"حيفا ليست قرطبة" نصّ إبداعيّ يستفزّك من عنوانه الذي يشدّك إليه، ويُثير فيك كل التّداعيات التي تأخذ بك عَبر الأزمنة والأماكن العربية التي عاشتها أمّتنا العربية. و"حيفا ليست قرطبة" نصّ يستحثّ كلّ واحد ليُبادر ويروي قصّته التي عاشها، فلكلّ واحد قصّته، ولكلّ قصّة تميّزها وفَرادتها. و"حيفا ليست قرطبة" كما يقول د. شوقي قسيس "ليس حكاية أو رواية بمعناها الكلاسيكي، وليس مذكّرات أو يوميّات أو سيرة ذاتيّة متكاملة. وهو أيضا ليس بحثا سياسيّا أو دراسة اجتماعيّة بحسب الدّلالة العلمية للكلمتين. قد يكون فيه شيءٌ من كلّ ما ذكرت، أو قد ينطوي على ما في الأنواع الكتابيّة جميعا بوصفه تسجيلا لها على الجملة، ولك كذلك أنْ تصنّفه بعد القراءة، لو شئتَ، كنوع جديد".(ص7)
لكن د. شوقي قسيس، ابن بلدة الرامة الواقعة في منطقة الجليل شمال فلسطين والمقيم حاليا في الولايات المتحدة، يُحدّد هويّة نصّه المميّز بأنّه " يُشكّل حكاية غير كاملة لجيل فلسطينيّ ولد مع إتمام عملية السّطو المسلّح على فلسطين، ووجد نفسَه في وطن مترجَم حتى النّخاع، ويُسيطر عليه قطعان من الأغْراب".(ص7) ولكون "حيفا ليست قرطبة" سيرةَ جيل كامل، كما يُعرّفه صاحبه، لا يُمكن أن نقتصر كلامنا عنه، كما في تعاملنا مع أيّ نصّ أدبي، في حدود النّقد للنص ّ ذاته بعد تَفْكيكه وتحليله وتَقييمه، وإنّما نجد لزاما علينا للتّدليل والإثبات أنْ نأتيَ باقتباسات تُلقي الضوء وتؤكد الكلام.
أوافق الدكتور شوقي قسيس أنّ في نصّه الإبداعي شيئا من كلّ الأنواع الكتابيّة، لكنّني أرى أنّه أقرب للسيرة الذاتيّة التي حدّدها جورج ماي بأنّ "ما يميّزها اعتناؤها بوصف الحياة الخاصّة للشخصيّة، وكاتب السيرة يكون مُقَيّدا إلى حياة معروفة له، عاشها وعرفها وليس له إلّا استعادتها بذاكرته، وهو يتذكر الشخصيّة ويستعيدها إلى الحاضر، ويُجسّدها من جديد بصورة تتناسب وهذا الحاضر الذي أوجدها فيه. وفي السيرة الذاتيّة يكون تطابق كامل بين الكاتب والشخصيّة، ولا احتمالات والتباسات في المعاني ما بين القارئ والكاتب".(ماي، جورج. السيرة الذاتية ص189)
دوافع كتابة السيرة الذاتيّة كثيرة كالإحْساس بالفَرادة والتّميّز وصُنع أحداث كانت لها أهميّتها على حاضر ومستقبل الجماعة. وقد يكون اعتقادُ كاتبها بأنّ كتابة سيرته الذاتية تضمن له الخلود. وفي حالة صديقنا الدكتور شوقي قسيس لا بدّ أن يكون لوجوده في الولايات المتحدة منذ عام 1979، ولبُعْده عن المكان وعن الناس الذين عرفهم، والحنين إلى المكان والناس، هما الدّافع لتَذكّرهم دائما، والعامل في الارْتداد إلى الماضي لاستعادته وعَيْشه من جديد.
الطفولة المُتميّزة:
تُشَكّل مَرْحلة الطفولة لدى معظم كُتّاب السيرة الذاتيّة المحطة الأولى في كتابة سيرتهم، لكنهم يستعرضونها بسرعة، وينتقلون للمراحل التالية التي فيها يعتقدون أنّهم عملوا وأبدعوا وأثّروا وتركوا ما يُخلّدُ ذكرَهم. ومعظمُهم يتجاهلون الأيامَ والشهور والسنوات الأولى التي عاشوها، وينتقلون للمراحل المتقدّمة. فمثلا طه حسين يبدأ سيرته في "الأيام" بما جرى له بعد فقدان نَظره.(الأيام1 ص3). وجبرا إبراهيم جبرا بدأ سيرته وقد بلغ الخامسة من عمره تقريبا، يَعي ويُراقبُ ما يدور حوله من أحداث. (البئر الأولى ص11). واختار إحسان عبّاس أن يبدأ سيرته من نهاية السنة الرابعة (غربة الراعي ص9)، بينما نجد حنا أبو حنا يبدأها من لحظة ما قبل الولادة عندما استُدعيَت القابلة لتساعدَ الأم على الولادة، ولتُعلن بأنّ المولود ذكر.(ظل الغيمة ص12).
الشاعرة فدوى طوقان تعترف بألم واضح من كلماتها الأولى بأنّها خرجت من ظلمات المجهول إلى عالم غير مُسْتعدّ لتقبّلها، وأنّ أمّها حاولت التخلّصَ منها في الشهور الأولى من حَمْلها بها، وقد حاولتْ وكرّرت المحاولة ولكنها فشلت. وتقول فدوى: "بين عام يموت، وعالم على أبواب الولادة، خرجتُ إلى هذه الدنيا. الامبراطورية العثمانية تلفظ آخرَ أنفاسها، وجيوش الحلفاء تواصلُ فتحَ الطريق لاستعمار غربيّ جديد عام 1917."(رحلة صعبة رحلة جبلية ص12و16). أمّا الشاعر سميح القاسم فقد بدأ الجزء الأول من سيرة حياته من عام النكبة 1948 وكان في التاسعة من عمره. (إلى الجحيم أيّها الليلك ص8). بينما لم يُقَرّر نقطة البداية في كتابته لسيرته المطوّلة "إنها مجرّد منفضة". يقول: "لا مكان تبدأ من جغرافيّته. ولا زمان تنطلق من إيقاعه. التضاريسُ وهم يا صديقي. وعقاربُ الساعة خدعة بَصَريّة"(ص10). ويحتار سميح القاسم من أين يبدأ سيرته الذاتية ويسأل: "من أين تبدأ؟ قد تكون قصيدتك الأولى وأنتَ بين عاميك الثالث عشر والرابع عشر بداية جيّدة. وقد تكون محاولةُ اغتيالك وأنت طفل يبكي في قطار مع أفراد أسرته بداية أفضل. وقد تكون محنةُ طفولتك في العام 1948-عام النكبة- الأساس الأمتن لسيرتك" ويسأل نفسه أيضا : " ولماذا لا تبدأ بشجرة العائلة ؟ ولماذا لا تبدأ بتجربة الاعتقال الأولى عام 1958؟ أو بالمجموعة الشعرية الأولى (مواكب الشمس) التي صدرت في العام نفسه؟ وقد يكون سفرك خارج البلاد في العام 1968 يوم شاركتَ في مهرجان الشباب العالمي في العاصمة البلغاريّة صوفيا، قد يكون هذا السفر، وما رافقه وصدر عنه، من متعة ووجع وغبطة وغضب وخيبة وثورة، قد يكون البداية الأكثر توفيقا؟"(إنها مجرد منفضة ص13-14).
لكنّ الدكتور شوقي قسيس اختار أن يبدأ سيرته بقَفْزة زمَنيّة كبيرة تُعيدُه من لحظته الآنيّة وهو ابن عشرين سنة إلى الماضي البعيد عندما كان عمره لا يتجاوز السنة وبضعة أشهر بسؤال وَجّهَه لوالده الذي جاء لزيارته في بيوت الطّلَبَة في جامعة بئر السبع حيث كان شوقي يدرس هناك قُبَيْل انفجار حرب حزيران 1967 قَصْد أخذه معه إلى قرية الرامة خَوف انفجار الحرب وهو بعيد عن أهله وبيته. السؤال كان "عن شيء تذكرُه ولا تعرفُ له تفسيرا، حدَث حقيقيّ جرى لكَ في حياتك. وإنْ صحّ ذلك، فلا بدّ من أنّه حدث وسنّك أقلّ من سنتين: أنت في مكان شبه معتم .. مكان ضيّق وعميق لا يصلح أنْ يكون غرفة. أنت فيه مع طفل آخر تجلسان على الأرض. لا توجد في ذاكرتك أيّ صورة لملامح ذلك الطفل. وأوضح مَعْلَم في ذلك المكان هو أرضُه وجدرانه المصنوع كلاهما من خشب أحمر اللون. كان منظر الخشب الأحمر والأملس واللامع غريبا بالنسبة إليك، فاستحوذ على انتباهك، وبقي محفورا في ذاكرتك. انتفض والدُك كالملسوع.. قال لك بعدما انتهيتَ من وصف ما تذكره، إنّه لا يُصدّقُ ذلك، فقد وصفتَ له حَدَثا وقع في الثامن عشر من شهر نيسان سنة ثمان وأربعين من القرن الماضي، وكان عمرُكَ يومها سنة وشهرين وعشرة أيّام فقط. لكن ما وصفتَه كان صحيحا، وأنّ ما وصفته له هو القارب الذي استقلته العائلة لتصلَ من حيفا إلى عكا في طريق هروبها إلى الرامة بعد أن سقطت حيفا بيد اليهود. لقد قرّر والداك أنْ يُغادرا حيفا تحت جنح الظلام، وبالبحر، لأنّ طريق البرّ إلى عكا لم يعُدْ آمنا. "سألته: مَن هو الطفل الذي كان معي؟ قال لك: " إنّه أخوك الياس الذي توفي بعد ذلك بأشهر قليلة في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت."(ص14 و20).
هذه الذّاكرة القويّة التي يتمتع بها شوقي، وفاجأت والدَه في حادثة القارب والأخ الذي كان، ورثها عن جدّه وأورثها لابنته ليلى، وقد سبّبت له الكثيرَ من الآلام. لكنه يعترف أيضا أنّ هذه الأحداث الكثيرة التي يتذكّر أدقّ تفاصيلها قد أثّرتْ على حياته وأغنتْ تجربتَه، ويتساءلُ حولها مرارا: "هل قوّة الذاكرة نعمة أم نقمة؟ وكان الاستنتاج في كل مرّة : فيها من كلتيهما". (ص21)
ضمير المخاطب اختيار شوقي في سَرْده
اعتدنا في متابعتنا للسّيَر الذاتيّة التي عَرفناها أنْ يختار كاتبُها أسلوبَ السّرْد وضميرَ المتكلّم ليُلقي على سيرته المصداقيّة والأمانة في نَقْل الأحداث ورواية القصص، وقد فعل جبرا إبراهيم جبرا ذلك في "البئر الأولى" وإحسان عبّاس في "عصا الراعي" وفدوى طوقان في "رحلة صعبة رحلة جبليّة". وحتى لا يقع صاحبُ السّيرة في مَطبّ قانوني، يُعلنُ من الأسطر الأولى: أنّ أيّ تَشابه بين الأسماء الواردة أسماؤُها والأحداث المروية وأسماء وأحداث حقيقية، جاءت مجرّد صُدفة، ولا مَسؤوليّة قانونية يتحمّلها الكاتب. لكنّ كثيرين أيضا عَزَفوا عن اختيار ضمير المتكلم في كتابتهم لسيرتهم الذاتية لما في هذا الضمير من قيود وإحْراجات عديدة. فضمير المتكلم يُحمّل صاحبَه كلّ المسؤوليّة الأخلاقيّة والاجتماعيّة والدينيّة والسياسيّة والفكريّة، ويكون في مواجهة مباشرة مع الناس كأفراد وجماعات، ومع المجتمع كعادات وتقاليد إلخ. لهذا تستّروا في روايتهم لسيرتهم الذاتيّة وراء ضمير الغائب كما فعل طه حسين في كتاب "الأيام"، وحنا أبو حنا في (ظلّ الغيمة) الذي لم يكتف بالتستّر وراء ضمير الغائب واختيار اسم يحيى لبطل سيرته، وانّما خَصّص صفحةً كاملة ليتبرّأ أمام قارئه بقوله: "أسماء الأشخاص في هذا الكتاب غير حقيقيّة، وأيّ تَشابه أو تماثل مع اسم حقيقي صدفة محض، ولا صلة للاسم الحقيقي بالأحداث التي في الكتاب" (ظل الغيمة ص7).
د. شوقي قسيس اختار ضمير المخاطب في "حيفا ليست قرطبة"، ومثله فعل الشاعر سميح القاسم في "إنّها مجرّد منفضة". وشوقي قسيس لم يتنصّل من أيّة مسؤوليّة، ولم يتبرّأ أمام قارئه، ولم يعْفِ نفسَه من تبَعات ما سيقول، وإنّما كان صريحا وواضحا بقوله: "وقد تجنّبتُ الدّخولَ في هذه الأحداث لأنّ بعضَها له خصوصيّته الفرديّة ولا يُمكن مشاركة الآخرين به، وبعضها الآخر قد يُسبّبُ إحراجا أو إساءة لأفراد أعزّهم، أحترمهم وأحبّهم." ويُتابع قائلا بصراحة رائعة "وهنا أرغب في أن أشيرَ أيضا إلى أنّ جميع الأسماء التي وردت في الكتاب هي أسماء لأشخاص حقيقيّين عايشتهم وعايشوني. لذلك أقدّم اعتذاري لمَن بقي منهم على قَيد الحياة، ولأرواح مَنْ فارقوها وفارقونا: فأنا لم أطلبْ منهم اذنا لذكر أسمائهم."(ص9-10)".
محاور سيرة "حيفا ليست قرطبة" الرئيسيّة
كما حدّد الكاتب في كلمته التي افتتح بها سيرته هويّةَ نصّه الإبداعي نافيا عنه صفة الحكاية والرواية والمذكّرات واليوميّات والسيرة الذاتيّة والبحث السياسي أو الدراسة الاجتماعية، مُعترفا بأنّه قد يحوي على شيء من كلّ منها، هكذا لخّص للقارئ مَضمونَ ما جاء في الفصول الأولى من عَرْض لأحداث وذكريات من مرحلة الطفولة، وشَرْحه بالتفصيل سمات المجتمع الفلسطيني القَرَويّ بعاداته وتقاليده، بالعلاقات الاجتماعية بين أفراده، وبظروفه وأحواله المعيشيّة. أمّا في الفصول الأخرى فقد تَطرّق إلى أحداث مرّت به بعد بلوغه ونُضْجه، وارتبط معظمُها بالهويّة الوطنية والعَلاقة بالأرض والوطن من ناحية، ومع الدولة العبرية من الناحية الأخرى. ونجد أنّ د. شوقي قسيس ركّز نَصَّه حول مَحاور أساسيّة مهمّة هي: المكانيّ. الزمانيّ. الاجتماعيّ. الثقافيّ والسياسيّ. وهو في هذا قد يتشابه مع غيره من كُتّاب السّيرة الذاتيّة الذين لا بُدّ وستتمركزُ محاورُ سِيَرهم حول بعض هذه المحاور أو معظمها. ولكن ما يميّز نصّ شوقي قسيس هذا التّمركزُ والتّعمّقُ والإلحاحُ على أدقّ تفاصيل التّفاصيل في تناوله للمكان الذي يعيش فيه، وللحظة الزمانيّة التي يتحدّث عنها، وللوضع الاجتماعي المعيشيّ الذي عاش وأفراد أسرته فيه. وكما يقول: "يشرح بالتفصيل سمات المجتمع الفلسطيني القَرويّ بعاداته وتقاليده، والعلاقات الاجتماعيّة بين أفراده وأحواله المعيشيّة، والدّخول في أدقّ التفاصيل عن المحاصيل الزراعيّة وطرق جمعها وتحضيرها للاستهلاك، وعن الأدوات التي كان الفلسطينيون يستعملونها آنذاك" .(ص9)
شوقي قسيس بَهرَ والدَه وأهلَ بيته بقوّة ذاكرته واسترجاعه أدقّ التفاصيل لأحداث جرتْ أمامه وهو في سنّ الطفولة المبكّرة، ولم يبلغْ بعد السّنتَين من العُمْر مثل: رحلة القارب من حيفا إلى عكا هرَبا بعد سقوط حيفا بيد القوّات اليهودية عام 1948(ص20)، تذكّره للصندوق الخشبيّ الصغير الذي توسّط سيارة تندر، وكان في داخله جثمان أخيه البكر الياس الذي مات في بيروت.(ص43)، واسترجاعه لشخصية "إسحق شلوفيتش" يهوديّ بلغاريّ يسكن في بلدة "كريات حاييم"، الذي كان يزور بيتَ جدّه يوميّا قبل الاحتلال للتّجَسّس وأخذ المعلومات، وكيف تبيّنَ بعد سقوط الرامة أنّه أحدُ قوّاد الفرقة التي احتلّت الرامة، وقد ساعد في إنْقاذ أحد شباب العائلة من طابور الشباب الذين انتخبوهم للطّخ(ص46). وتذكّره لنسف القوّات اليهودية بعد احتلال الرامة لبيت العَمّ كرَم. ومنظر الدخان الكثيف، والغبار يملأ المكان، وذلك الهلع المميت، والرعب الذي سيطر عليه لأيام وشهور.(ص42)
وشوقي بهرَنا نحن أيضا، وأنا خاصّة، بتلك التفاصيل الدّقيقة عن الحياة المعيشيّة التي كانت، وبذكْره لكل زاوية وحَجر وغَرَض في بيت جدّته القديم، ولمختلف الأدوات التي كان الفلاح يستخدمها في أعماله المتنوعة في البيت والحقل، مثل جُرْن الكُبّة الحجريّ مع مدقّته الخشبيّة التي يُسمونها دقماقة الكبّة، والجاروشة، والغرابيل بأنواعها المختلفة: غربال حلول ذي ثقوب واسعة جدّا، وغربال فَروط ذي ثقوب واسعة، وغربال ضَبوط ذي ثقوب أضيق. وبواسطة هذه الغَرابيل يفصلون البرغل المجروش، حسب حجمه.(ص24-25). ويفصّل في وصف الأطباق المصنوعة من القش واستعمال كلّ منها.(ص26). ويتوسّع في حديثه عن الزيتون بمتعة وشغَف: "مجرّد الذهاب إلى كروم الزيتون في فصل الشتاء والجلوس في ظلّ إحدى الشجرات وملء الرئتين بالروائح العَطرة وكأنّك في دكّان عطّار موجود في الهواء الطّلق، فيه متعة وإثارة. مَذاق الطعام. أيّ طعام، تأكله هناك بين أشجار الزيتون ونباتات الحقل العَطرة يكون أشهى وألذّ من طعمه إنْ أكلتَه في مكان آخر. وكأنّ ذلك لا يكفي، فتضيف إلى طعامك أنواعا مختلفة من البقول اللذيذة الطّعْم والمنتشرة حولك، مثل الكرّاث والرّشاد والشّومر والعِلْت والحُمّيض والشرغينة وغيرها. وتأتي قمّة المتعة والنشوة عندما تغمس اللقمةَ في زيت زيتون استخرجته في الحقل وعلى الأرض. وهذه العَمليّة، التي نفّذها عمّك أمامكم لأوّل مرّة، ومرّنتكم عليها أم عوض حتى أتقنتموها، هي كالتالي: تحفرون حفرة في الأرض بالحجم المطلوب. تعصرون عدّة حبّات من الزيتون بالأيدي، وتدلكون جدارَ الحفرة وقعرها بالزيت والماء الناتجين، وذلك ليلتصقَ التراب ببعضه البعض. تضعون في الحفرة ما يلزم من حبّات الزيتون الناضجة والطريّة والمليئة بالزيت، وتمعسونها جيّدا، مستعملين قطعة أو قطعتين حجريّتين، حتى تخرج كلّ السوائل منها. بعد دقائق قليلة يطفو الزيت الصّافي إلى أعلى الحفرة، فتغمسون لقمتَكم في زيت طازج وعبِق."(ص147-148). ويذكر الخيار ومختلف أنواع الأكلات وطريقة طبْخها وإعدادها مثل الكُبّة بكل أنواعها، وغير ذلك من المنتوجات التي كانت مَصدر المعيشة اليوميّة في سنوات الأربعين الأخيرة والخمسينات من القرن الماضي.
وأنا كنتُ قريبا منه، وعشتُ الحياة التي عاشها، فنقلتُ الماء على ظَهر الحمار من عين الصّرار للبيت، وجمّعتُ حَبّ الزيتون من تحت الشجر في موسم القطاف، ونقلتُ أكياسَ الزيتون للبابور لدَرْسه، وعملتُ في حصاد القمح والشعير، واعتليتُ لوحَ الدّراس على البيدر لطحن السنابل واستخراج الحبوب، ونمتُ مع كلّ اخوتي وأخواتي في بيت ترابي واحد سَقْفه من الخشب والطين إلى جانب الخلايا التي تجمع الحبوب، وموقد النار والتبّان وأحيانا المواشي، وغير هذا الكثير، وعرفتُ الناسَ الذين عرفهم، فأمّه وخالته وابنة عمّته كنّ معلّماتي في الصفوف الابتدائية. وعلاقتنا كانت قويّة على مستوى الأفراد والأسر والعائلات، ولا أملكُ تلك الذاكرة الحادّة التي يملكها. وأثارني، وشَدّ استغرابي في كثير منَ التّفصيلات والمشاهد والأحداث والقصص التي سَجّلها بأدقّ تفاصيلها. وقد أشار الكاتب رشاد أبو شاور في تناوله للكتاب إلى هذه الميّزة الخارقة قائلا: "لم أقرأ من قبل عن (الزيتون) ومواسم القطاف كما قرأتُ في كتاب (حيفا ليست قرطبة)، ولم أقرأ عن التّشوّهات الاجتماعيّة كما في هذا الكتاب الشجاع الصّريح الذي يرصد تبدّل القيَم." (القدس العربي 21/5/2013).
إطْلالته الأولى على مكان غير الذي تعوّده
لمسنا في الفصلين الأوّلَيْن من "حيفا ليست قرطبة" أنّ للمحوَرَيْن المكانيّ والاجتماعيّ البروز الواضح، فيكاد المكان يطغى على كلّ شيء، رغم أنّه ينحصرُ في بيت الجدّ والجدّة، حيث يجدُ الولدُ عالمه الكامل والناس الذين يحبّهم ويرتاح إليهم. والمجتمع الذي يتعرّف عليه هو الناس الذين يزورون جدّه وجدّته، وفقط في نهاية الفصل الثاني نجد الولدَ يترك بيتَ جَدّيه، جنّته على الأرض، ويسافر مع والديه إلى حيفا، فتكون المرّة الأولى التي يتعرّف فيها على أمكنة غير التي تعوّدها في الرامة. وكانت هذه السفرة أوّل تجربة يخوضها مع العالم الخارجي، فشَعَر بالغربة، إذ الناسُ في حيفا غرباء، يتكلمون كلاما لا يفهمه، ويجد نفسَه فجأة وحيدا وسط شارع يعجّ بالناس، يبحث عن والديه فلا يجدهما فينفجر بالبكاء، ولم تُهدّئ روعَه المرأةُ اليهودية التي حضنته، فزاد فزعا إذ كلّمته بلغة غير لغته.
العَلاقة بالمكان ومفهوم الوطن
كان لهذه الحادثة أثرُها على مشاعر ومفاهيم الولد الصغير. "لقد غذّت تلك الحادثة نارَ خوفك من حيفا، وأقنعتكَ أنّ ما تخافه ويقلقك كلما ذهبتَ إليها هو ليس وهميّا بل إنّه شيء حقيقيّ، فقد تبتلعك تلك المدينة يوما فتبقى طول الحياة في مكان لا تعرف لغتَه.. لا يفهمك ولا تفهمه. وبدأتْ تتبلور في ذهنك فكرة عن حيفا.. حيفا المدينة. المكان الذي تعرف أنّه لك، لا توجد فيه مدينة.. المدينة ليست لك.. حيفا ليست لك.. إنّها للأغراب.. تشعر فيها باغتراب وقلق.. شعور غريب لا يُفارقُ أمعاءك. المكان الذي تعرف معالمه هو لك، لكن المكان الذي تضيع فيه وتهيمُ على وجهك هو مدينة، وهو ليس لك؟"(ص154)
وبعد سنتين أو ثلاث سنوات على مشواره الأول إلى حيفا سافر مع عمّه إلى الناصرة وكانت الفرحة بأنّ ناس الناصرة يتحدثون بلغته، ويعاملونه بإنسانيّة، ويُشعرونه بأنّه واحد منهم. هكذا وجد الطفل نفسَه في مواجهة حادّة مع المكان وعلاقته به، "وازدحمت الخواطر في رأسك وأنتَ في طريق عودتك إلى الرامة بعد زيارتك للناصرة: المدينة ليست بالضرورة هي المكان الذي لا يتكلّم لغتك، وليست كلّ مدينة تُرهبُك. ثم سألت نفسَك ألفَ سؤال:
لماذا تتكلّم الناصرة لغتَك، بينما حيفا تتكلّم لغة لا تفهمها؟
هل توجد مدن أخرى قد تُسافرُ إليها ولا تشعر بالاغتراب؟
هل تشبه هذه المدن الأخرى حيفا أم الناصرة؟
لماذا يكثر الأغراب في مكان تشعرُ أنّه لك، ويسمّونه الوطن؟ .. لماذا؟
هل هذا المكان/ الوطن هو لك أم للغرباء؟
هل حيفا هي لك أم لهم؟
لعلّك أنتَ هو الغريبُ الدّخيل، والأغراب هم أصحاب وأهل حيفا"
ما هي حدود وطنك؟.. هل له حدود؟
هل كلّ وطن فيه غرباء؟
هل يعيش أهالي القرى، أينما كانوا على وجه الأرض، في وطن أكثرُ مُدنه للغرباء؟
ما هو هذا الرّابط القويّ بين المكان واللغة؟.. لماذا شعرتَ أنّ الناصرة التي تتكلّم العربية هي لك، بينما حيفا التي تتكلّم لغة غريبة هي للأغراب؟" (ص157-158)
وينهي هذه الحوارية الذاتية حول علاقة المكان بالإنسان، وعلاقة المكان باللغة بتَصالح عام وعميق ورائع بينه وبين حيفا: "بقيتَ على خصام مع حيفا وهي على خصام معك إلى أنْ سَكنتَ فيها بعد تخرّجكَ من الثانويّة. عندها احتضنتها واحتضنتك، وشعرتَ أنّها مدينتُك وأنّها لكَ رغم كثرة الغرباء فيها."(ص158) واختتمَ كلامَه بقول الشاعر محمود درويش: "والأرض تورَث كاللغة".
هذه الرحلة إلى حيفا وما رافقَها، كان له الأثر الكبير على الطفل شوقي، جعله ينفرُ، ليس فقط من مدينة حيفا التي أفزعته وأخافته وأشعرته بالغربة والضياع، وإنّما من كلّ المدن، وغدا لفظُ "مدينة" غير مَقبول عنده، وينفرُ منه، حتى كانت زيارته الأولى إلى القاهرة في العاشر من نيسان سنة ألفين وأربع (ص256)، وبعد ما يُقارب الخمسين سنة على زيارته الأولى إلى حيفا. "لأوّل مرّة في حياتك، في قاعة الاستقبال في مطار القاهرة وخارج القاعة، وقفتَ وجها لوجه أمام مدينة من أكبر مدن العالم، وهي مدينة لا تُعاديك... تتكلّم لغتَك، اللافتات جميعها بالعربية أوّلا وبلغة أوروبيّة ثانيا... الموسيقى الخلفيّة في قاعات المطار لعبد الوهاب أو لغيره من عمالقة الموسيقى العربية... اللغط والضوضاء والإعلانات الخارجة من مُكبّرات الصوت جميعها بالعربية. لمستَ بالفعل كيف أنّ " الأرض بتتكلّم عربي".(ص257-258). هذه المشاعر، وهذه الكلمات والعَفَويّة تُذكّرنا بما قرأناه لمحمود درويش وسميح القاسم بعد زيارتهما للقاهرة لأوّل مرّة.
لكننا في الفصل الثالث، في سنوات مرحلة الدراسة الابتدائية نجد الولد الصغير بدأ ينطلق خارج المكان الذي تعوّده في سنوات الطفولة، ليلعب مع زملاء له، ويذهب إلى المدرسة الابتدائيّة لينهلَ العلم. وأخذ يتعرّف على أناس غير الذين عاش معهم. وبدأ يَعي التّغييرات التي أخذت تُثير انتباهَه وتؤثر عليه، فأخذ يطرح الأسئلة وينتظر الجوابَ المقنع. وكانت سنواتُ الخمسينات من القرن الماضي غنيّة بالأحداث الكبيرة، وأخذت الجماهير العربية في الدولة العبرية الجديدة، بعد قَطعها عن محيطها العربي وحَصْرها ضمن حدود، تُواجه مخططات لمسح هويّتها العربية وسرقة أراضيها، وحتى ترحيلها عن وطنها، بينما العالم العربي المحيط بها يشهد الثورات الشعبية ضدّ الحكّام الظالمين،كما الكثير من بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.
بدأ الولد ينتبه لما تقع عليه عيناه، ففي غرفة مدير المدرسة رأى صورةً بالألوان مكتوب عليها كلمة "إسرائيل"، وصور لأربعة رجال عرَفَ أنهم رؤساء الدولة، وعندما أنشدَ طلابُ صفّه "زيتونك يا إسرائيل" رفع صوتَه مُرَدّدا "زيتونك يا فلسطين" كما علّمه والدُه، بتَحَدّ ظاهر للمعلّمة. ويُنصتُ في البيت لما تُعانيه العائلة من قانون ظالم يُسمّى "الحاضر الغائب" يهدف لسَلْب أراضي العرب. وشهدَ معركة الزيت بين أهل بلدته الرامة والشرطة، وما فعلته أمّ عوّاد بالضابط. هذه المعركة التي خلّدها الشاعر سميح القاسم بمسرحية كتبها باللغة المحكية سمّاها "موسم زيتون". ونتيجة للأحداث السياسية التي ألمت بالعديد من الدول، ونجاح الثورات في مصر وسوريا والعراق ولبنان وغيرها، وتحدّيات جمال عبد الناصر للغرب بتأميم قناة السويس وصَفْقة الأسلحة مع تشيكوسلوفاكيا ومواجهة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ومن ثم اعلان الوحدة بين مصر وسوريا، كل هذه الأحداث بدأت تفرض بثقلها على الجماهير العربية داخل دولة إسرائيل، كما في العالم العربي، وتعمل عملها، وتؤثّر على الصغير، وتدفعه للتّحَدّي والمواجهة. وكما يقول هو "لقد شهدت تلك الأيام مولد حسّكَ الوطنيّ وانتمائك العروبيّ. لقد تبلور هذا الانتماء ونما على مقاعد المدرسة الابتدائيّة و –بشكل أقوى – في المدرسة الثانويّة."(ص207)
تداخل المكان والزّمان والفكر والسياسة معًا
في الفصل الرابع، الأخير من سيرته الذاتيّة، تتهاوى جدران المكان والزمان، وينطلقُ خارج المجتمع الذي نشأ فيه، ويتعرّف على ناس لا عَدّ لهم ولا حَصر غير الذين عرفهم وتعوّد عليهم في بيته وبلدته ومدرسته، ويتغلغل في عالم الفكر، فيسمع بأسماء كبار أهل الفكر والثقافة والأدب والعلم ويقرأ لهم، ويزداد اعتدادا بشعبه وأمّته، ويلتقي برجال السياسة والمجتمع، ويتبنّى الفكر الثوري التقدّميّ ويُتابع الأخبار، فلا يستقرّ في مكان، ولا يركن إلى زمن، فتختلط الأمكنة بالأزمنة وتتشابك الحدود، فيكون في الرامة وكفر قرع وحيفا وتل أبيب ويغادر إلى الولايات المتحدة، ومنها ينتقل للرامة وللقاهرة والدانمارك وسوريا ولبنان ويعود لبيته في أمريكا ثم إلى أهله في الرامة ويرجع إلى أمريكا. ويولد الأولاد ويكبرون، ويظل الوطن بعيدا، والحلم صعب التحقيق.
كثيرا ما يجدُ نفسَه يفكّر في حالة وجوده في الولايات المتحدة بعيدا عن الوطن، ويعزّي نفسَه بأنّ الولايات المتحدة توفّر له إمكانيّة التواصل مع العالم العربي ومع القيادات الفكرية والسياسية العرب، ويحضره قول الشاعر الرّاميّ:
"يفرّقنا العالم اليعْرُبيّ، ويجمعنا العالم الأجْنبي"
ويحز في قلبه "أنّنا نبقى أجانب في العالَمَيْن".
ويروح في حوار مع ذاته: "في هذه المشكلة يكمن التناقض لديكَ. لذلك تصعبُ عليكَ الإجابةُ عن السؤال السّهل: هل أنتَ نادم ؟ قد تكونُ مرتاحا في أمريكا، لكنها لا تستطيع أنْ توفّرَ لك شيئا أهمّ من الرّاحة ... لا تقدرُ أنْ تُعطيكَ الوطن. قد تشعرُ بالاغتراب عندما تذهبُ حاجّا إلى الوطن. الأهلُ تغيّروا وأنتَ تغيّرتَ، لكن باتّجاه آخر. لكنّك تقتنعُ، أو ترغبُ بالاقتناع، أنّه اغترابٌ مؤقتٌ قد يزولُ بسرعة. الاغترابُ في المهجرِ لا يزول أبدا. ثم أنتَ ترى اعوجاجا في مجتمعك الجديد، فلا تهتمّ، ولا تجد رغبة في المساهمة بتقويمه. في وطنك تكون لديك الرغبةُ في المساهمة بأيّ شيء. لهذا تتمنّى لو بقيتَ في وطنك تشمّ هواءه وتجاهد جهادَه، على الأقلّ، لن يكون هناك مجال للمقارنة مع مجتمعات أخرى."(ص252)
يزداد حنينُه للرامة والوطن والجلسات العائلية الأهليّة بعد كلّ زيارة له للبلاد، ويشدّك بالوصف الدقيق لكلّ موضوع أو مكان أو حَدَث أو شخص يتناوله، ويثيرُ اندهاشَكَ وهو يتحدّثُ عن القهوة وأباريقها النّحاسيّة، وطريقة إعْدادها، تحميصها وطحنها والهال المضاف إليها، وأنواعها: السّادة أو المُرّة والحلوة والفرق بينها ورائحتها وطريقة غَليها وسَكبها وشربها. (ص 272-280).
شوقي قسيس والوطن الذي لم يعُد الوطن الذي يُريد
ويتألّم شوقي في كل زيارة للوطن، يتألّم ممّا يراه ويلمسه، يرى أنّ الوضعَ الاجتماعيّ والثقافي عند عرب الداخل يتدهورُ. ويلمسُ في المجتمع العربي "عمليّة هدم ذاتي.. عمليّة تنكّر للذّات العربية الفلسطينيّة.. عملية تنكّر للوطن.. عملية تخلّ عن اللغة.. عمليّة تخلّ عن العادات والتقاليد والتراث التي تُميّز الأمم بعضها عن البعض الآخر... عمليّة كُرْه للذّات الفَردْيّة وللذّات الجَماعيّة .. عمليّة انتقام من المكان.. عمليّة تراها تزداد زَخَما يوما بعد يوم بين عرب الداخل." (282-283). ويُدَلّل على صحّة أقواله بقوله: "لقد اختفى اللباس العربي التقليديّ للرجال كليّا من المنظر العامّ في القرية الفلسطينيّة عامّة وفي الرامة خاصّة. واختفت أيضا معظم الأكلات الشعبيّة، إنْ لم يكن كلّها. لا وجود للكشك والعصيدة والدّبس والطّحينة وزغاليل الحمام وغيرها. وكثيرون من أبناء الجيل الجديد لا يعرفون ما هي هذه الأكلات. وأكلات مثل الكروش والفَوارغ والمقادم أو الكراعين وفتات الرؤوس والأضلاع المحشيّة."(ص283) ويتحدّث عن ظاهرة اختفاء الطيور من سماء الرامة (ص290-291). ويُسْهب في الحديث عن أهميّة وجود الطيور وتنوعها في نشر الطمأنينة في النفس والميل إلى الهدوء والمسالمة مع الذات ومع الآخر. (ص291). ويربط بين خلوّ الجوّ من الطيور وبين ظاهرة العنف المتفشيّة، وعدم احتمال الآخر والتّشَنّج والاقتتال لأتفه الأسباب: "جيران يختلفون على شيء ذي قيمة أو لا قيمة له، فيتقاتلون بالقنابل والأسلحة الرّشّاشة ... عمليّات سطو مسلّح على البنوك والمتاجر والمنازل، عمليّات إحراق سيّارات... عمليّات تنفيذ أحكام إعدام على مفارق الطرق بإطلاق الرّصاص من سيّارات مسرعة." (ص292) وينبّه قائلا: "طبعا أنت لا تدّعي أنّ سببَ كل هذا العنف هو اختفاء الطيور من السماء. لكنك تعتقد أنّ الطبيعة الجّافّة، على الأقل، حرمت المجتمع من عامل مهدّئ." (ص292)
وينتقد الكثير من أنماط الحياة التي يعيشها العرب في الوطن والتغيّرات التي طرأت على نهج الحياة مثل: حفلات الأعراس والأكل المقدّم والسمّاعات ومكبّرات الصوت المزعجة والنّقوط المكْلف والرقص الصاخب الفاقد لكل إيقاع وفنّ، فكلّ يرقص على ليلاه. وينتقد اختفاء الدبكات الشعبية، والرقصات الجماعيّة، وصَفّ السّحْجَة . حتى الموسيقى الأجنبية والرقص الأجنبي لا يُتقنونه. (ص295-297) ويحاول الكاتب أنْ يفسّر سبب هذا التّخَلّي عن كلّ القيَم والعادات بالوضع غير الطبيعي الذي يعيشه العربي في البلاد بقوله: "لعلّ هذه الظروف قد ولّدت لديهم/ لدينا ما قد تُسمّيه نوعا من الكراهيّة للوطن.. لقد أصبح الوطن، أو ما آل إليه هذا الوطن، عبئا على الصّدور، فالكثيرون لا رغبة لديهم في أنْ يعرفوا شيئا عنه، فالوطن ليس لهم، ولا يهمّهم شيء عن تاريخه، عن مَعالمه، عن سكانه، عمّا حدث له. لا يريدون أنْ يعرفوا عن اللغة، ولا اهتمام لديهم بمخزونهم الحضاريّ." (ص302)
ويكاد ينفجر غضبا وألما وبكاء وهو يقول:" الأمر أكثر إيلاما، ويصبحُ مُبْكيا، عندما تكتشف أنّ الكثيرين من المهنيين والنّاجحين في أعمالهم ليس بمقدورهم أنْ يُعبّروا عن أفكارهم كتابيّا أو شفَويّا بلغة عربية سليمة دون أخطاء أو تجاوزات لفظية أو نحويّة، ولا تجرؤ على مُطالبة أيّ منهم أنْ يقرأ نصّا غير مُشكّل – أو مشكّل تشكيلا كاملا- دون أخطاء. (303) ويتأّلّم أكثر وهو يُعيد ردود فعل هؤلاء على انتقاده لهم: "ما لنا ولهذه الجهود غير المجدية؟ .. ماذا يُفيدنا أنْ نعرفَ شيئا عن الوطن؟ .. ماذا تُفيدنا معرفةُ اللغة العربية؟ لدينا العبرية." (ص303) ويحذّر د. شوقي قسيس شبابَنا العرب بقوله: " ما دمنا عاجزين عن إتقان لغتنا فسنبقى متخلّفين عن الحَداثة أيضا. لا نصل إلى قمّة عطائنا إنْ لم نتزوّدُ بلغتنا...وعائنا الحضاريّ. إنْ أردنا أنْ نلحقَ بموكب التكنولوجيا والحداثة كأمّة لا أَمَةٍ، فلن نستطيع ذلك ونحن على خصام مع لغتنا، فما من أمّةٍ على الأرض أنتجتْ شيئا ذا قيمة إلّا وفكّرت به وصاغته وطوّرته وقدّمته للعالم بلغتها، وفقط بلغتها، وأيّ محاولة للالتحاق بركب التكنولوجيا والحّداثة من دون اللغة تُبقينا على هامش هذه التكنولوجيا كمجتمع استهلاكيّ فقط. (ص303-304). وينتقد ظاهرة تعمّد البعض حَشو كلامهم بالكلمات العبرية، "ولا تجد تفسيرا لذلك إلّا إمْعان مثل هذا الشاب في إنْكار الذّات، والظهور بمظهر المهني المطّلع على لغة مَنْ يعتبرهم من النوع الأرقى."(ص313)، ويؤكّد "لن نفلح في شيء ما دمنا على خصام مع المكان.. نتصرّف وكأنّ الوطنَ ليس لنا.. وكأنّ البلدَ ليس بلدنا، وأحيانا كأنّنا ننتقمُ منه." (ص303-304)
ويتابع في جَلْد الذّات وإظهار سلبيات مجتمعنا العربي كما رآها بعين الرّاجع من بلاد الغربة إلى الوطن: "بل الأسوأ من ذلك. لقد حلّ محلّ الانتماء القوميّ والانتماء إلى المكان انتماء مريض إلى الطائفة والمذهب.. فبعد فشل المشروع القومي العربي، وبعد فشل الماركسيّة وانهيار العالم الشيوعيّ، أصبح الدين هو الهويّة، وتقوقع كلّ واحد داخل جدران مَعبده، ولم يعد ابن البلد منتميّا إلى بلدته بل أصبح مسيحيّا أو مسلما أو درزيّا. لقد تقلّصت دائرة "الأنا" لتقتصرَ على أبناء الملّة الواحدة، واتّسعت دائرة "الآخر" لتشمل حتى الجار إنْ كان من ملّة أخرى." (ص304-305)
علامة السؤال الكبيرة التي لاحقت شوقي والموقف الواضح الثوريّ
لم ينس شوقي تلك المشاهد التي عاشها وشهدها لحالة أهله وأهل بلدته الرامة بعد احتلال القوات اليهودية للبلدة عام 1948، لا يزال مَشهد الغبار المتطاير من بيت جدّه المعلم كرم ساعة هَدْم القوّات المحتلة له ماثلا أمام ناظرَيْه، وكذلك مشاعر الفزَع التي تملّكت الأهل والمعارف وأهل البلدة عندما قامت القوّات اليهوديّة المحتلة بجَمْع عدد من الشّباب في ساحة واسعة لقَتلهم، ولا مَشاهد الأهل والجيران والمعارف الذين تركوا بيوتهم ورحلوا تنفيذا لأمر القائد العسكري، لكنّ عمليّة التّرحيل لم تتمّ بسبب تدخّل عدد من وجهاء الطائفة الدرزيّة في البلد لدى السلطات المحتلة، فرجع القسم الأكبر من الذين رُحّلوا. وهذه المشاهد المفزعة للطفل الصّغير ظلّت تُلاحقه طوال سنوات عمره اللاحقة، ومعها تلاحقه علامةُ السؤال الكبيرة:
- لماذا لم يرحل أو يُرَحّل أيّ إنسان من أبناء الطائفة الدرزيّة؟! (ص61)
- وما هو تفسير أنّ كلّ فرد من أفراد الطائفة الدرزية بقي في بيته وعلى أرضه؟(ص62)
ويقول إنّ هذه الأسئلة، وأسئلة أخرى كثيرة، مواضيع لأبحاث ودراسات عديدة ومصدرا لنقاشات ما زالت مستمرّة، وقد اختلفت الآراء وتباينت المواقف كثيرا.(ص62) ويصف حالة الدرزي مثل "مصَيّف الغور، لا مِرْضي نفسه ولا مِرْضي السوق" أو " لا مع جدّي بخير ولا مع ستّي بخير". فبقيّة العرب يتهمونهم بالخيانة، واليهود لا يثقون بهم ويميّزون ضدّهم مثلما يميّزون ضدّ باقي أبناء الشعب الفلسطيني.(ص68) ويقول: "الدروز كباقي طوائف فلسطين وقع الاحتلالُ على رؤوسهم، واحتُلّت قراهم، وخسروا أراضيهم وصودر فيما بعد ما بقي منها، وبقوا بعين اليهوديّ عربا رغم التّهويش الدّعائي والإعلامي لمصادرة عروبتهم." (68-69). ويوضّح قائلا ""أمّا الأفراد والزعماء الدنيويّون الذين تحالفوا مع الصهيونيين، فهم دروز وغير دروز على حدّ سواء، وأسماء أكثرهم معروفة للجميع." (ص69)
ويُتابع موضّحا: "هناك سمة بارزة ومهمّة عند الدروز تكمُنُ في ترتيب أولويّاتهم حين يختارون الوسائلَ المطلوبة في صراع البقاء. فهم، كجَبَليّين وفلّاحين لا يسكنون المدن إطلاقا، لا يتنازلون عن الأرض مهما كان الثمن، ولا يُغادرون منازلهم حتى وإنْ ذُبحوا. لأجل ذلك تجد أنّ كلّ درزيّ في فلسطين قد بقي على أرضه وفي بيته. ولأجل ذلك أيضا لم يترك أيّ درزي بلدَه وأرضَه في الجولان السوريّ عندما احتلّته الدولة العبرية. وبالمقابل، فإنّ مدينة القنيطرة، التي لم يكن بين ساكنيها درزيّ واحد، فرغتْ من أهلها كلّيا حال احتلالها. (ص69) و"الحقيقة الواضحة والثّابتة هي: لم يُصبح الدرزي لاجئا، لا الدرزي الفلسطيني ولا الدرزي السوريّ" (ص70). وبحدّة ثوريّة واضحة يقول شوقي قسيس: "تساءلتَ مرارا بمرارة، وإنّك تطرح التساؤل الضّحل نفسَه هنا: لو فعلَ كلّ فلسطيني ما فعله أخوه الدرزيّ، هل كنّا خسرنا الوطن؟! ليتَك تجد الجواب. " (ص69-70).
وهذا الموقف، وهذا التساؤل، يُذكرنا بموقف وقول نُسِبَ للرئيس جمال عبد الناصر عندما زار الجبهة السورية في الجولان قبيل حرب حزيران 1967، وشاهدَ بساتين التّفاح والفواكه التي تحيط بقرى الجولان الدرزيّة: "أنا على ثقة تامّة أنّ هؤلاء الناس يحبّون أرضهم ويفلحونها ويعتاشون من خيراتها، ولا يمكن أن يتنازلوا عنها ويفقدوها حتى ولو ماتوا في الدّفاع عنها".
شوقي قسيس رجل العلم هو حامي حِمى اللغة ورجل المواقف
شوقي قسيس صاحبُ السّيرة رجل علم، حصل على درجة الدكتوراه في علم الميكروبات من جامعة تل أبيب، وعمل أستاذا وباحثا في علوم الأحياء والعلوم الطبيّة في الأبحاث العلمية في البلاد وفي الولايات المتحدة، لكنه أيضا كان نموذجا للرجل الذي لم يُنْسه تَوجّههُ العلمي حُبَّه للغته العربية وإتقانها والكتابة بها. حُبّه للعربية يَظهر في سيرته من كثرة الاقتباسات الشعريّة والأدبيّة التي أوردها، ومن المواقف الثقافيّة التي برّز فيها على العَديدين، حتى من أصحاب الاختصاص في اللغة والأدب، وأنا كصديق قريب، وحضرتُ بعضَ هذه المواقف، أشهدُ له وأؤكدُ صحّة ذلك. وشوقي مع اعتزازه بلغته، يعتزّ بأستاذه في العربية الذي كان له أكبر الأثر على حُبّه للعربية والتمسّك بها والمحافظة عليها رغم الغربة والبُعْد والانقطاع، وهو الأستاذ الشاعر شكيب جهشان، الذي يُخصّص له شوقي فصلا خاصا من سيرته. هذه العلاقة المميزة بين الأستاذ شكيب والطالب شوقي تُعطينا نموذجا رائعا لعلاقة الأستاذ بتلميذه. فشكيب جهشان لم يكن أستاذ اللغة العربية فقط، وإنّما الشاعر المفضّل، والمثقف والمفكّر والوطني الذي ترك تأثيرَه ليس على شوقي فقط، وإنّما على رَعيل من طلابه الذين كان أستاذهم في مدرسة الرامة الثانوية.
حبّ شوقي للغة العربية لم يقتصر على حفظه للقصائد والمخزون اللغوي والأدبي الكبير، وإنّما في حبّه وإتقانه لقواعد اللغة ونحوها، وعَمَله لوضع منهج جديد في كيفيّة تدريس القواعد العربية في المدارس، وكذلك في الدراسات الأدبية واللغوية العديدة التي كتبها ونشرها، وفي تدريسه للغة وإعداده للكثير من اللقاءات والندوات وأيام الدراسة في ادب اللغة العربية والتراث العربي التي يرعاها في الولايات المتحدة. وظهر في غضبه الشديد عندما رأى إلى أيّ مدى تغلغلت اللغة العبرية وسيطرت على عقل وألسنة الشباب العرب في بلدته وغيرها من البلدات العربية، وسَعيه ودعوته لمواجهة هذا الاحتلال المرفوض للغة، والعمل على المحافظة على العربية ومركزيتها في كلامنا وكتابتنا وحياتنا اليومية.
جوانب مشرقة نفرح بها
أحسّ د. شوقي قسيس أنّه قَسا على أهل بلده بما وصفهم به من إهمال اللغة والمكان، وقَطْع كلّ عَلاقة بالماضي الجميل، والتّخلّي عن عادات وتقاليد المجتمع العربي والرّكض وراء تقليد الآخر، وتكلّم لغته وتقليده في كل ما يفعل. فيجتهد في الصفحات الأخيرة من سيرته أنْ يبرز العديد من جوانب مشرقة في مجتمعنا العربي داخل إسرائيل مثل: وجود أطباء عرب ناجحين يُشْغلون مراكزَ مسؤولة قياديّة في العديد من المستشفيات والمرافق الطبيّة الأخرى. وانتشار الشباب العرب المتعلمين بين المكاتب الحكومية وإشغالهم المناصب المختلفة. ووجودهم في المصالح العديدة، وامتلاكهم للكثير منها. وفرض الوجود العربي على الحياة اليومية في المدينة كما في القرية. وحتى مدينة حيفا التي شعر فيها بالغربة والضياع عندما كان يزورها مع والدَيْه وهو صغير بدأت تتقبّلُ الطابعَ العربي، وباتت شوارعُ ومناطقُ منها تبدو عربية الانتماء. فشارع الأمم الذي كان شارعا يهوديّا خالصا، وكان مليئا بالبنايات السّكَنيّة وساكنوها من اليهود، أصبح اليوم شارعا عربيا تصطفّ المطاعمُ والمقاهي العربية على جانبيه، ويسكن في البنايات عدد غير قليل من العرب، أكثرهم من القرى، ومعظمهم من الأزواج الشابّة. (ص344-345) " تشعر عند زيارتك إلى ذلك الشارع أنّك في مدينة عربية، المشاة في الشارع أكثرهم من العرب، ومعظم الزبائن في المطاعم من الشباب والصّبايا العرب.(ص345)
حيفا ليست قرطبة
حيفا المدينة التي وُلد د.شوقي قسيس فيها، وهرب منها مع والدَيه وأخيه البكر الياس بعد احتلال القوّات اليهودية لها عام 1948، المدينة التي ناصبته العداء وهو طفل، وضاع في شوارعها وبكى، ولم تتكلّم لغته العربية. حيفا المدينة التي كان، في كلّ زيارة لها، يُعاوده الشعورُ بعدم الاطمئنان والرّاحة والاغتراب، فيخاطب نفسَه متألّما: "المكان ليس لك، والناس لا يتكلّمون لغتَك، وهم ليسوا أهلك. المدينة ليست لك.. حيفا ليست لك.. إنّها للأغراب."(ص153-154). لكنّ حيفا المدينة التي عاد وسكن فيها شابا وأحبّها، واهتم أن يزورَها ويُعيدَها لتكون مدينته المفضّلة في كلّ زيارة له للبلاد. حيفا هذه المدينة الجميلة، عرفت كيف تُعيد أبناءها إلى حضنها وتحبّهم.
ويحدّثنا د.شوقي قسيس عن تلك الأمسية الجميلة التي جلس فيها مع بعض الأصدقاء، حيث انضم إليهم شابّ من قرية الجش وصديقته الحيفاويّة. وبينما كان صديقها مشغولا في الحديث مع أشرف رفيق شوقي، تحدّث هو مع الفتاة، حدّثها عن تجربته مع شارع نوردو حيث يجلسون، وأنّه يشعر بالسعادة لما يلمسه من تحوّل هذا الشارع من غالبيّته اليهودية كما عهده في السّابق إلى حيّ أكثر روّاده، وربّما ساكنيه هم من العرب. وكيف لا ينسى تلك الجملة التي قالتها له الفتاة: "لا يمكنهم أنْ يوقفوا المدّ العربيّ. حيفا ليست قرطبةّ.. البلد بلدنا وحيفا مدينتنا، فإلى أين يذهبون؟".(ص349). كيف شعر بنَشْوَة مُسْكرة من السّعادة، وبأنّ هذه الفتاة العربيّة الرّائعة تسرق الكلمات من فمه. وردّد دون أنْ يدري أو يَعي ما يقول: "حيفا، أنا أحبّك.. حيفا كم أحبّك!" (ص349)
وكان اختيارُه عنوانا لسيرته الذاتية، سيرة أبناء جيله، تلك الكلمات الرّائعة التي غرّدتها الفتاة العربية ابنة حيفا "حيفا ليست قرطبة" لما في هذه الكلمات من عُمق ودلالات وتحدّ واستشراف للمستقبل.
كلمات في الختام
هذه السيرة التي كتبها الدكتور شوقي قسيس، وسجّل فيها تاريخ شعبه الفلسطينيّ، وخاصّة أبناء جيله الذين ولدوا سنوات ضياع الوطن وتشتّت الشعب الفلسطيني، وقيام دولة إسرائيل، كان من الممكن، وقد يُفضّل البعض، أن نقتصر الكلام عنها في حدود النقد للنص ذاته بعد تفكيكه وتقييمه، ولا نتوسّع في الاقتباسات، ولكنني، كما ذكرتُ سابقا، رأيتُ أنّ قيمة هذه السيرة في التفصيلات التي وقف عندها الكاتب، إذا كان في وصف الأمكنة، وتحدّثه عن الناس الذين ذكرهم أو في المواقف والآراء التي عرضها، لما في هذه التفصيلات من قيمة وأهمية في ربط الانسان الفلسطيني بوطنه واستعادة تاريخه وكشف الحقائق أمامه، وتحذيره من المخاطر التي تحيق به وتهدّد مستقبله.
وجماليّة هذه السيرة تجلّت في القُدْرة على الوصف التي يتمتّعُ بها شوقي قسيس بوقوفه عند دقائق الأمور وتفصيلات الأشياء، وبالذاكرة نادرة الوجود عند الكثيرين. والأجمل في سيرة "حيفا ليست قرطبة" هذه اللغة العربية الجميلة الرّاقية بمفرداتها وعباراتها وسَلاستها، وتَنقّله في سَرده ما بين الوصف الدقيق السّاحر ورواية حادثة جَرَت، أو طُرفة أدبيّة رُويَت، واستشهاد بأبيات شعر لشعراء كثيرين. ونَقد لواقع لا يرضى عنه، ومُطالبة لتغيير جذريّ في توجّه الأجيال الشّابّة نحو مستقبل أفضل، الرّفض القاطع لحالة جمود قائمة في مجتمعنا العربي والإلحاح على تغيير كلّي في توجّهاتنا وتطلّعاتنا نحو غدٍ أحسن يرجوه.
وأهميّة هذه السيرة أنّها وثيقة إدانة واتّهام لكل مَن ساهم في مأساة الشعب الفلسطيني وتشريده وضياع وطنه واستمرار معاناته ومآسيه حتى اليوم. ونذير تَنْبيه للشعب اليوم، وللأجيال القادمة من مخاطر تنتظره ومؤامرات تُدبّرُ له. وخارطة طريق لمستقبل جميل قد يتحقّق إذا أُحْسِنَ الإعدادُ له والتّهيّؤ لاستتبابه وترسيخه.
الهوامش:
قسيس، شوقي. حيفا ليست قرطبة. مكتبة كل شيء (ص.ه.ر) حيفا طبعة ثانية 2012
أبو حنا، حنا. ظلّ الغيمة. الناصرة. دائرة الثقافة العربية. طبعة أولى1997
أبو شاور، رشاد. جريدة القدس العربي لندن 21/5/2013
جبرا إبراهيم، جبرا. البئر الأولى.لندن. رياض الريّس للكتب والنشر1987
حسين، طه. الأيّام. دار الاتحاد التعاونية للطباعة والنشر .
طوقان، فدوى. رحلة صعبة رحلة جبليّة. منشورات دار الأسوار عكا طبعة أولى 1985
عبّاس، إحسان. غربة الرّاعي. دار الشروق للنشر والتوزيع. عما الأردن طبعة أولة 1996
القاسم، سميح. إلى الجحيم أيّها الليلك. منشورات صلاح الدين القدس طبعة أولى 1977
القاسم، سميح. إنّها مجرّد منفضة. دار راية للنشر.حيفا طبعة أولى 2011
ماي، جورج. السيرة الذاتنية. ترجمة محمد القاضي وعبد الله صورلة. قرطاج. تونس. بيت الحكمة 1993