لا شك أن اللغة العربية هي أهم مكون حضاري ضمن للمغاربة انسجامهم الفكري، وأمنهم الثقافي قرونا عديدة، ارتكازا على وحدة المرجعية اللغوية في العلوم والمعارف والدبلوماسية، في انسجام تام مع أنساق لغوية في التواصل العام.
ورغم أن اللغة العربية لغة رسمية للمغرب بنص الدستور، فإن كثيرا من المسؤولين في المواقع المختلفة عن الأمن الثقافي والاجتماعي يتنكبون عنها بطواعية واختيار، ويستعملون غيرها من اللغات، وهو ما يصيب السيادة والاستقلال في الصميم، مما مهد لإبعادها عن أغلب مجالات الاستعمال في البلاد، وفي أقل الحالات، لنخرها بالتلويث اللساني الذي شوش على طبيعتها، وعلى خصائصها التداولية، فامتد التلوث كذلك إلى الدوارج، حتى صارت لغة الشباب والنشء خليطا من الهجنة التي لا تفصح عن هُوية.
إن أمر اللغة العربية اليوم، أضحى في البدء والختام، قضية استراتيجية ومصيرية، وليس ترفا فكريا، أو ردود أفعال عاطفية، لأن اللغة ليست مجرد ألفاظ وتراكيب وصيغ وأساليب فحسب، بقدر ما هي مكون من مكونات الأمة،
وقوام وجودها المعنوي، وأساس امتدادها الفكري والتاريخي، وحجر زاوية أمنها الثقافي والحضاري، باعتبارها السجل الذي حفظ للمغاربة مقوماتهم الثقافية والتاريخية والحضارية والتراثية والنفسية والرمزية عبر الزمان، فهي بحق صمام الأمان في ترابط المجتمع وتماسكه وانسجامه واستمراره.
ووعيا من الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية بالتحديات التي تحيط باللغة العربية من داخل المغرب وخارجه، ومراعاة للدور الذي تنهض به في تحقيق الأمن الثقافي والانسجام الاجتماعي والتضامن الوحدوي، واستجابة لتوجه جميع المغاربة الذين يتشبثون باللغة العربية باعتبارها اللغة الجامعة، فإنها تدعو الحكومة المغربية والأحزاب الوطنية وكل القوى الفاعلة في المشهد السياسي والثقافي إلى ما يلي:
ـ تفعيل مبادئ الدستور الواردة في شأن اللغة العربية.
ـ تقرير إلزامية استعمال اللغة العربية في جميع التعاملات الإدارية.
ـ توظيف اللغة العربية في مجال التدريس بختلف المراحل والأسلاك والمؤسسات التعليمية، خاصة في التعليم العالي.
ـ إيجاد مؤسسة وطنية تعمل على خدمة اللغة العربية وتمكينها من اتخاذ القرارات العلمية اللازمة لتعزيز اللغة العربية، وتعميم استعمالها في جميع المجالات.
ـ العمل على أن تكون القوانين المنظمة لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها منسجمة مع بنود الدستور وقوانينه في شأن اللغة العربية، ومحاصرة للفوضى اللغوية السائدة في هذه الوسائل، التي تناقض أهداف تكوين الناشئة في السلامة اللغوية.
ـ رفض الدعوة إلى التلهيج، لأنها دعوة إلى التفرقة ورسم الأخاديد بين مكونات المجتمع المغربي، وإهدار للطاقات التي يجب أن تصرف في خدمة اللغة العربية الجامعة.
إن الوضع الذي نعيشه اليوم على مختلف الصعُد، لا يحتمل مزيدا من التأخير في تنفيذ مثل هذه البنود والقرارات التي تحصن مجتمعنا، وتدرأ عنه كل
مخاطر التمزق والبلبلة والاستلاب، في ظل ضغوط العولمة التي تتجه نحو نسخ الخصوصيات وإلغاء التنوع الثقافي المعرفي.
وإن الجمعية لتدعو جميع الغيورين من مختلف المواقع إلى تكثيف الجهود، وجمع الطاقات وتصريفها، من أجل بلوغ الأهداف المتوخاة، وإيلاء اللغة العربية المكانة التي يجب أن تتبوأها.
وجدير بالذكر أن هذا الملتقى عرف مشاركة الرئيس الوطني للجمعية بكلمة ألقاها في جلسته الافتتاحية ، كما حضره عدد من الأساتذة والمهتمين والطلبة الذين استمعوا لعروض السادة الأساتذة الباحثين، التي تمحورت حول الموضوعات التالية: "التمكن من اللغة تمكن من المعرفة" للدكتور عبد الفتاح الحجمري، مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط، و"اللغة العربية وتعزيز قيم الهوية والمواطنة ـ تحديات ورهانات" للدكتورة فاطمة الحسيني، الأستاذة بمركز تكوين المفتشين بالرباط، و"سؤال اللغة والهوية بالمغرب" للدكتور نافع العشري، الأستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة، و"القيم الوطنية في منهاج اللغة العربية، الثانوي التأهيلي والإعدادي نموذجا" للدكتور عبد الرحيم وهابي، الأستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفاس، و"التخطيط المصطلحي في سياق إعادة بناء الذات" للدكتور خالد اليعبودي، الأستاذ بكلية الآداب بالرباط، تلتها مناقشة لمحتويات هذه العروض.