فهي بقرة.
ـ أوه، كيف تقول هذا الكلام الجارح؟
ـ ليس جارحا، ثم لم أقله انا بل قاله نيتشه.
ـ هل قال هذا الكلام؟ انا لا احب هذا الرجل فهو مجنون، ثم هو ناقل وليس مبدعا.
ـ كيف ليس مبدعا وكل الحضارة الغربية قامت عليه؟
ـ لا أدري إن قامت عليه أم لا، لكنه ليس مبدعا لأن أفكاره أخذها من الشرق ثم المرأة ليست بقرة، هل قال إنها بقرة؟
ـ نعم، هي بقرة وليست صالحة للحب.
ـ لا تقل ذلك، هي صالحة للحب لكننا نحن الرجال لا نصلح للحب وهذا هو المشكل.
ـ لا، العطب من النساء.
ـ والله ان سمعتك إحدى مناضلات تحرير المرأة فسوف ترفع عليك قضية...
ـ ماذا ترفع؟
ـ لا ادري ماذا ترفع، ثم تعال، ماذا بها البقرة، البقرة هي ملاك مقدس بقدونسها في الهند من أجل الحليب.
ـ تعرف لقد لعبت الخمرة في رأسك وأخطأت، كان عليك أولا أن تصحح كلمة بقدونسها وتقول يقدسونها، ثم البقرة بقرة حتى لو كانت في الهند.
ـ طيب، إن كنت تصر على أن المرأة بقرة فسوف أقول لك إن الرجال أيضا جواميس.
ـ من يحكي الآن أنت أم أنا؟
ـ لا أدري، احدنا هو الذي يتكلم والآخر يسمع.
ـ جميل لنمض إذن.
ـ نعم لنمض، لكن إلى أين؟
ـ نتكلم عن نيتشه.
ـ لا أعرفه، لم اقرأ له.
ـ هو فيلسوف لكن في النهاية أصابه الجنون وكان يركض في الطريق وعانق حصانا كان صاحبه يضربه بالسوط..
ـ امسى مجنونا! هذه لعنة من المرأة التي تجرأ وقال عنها انها بقرة.
ـ عباد الشمس؟
ـ لان الأسم ليس صحيحا، هو ورد احمر بساق قصيرة ينمو فوق الأرض أو ينبع من أعماق الأرض. له علاقة بأدونيس، هل تعرفه؟
ـ هل قلت أدونيس؟
ـ نعم قلت.
ـ أدونيس؟ قصدك ورد النعمان، نحن نسميه ورد النعمان، أظن ان هذا هو اسمه.
ـ لقد اقتربت من الاسم، فالاسم فيه كلمة نعمان. أظن أنه شقائق النعمان.
ـ نعم تذكرت شقائق النعمان، مرة مثلنا مسرحية اسمها "الفدائي وصبية القرية" كنا نحن صبية القرية ويظهر علينا الفدائي وهو يغني: شقائق النعمان في صدري والأوتاد في ظهري ولم أدر بإن الشمس طالعة لتوقظ صبية القرية. كانت مسرحية مثلناها في مدينة حمص. وكنت أيامها صغيرا دخلت غرفة تبديل ملابس الممثلات بالغلط، فحضنني وهن يتأوهن، فخرجت أركض الى غرفة الرجال فسألوني عن ملابسهن الداخلية لكنني لم أر ملابسهن الداخلية كنت مشدوها بالحب فحين تحضنني امرأة أضيع. كيف لي. ثم تقول هي بقرة.
ثم سجل الفريق الأبيض هدفا ـ فصمتت الحانة، فنظروا نحوي، تقدم أحدهم يقول، عاقدا ذراعيه، يريد أن يقول: هذا الهدف .. الآن 2 الى 1 هذا الهدف، هل أنت يا ابن المعتوهة من سجل هذا الهدف؟
فقال الذي امامي: لا لم يكن هو، كنا نتحدث في أمر فلسفي.
أنت إن حصل ودخل هدف آخر فسوف يكون نهارك أسود، سوف نضعك في أسفل السافلين.
كنا نتحدث أيها الرجل عن الحب، هل سبق وتحدثت عنه؟
بالطبع نتحدث عنه في كل وقت، نحن نحب النساء اللواتي يبعثن الرغبة في أجسادنا، نحن نحب نحب كل انواع النسوة، لكن هل انت من سجل الهدف؟
ـ إذهب أيها الرجل سوف يسجل القمصان الصفراء الآن هدفا، لهم ضربة جزاء.
ثم تأتي النادلة تحمل بيرة "هينيكن".
فقلت لها: هذه الكأس الثانية، سوف تصيبني الخمرة وأمسي مثلهم. مثل قطيع الحانة.
فقالت: لا، لا تمسي مثلهم، لو تبقى تتحدث عن الحب فإن مسألة القطيع لن تكون.
لكن الخمرة راحت تلعب في رأسي، فأردت أن أخرج.
خرجت، فما كان من الرجل الذي أمامي إلا أن وقف وراح يمشي معي.
حين خرجت كانت صديقتي تنتظر. فقال حين رأها: أهذه بقرتك؟
نظرت نحوه، لقد أغاظتني كلماته.
هو انسان سيء ويجب أن اتجنبه، سألته: أأنت من القطيع أليس كذلك؟
فقال لي، دخول الحانة ليس مثل الخروج منها. أنت الآن مع بقرتك.
ماذا أفعل فلا فكاك من هذا الرجل، يبدو انه التصق بي!
لقد تلوثت ايتها الصديقة؟
فقالت لي، لا ترد، ظل بصمتك وفي طريقك، لا تأبه به فأنت وحيد ويريدك أن تكون منهم لكن الحياة طويلة.
فلم أفهم ماذا تعني من الحياة الطويلة لقد تبلد ذهني ربما، لكن الحياة طويلة والطريق طويلة ايضا وعلى كلانا أن يمشي، يترك الحانة ويمشي.  

هيوستن 

hsolaiman@hotmail.com