يتأمل الكاتب والناقد المصري هنا جانبا مهما من جوانب واحدة من الروايات التي تركت أثرها على مسيرة الرواية في مصر. ويربط كل من علاقة الرواية بالمكان، وما يدور فيها من أحداث، بما يجري في المآسي الإغريقية الشهيرة، بدءا من تيه عوليس في ملحمة «الأوديسة» وصولا إلى مأساة أوديب وأجاممنون في المسرح الإغريقي.

المكان والرؤية والبطل فى «فساد الأمكنة»

محمـود قاسـم

إذا كان ذلك الشخص المجهول الاسم البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاما والذى يتم "وهم" حبيبته حين تزوجت من رجل آخر فى رواية "حادث النصف متر"، هو نموذج البطل فى رواية صبرى موسى الأولى، وإذا كانت العلاقة بين الرجل والمرأة هى مفتاح شخصية هذا الرجل. فإن مفتاح العلاقة لدى نيكولا هو علاقته بالمكان الذى يعيش فيه، وأن العلاقات التى تربطه بالعديد من الأشخاص تجىء فى الدرجة الثانية قياسا إلى علاقته بهذا الجزء من الصحراء الشرقية المسمى بالدرهيب حتى وان كانت علاقته بالغة العمق بكل من صديقه ايسا وابنته ايليا. ولذا نرى أن نؤكد على علاقة نيكولا بالمكان قبل أن نقدم ملامح علاقته بالأشخاص الذين جاءوا إلى هذا المكان أو الذين يعيشون فوقه.

المكان اسمه الدرهيب .. جبل يقع فى صحراء مصر الشرقية قرابة السودان. ومنذ السطر الأول فى الرواية يبدو شغف الكاتب بالمكان فيقدمه لنا نموذجا بنيكولا. كأنهما قطعة واحدة من ديكور .. ويصف الدرهيب كأنه هلال عظيم الحجم وكأنه سقط من مكانه فى زمن ما فجثم فوق الأرض منهاراً متحجراً يحتضن بذراعيه الضخمتين الهلاليتين شبه واد غير ذى زرع، أشجاره نتوءات صخرية وتجاويف، أحدثتها الرياح وعوامل التعرية خلال آلاف السنين[1]..

وفى هذا المدخل أيضاً يصور لنا الكاتب بطله ممزوجاً بالمكان كأنه قطعة منه .. وهو يصف على التوالى كل من المكان ثم نيكولا .. كل منهما يشهد على الآخر .. فوسط ديكور فج، "من بازلت وجرانيت واحجار أخرى جيرية وبحرية متكلسة .. تشكل وهاداً أحيانا وتلالا أحيانا .. يقف هناك نيكولا، كما قرر لنفسه، على قمم خادعة متزلجة، مؤرجحاً على حصن دقيق من الاسبستوس وبلورات الرخام ذات الأسنة القاطعة .. والقواقع المهشمة من مليون ألف عام .. يقف هناك نيكولا الذى لا وطن له. عاريا مصلوبا على لافراغ المتأجج الحرارة وحده .. تلفحه ريح الصحراء العارمة بين حين وحين .. فلا يمكنه أن يدخر منها ملء قبضته[2].

والكاتب لا يقدم  لنا المكان منفصلاً عن نيكولا .. ولا يقدم لنا بطله المأساوى من خلال العذابات التى لاحقته، ولكنه يمزج كلا الاثنين ببعضهما مزجا مأساوياً هو كذلك، فالرجل يتعذب، والمكان حافل بمخلفات البشر. رحل الجميع عن المكان رغم ما به من كنوز وجواهر .. وليست العلاقة بين الرجل والمكان بجديدة .. فهو وحده الذى يعرف أسراره وأعماقه .. فهو الذى رسم أعماق الأنفاق بها وهو الذى وقف هناك فى جنوب الجبل ملايين المرات على مدى سنوات، وليست علاقته بالمكان من الخارج أو الجوف فقط بل انه فى بعض الأحيان يبصق ترابا صحراويا تحمله الرياح، ويلعق حلقه الجاف بلسانه الجاف و"دائما كان يبقى نيكولا مع الدرهيب وحده"[3].

فهناك ترك ابنته تموت بعد أن اغتصبها، وأنجبت منه طفلا تركه للذئاب لتأكله .. وهناك كما سنرى آثر أن يعيش بعيدا عن رغد العيش.

فإذا كان المكان قديما أثريا فإن نيكولا رجل عجوز قادم من أوروبا لكن الصحراء اكسبته سمرة غامقة .. وهو غزير الشعر أبيض كأنه القطن .. وإذا كان المكان حوله شامخا واسعا .. فإن نيكولا ليس بالرجل النحيل أو السمين، ولعبة نيكولا المفضلة فى ذلك المكان الشطرنج ليست منفصلة بدورها عن الجبل .. لدرجة يصورها لنا الكاتب "ما أغرب تلك الرقعة، تجرى عليها تلك القطع المنحوتة بصورة تماثيل للناطق والساكن على درجات ومراتب. فالشاه فيها هو الملك، والقرش والفيل مركوبان له، والفارس وزيره والرخ أو الطابية حصنه وملجأه، أما البيادق فرعاياه .. يخرجون جميعا من كيس واحد، الشاه والفارس والفلاح .. فيحظى كل منهم بنصيبه حسب قدره وقدرته[4]..

وأبرز صفات نيكولا التى ستعرفها وهى الذوبان فى الملكوت الذى حوله – رغم أنه جاء من أجل الكنوز – لم يكتسبها إلا فى هذا المكان فمع حلول الليل، وفى هذا الجو الجبلى الساخن نهاراً الصقيعى ليلا يظهر فيه كوكب المريخ والمشترى ويبدأ عقل نيكولا سباحة فى الملكوت حوله. ونحن لا نود أن نستقطع ونذكر الكثير من المقتطفات التى نثرها الكاتب على مدى روايته عن هذا المكان. فمن الواضح أن شغف كل من صبرى موسى ونيكولا بهذا المكان وذوبانه داخله متقارب إن لم يكن واحداً، وعلى طول الرواية أيضاً نرى الكاتب يمزج بين بطله والجبل .. ففى الفصل الثانى من الرواية، يحدثنا الكاتب عن الماضى المتمثل لكل من نيكولاه وجبله. نيكولا الذى هاجرت اسرته – وهو طفل فى العاشرة – من روسيا إلى اسطنبول، ثم تجوال الصغير بين البحار حتى استقر فى مدينة ايطالية تعرف فيها على امرأة تدعى ياليا هى أيضاً قوقازية مهاجرة "مسلحة بجمال حاد" ونيكولا فى هذه السنوات أشبه بالبحر الذى يعيش قرابة منه أو فوقه. فهو جوال. لا يستمر فى مكان .. حتى إذا ذهب إلى الجبل فيما بعد أصبح أيضاً مثله راسخا لا يتحرك كثيرا خارجه وينفر من التجوال .. مما يبين مدى ارتباطه بالمكان الذى يعيش عليه.

والجبل أيضاً له ماضٍ.. جاءته أقوام عاشت أسفله وفى داخله. جاءت أقدم شعوب أفريقيا وعاشت وانقسمت إلى عبابدة وبشارية وبوحوس وبنوعامر وغيرهم. يذهبون ويجيئون لكن لا يوجد وافدون جدد عليهم حتى جاء نيكولا مع البعثة المنقبة .. الذى جلس يتأرجح فوق الجمل مبهوراً كطفل وهو يلاقى الصحراء لأول مرة "تلك الصخور العظيمة والجبارة الموجودة فمكانها فى هذه الصحراء من وقت لا يعلمه أحد .. يفعل الزمن والجو فعله فيها فتتشكل وتتحول، وتلد بداخلها عشرات الأنواع من المعادن"[5].

ونيكولا الذى عرف رغد العيش وأحضان النساء اللدنة خاصة زوجته التى هجرها من أجل الذهاب إلى الصحراء يعيش هناك فى ظروف جافة قاسية لكنه يعشقها بعد أن يألفها ويعتاد على المكان ويصادق بعض الناس الذين يعيشون هناك. وفى الفصل الثالث من الرواية يقدم صبرى موسى تفاصيل دقيقة للحياة اليومية لنيكولا بدءا من استيقاظه حتى ينام فى بطانيته الوحيدة ممدداً على صخور الدرهيب التى تتثلج طوال الليل.

ومفتاح نيكولا المتمثل فى علاقته بهذا المكان يتمثل فى فلك الجملة "كانوا جميعا يحلمون بالذهب بينما نيكولا مبهورا، يحلم بالمعرفة فى بحر التجوال" وعلينا أن نركز على ابعاد هذا التجوال الوجدانى، فعندما يرى كومة عظام جمل فيجدها منهارة متناثرة فيدرك أن الموت قديم، وأنه فاجأ الجمل وهو يمشى متهالك على نفسه. وفى أحيان أخرى يجد أن الجمجمة مشرئبة تحملها عظام العنق بوضوح فيعرف أن الجمل قد مات وهو جالس يتأمل هذه الصحراء فى عظمة مثل نيكولا نفسه. فالصحراء ميدان عظيم للتأمل، والموت هو الجبل الشامخ الثانى فى كل مكان من هذه الصحراء .. وهو البؤرة النهائية لكل هذا التجوال الأبدى السرمدى، وغزاة الصحراء يفكرون فى الموت أكثر من الحياة. انه مرتبط بالمجاهل والمجهول .. وطالما أن الموت يتمثل أمام هذا النازى القوقازى وطالما أن غريزة البقاء تدفعه أن يحيا فإن هناك صراعات بعضها خفى والبعض الآخر ظاهر تقوم بين الانسان والصحراء القاسية. ونيكولا هو الذى اختار هذه الصحراء وجاء إليها باحثا عنها وعن كنوزها ليذوب داخل رمالها وسمائها وصفائها .. "لقد فعلت ما استطعت فعله، وليس لدى أى أمل الآن سوى أن أموت فى هدوء...".

وإذا كان الموت هو أكثر الأشياء التى فكر فيها نيكولا فإن الانتماء هو الهم الثانى الذى يشغل تفكيره. فلا توجد أرض ينتمى إليها. هو الروسي المولد. الذى تربى فى تركيا وتزوج فى ايطاليا، ثم جاء إلى الصحراء الشرقية لا يتوق إلى ماضيه ولكنه يذوب فى المكان حوله، يود أن ينتمى إليه، يرتجف أمامه  مهابة وخشوعاً وقد استولى المكان على حواسه المضطربة بالرغبة فى التحليق .. وشعر بأنه يوشك أن يجد مكانا يرغب فى الانتماء إليه.

"يوشك أن يجد وطناً"[6].

وحول هذا الأمر يستغرق صبرى موسى فى وصف اندماج بطله بالمكان حوله .. فهو يحاول أن يكشف اللغز الذى تحويه ظلال الأشياء من حوله فيجعلها تبدو قباباً ومآذن ذات مرة، وحدائق ونافورات مرة أخرى، بل وأخطر من هذا أن تجعل ذلك الذى يراها يصدقها، ومع ذلك يدرك أن اللغز ليس فى المكان حوله. بل فى داخله هو خاصة أنه يعى موقفه تماماً مما جعله يدرك أن الأمل والرغبة، هى الفخاخ التى ينصبها البشر لأنفسهم ويلهثون جرياً خلفها كى يسقطوا فيها.

وبعد الموت والانتماء يأتى دور الفضيلة فى الصحراء .. فالصحراء تغرس فى سكانها شتى الفضائل. "فإن مئات الخطايات الصغيرة التى نرتكبها بسهولة ويسر فى المدينة، ضد أنفسنا وضد الآخرين.. تتراكم على قلوبنا وعقولنا، ثم تتكثف ضبابا يغشى عيوننا وأقدامنا فنتخبط فى الحياة كالوحوش العمياء. فالمدينة زحام، والزحام فوضى وتنافس وهمجية، ولكنهم فى الصحراء قلة، والخطايا الصغيرة تصبح واضحة تطارد من يرتكبها .. ويصبح ضبابها على النفس أشد كثافة وثقلا بينما نحتاج دروب الحياة فى الصحرا إلى بصيرة صافية نفاذة لتجنب أخطارها.

"إن الفضائل تمنحهم قدرة على الصفاء فيمتلكون حساً غريزياً مشبعاً بالطمأنينة"[7].

ومن الغريب أن صبرى موسى يقدم مجموعة من الفقرات التقريرية المتناثرة ليعبر عن أفكاره وآرائه وظروف بطله واندماجه داخل هذا العالم. لدرجة أننا نواجه مشكلة فى أننا يمكن من هذه الفقرات الطويلة نسبياً لنؤكد على آرائه فى هذه الرحلة، حتى أننا لنحس أن صبرى موسى نفسه يعبر عن أفكاره الخاصة تجاه تجربته فى الصحراء والتى قدمها فى كتاب أشبه بالرحلات النفسية الداخلية بعنوان "فى الصحراء". بل وفى الأحاديث الصحفية المختلفة التى يدلى بها حول هذه الصحراء. فهو يذكر نفس العبارات التى قدمها فى روايته فى الحديث الذى نشرته مجلة المعرفة السورية فى عددها رقم 1157 المنشور فى مارس 1975.. ولو قمنا بحصر عدد الكلمات المستخدمة فى الرواية، فهو يناقش الموت والانتماء والفضيلة داخله ثم قبل هذا وبعده الاندماج فى أحضان الصحراء وجبالها من خلال الفكر والتأمل. لكن هل وصل إلى حقيقة ثابتة؟

وكما أشرنا فإن الكاتب على طول صفحات الرواية لم يكف عن تقديم معالم العلاقة بين نيكولا والمكان .. فهو يتعلم أسرار النجوم من ايسا وجده نظم ظهورها واختفاءها وكيف يمكن معرفة الفصول الأربعة فى الصحراء وكيف يمكن للمرء أن يتوقع الأجواء وتقدير الحول بعد الحول. "لقد ظلت نفسك وديعة آمنة حفاوته، وكنت عاطفيا كطفل، لم تصف لك صولاتك وجولاتك كمهاجر أمضى صباه فى الترحال"[8]. ورغم ارتباط نيكولا الروحى بالمكان – ثم بالأشخاص من بعده – إلا أنه عندما يحاول أن يجذب زوجته ايليا إلى المكان يقدمه لها على أنه كنز عظيم ومدينة كبرى تخصه كى يعطيها الأشياء بمفهومها المادى الحضارى. فهو يحدثها عن الصحراء والجبال والبدو والأشجار المزينة بقطع النقود القديمة. وعن الحفر والتفجير والسراديب العميقة التى تخرج الخامة التى تصنع منها مساحيق النساء.. وأنه ينوى أن يؤسس فى تلك الصحراء مدينة تليق بملك حقيقى.

وتبلغ قمة العلاقة بين نيكولا وبين الجبل حين يصور الكاتب هذه العلاقة فإنها علاقة جنسية بين الرجل والجبل. وأن عمليات التنقيب داخل الجبل أشبه بعملية الاخصاب الجنسية، فجدران الجبل بكر ذات طراوة. ثم يصور هذه العلاقة فى مكان أشبه بعلاقة الأم التى تلد الخيرات بابنها، الطريف أن الجبل هنا هو الوليد وليس الأم. وبينما يصور لنا الكاتب العلاقة الجنسية عقيمة هانم مع المرأة التى ارتبط بها إلا أن العلاقة بين نيكولا وبين الجبل مخصبة دائماً .. بل انه ينسى هذه التجربة وارتجافاتها بعد ثلاثة أيام لكنه يبقى وفيا لجبله يقوم دائما بعملية الاخصاب اللازمة.

أما علاقة نيكولا بالأشخاص فهى تجىء فى الدرجة الثانية .. وأكثر الأشخاص الذين ارتبط بهم ارتباطاً وجدانياً عدا شخصية واحدة هى زوجته ايليا أو ما يسميها الكاتب ايليا الكبرى التى لم تطأ الصحراء بقدميها قط، وظلت نافرة لها كارهة لأنها السبب الأول فى ربط زوجها الذى يحب الترحال .. فحط فى رحلته الأخيرة لسنوات فوق الرمال الساخنة والشخصيات الرئيسية التى يرتبط بها الرجل هى ابنته ايليا الصغرى. والاعرابى ايسا ابن الصحراء .. وإذا كان د. هـ. لورانس قد قسم العلاقات التى يرتبط بها المرء إلى قسمين الأول أساسى والآخر ثانوى، وأنه أشار إلى أن كل العلاقات التى يرتبط بها المرء ثانوية عدا العلاقة بين الرجل والمرأة .. فإن صبرى موسى هنا يقدم ايحاء أن العلاقات التى ارتبط بها نيكولا ثانوية، عدا علاقته بالجبل والصحراء، رغم قوة الارتباط التى ربطه بما بايسا ثم بابنته ايليا التى استطاعت أن تنسيه أحزانه لوفاة ايسا.

وإذا كان الناقد والروائى غالب هلسا يرى أن ما يقصده الكاتب هنا بوجود علاقة جنسية بين الجبل والبطل أمر غريب، لأنه لا بديل عن الاتصال الجنسى بين الرجل والمرأة .. فإن العلاقة بين نيكولا والمكان ليست جنسية بالمعنى المألوف أو غير المألوف. فهو حين يندمج فى الجبل أو فى الطبيعة حوله يلج داخل كل منهما، بينما ينسى علاقاته الجنيسة بعد فترة قصيرة ولا يتوق إليها..

ونود هنا أن نؤكد على نوع العلاقة بين نيكولا وايسا ثم على العلاقتين الأخريين على أن نتناول صورة كل من ايليا الصغرى والكبرى فى مكان آخر. وايسا ينتمى إلى سلالة هؤلاء الادلاء الذين باعوا للخواجات معارفهم الغريزية عن جبل الدرهيب. وهو أول من قاد نيكولا فوق الجمل حين جاء إلى الصحراء أول مرة. ومنذ أول لقاء يتبدى الاعجاب من خلال نمو الآخر. وايسا ابن الجبل ينصف بصفات الجبليين بل والجبل نفسه. ومع هذا فهو يمتاز عن أقرانه فقد قلدته القبيلة خنجرا اعترافا منها ببلوغه سن الرجولة. وهو رجل تعلم من الجبل أن يكون "مشغولا بفكرة الحق والعدل على المستوى العقلى، ولم تكن بذور همومه قد أثمرت بعد اتجاها يقود قواه الكظيمة."[9]

وقد ارتبط الرجلان معا رباطا قويا. وزاد من محبسهما معا فى الصحراء قوة العلاقة، فأزالت ما بينهما من حواجز الجنس واللون، يشعر كل منهما بالانتماء الشديد للآخر وعندما يتعرض ايسا لامتحان قوى بالسير فوق النيران كى يثبت براءته يزحف نيكولا فى الدائرة المحيطة بالنار ويجثو إلى جواره فيمسك بقدميه ويحتضنهما ويهمس فى اذنه أنه يرغب أن يجتازا بشجاعة تولد من "توحدهما معا" ممر الأعاصير والعواصف الرملية عند بئر الشلاتين "أيمكنه أن ينسى أن منقذه وصديقه ايسا، قد عبر النار ماشيا ثلاث مرات امام عينيه"[10].

ونيكولا يتخذ من ايسا أخا ورجلا وابنا. وعلاقة مثل هذه لابد أن نترك أثرها البالغ السوء حين يموت ايسا فى البئر الملىء بالثعابين فيزحف إلى فوهة البئر منكسرا ويناجيه بكل دواخله. ولأن ايسا لا يجيب ينزوى نيكولا ويلتوى على نفسه وهو يود أن ينتقم من الثعابين فيأخذ سيارته ويسير فى الصحراء. يدور يمينا ويسارا وكأنه يطارد الثعابين بالعجلات. فبدأت تتقلص وتتلوى على نفسها وتندفع مبتعدة عن المكان.

وكى ينسى ايسا عليه أن يكون هناك بديلا، ومثلما كان ايسا بديلا لماريو فإن علاقته بايليا الكبرى ثم ايليا الصغرى تكون البديل الهام لعلاقته بايسا، خاصة أن علاقته بابنته تسبب له العديد من المشاكل والآلام.

"وعاد اليه وعيا بأن ايسا قد مات فعلا

"فى ذلك الوقت شعر نيكولا بحاجته إلى ايليا.."[11].

وايليا هنا هى زوجته التى جاءت من ايطاليا محاولة لجذبه إلى عالم المدينة. فهو حين يجلس يفكر فى ايسا تتوارد إلى خواطره وأحاسيسه كل ذكرياته مع ايسا لكنه حين يغلق عينيه ويدخل فى النوم حتى يختفى ايسا وتظهر ايليا. تظهر عارية كما اعتادت أن تظهر فى لياليهما القديمة، بجوار فراشه الجانبى .. "وأدخلت تحت غطائه الخشن فى تلك الخيمة كل مفاتنها القديمة التى خبرها وعرفها".

ولأننا سوف نتناول صورة ايليا فى مكان آخر ولأننا نؤكد هنا فقط على العلاقة بين نيكولا والعالم من حوله، فإن ايليا الكبرى لا تمثل عالما أساسياً رغم أنها زوجته .. فهو قد انجذب إليها بطاقتها المتوقدة "كان جسده معها وروحه تحلق بعيدا متطلعة إلى أمكنة جديدة ومتنوعة لم تحلق فيها بعد".

وإذا كان يوسف الشارونى قد شبه نيكولا باودسيوس العائد من حرب طرواده. وانه جوال لا يرسو على سفينة[12] حين تحاول الساحرة كيركيه أن تستبقيه وتغريه بالعدول عن مواصلة رحلته إلى حيث زوجته بنليوبى التى تنتظره فى وطنه ايثاكا. فإن يوسف الشارونى قد شبه ايليا بهذه الساحرة وتقدم له كل ألوان الاغراء فى عالمها والتنفير مما ينتظره خارج جزيرتها .. وهكذا فعلت ايليا مرتين.. ونحن نضيف قائلين أن بنليوبى هنا لم تكن ابدا الزوجة الوفية التى تنتظر مع ابنها تليماخوس فالصحراء هى بنليوبى لكنها تأتى على نيكولا وعلى ابنته وعلى أصدقائه .. شتان بين الجبل والصحراء الذى تعلم منهما نيكولا الكثير وانجذب إليهما بينما لم يقاوم اودسيوس صوت الساحرة القاتلة وكاد أن يكسر صارى السفينة المربوط بها .. ولو ذهب هناك لكانت نهايته مثل نهاية نيكولا حيث قتلت الثعابين ايسا واغتصب الملك ابنته فوقها فيتهم هو نفسه باغتصابها، وفيما بعد يقتل وليدها فوق نفس الرمال. أما ايليا الكبرى فهى ساحرة ولكنها ليست شريرة. على الأقل فى مشاعرها نحو زوجها. فهى صورة صادقة من بنليوبى .. ففى الوقت الذى تفشل فى أن تجذبه إليها تذهب إليه بنفسها فى القاهرة وتحجز أفخم فنادق العاصمة المصرية، وهذه المرأة المسلحة بجمال حاد يغمر الحواس برجفة نشوة موعودة، عند الرؤية الأولى أشبه بكريمة فى "الطريق" لنجيب محفوظ .. تدفع زوجها لارتكاب جريمة للتخلص من أبيها. وفى الوقت الذى ينساق فيه صابر الرحيمى وراء جريمة تدبرها كريمة فإن نيكولا يهرب من الجريمة ويركب البحر.. إلا أنه بعد سنوات تجىء هذه المرأة المسلحة بأنوثتها. وما كاد يرى المرأتين فى القاهرة – زوجته وابنته – حتى تذوب هواجسه فى دوامة من المشاعر الزوجية والأبوية المرهفة .. وايليا المسلحة بفتنتها جاءت لتقدم هذه الفتنة فى طبق شهى جديد وهو البعيد تماماً عن هذه الأطباق والتى لا يفكر فيها لا كثيرا ولا قليلا، وكما أشرنا فإنها تحجز له فى افخر فنادق المدينة "امضيا معا اسبوعين عاشهما نيكولا بكل بساطة وصدق كرجل سعيد مستقر النفس يقوم بسياحة ممتعة فى عاصمة مصر مع زوجته وابنته".

وايليا الأم نموذج أكثر تطورا من بنليوبى، ففى الوقت الذى تغزل فيه زوجته اودسيوس بالنهار وتفك ما غزلته فى المساء. هى قابعة فى دارها مع ابنها تليماخوس "ايليا الصغرى" رافضة .. فإن بنليوبى القرن العشرين أو لنقل بنليوبى صبرى موسى الذى نفهم من ملمحها أنها لم تنسب وراء رجل آخر. فإنها تقدم كل وسائل الاغراء لاودسيوس القادم من الصحراء وليس البحر .. ومن خلال العناق الحار، والقبلات المهموسة والخافتة طلب نيكولا من ايليا أن تبقى معه .. لتكون ملكة فى مدينته التى يعتزم انشائها فى تلك الصحراء التى وهبها قلبه وجسده"[13].

ولأن  ايليا لا تحتمل الصحراء ترفض. تقدم له اغراء للعودة معها ليكون هو "ملكا" على مشروعاتها الناجحة .. ولا يلتقى اودسيوس بايليا. ويفترقا من جديد رغم أن بنليوبى هنا لا تخسر اودسيوس وحده، بل تليماخوس حيث تعلقت ايليا الصغرى بأبيها وقررت أن تذهب معه إلى الصحراء .. وهى رحلة جديدة تقوم بها اليكترا مع أبيها. ورغم وجود ايليا الصغرى بجانب أبيها فى الصحراء إلا انها لا تندمج كثيرا داخل أبيها أول الأمر .. ولا يتضح مدى عمق العلاقة بين الاثنين إلا بعد عملية الاغتصاب التى أجراها الملك. أما حين دخلت الصحراء فلم تكن سوى حورية فى عامها العاشر. ورغم أن ايليا عندما جاءت إلى بيت أبيها فى الجبل حولت حياته الخشنة إلى حياة رفيعة ناعمة فتشرف على الطعام وتنثر مرحها وبهجتها بالمكان على الجميع، رغم هذا فإن ايليا لم تكن تذهب إلى الصحراء إلا مع حلول الصيف اثناء اجازتها.

وايليا عندما تتحول إلى أنثى وتكبر تحمل ملامح أمها وأنوثتها النافرة القوية، حتى أنها لتبدو وهى صغيرة أكبر من عمرها. يشتهيها الجميع، انطوان الذى يود الزواج منها، ويرغبها منذ أن كانت فى العاشرة رغم أنه قد اجتاز الخمسين عاما. إلا أن صاحب الجلالة يجىء ويقتطف الثمرة. وتبدأ العلاقة حميمة جدا بين نيكولا وابنته لحظة أن عرف بالمأساة فهو يجرى إلى البحر ويلقى بنفسه فيه إلا أن الرجال ينقذونه بعد أن هاجمته سمكة قرش، ورغم جرحه الغائر إلا ان جرحه فى داخله أكبر، أجمعوا على أن نيكولا قد أصابه الحزن واختل توازنه العقلى، لأن الملك قد خرب ايليا ابنته". وقد علمته هذه التجربة أن ينصهر فى الحلم وتخرج منه سبيكة جديدة "واصبحت ايليا خطيئته وعقابه، لا جنته وثوابه كما كان يقول لها".

تتبلور المأساة حين يخرج على المألوف ويضاجع ابنته .. "فى هذا العهد السحيق يا نيكولا كان ممكنا للرجل أن يتزوج أخته أو أمه.. وقد حدث ذلك ملايين المرات دون أن تهتز له الجبال المقدسة أو تميد الأرض. لكن آلاف السنين قد مرت عليك من وقتها للآن، ولابد أنك قد تعلمت ما هو أخلاقى، وما هو غير أخلاقى .. وقد فقأ ذلك الملك الشاب القديم عينيه بعد ما تزوج أمه"[14].

وكى تبين مدى ارتباط العلاقة بين الرجل وابنته لابد أن نقتطف الكثير من الفقرات والجمل التى تؤكد على هذا. والتى أوردها المؤلف فى روايته خاصة فى الفصول الأخيرة من الرواية .. لكن خلاصة الأمر أن العلاقة تتردى إلى أدنى درجات السفح .. ومن فترة لأخرى يتغنى الكاتب على الصغيرة التى جاءت من ايطاليا لتغدو ضحية أشياء عديدة. فالملك وانطون بك ثم أبوها أكثر قسوة من ثعابين الصحراء التىق قتلت ايسا. فهذا الأخير بفعل خبرته وهو يدلف إلى البئر كان يتوقع أن توجد الثعابين خاصة أن من نزل قبله لم يرد. أى أنها علاقة رجل خبر الصحراء بكائنات هذا المكان. أما ايليا الصغرى فهى بريئة لا تجيد ولا تعرف بالمرة شيئا عن هذه العلاقات المتشابكة حولها والتى تنسجها الظروف من حولها واقبال هانم. والطريف أن سكان المنطقة من البدو والأعراب قد ابتعدوا تماماً عن محيط الأحداث وحوّل صبرى موسى الفصول الأخيرة من الرواية إلى أنشودة حزينة أو ملحمة مأساوية:

"واحسرتاه على تلك الصغيرة ايليا

"وحيدة فى بحر الشهوات، والمطامع

"صغيرة على كل ما يواجهها"[15].

وعندما تحمل ايليا لا نعد ندرك إلى من ينتسب الحمل: إلى الملك أم إلى نيكولا الأب أم إلى الخواجة عبدالله، أو انطوان سابقا بعد أن تزوجها "ياشؤم ما جئت به يا ايليا .. ولدا يجعلنى جدا وابا فى نفس الوقت!". ويصوغ الكاتب كل أجواء التراجيديات اليونانية القديمة. فهناك رجل اسمه أبو الحسن الشاذلى يأتى بالمعجزات وكأنه ساحر من سحرة التراجيديات. وهناك الصحراء بكل اتساعها وغموضها ورياحها العاتية. وأجواء الذبائح والقرابين التى تقدم على جدران ضريح الشاربى فى ساعات الفجر. وحلقات الذكر المليئة بالأدعية والحركة. والأب الذى أثمر فى قلب ابنته  جنينا. والفتاة التى تحمل بذرة الخطيئة فى جوفها. والزوج الذى يعرف بعض بذور الجريمة ولكنه يقبل على زوجته .. وتبلغ قمة المأساة حين يختطف الأب الجد الوليد الصغير ويلقيه فى الصحراء ثم يلقى بنفسه بين الصخور منحورا هابطا باسراع وهو يخفى وجهه بين كفيه .. وكى يزيد من هذه المأساة فإنه يقدم لنا الطفل بأنه "ملكى" لأنه قد يكون ابن ملك. ومن المعروف أن التراجيديات اليونانية تتحدث دائما عن الملوك والأمراء. فأوديب ملكا وسليل ملوك. وكذلك اليكترا واجاممنون.. والمأساة لا تمس الآباء بقدر ما تمس الأبناء الذين يحملون وزر الآباء وأخطائهم .. كما أن المأساة تتم دائما أمام أبطالها وليس بعيدا عن أعينهم. فأوديب يقتل أباه بيده ويتزوج أمه ويضاجعها. ويعانى من شيخوخة مؤلمة وهو يعيش مأساة الصراع بين ولديه. وكذلك فإن تصدم روحها الشفافة وهى تمسك باللفافة الغارقة فى دماء ابنها الملكى. بل انها ترى فتات لحم الصغير على الصخور .. وأقدام حيوانية مطبوعة أطرافها ومخالبها بالدم .. ثم اللفافة الممزقة التى غرق بياضها فى اللون الأحمر القانى.

تلك هى العلاقات الهامة التى ربطت نيكولا بالعالم من حوله .. عالم واسع بالغ الضيق .. وعلاقة نيكولا بهذه الأشياء هى علاقة يستخدم فيها مفتاحه الخاص وهو قوته ورموزه الجنيسة كى يواجهها. فهناك التصاق بينه وبين زوجته ايليا وبينه وبين ايسا التى تشعر بمثل هذه العلاقة فى بعض السطور كذلك العلاقة بينه وبين الجبل .. ثم بالطبع بينه وبين ايليا الابنة وهناك لقاء بينه وبين اقبال هانم فى داخل الجبل. والايلاج هو مفتاح آخر ندخل به إلى شخصية نيكولا. ولكن بعض الايلاج عضوى، والبعض الآخر عابر لكن أكثر العلاقات التى تم فيها الايلاج كانت قوية، وان اختلفت درجة الايلاج ودرجة العلاقة، بعضها فى ارتعاش دائم مثل علاقته بالجبل والمكان .. والبعض مؤقت مثل علاقته بالزوجة صاحبة الحق الشرعى فى مثل هذه العلاقة إلا أن نيكولا يشعر أنها علاقة ليست من العمق بمثل علاقته بالآخرين وعندما وجد ابنته تسقط آثر أن يكون السقوط فى بين ذراعيه، ولو مرة واحدة وكانت السقطة بالغة البشاعة لهذه البريئة القريبة فى ملامحها من تس درابرفيل بطلة توماس هاردى وإذا كانت بطلات المأساويات المشهورة تسقط مرة واحدة فإن ايليا تسقط ثلاث مرات وسط ثلاثة وحوش. كل وحش منهم لا يتفق معها سنا واجتماعيا ولا فى أى شرع انسانى .. فالملك سيكون زوجها وهو يفض بكارتها. ولا الأب مشرع لها وهو يأخذ نصيبا من الماساة، ويقتطف انطون الثمرة الجريمة كى يزيد من شرخ الجراح.

وفى الرواية شخصيات عديدة مثل ابشر ابن ايسا وانطون اقبال وهانم والشيخ على وعبد ربه كريشاب وهذه الشخصيات تعد جزءا من المكان وبالتالى فإنها ترتبط بالمأساة التى دارت خيوطها فوقها. وكما يقول علاء الديب فى مجلة صباح الخير "يوليو 1973" إن هذه الأشخاص الثانوية أصبحت كأنها الكورس الذى يدفع المأساة فى مسارها القدرى المحتوم. فأشخاص الرواية – وخاصة نيكولا – رغم ما تبدو عليهم من ملامح القوة والعنفوان وقدرتهم الشديدة على تحريك العالم من حولهم وعلى اتخاذ القرارات وتغيير ملامح الأشياء تجىء القوى القدرية لتطيح بهم جميعا. وهذه القوة موجودة فى داخل كل منهم. وتكون بداية هذه الأحداث الزيارة والوليمة التى جاء من أجلها هى البداية التى فجرت كل هذه المأساة وأطاحت بكل هذه الشخصيات. الظريف أن المحرك الأول لها قد عاد إلى القاهرة ليستكمل رحلة. ربما يبحث عن فتاة غضة فى مكان آخر "لقد قدم لمولاه مئات العذارى من قبل كهدايا مفاجئة أو متوقعة على شواطىء أخرى كثيرة فى العلمين ورأس الحكمة والمنتزه وغيرها .. وفى الكبائن الصحراوية فى حلوان والمقطم والاسماعيلية وتحت سفح الهرم .. ولكن جميعا أقرب للاستسلام من طول التوقع، منهن للمقاومة التى يأخذها مولاه مأخذ الفواتح لشهيته."[16]

واذا كان الكثير من المآسى قد تكونت بسبب هذه الرعشات الملكية، فإن المكان والشخصيات الأسطورية قد ساعدت على هذه التركيبة الأسطورية التى لو صبغت شعرا لأصبحت ألمع من مأساويات كثيرة قرأناها .. ولا يمكننا أن نخفى مدى ما قدمه صبرى موسى من لغة شاعرية حاول بها أن يعمق أسطورته ونحن لا نود أن نناقش اللغة الروائية عند صبرى موسى لأننا نقدم هنا ملامح البطل وعلاقته بالمكان حوله.

 

المراجع

1-                   موسى، صبرى: فساد الأمكنة، القاهرة، روزاليوسف، 1975.

2-                   زكى، أحمد كمال: النقد الأدبى الحديث، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1972.

3-                   العشرى، جلال ثقافتنا بين الاصالة والمعاصرة: القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1981.

4-                   الجوينى، مصطفى الصاوى: ألوان من التذوق الأدبى، الاسكندرية: منشأة المعارف – 1972.

5-                   محمد، على عبدالمعطى: مشكلة الابداع الفنى، الاسكندرية، دار الجامعات المصرية، 1977.

6-                   فضل، صلاح: منهج الواقعية فى الابداع الادبى: القاهرة – الهيئة العامة للكتاب، 1982.

7-                   السمان، غادة: مواطنة متلبسة بالقراءة: بيروت، مطبوعات غادة السمان، 1978.

8-                   شكرى، غالى: الرؤية العربية فى رحلة النواب، القاهرة: عالم الكتب – 1971.

9-                   الفصول: العدد الثانى، المجلد الثانى، يناير 1982، مقال مدحت الجيار بعنوان: فى الرؤية الأسطورية فى عالم "فساد الأمكنة".

هوامش:



[1]- فساد الأمكنة: صبرى موسى، الكتاب الذهبى 216 ص7.

[2]- المرجع السابق ص8.

[3]-المرجع السابق ص9.

[4]-  المرجع السابق ص12.

[5]-  المصدر السابق ص20.

[6]- المصدر السابق ص30.

[7] -  المصدر السابق ص40

[8]- المصدر السابق ص61.

[9]- المصدر السابق ص26

[10]- المصدر السابق ص41.

[11] - المصدر السابق ص75.

[12]- الثقافة العدد 6 مارس 1974.

[13] - صارت النصف متر: ص71.

[14] -  الرواية ص126.

[15] - الرواية ص130.

[16] -الرواية ص 107.