في نص موجز ومكثف تتغلغل القاصة التونسية الشابة في عالم المرأة وهي تحلم بالتحرر والطيران من بيئة ضاغطة خانقة تلاحقها بالأسئلة والمراقبة فتحلم وتحلم لكن ثمة دائما في مجتمعات صارمة من يستعد للنهش وتمزيق حلمها وجسدها.

دون قيود

زيـنب هـدابي

خرجت "مي" من بيتهم وسارت في الشّوارع لا تلوي على شيء. أخذت تسلك النّهج تلو النّهج، و تقطع الطّريق تليها الطّريق وهي كالثّملانة لا تدري ما ألمّ بها من حيرة وجمود. التفتت يمنة ثم يسرة لم تجد أحدا يرمقها بحدقتين متّقدتين، يرقبها أو يقيّد حركات جسدها المرن. شعرت في هذا الحين أنّها حرّة طليقة. شعرت كأنّها سحابة تبحر في السّماء، تتبخّر، تمطر، ثمّ تتغلغل في أعماق الأراضي الكالحة العطشى فترويها. انتابتها أحاسيس تغلغلت في مساماتها... لم تعمر لحظات الارتواء طويلا... تملّك "مي" برد زمهرير اقشعرّ له بدنها فدارت حول نفسها كصوفي مسّه ولع ... فتحت عينيها العسليتين فوجدت نفسها أمام طريق مسدود والمطر يهطل مدرارا فيتبلّل فستانها الرّمادي و يسدل خصلات شعرها على جبينها المضيء. إنّها اليوم، لأول مرة في حياتها، تخرج دون سؤال من أحد حول إلى أين هي ذاهبة ؟ أو متى ستعود؟ تسللت من بين براثن العنف اليومي في بيتهم لتصادق حمائم الشوارع التي لطالما حسدتها على طيرانها بحريّة وهي تراقبها بحسرة ...خبّأت مي حلمها تحت جفنيها... سحبت نفسا عميقا، ثم سارت عكس اتجاه الرّيح... قاومت ذلك التيّار الذي يسحبها من ثوبها محاولا تجريدها منه... أنهكتها المقاومة فتهالكت على رصيف ما فأخذت قطط وكلاب الشوارع تنهش ذلك الثوب الرمادي بأنيابها ومخالبها