امتداداً للمنتديات الثقافية والفكرية التي تقيمها ، تنظم جمعية الفكر التشكيلي بتنسيق مع قسم الفنون التشكيلية بمـديـرية الفـنـون المنتدى الحادي عشر المتضمن لعرض حول موضوع: " الجماليات البصرية:السينما والتشكيل نموذجا " يلقيه القاص والناقد السينمائي محمد اشويكة ويؤطره الفنان المقتدر محمد الشوبي، وذلك مساء يوم الأربعاء 01 أبريل 2015 برواق محمد الفاسي بالرباط على الساعة 06 مساء.
أرضية المنتدى/ الجماليات البصرية ـ السينما والتشكيل نموذجا
محمد اشويكة
تتيح الفنون البصرية نوعا من السياحة البصرية أو الهجرة المضادة من مجال إلى مجال سيما وأن حقولها منفتحة على بعضها البعض، فهي متعددة الانتشار، ومتناغمة التأثير.. تقدم نفسها كبنية من العلامات والرموز القابلة للبناء والتفكيك، الحاملة للخطابات الظاهرة والمضمرة التي يتطلب فهمها انتهاج نوع من المقاربات المنهجية المتداخلة التي لا تخلو من مغامرة لكشف انفتاحات أكبر وأعمق على تقنياتها وتاريخها الذي هو تاريخ للضوء والحلم والجمال.. ففي ثنايا ذلك تصير البلاغة جزءا من الصورة، وتختزل الصورة ذاكرة التكنولوجيات البصرية التي يختلط فيها العادي بالفني، والطليعي بالكيتش (kitsch)، والضعيف بالجيد...
تستدمج السينما تقنيات التشكيل، وتطرح الإشكالات المرتبطة به كما تناقش القضايا الجمالية المتعلقة بكافة الممارسات الفنية ذات الصلة بالفنون البصرية كالغرافيزم والديكور والنحت والفن الرقمي والڤيديو والإرساء (Instalation)...
لذلك، فالتفكير في الجماليات البصرية المُقَارِنَة يطرح على المُتَأَمِّل لعلاقات التداخل بين الفنون طَرْحَ بعض التساؤلات التي يمكنها أن تساهم في فهم علاقة تاريخ الفن بالتخصصات المجاورة التي قد تغير هويته بشكل أو بآخر، ومن هنا فالعلاقة البصرية الحاصلة بين السينما والتشكيل تتداخل على عدة مستويات منها:
- التبدلات الأيقونية الحاصلة للصورة على مختلف الحوامل والسندات...
- غنى الثقافة البصرية على مستوى إدراك وتمثل البناءات الاجتماعية لكل ما هو بصري...
- مساهمة دراسة الوسائط أو ما يسمى بجماليات الميديا في تقليص الهوة بين أنماط الوسائط التكنولوجية والاجتماعية والفنية...
ولتوضيح بعض ما هو مومأ إليه أعلاه، يمكن استجلاء الجماليات البصرية للسينما والتشكيل انطلاقا من العناصر التالية:
- الإطار والتأطير: الواضح والمضبب...
- داخل الإطار/خارج الإطار (Le champs et le hors champs): من المرئي إلى اللامرئي...
- عمق المجال: من التسطيح إلى التعميق...
- التركيب: فن البساطة والتعقيد...
- لعبة الأبيض والأسود.. فالألوان...
- الضوء بين اليد والعين...
- المونتاج: الكولاج والترتيب الفكري والفني...
يتم الحديث عن سينما التشكيل كصيرورة من العمليات الفنية داخل الشاشة، والتي تؤدي إلى خلق دينامية بصرية تتجلى في شتى أشكال المتواليات الفيلمية التي تتعاقب فتخدم العناصر السابقة من حيث التركيز عليها أم تهميشها...
كيف تتبادل السينما والتشكيل الجماليات المشتركة بينهما؟ كيف يغني بعضهما الآخر؟ هل استطاعت السينما اختزال الجماليات السابقة عنها؟ ما دور التكنولوجيا في تطوير الجماليات البصرية السينمائية؟ بأي معنى يتم الحديث عن إستيتيقا اللوحة والشاشة؟ ما الوسائل التي تتيح للسينما ممارسة التشكيل على الشاشة؟
2ـــ محمد اشويكة: الكاتب المتعدد والمثقف المشارك
يصعب حصر المجال الكتابي لدى عدد من الفاعلين الثقافيين الذين يشتغلون بأذهان وأياد متعددة. الصديق محمد اشويكة واحد من هؤلاء، بمقدرة وجدارة واضحَيْن، في الحين الذي تجتمع فيه شروط ودوافع المبدع المُتسامي: حينما يشاهد لوحة أو صورة فنية أو لقطة سينمائية مثلا، قد يعمل على استكمالها إبداعيا، بقدر مراجعتها فكريا، بالشاكلة التي تدفعني للقول باستبعاد التأرجح لصالح التحول السَّلِس والمتماهي بين الكتابة الإبداعية (القصة، أدب الرحلة...) والكتابة الدّارِسة (النقد السينمائي والفني عموما) ضمن ناظم تصوُّري، رُؤْيَوي، يحتكم للقيم الجمالية وآلياتها في نهاية المطاف، أكانت النصوص تعبيرية أو بَحْثية.
من ثمة، يعتبر محمد اشويكة من الأسماء المائزة، التي أضفت بصمتها على أساليب القصة المغربية المعاصرة: "الحب الحافي"، "النصل والغمد"، خرافات تكاد تكون معاصرة"، "درجات من واقعية غير سحرية"، ورحلة "أنفاس الجغرافيا"، بالإضافة إلى دراستَيْن حول القصة القصيرة، مما يؤكد نَفَسه التعبيري الممتد والمتماسك، النفس المتجدد بشهيق التخييل وزفير التحليق.
من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن الأدبيات البصرية، دون استحضار منجزه الدراسي داخل إطار النقد السينمائي أساسا: "الصورة السينمائية: التقنية والقراءة"، "السينما المغربية: أطروحات وتجارب"، "السينما المغربية: رهانات الحداثة ووعي الذات"، "السينما المغربية: تحرير الذاكرة.. تحرير العين"، "مجازات الصورة: قراءة في التجربة السينمائية لداوود اولاد السيد"... هذا الميل المشدود إلى ريبيرتوار الفيلم المغربي وقضاياه، لا يقتصر على المتابعة والرصد، بل يتجاوزه من منطلق رغبة ذاتية في تطوير المُنتَج السينمائي المحلي، باستغواره وتحليله ومناقشة مسائله، متوسلا بالعين اليقظة، والقراءة المُتَفحِّصة التي تقوم على مختلف المفاهيم النظرية والتاريخية، وبعَديد الأدوات التي تنهل من الجماليات والعلوم الإنسانية والسوسيولوجية، بينما اللغة تحافظ باستمرار على النبر الإبداعي الموصول بالتأمل والمساءلة، والبلاغة الواضحة والأنيقة في ذات الحين.
كيف يتسنى له ذلك؟ البحث عنده كما الإبداع ضمن جولة ذهاب وإياب مُريحة، ينطلق من خلفية فلسفية، ولكن بكثير من التغذية والتطعيم: ثقافة الصورة واللوحة، السيميائيات، الحضارات، تاريخ الفن، ناهيك عن مشاهداته الفيلمية المكثفة، وزيارة المعارض التشكيلية، واحتكاكه بالكتاب والسينمائيين والفنانين ومختلف صانعي الفرجة.
علاوة على ذلك، يبقى محمد اشويكة – أيضا - من كتاب السيناريو المتفاعلين مع الحياة المعاصرة والمجتمع المتجدد، ومن المشتغلين في مجال الإنتاج السينمائي. إضافة إلى كونه منشط ومعد برامج تلفزيونية، يعمل من خلالها كما في مؤلفاته، على توطيد ثقافة الصورة ونشر علومها، بناءً على قدراته التواصلية وعلاقاته بالمبدعين والدارسين والمهتمين بالشأن المرئي. كل هذه الكفايات التي تزكي حضوره المشرف على المستويَيْن المغربي والعربي، تجعل منه ذلك المبدع والمثقف المشارك، الذي تبقى لديه الكتابة - كما جاء في تصريحه - تحقيقا لتوازنه الوجودي.
بنيونس عميروش (فنان تشكيلي وناقد)