الصوغ التخييلي
ويتمثل في انتاج نمط خاص من الأفعال التواصلية حيث لا تكون العبارات صادقة أو كاذبة بمعيار العالم الحالي/الواقعي. |
|
ويتمثل في كون التخييل هو ثمرة لمقصدية المؤلف في اتخاذ موقف من القصة: يصفه كوري(ن.م.س) بـ :
Make-believe،أي الدفع إلى الاعتقاد بـ...،أي نية المؤلف في جعل القارئ يعتقد بكون القصة صادقة ليس في العالم الحالي لكن في عالم تخييلي. |
وبهذا يكون الفعل التخييلي فعلا تواصليا.
وهكذا يبدو أن أول شرط للتخييلية هو شرط تداولي: مقصديات المؤلف ، لكنَّ هذا الشرط غير كافٍ مادام أنه لا يكشف إلاَّ عن تقدير سطحي لـ"فعل الاعتقاد" الذي يدفع المؤلفُ القارئَ إلى اتخاذه تجاه القصَّة.
ومن ثمَّةَ لا بدَّ من شرط ثانِ للتخييلية:الشرط الدلالي أو الإحالي. ويتموقع هذا الشرط في إطار العلاقة الرابطة بين ما يقال وما يوجد. وهو الشرط الذي يبين أن الأحداث الموصوفة ليست صادقة في العالم الحالي ، بل صادقة في عوالم أخرى(تخييلية)( ريان1991)(3) . ففي العوالم الأخرى ، فإن الخطاب التخييلي هو خطاب مقصدي ، بالضرورة، وليس لعباراته قيمة حقيقية، في العالم الحالي ؛غير أنها ، في العالم التخييلي ، ذات قيمة حقيقية دون جدال.
هناك نقطة قد أشرنا إليها ، يمكن ،الآن، أن نطرحها على شكل سؤال: ممَّ يستمد التخييل تخييليته ؟ هل هو موقف يعبر عنه القراء ويصوغونه أم أن التخييلية هي صفة قائمة في التخييل ذاته ؟
من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات/الاشكالات نستعين بالتمييز الذي يجريه كورّي (39:1990) ورايان(77:1991) من خلال الأمثلة الآتية:
المثال الأول
|
المثال الثاني
|
المثال الثالث
|
عاش مؤلف ما حياة مفعمة بالمغامرات،مليئة بالأحداث المدهشة والمذهلة. قام بتحويلها ،وبشكل أمين،إلى عمل أدبي قاصدا ،من وراء ذلك،أن ينظر إليه القراء على أنه تخييل،قاصدا ،كذلك،أن يعترفوا له بهذه المقصدية. والحصيلة ،مع ذلك، لم تكن عملا تخييليا ما دام أن المؤلف يصف أحداثا وقعت فعلا؛وعلاوة على ذلك،فإنه يعلم ذلك غير أنه يحاول تضليل القراء بالغاء الطبيعة الواقعية غير التخيلية للأحداث المقدمة. |
أما المثال الثاني ، فهومثال مضلل،لكن بمعنى مختلف.اكتشف مؤلف ما نصا ما اعتبره عملا تخييليا مجهولا.انتحل القصة وقدمها على أنها تخييل من عمله. فهولا يدري أن النص الذي عثر عليه ليس تخييلا ،بل رواية متسلسلة لأمور لازالت تحدث لحد الساعة. والحصيلة، في مثل هذه الحال،أن لا تخييل ،على الرغم من أن الانتحال تم بموجب نزعة إلى التخييل،وأنه لا يعلم أن ذلك النص قائم على وقائع يعلمها المؤلف الأصلي.ومع ذلك،فلو كان النص تخييليا،فإنَّ النتيجة ستكون ،حتما،كما يقول كورّي، عملا تخييليا. |
وهذا المثال الثالث هو مثال إشكاليٌّ جدا،لأنه لا يقوم على أساسٍ من التضليل والمخاتلة.هو مثال يقدمه عمل أدبي ذو أساسٌ نفسي- تحليليٍّ:عاش مؤلف معين تجارب مفجعة كبتها ،ثم ابتكر،كما يعتقد،قصة يصف فيها هذه التجارب بالضبط. في هذه الحالة،فإن اللاَّوعي هو الذي يمده بالأحداث وثمة نزوع تخييلي،لكن ،و استنادا إلى كورّي، فإن التخييل غير حاصلٍ ولن يحصل في هذه الحالة. |
ومثل هذه الأمثلة ، وغيرها، ناقشها كورّي، ومنها يتضح انه ، في جميع الحالات، فإنَّ ما اعتبر تخييلاً هو ما توفر فيه شرط القصد التخييلي بشكل جليٍّ. ورغم ذلك ، فإن الأمثلة التي تكون فيها القصة حقيقية/ صادقة ، هي أمثلة وثيقة الصلة بالموضوع ، مادام أنها تؤشر على الشرط الإحالي المطلوب. زد على ذلك ، أنه في حالة الانتاج الأدبي الناجم عن نزعة تخييلية ، فإن النص التخييلي يجب أن يكون كثيفا وعميقا ، أوبتعبير آخر، فإنه لا يجب أن يكون حقيقيا وفق مفاهيم العالم الحالي. لكن هل "التخييل الحقيقي" ممكن في جميع الحالات؟ يعطي كورّي الجواب التالي: التخييل الحقيقي ممكن غير أن العمل الأدبي ، في هذه الحالة، سيكون ، في الغالب الأعم، حقيقيا بشكل عرضيٍّ(4).
وينتج عما سبق أن أي اعتبار للتخييلية ، بالإضافة إلى الشرط المقصدي،لا بدَّ أن يتطلب شرطا متعاليا(Extra condition) يتم تفعيله في بعض الحالات. وعلى ضوء هذه الحالات خلص كورّي (46:1990)إلى أن العمل الأدبي يكون تخييليا إذا ما كان حصيلة نزعة تخييلية، وفقط. أما إذا كان حقيقيا فإنه سيكون ، في هذه الحال، وفي الغالب الأعم، حقيقيا بشكل عرضي.
وتقوم هذه الخلاصة على سمة مشتركة بين الأمثلة الثلاث السابقة ؛ ذلك أن القصص الحاصلة تحت الظروف هي قصص لا تخييلية لأنها تتعلق بالعالم الحالي. وهي ليست عرضية لأنه لو كانت الوقائع مختلفة فإن القصص ينبغي أن تكون ،أيضا، مختلفة. زد على ذلك، فإن هذه المحكيات تكشف عن"تبعية لا وقائعية في الأفعال": (Counterfactual dépendance on facts ) (ن.م.س:47).
وعليه ، فإن التخييلية تنبثق من طبيعة الفعل التواصلي ومن نمط العلاقة الموجودة بين القصة والعالم الحالي. وإذا كانت الخاصية التواصلية تشمل تلك المظاهر التي بواسطتها يتم انتاج النص التخييلي وفق مقصديات خاصة،أسميناها بـ "المقصديات التخييلية " ، فإن الخاصية الإحالية تتعلق بالوضع المرجعي للوضعيات الموصوفة التي لا تكون حقيقية في العالم الحالي،أو لن تكون ، في الغالب الأعم، أكثر من وضعيات حقيقية بشكل عرضي. إن المقصدية التخييلية ضرورية غير أنها ليست كافية لتقدير التخييلية التي تتطلب ،زيادة على ذلك، اكتمال الشرط ألإحالي.
أستاذ باحث - المغرب
1 - We might(...)say that the objecti5e i.e,poetic) function of the sentence of the story,with the help of the faculty of imagination ,which puts them in an imginary communicati5e setting,creates The fictitious reality of the story .
2 - The fictionality of literary works depends on the fictionality of the statements they contain
3- « Fictionality is a « historically 5ariable property » as holds,in5oking as e5idence the fictionalization of myths in Ancient Greece thought the gradual extinction of the belief in mythology ,in gods » Thomas Pavel(1986 :80).
4- وقد بلور كورّي مفهوم "الحقيقة العرضية" انطلاقا من مثال لمؤلف كتب قصة تاريخية ،أجزاء منها تستند إلى وقائع حقيقية: تصف القصة أحداثا تاريخية معروفة؛لكن ثمة أجزاءا ملئت بها الفجوات والثغرات هي حصيلة أحداث مبتكرة أو يعتقد أنها مبتكرة .في الحالات العادية، فإن هذه الأحداث ستعتبر غير حقيقية.والآن ، قد يحصل أن أحداثا موصوفة تطابق ،فعلا، وقائع حقيقية،لكن هذه الحصيلة هي نتيجة عرضية.وعليه فإن القصة هي قصة حقيقية بشكل عرضيٍّ.
-Banfield,Ann (1982) :Unspeakable Sentences.Routledge & Kegan Paul.London.
-Currie,Gregory (1990) :The nature of fiction.Cambridge:Cambridge Uni5.Press.
-Dijk,T.A.5an (1972) :Some aspects of text grammars The Hague,Paris :Mouton.
-Eaton,Tre5or (1996) : « Literary Semantics as a Science » in Journal of Literary Semantics,xx5/1,pp7-65.
-Kuroda,S.-Y (1976) : « reflections on the foundation of Narrati5e Theory inPragmatics of language & literature,eds byDijk,T.A,5an.N.H,pp 107-140.
-Petry,Sandy(1990): Speech Acts & Literary Theory,N-Y and London,Routeledge .
-Pratt ,Mary Louise (1977) :Towards a speech Act Theory of literature discourse Bloomington Indiana Uni5.Press.
--Schmidt,S (1976): Towards a Pragmatics Interpreta- tion of fictionality »in Dijk,T.A (1976) pp.161-177.
-Searle,J.R (1979) :Expression &Meaning.CambriUni5.Press(pp.58-75).