هي قصيدة طويلة لشاعر مغربي يواصل حضوره الشعري اليوم من خلال سعيه الحثيث لتلمس خصوصية لتجربته الشعرية، وما بين الحس القومي والتجربة الوجدانية القريبة من ذات الشاعر، يقترب هذا النص من تقديم سمات أساسية لكتابة هذا الشاعر الذي اختار أن يمزج الوطن بامرأة سكنت تفاصيل روحه وجعلت مسكونا بالأسئلة التي تتخطى الأحاسيس كي تشمل وجود الشاعر وماهيته.

عفوك سيدتي

خليل الوافي

عفوك سيدتي

يغتالني صمتك السارح  خيالاتي

وشما على خريطة المضارب

يمدني طيفك المشرئب

 رعشة الفراشات

وهي ترقص فوق زهرة الهندباء

ينبجس الرند  على همس الشجن

تداعبني زنابق الماء

في حيرة الوطن

يرتجف الملاك

بأرض موعودة بالحمم .

أغرق في وهج الألفة

بين رقاقة وحبر

أخط على بياض عذرية

ما تعلق بي من قصائد

نفضتها أستار كعبة

يرشدني الأصمعي

إلى أمصار بعيدة  في أقاصي لغة

أعتكف في خلوة النقشبندي

أتلمس مسعى روح

تتهجى خالقها

هيهات على حروف

كانت شاهدة على كاف و نون

من يحرس النجم الهارب

في تخوم ليل

تواطأت حشود فلك

على شمس

ضوءها شرق

يعتريه الجحود

وقمر ناسك في كنيسة القيامة

راحلة في خوفها المجنون

تراقب دهشة الجسد

في لوحة الموناليزا

يغترب ظلي في حواشي الاطار

يدثرني البياض عن  وحي نبوءة

تتقاسمني  غيمة ملأها البكاء

زغاريد إميلشيل

تمنح زائري

صعود جبل موسومة أحجاره

بأسماء من رحلوا

" إيسلي " و " تسليت "

من شهدوا حرقة  العشق

في هذا الأطلس الكبير

نسائم خضرة تتفتق عن عين الماء

تلفني فصول الغياب

بحة  الخريف

كنت الصاعد إلى لجة المنتهى

أبحث عني في تلابيب الورق الشاحب

أدون تاريخ الرماد

فوق ألواح من ملح وطين.

 

عفوك سيدتي

أنا العائد من الجرح

ألملم نمنمات الجدار

عن شيء يشبهني

في حركات الظل

أرسم للغيم وحي المطر

يشتد الرثاء في مدح الحجر

صلصال لزج كنت

سفينة نوح لا مفر

هي السلالة بدأت نسلها

في غمرة الماء المشبع برذاذ الوصل

متى تعود أيها الطين

إلى أرضك الحبلى

كم من الوقت يكفيك

أيها الصخر المعربد

فوق صدر البحر

كي ينبلج عنك فجر غرناطة

ها أنت تقاوم موجك المتمرد

على شاطىء البداية

تكابد رياح الحنين إلى هجرة اليابسة

تراني أجمع أصداف الحكاية

في ركح الراهب

وأنحت على جدار مسلة أسمائي

أمخر بنا أيها اليم

الساكن أضلعي

أستمد هديرك العالي

 من فاكهة لطحالب غابة

حرمتها الشمس دفءها

ينبت الحلم في دغل الحوش

في المدن المنسية

يمتد ظلي في دروب الشام

أقترب من سياج الانزياح

يدميني سيف المنفى

ويأخذني سوار فلسطين

إلى جبة أسطورة

تكتبها عيون أريحا

أشم فيك قهوتي

يا  " عين السلطان "

ويا دماء عطشى للون الأرض

تسيح الأجيال ركاما

في بحيرة الليل

من ينفض عني غبار

داحس و الغبراء

ويدفع عني أذى ذات الحواشي

أقفلت عائدا إلى واحة إغداق

أجس بقايا ملحمة

في كتاب يحمل أسراري.

 

عفوك سيدتي

 أراك غير آبهة

بما تنطق عنه مخارج الوجع

لو تعلمين ما في القلب من سماحة

تطبب السقيم المعتل

تنأى جروح من فرط دمعي

تتعافر الخيول في لواعج الرحيل

لم يكن حرفي اليتيم

تحت كعب حناء

سوى انهيار للغتي

أنت سوناتا لحني

في كهوف حيرتي

تنتحب أشجار كاسيا نيدوزا

على أعتاب بيتك

يحملني طيفك هدهدا

يكتم أسرار سيدة

يطوف فوق قبة السلاطين

بلا ريح تأتي نسائم أعيادك

 فرحا

من انفلات الضوء أجيء

بلا اسم

من عين المقصلة أفيء

نسيت نعلي في صحراء عروبتي

أبحث عن بقايا  ليل

يزيل صدى النسيان

عن جذوة تمسك بها كفي

أتلمس خطى جدي في كتابة الرمل

عذرا يا سيدة الشرق

يا منفايا الوحيد

أنا، الذي رميت الرماح

في وجه الرماد المالح

فاختفى وجهي في وحل مدن

أسمع غطيط نومها

يربك لوحة البحر

أين أخبئك:

يا قوس فراشاتي؟

في سلة الشجر؛

أم تحت سبات الحجر؟

يأتي صوتك ثقيلا كشلال دمي

تأخذني رعشة المجهول

في متاهات دربي

سيدتي

لم يسعفني الموت؛

حين يحبو فوق كتفي

هناك

في بحر صحراء

يتحرك موج كثبانها؛

سواحل  من سراب

أكنس غاباتي من بقايا جثث

تطايرت في الريح

أمسك ذيول الليل

من أقصى العتمة

إلى أقرب ضوء

تغرب فيه شمسي .

 

عفوك سيدتي

لا  طريق يهدي سبل القافلة

عبر خطوط الأنين

يحدثني الفخار عن نفسي

نخيل لم تسعفه واحات غضبي

سمتك وقار في محراب صمتك

صلاة زاهد

تسكن رحاب لهفتي

مسعاك يفضي إلى تواطؤ

مبثوث في بساتين فيضك

يهف على وجهي أريج بخور

أبلغ منتهى عبق

برعم أناملك أرجواني القسمات

قرمزية مسحة أهداب

حين تمسك مشطها في سواد الليل

آدم كنت..

حواء كنت..

لا أحتاج إلى الماء

حين أشرب طيني

ما كنت مصب نهري..

أقرع الطبول في قرى لغتي

تأخذني شموعك المشبعة بالصهيل

أكتبك

في ثنايا الجرح المارد

أترك حصاني يعود وحيدا

بلا نصر

 بلا هزيمة

دون مهل تأتي الرياح

دون فصل يغادرني الربيع

يأتي الحصاد مواسم فاكهة

سقطت  من فرط النواح

تنهض قصائدي من سباتها العنيد

تبحث عن وطن

نكست أعلامه في المغيب

قولي شيئا سيدتي

تأتي العجاف

مثقلة بالنحيب

 تراني

  ألمع وجه الشمس

على تجاعيد قحطي

واحترق في  النخيل

بين جهات الشرق

قرب ربيع يعتريه البكاء

ما سئمت شح ماء

ما ضجرت من هجرة

سبقت ملح ظلي

عربيّ

  كانت تحميه لغتي

من محنة  الضاد

عفوك سيدتي

لم أكن ذلك الذي فتح الباب

في وجه الصدى

تَغشاني قناديل البحر

خلف هذا الدمار

كنت أحمل أشلائي

فوق غيمة عربية

أنثر للريح شتات رغيف

تأكل منه الطير

فتات خبز يابس

تتدحرج  جراح الأمس

ويدي على الزناد

أنا العربي الغاضب

لا أملك خريطة

كي أصبو إليك

أتحسس أنفاسك عبر شذا قربك

وخلخال ترتعش له فرائصي

أنا النبي الشاهد على نبوءة غيري

أمد يدي إلى قاتلي

أغسل روحي مما تبقى مني

على مقابر نقشت فيها أسمائي

بلسان أعجمي.

يكتبني السراب وهم أندلس

يمتص  الصدى صيحتي

تراني أعصر آهات غصة

لم تحتمل صمتها

وأنا المتيم في غربتي

يكبر فيّ الشجر

وطريقي إليكَ ملغومة

بيني وبينك خلجان

    في دروب عزلتي .

 

عفوك سيدتي

قُدّ قميصي من دبر

و أنا أداوي جرح نخل    

مما تبقى من رمادي  

سيدتي

تقاسمت جوارح الفيافي جثتي

خذي جسدي للريح

كي أصبح حصى

في طريقك المنسي

قولي شيئا سيدتي

تحكي عني

طريق الحرير

وسوق عكاظ

وتنساني بلادي .

 

شاعر من المغرب