يرصد هذا التقرير خلاصات المؤتمر الدولي حول المدن التاريخية والذي انعقد الشهر الماضي بالمنامة، المؤتمر الذي شهد مشاركة فعلية للعديد من الخبراء العرب ومن دول العالم أكد على الطابع الخاص لتراث الوطن العربي بزخمه الحضاري والثقافي وهو ما شكل محطة أساسية للتفكير في صيغ مختلفة للحفاظ عليه وصيانته خصوصا بعد التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية وهو ما أمسى يشكل تهديدا مباشرا لوجوده.

مؤتمر المدن التاريخية والتجديد الحضري

بعد ثلاثة أيام من الاشتغال التاريخي والحضاري، اختتم المؤتمر الدولي “المدن التاريخية والتجديد الحضري” أعماله الأربعاء الموافق 25 مارس 2014م، وذلك في مقر المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، بحضور عدد كبير من خبراء التراث العالمي ولاإنساني من منظمات إقليمية ودولية مختلفة، حيث خرج المجتمعون بمجموعة توصيات ترفع للجهات المعنية بعد مناقشة المؤتمر على مدى أيامه مواضيع المحافظة على المدن التاريخية والمناطق الحضرية وكيفية إدارتها. 

وتقدّم فريق الخبراء المشارك في المؤتمر بالشكر للمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وعلى رأسه معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيس مجلس إدارة المركز، والدكتور منير بوشناقي مدير المركز وكل من شارك في إنجاح أعمال المؤتمر، وذلك لاستضافة المركز لهذا المؤتمر الذي يعد ضرورة في وقت تعيش فيه المنطقة العربية ظروفاً تؤثر بشكل سلبي على إرثها الثقافي والمعماري العريق. 

وأوصت مخرجات المؤتمر  العامة بالاعتماد على المواثيق الدولية التي أعدتها كل من اليونيسكو والإيكوموس في عمليات الحفاظ على المدن التاريخية، كميثاق أثينا 1931، وميثاق فينيس 1964 وتوصية منظمة اليونيسكو لعام 2011. كما وأوصى المؤتمر بالسعي لاستخراج أدوات قانونية على المستوى الوطني للدول، العمل على تعريف القيم الثقافية للمجتمعات وربطها بعملية إعادة التأهيل المستدام للمدن التاريخية وتنظيم ورش عمل للعصف الذهني في الدول العربية بالتعاون مع منظمة الأليكسو من أجل الوصول لآلية عمل وفلسلسة للحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة. 

كما وأكد المؤتمر في توصيات خاصة بالأدوات التقنية للحفاظ التاريخي وإعادة التأهيل الحضري، على ضرورة القيام باستبيان يأخذ في عين الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية من أجل تطبيق مبادرات إعادة التأهيل الحضري للمدن بنجاح، إضافة إلى تخطيط وتطبيق مشاريع مبدئية في مجال التعرف بشكل عملي على الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمدن التاريخية في الوطن العربي. وفي ذات السياق أوصى المؤتمر بضرورة إشراك الأطراف المختلفة في المجتمع المحلي بعملية تخطيط وتطبيق مشاريع إعادة تأهيل المشاهد الحضرية بما يجعلها مشاريع مستدامة. 

وأقر المؤتمر عددا من التوصيات المستقبلية التي أكدت على تنظيم مؤتمر خاص حول دور الأوقاف الدينية في حفظ التراث الإسلامي، تطوير مؤهلات الخبراء العرب بدعم من المنظمات الدولية المعنية بالتراث مع تنظيم ورش عمل متعددة تشارك فيها الجهات الحكومية والخاصة، وإعداد ميثاق يكرس لمنع تدمير التراث الثقافي في المنطقة تشارك في إعداده المؤسسات المحلية والعالمية ذات الشأن، وبالاعتماد على مواثيق دولية سابقة. 

أما بخصوص مداخلات المؤتمر في يومه الأخير، فتناول المؤتمر مجموعة مواضيع ألقاها خبراء عرب وعالميين، بدأت مع السيد دانييلي بيني أستاذ التخطيط العمراني في جامعة فيرارا بإيطاليا حيث تحدّث عن مشروع التجديد العمراني في مدينة القاهرة التاريخية. وأشار السيد بيني إلى أن عملية التجديد الحضري هي عملية إعادة القيم الثقافية والتاريخية للمجتمع وإعادة إحيائها، موضحاً أن مشروع تجديد المدينة دعم الخصائص التراثية للنسيج العمراني فيها وأعاد إحياء الحرف اليدوية التقليدية والممارسات الاجتماعية التي تميّزها وتعطيها هويتها الفريدة. 

بدوره قدّم السيد كريم هنديلي أخصائي برامج بمركز التراث العالمي في اليونيسكو بباريس عرضاً تناول فيه نتائج ورش عمل المركز في تونس والكويت، حيث تقدّمت تونس بطلب ترشيح مدينة سفاقس التاريخية على قائمة التراث العالمي. وأشار السيد هنديلي إلى أن مشروع ترشيح مدينة سفاقس تطلب مجموعة ورش عمل شاركت فيها جميع الأطراف المعنية بالمدينة من مسؤولييين حكوميين، أصحاب مشاريع محيطة بالمدينة والمنظمات الأهلية، مؤكداً ان أهم ما تمت مناقشته لترشيح المدينة هو معالجة محيط الموقع بما يحفظ هوية وثقافة المدينة. كما وتطرق السيد هنديلي إلى مشروع ترشيح أبراج الكويت لقائمة التراث العالمي، موضحاً أن مركز التراث العالمي أقام ورشتي عمل من أجل تقييم وإعداد ملفات حول التراث الثقافي المعاصر الذي تتميز به الكويت. 

وفي مداخلة لاحقة تحدث السيد مراد بوتفليقة مدير المحافظة على التراث الثقافي وترميمه في وزارة الثقافة الجزائرية حول مكانة العمارة الاستعمارية في التجديد الحضري، مستعيناً بأمثلة من مدينة الجزائر حيث تحتوي على العديد من المعالم التي تأثرت بالطابع العمراني للمجتمع الأوروبي الذي تواجد في المدينة فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر. 

أما الدكتور كمال البيطار، مسؤول برامج التراث الثقافي في المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالمنامة، فأكد في مداخلة حول مدينة حلب أن التراث الثقافي المعماري للمدينة تعرض لدمار هائل بعد الأحداث في سوريا عام 2011م، موضحاً أن التراث الثقافي لحلب بحاجة إلى مساعدة عاجلة من جميع المعنيين بالتراث حول العالم من أجل إنقاذه من التعرض لمزيد من الدمار. وأشار الدكتور البيطار إلى أن خبراء التراث وضعوا للمدينة خطة إعادة تأهيل منذ العام 1994م وحتى العام 2007م حيث تمت توسعة دائرة التطوير الحضري للمدينة إضافة إلى ترميم الساحات العامة والمباني التاريخية في المدينة واستعادة الأرشيف المعماري والثقافي لحلب. 

وفي سياق متصل قدّمت السيدة عمرة يدوفيش المهندسة المعمارية ومفوضة المحافظة على آثار البوسنة والهرسك، شرحاً حول عمليات الترميم التي حصلت في البلاد بعد الحرب التي عرضت التراث الثقافي والمعماري للبوسنة والهرسك للعديد من المخاطر والدمار. وأشارت السيدة يدوفيش إلى أن عمليات الترميم في البوسنة والهرسك تعطي المزيد من الأمل بإمكانية إنقاذ التراث الثقافي في مدينة حلب وسوريا بشكل عام. وقالت السيدة يدوفيش إلى أن حوالي 3000 معلم تاريخي ومعماري في البوسنة والهرسك قد تعرض للدمار بشكل جزئي أو كامل، مؤكدة في ذات الوقت أن عملية إعادة تأهيل التراث الحضري في المدن التي تعرضت للدمار يجب أن تشمل مشاركة المجتمع المحلي.

واختتم المؤتمر مداخلاته مع السيد إحسان فتحي مستشار شؤون التراث العراقي، الذي أكد على أهمية التراث العراقي الذي يعود لآلاف السنين، مشيراً إلى تعرضه لعمليات تدمير عشوائية وممنهجة منذ بداية القرن الماضي، مستعينا بأمثلة من مدن كبغداد، أربيل، الموصل وبابل. 

 

مؤتمر المدن التاريخية والتجديد الحضري ينطلق من مركز التراث العالمي بالمنامة

في استمرار لاشتغاله الحضاري والتاريخي، أطلق المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي صباح الاثنين الموافق 23 مارس 2014م، أعمال المؤتمر الدولي  "المدن التاريخية والتجديد الحضري” في مقر المركز بالمنامة. وافتتح المؤتمر جلساته التي تستمر حتى 25 مارس 2014م بحضور كبير من خبراء التراث العالمي والإنساني من منظمات إقليمية ودولية مختلفة منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو ، المجلس الدولي للآثار والمواقع الأثرية ICOMOS والمركز العالمي لدراسة الحفاظ على المباني الثقافية وترميمها ICROM، حيث يناقش المؤتمر على مدى أيامه الثلاثة مواضيع المحافظة على المدن التاريخية المناطق الحضرية وكيفية إدارتها. 

وبهذه المناسبة رحّبت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة مجلس إدارة المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالحضور، مؤكدة على أهمية هذا المؤتمر في تعزيز قيمة الموروث الثقافي للشعوب العربية في ظل ما يتعرض له من انتهاكات ومخاطر. وأعربت معاليها عن سرورها باستضافة هذا المؤتمر في المنامة التي تحتفي هذا العام بالتراث تحت شعار “تراثنا ثراؤنا”، داعية الحضور لزيارة معالم البحرين التاريخية والحضارية في مدينتي المحرق والمنامة. كما وأكدت معاليها أن المدن القديمة “هي القلب النابض في دولنا بحب الحياة”، مشيرة أن هذا المؤتمر الدولي "يندرج ضمن الرؤية العامة للمركز الإقليمي الذي يعمل على الحفاظ على المدن المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي في الوطن العربي، خاصة مع التحديات والأزمات التي تواجهها في دولنا العربية”.

ومن جانبه أكد الدكتور منير بوشناقي مدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي أن المؤتمر يهدف إلى التأكيد على أهمية المدن التاريخية، مشيراً إلى أن جدول أعماله أعد بتشاور مع المنظمات الدولية المعنية. وأوضح الدكتور بوشناقي أن المؤتمر يعتمد في انطلاقته على ثلاثة مواثيق دولية هي توصية اليونسكو التي اتخذت في مدينة نيروبي الكينيّة حول المجموعات المدنية والتاريخية، ميثاق المنظمة الدولية للمواقع والمباني التاريخية الذي أقرّ في مدينة طليطلة في إسبانيا واعتمد في واشنطن عام 1987 حول الحفاظ على المدن التاريخية والمناطق الحضرية، بالإضافة لاتفاقية اليونسكو لعام 2011 والتي توصي بالحفاظ على المناظر التاريخية للمدن القديمة، مؤكداً أن المؤتمر سيتوقف في ضوء هذه النصوص عند أعمال بعض المدن التاريخية في حفاظها على الإرث العمراني وانسجامه مع الحياة العصرية. كما وأوضح الدكتور بوشناقي أن المؤتمر سيتناول كذلك أمثلة من مناطق كثيرة من العالم انطلاقا من المغرب العربي، إلى مصر، سوريا، العراق، إيطاليا، فرنسا، بلجيكا، إنكلترا والولايات المتحدة، إضافة إلى تقديم هيئة البحرين للثقافة والآثار تجربتها في مدينتي المنامة والمحرق.    

واستهل المؤتمر جدول أعماله بتقديم كلمات لكل من السّيد بيتر غرومان ممثل منظمة الأمم المتحدة في مملكة البحرين، السيّد كريم هنديلي من مركز التراث العالمي لليونيسكو في باريس والدكتور زكي أرصلان مدير المركز الإقليمي آثار - إيكروم الشارقة. 

وقدّم المؤتمر في أولى جلساته مداخلة تناولت المدن التاريخية والمناظر الحضرية قدّمها جان لوي لوكسان منسق مشروع التراث الأورومتوسطي في بلجيكيا، حيث أكد خلالها أن كل مدينة تاريخية لها هويتها الخاصة وصفاتها التي تميزها عن غيرها، مشددا أن المدينة التاريخية يجب أن تصان وتتطور ضمن محيطها بما يحفظ خصائصها المعمارية والاجتماعية. كما وقدم السيد لوكسان شرحا مفصلا حول طرق إدارة المدن التاريخية وكيفية تطبيق مناهج إدارتها.

وفي سياق متصل تحدّث السيد كريم هنديلي أخصائي البرامج في مركز التراث العالمي لليونيسكو في فرنسا عن عمل منظمة اليونيسكو  في مجال المحافظة على التراث الحضري، حيث أكد أن اليونيسكو تؤمن بأهمية التراث في التطوير الحضري المستدام وتنمية المجتمع. كما وأوضح السيد هنديلي أن الحفاظ على التراث هو أساس اتفاقية اليونيسكو لعام 1972م بالمعنية بالحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي حول العالم. وأردف السيد هنديلي أن منظمة اليونيسكو دخلت الحركة العالمية للحفاظ على المدن التاريخية من خلال برنامج المدن التاريخية العالمية، توصية التراث العالمي الحضري وتوصية المناظر الحضرية التاريخية.

كذلك ناقش المؤتمر كيفية المزج ما بين المحافظة على التراث والتنمية الحضرية في المدن المدرجة على قائمة التراث العالمي من خلال مداخلة قدّمها السيد فرانشيسكو سيرافو من مؤسسة الأغا خان للثقافة في سويسرا، حيث قّدم خلالها مثالا لمدينة جورج تاون في بينانغ

أما السيد نبيل منصر منسق الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في اليمن فتطرق خلال مداخلته إلى تحديات المحافظة على مدينتي زبيد وصنعاء، حيث أشار إلى أن التراث الثقافي في اليمن يتعرض لمخاطر كثيرة بسبب قلة الإمكانيات والأحداث المستمرة، موضحاً أن مدينة زبيد أدرجت على قائمة المواقع المعرضة للخطر لمنظمة اليونيسكو بسبب أعمال الصيانة غير الملائمة والإهمال المستمر. وفي هذا السياق قدّم السيد منصّر شكره للمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي لدعمه لمشروع ترميم في مدينة زبيد، حيث تستفيد من المشروع مجموعة مباني تاريخية وساحات عامة في المدينة. 

وحول المناطق التاريخية التي تمتلك مقوّمات حضارية ومعمارية مميزة، قدم السيد رشاد بوخاش مدير دائرة التراث الأثري ببلدية دبي بالإمارات العربية المتحدة شرحا حول سبل المحافظة على منطقة خور دبي وإدارتها. وأشار السيد بوخاش أن خور دبي هو ميناء طبيعي شكل على مدى عقود منطقة اشتغال ثقافي وتجاري في دبي، موضحاً أن بلدية دبي أنشأت قسماً خاصاً للعناية بالتراث المعماري، والذي يعمل على الحفاظ وإدارة المواقع التراثية في المدينة، رفع الوعي بأهمية التراث المعماري من خلال المحاضرات والمنشورات وإقامة ورش العمل حول طرق ترميم وصيانة المباني التراثية.

وفي جلسته الثانية، في اليوم الثاني للمؤتمر، والتي تناقش مواضيع متعلقة بالمدن التاريخية والتجديد العمراني، يطرح المؤتمر أمثلة ناجحة محلية لمشاريع التجديد الحضري والتاريخي من مملكة البحرين ، والتي تتمّثل في العمل الجاري حاليا في مشروع طريق اللؤلؤ المسجل على قائمة التراث العالمي ومنطقة باب البحرين. كما ويتطرق المتحدثون في اليوم الثاني إلى نماذج عالمية وعربية للتجديد العمراني للمدن كبرشلونة في إسبانيا، مدينة ماتيرا في إيطاليا ومدينة مراكش في المغرب. 

أما في يومه الأخير، يقدّم مؤتمر "المدن التاريخية والتجديد الحضري" مداخلة حول أهم مناهج الحفاظ على التراث، وأخرى تتناول المدن التاريخية المعرضة للخطر، حيث ينسّقها الدكتور منير بوشناقي مدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي. ويتحدث المؤتمرفي هذا اليوم كذلك عن مدينة حلب التاريخية وطرق إدارتها ما قبل الأحداث في سوريا، ومن ثم يقدّم مداخلة حول التدمير الجاري للتراث الثقافي في العراق بفعل الحروب. كما وتتناول هذه الجلسة الأخيرة عمليات إعادة الإعمار في المدن التاريخية والتراث الثقافي في البوسنة والهرسك، والتي تعرضت لدمار أثناء فترة الصراع خلال أواخر القرن الماضي.