استضاف قسم اللغات الحديثة في جامعة كاليفورنيا ( California State University,Domingues Hills) في لوس أنجلوس في الولايات المتّحدة الأمريكيّة الأديبة الأردنيّة ذات الأصول الفلسطينيّة د.سناء الشّعلان في محاضرة أدبيّة عن تجربتها القصصيّة حيث قدّمت فيها شهادة إبداعيّة عن تجربتها القصصيّة حيث قدّمت فيها إضاءة كاملة عن تجربتها في عالم القصّة والرّواية إذ قالت في معرضها :"القصّة في رأيي أهم كلمة في الوجود، إنّها لغز الحياة.كلّ ما أنجزته في حياتي كان لصالح القصّة، أيّ شيء في حياتي بعيداً عن القصّة لا قيمة له، أنا لا أجيد شيئاً مهمّاً غير القصّة. وبخلاف ذلك في حياتي سلسلة عظيمة من الإخفاقات...ألم أقل لكم أنّ القصّة هي محور حياتي، وقصتي مع الإنجليزية هي واحدة من قصصي، وأنا سيدة القصص، أحبّها وأشمّها وآكلها وأحلم بها وأحارب بها قبح العالم وشروره وقسوته على البشر، أعرف أنّ القصة دائماًُ نبيلة وطاهرة، وأنّ البشر هم من يفسدون جمالها، البشر الشريرون هم من يسرقون قصصنا الجميلة.
أمي كانت تسمينا سونا، ولهذا الاسم قصة طويلة، المهم في الأمر أنّ العالم يصبح أرحب عندما تمسك"سونا" بالقلم، وتبدأ بالكتابة، فتكتشف أنّ العالم كلّه مصنوع من مادة الحكاية، لذلك تفهم العالم بمنطقها، وتتعامل معه وفق منطق الشّخوص والزّمان والمكان والعقدة والتأزم والحلّ والرؤّية واللغة، كلّ شيء له حكاية، وهي تتقنها ، ولذلك تأخذ علامات كاملة في كلّ المواد؛لأنّها مواد تجيد الحكايا، أمّا الرياضيات فتخفق فيه دائماً؛لأنّ الأرقام لا تحبّ الحكايا، ولها منطق آخر لا تفهمه!
الطّفلة الصّغيرة(سونا) تحقّق كلّ ما تحلم به بمنطق الحكاية، فتهب وتحرم وتنتقم وتعشق وتبكي وتضحك وتنسى وتتذكر وتمرض وتشفى وتزور وتهجر بمنطق القصة، حتى أنّها تنتقم بالقصة؛فالذين تكرههم تحيك لهم حكايا شريّرة، والذين تحبّهم تصنع لهم حكايات ذات سعيدة.
الحياة هزيمة كبرى، وهذه الحكاية الأولى التي تعرفها تماماً، وكي تنتصر على كلّ الهزائم لا تنقطع تكتب الحكايا، من الهزيمة صنعت أطواق النّجاة، ومن الموت صنعت بشراً لا يموتون. هي لا تملك غير الحكاية، تهبها مجاناً لكلّ سائل أو حزين أو باحث عن طريق، تزرعها تحت مخدّتها، وتنام بعد أن تتعوّذ بها من كلّ الشّر الذي لا يمكن أن يمسّ امرأة تتمترس خلف فضيلة الحكاية!
الذين لم يأتوا حقيقة استولدتهم(سونا) قهراً في حكاية، الذين ماكان يجب أن يأتوا نفتهم إلى حكاية بعيدة جداً، عليها فقط أن تكتب لتتغيّر كلّ أقدارها، فهذه حكايتها، امرأة تتحقّق حكاياتها، وأحياناً تهاجمها، وكثيراً ما تعضّها! وغالباً ما تصيبها بصداع السّرد والتّفاصيل الصّغيرة التي تتقن أن تجمعها بمهارة من كلّ مكان، وتدسّها بهدوء وتكتّم في جعبتها السّحرية! وتغادر بصخبٍ مؤجّل".
وقد قدّم الشّعلان لجمهور الحاضرين في المحاضرة كلّ من د.عدنان كاظم أستاذ اللّغة الإسبانيّة وآدابها في جامعة آل البيت ود.بنيتو كيميز( BENITO GOMEZ HILLS) أستاذ اللّغة الإسبانيّة في جامعة كاليفورنيا اللذين قدّما مادة تفصيليّة عن أدب الشّعلان وسيرتها الإبداعيّة الأكاديميّة كما توقفا عند ملامح هذه التّجربة وأهم خصائصها ومراحلها.
وقد قرأ بعض طلبة جامعة كاليفورنيا على جمهور الحاضرين بعض قصص الشّعلان المترجمة إلى الإنجليزيّة، وهي قصص تعرض بجرأة تنميطات الحبّ وأشكاله الذي يتجلّى في ثنائيات جدليّة متناقضة.كما أنّها قصص تدين بالكثير لاستيلاد مفردات التّراث والفنتازيا والخرافات والأساطير والواقعيّة السّحريّة.
والقصص تجنح إلى طرح الحزن والفراق والهزيمة والفشل قرينًا شبه دائم للحبّ، وكأنّه تجسيد للواقع الحياتي المهزوم والمسحوق الذي يعيشه أبطال القصص، وتبقى القصص مفتوحة على التّأويل والتجير والتفسير، فهل الحبّ هو علاقة خاصة لها محدّداتها الخاصة؟أم هو صورة اجتماعية من صور المجتمع بكلّ ما في مشهده الإنساني من أحلام وأماني وتناقضات وأحزان وانكسارات ؟أم هو بحث عن صيغة جديدة للبحث عن الفردوس المفقود في هذه الحياة ؟
وقد اقترنت الشّهادة الإبداعيّة للشّعلان مع حراك حواري كبير، إذ فتحت هذه الشّهادة باب النّقاش الطّويل مع جمهور الحاضرين، وقد تطرّق هذا النّقاش إلى طرح ثيمات كثيرة في عوالم الإبداع والواقع والحراك الإنساني والتّجاور الحضاري وخصوصيات المجتمع والإبداع والجندر والذّات المبدعة وحساسيتها تجاه المجتمع والصّراع والواقع والأمنيات والمنشود والأداة والتّكوين، كما تطرّق هذا الحوار كذلك إلى خصوصيّة الإبداع العربي والمبدع العربي لاسيما في إزاء التّحديات والمعطيات المعاصرة في المشهد الحياتي والإبداعي.
ومن أجواء القصص التي قُرأت في هذه النّدوة الحواريّة للشعلان :"حكاية الحكاية: الحكاية تريد أن تهرب من التّسكع، وأن تركن إلى الخلود، جرّبت أن تسكن السّماء؛فغدت ربّاً وملائكة ودعاء، فأصابها الملل من ذلك عندما اشتهت الخطيئة، رحلت إلى الجسد والشّهوة فأنهكتها لعبتا الجوع والإشباع اللتان لا ترتويان، صادقت القلوب فأحرقها الوجد، طاردت العقل فأعيها المنطق، صادقت القوة والمال والجاه فخذلتها السّعادة، تنسّكت في الجبال فهزمتها شهوة حلمها الكبير في الخلود، ثارت على نفسها، وانضمّت إلى صفوف الثّوار في كلّ مكان، وحالفت الرّفض أينما حلّ في أنفس الشّرفاء، فأصبحت حكاية البشر الباحثين عن العدل، سطّرت فيها كلّ قصص من نذروا أنفسهم للنّور والحقيقة، نسيت حلمها البائد بالخلود، وبات حلمها أن تصبح حكاية كلّ من سرقوا حكايته، وكذلك كان".