يحرس الشاعر التونسي الوطن من تلك الضربات التي تسعى أن تغير مصير "استثناء" حرسته أيادي الشرفاء من أبناء الوطن، وفي لهفة الشاعر الثائرة إصرار على مواصلة العناد ولهفة لا محدودة تسعى لتكسير جدارات اليأس وسير اتجاه أفق الغد دون حاجة لاستيراد أي "فكرة" خارجية ولا أي أنموذج غريب عن هوية الوطن.

ندوبٌ في وجه الصَّمت

احميده الصولي

وَيَشهَقُ صَمتُ الرُّؤَى لهَفةً للْمذَابحِ،
لِلدَّمِ يُهرَقُ فيِ راحَةِ الزَّمنِ.
وَيشتَدُّ فِي خاطرِ اللَّيلِ طَحنُ السَّنَابِكِ
يَزرَعُ مَوتَينِ في قَلبِهِ العَفِنِ.
وَتُولَدُ في لحَظةِ الطَّحنِ مَصْيَدةٌ
يَتهَاوَى بِأَحضَانهاَ الأنْبِياءُ.
وقَرْقَعةٌ أَسْقَطتْ في الجَوارِحِ كَهفًا قَديمًا
تَفِرُّ إِلَيْهِ السَّمَاءُ.
وَمِن كُلِّ خَطْوٍ، تجَدَّفَ فَوقَ الرَّصيفِ، عَلَتْ شَهقَةٌ
وَاسْتُبِيحتْ دِمَاءُ.
فَضَجَّ السُّكُونُ،
وَتِلكَ الأَحابيلُ ثَارتْ عَلَيهَا النَّوَاقِيسُ،

صَارتْ تَدُقُّ.
وأُضْرِمَ في جَنَبَاتِ الفَراغِ النَّهِيجُ،
لِيُعلَنَ بَينَ الخْرَابَاتِ طَلْقُ.
وَمِن شِدَّةِ الارْتِبَاكُ
تَسَرَّبَ، في هَجعَةِ الخَوفِ، لِلْجُرحِ رَتْقُ.
أَمِنْ هَذهِ الْعَتَمَاتِ الأَثِيمةِ يُولَدُ بَرقُ؟
وَهَذَا الجُمُودُ، أَيَصحُو،
يحُطُّ عَلَى أَعيُنِ اللَّيلِ كَيْ يَنقُرَهْ ؟
وَهَذَا الشُّرُودُ،
تُرَاهُ يَثُورُ عَلَى القِيَمِ الْمُقفَرَهْ ؟
وَهَذَا التَّغَنيِّ،
أَيَبعَثُ مَن أَدْمَنَ المقْبرَهْ ؟
فَأَجْنِحَةٌ للذّبَابِ المحَلِّقِ أَسمْعُهَا تَخفِقَ.
وَهذَا الفَرَاشُ الجمِيلُ يَهِيمُ،
وَمِن حَولهِ النُّورُ مُنطَفِئٌ، مُوثَقُ.

وَسِجنُ السِّنِين ِعلَى صَوتِنَا مُغلَقُ.
وَشِئتُ أُقَوِّضُ أرْكانَ مَسلَخِنَا المسْترَابِ،
فَمِن صُلبِهِ يُولَدُ الآمِرُونَ،
وَفي طُهرِهِ نَغْرَقُ.
أَكَادُ أُجَنُّ،
فَمِن دَمَعاتِ البرَاءَةِ والأَبْريَاءِ،
تَنَاسَلَ عُهرٌ، وَغَدرٌ، وَعَارُ.
وَمِن ظُلُماتِ السِّنِينِ أَطَلَّ عَلَى حَيِّنَا الرَّفضُ،
يُتعِبُهُ الإِذِّكَارُ.
وَإِذْ يَتعَبُ الإِتهِّامُ البَرِيءُ
يَحُطُّ عَلَى عَتبَةِ الغُرفَةِ المغلَقَهْ
وَيَهْمسُ : كَانَ هُنَا مَارِدٌ،
وَاسْأَلُوا الأَروِقَهْ.
***
أَضُمُّكَ يَا وَطَنيِ، قَدَرِي.

أَينَ أَنْتَ ؟ وَأَينَ أَنَا ؟
فَالضِّفَافُ استَعَارَتْ مَبَاهِجَهَا،
وَالنَّسِيمُ تَعَفَّنَ في الرِّئَتَينْ.
وَطَيرُكَ يَا وَطنيِ تَلبَسُ الرِّيشَ مُستَورَدًا،
تَحمِلُ الرُّوحَ مُستَورَدًا، وَالجنَاحَينْ.
لِذَلِكَ تَسْقُطُ مِن خَفْقَتينْ.
فَينْفَجِرُ اليَأْسُ بُركَانَ حِقدٍ تَمَلمَلَ في خَاطِرِ النَّشْءِ،
ضَرَّجَهُ الهْمُّ، جُوعٌ وَدَيْنْ.
فَهَذِي شَرَارَةُ همَسٍ تُعشِّشُ في الشَّفتينْ.
***
لأَنَّ الرِّماحَ التيِ لَمْ تُصبْني أَصابَتْ صَدِيقي ؛
تُضِيءُ طَريقي.
لأَنَّ الرِّمَالَ تخبِّئُ في قَلْبِها جُثَثًا،
تُثِيرُ حُرُوقِي.

تَغنَّيْتُ بِالْعُهرِ، وَالزَّهرِ، وَالقَهرِ،
ضَجَّتْ عُرُوقِي.
فَعَلَّلْتُ نَفسِيَ أَنَّ الشُّرُوقَ صَدِيقِي.
وَلكِنْ،
أَأَنتَظِرُ الشَّمسَ تَطلُع
منْ مُعجِزاتِ الهُرَاءِ ؟
وَأَقرعُ أَسوَارَ بَابِلَ، أُصحِيكَ هَارُوتَ،
فَالغَيمُ لاَ يَستَسِيغُ نِدَائِي.
لأَصرَعَ فِيك المضَلِّلَ، أصرَعُ فيكَ حَيَائِي.

***
نَزلْتُ إِلَى الشَّارعِ الهْمَجِيِّ،
أُهَنِّئ ُنَفسِيَ، إِسْفَلتَهُ،
عَتبَاتُ الحوانِيتِ تَرقُبُنيِ،
ضَجَّ مِنْ حَوْلِيَ الصَّمتُ،
أَيقَظَ فِيَّ إِلاَهِي.
وَفِي الشارِعِ الوَردُ مُرْمَي،
عَلَى عَتَبَاتِ المقَاهِي.
وَلَستُ نَعِيًّا لأَسْتَنهِضَ الأُصَصَ الْمُبعَدَهْ،
بِأَروِقَةِ الْحانَةِ الْمُوصَدَهْ.
وَلَستُ هَزِيلاً أَرِقُّ لِزنْبَقَةٍ مُقْعَدهْ.
فَكَسَّرتُ في الشَّارِعِ الْجِلْفِ فَانُوسَهُ الأَزرَقَ،
فَلَمْ يَتَحَرَّكْ وَمَا نَطَقَ.
أَشَرتُ إِلَى اللَّيلِ : قِفْ،
فَالتَّمَاسِيحُ تَكبُرُ في سَيركَ الآنَ،
فيِ جَوفِكَ الإِرْتِقَاءْ.
سَأَطعَنُ في خُطُوَاتِكَ،
مَهزَلَةَ الاِنْتِقَاءْ.
وَيَجرِفُ سَيْلُ الشَّوَارِعِ
مِنْ حَسَكِ الزَّيفِ مَا أَورَقَ.
وَنَدفُنُ فِي جُثَثِ القَولِ،


أَطوَارَ عُمرٍ،
إِلَى عِنبَةٍ يَبِسَتْ، أُوثِقَ.
وَمَهمَا التَّمَاثِيلُ تَكْبر في غُرفِ الآثِمِينَ،
فَفِي الرُّوحِ يَصغُرُ هَذَا الفَضَاءُ.
وَأَحْلبُ مِنْ ظُلُمَاتِ الملاعِينِ نُورًا،
أُرِيقُهُ عَبرَ اتِّجَاهِي.
وَأَجْرُعُ في لحَظَاتِ اخْتِناقِي صَهِيلَ الملاَهِي.
وَأَجْرعُ فيِ لحَظَاتِ اختِناَقِي،
هُتَافَ الملاَيِينِ في لَحْظَةِ اللاَّانتِبَاهِ.
وَإِذْ يَتعَبُ الاتِّهَامُ البَرِيءُ،
يَحُطُّ عَلَى عَتبَةِ الغُرفَةِ المغلَقَهْ.
وَيَهمُسُ: كَانَ هُنَا مَارِدٌ، وَاسْأَلُوا الأَروِقَهْ.
***
وَأَخرُجُ مِنْ زَنقَةِ الآخَرِينَ،
أَشُدُّ عَلَى كَتِفِ اللَّيلِ،

أَجْذِبُهُ، ثمَّ أَدفَعُه،ُ يَتَقهقرْ.
وَتَسأَلُنيِ عَنْ مَزَالِقِ عُمْرِي،

أُجِيبُكَ : أُنظُر :
فَفَوقَ الرِّقَاعِ البَيَادِقُ،
بَينَ الْكَوَالِيسِ سَاعٍ،
وَتِلكَ الموَاوِيلُ خِنجَرْ.
وَتَصحُو، وَنَسأَلُ هَذَا التُّرَاب  :
أَفيِ هَجَعَاتِ السَّلاَمِ دِمَاؤُكَ تُهْدَرْ ؟ !!
***
قَرِيبًا يَدُقُّ عَلَى الْبَابِ ذَاكَ الْغَرِيبْ.
وَفي لَحْظةِ الشَّمْلِ تَنْضَو جِرَاحْ.
وَفي دَورَةِ الزَّمَنِ الرِّيشُ يَسقُطُ،
تَسقُطُ أَجنِحَةٌ - مِنكَ - مُستَوْرَدَهْ،
لِتُولَدَ فِي الْحَالِ أَجنِحَةٌ خَالِدَهْ.       

 

شاعر من تونس