لم تتخيل نورية Nuria أبداً بأن فكرتها تلك ستتحول إلى بلد يتسع للآلاف، وأن تتمخض عن هذه التظاهرة المليونية أمام مقر الأمم المتحدة، تشاهدها الآن في غرفة نومها عبر التلفاز. ظنت حينها بأنها قد وجدت الحل النفسي لذاتها وحسب، بعد عذاب التساؤلات والشعور بالانشطار على مدى أكثر من عشرين عاماً.
كانت كعادتها تجلس على ساحل البحر في بلدتها) الخَثيراس Algecirasالجزيرة الخضراء) كي تراقب مشهد غروب الشمس الذي يجلو عن روحها تعب النهار. أمر أدمَنت عليه منذ الصغر، حيث تعلمت محاورات البوح وتبادل الحكايات مع الأمواج والأفق، تحدق طويلاً بالضفة الأخرى التي صارت تعرف تفاصيلها كمعرفتها بتفاصيل هذه الضفة. كانت تشعر بأن أمواج البحر ورمل الساحل وهذه الصخرة التي تسند ظهرها عليها والنوارس يعرفونها وتعرفهم أكثر من بقية الموجودات والكائنات الأخرى. فلا تشعر بالانسجام والراحة من عذاب الثنائيات إلا هنا وفي هذه اللحظات.
ولِدَت نورية من أب إسباني وأم مغربية، هنا في الخثيراس منذ 23 سنة. تحمل هذا المزيج من الدم المشترك والهواء والماء المشترك وهذا الاسم الشائع بالعربية والإسبانية، وتتحدث اللغتين وهي تدرك مثل غيرها كثرة الكلمات من كل لغة في اللغة الأخرى. وما أكثر ما عَبَرت هذا المضيق El estrecho مع والديها في العُطل والمناسبات أو بقيت هناك لفترة في بيت جديها في طنجة لترى من تلك الضفة هذه الضفة، وكلما كبرت وعرفت تاريخ ضفة أكثر كلما أدركت حجم ما في إرث هذه في إرث تلك وما في عادات الناس هنا من عادات الناس هناك. لذا فهي شخصياً وفي داخلها كانت تعتبر الأمر طبيعياً وبأن الضفتين كشفتين لفم واحد أو كذراعين أو ساقين لجسد واحد أو كأذنين وعينين في الرأس نفسه.. إلا أن الآخرين هم الذين كانوا يفرضون عليها الانشطار، فتردد عبارة سارتر، التي لا تتذكر أين قرأتها، بأن: "الآخرون هم الجحيم". وإن كانت غير مقتنعة بها أصلاً. لكنهم يُحرجونها كل يوم بسؤالهم لها من أين أنت؟. في إسبانيا ينظرون إليها على أنها مغربية وفي المغرب ينظرون إليها على أنها إسبانية. وحين كانت تسمع شتائم هؤلاء ضد هؤلاء، تشعر بأن كلاهما يشتمها هي.. أو أن نصفها يشتم نصفها الآخر. وهي أضعف من هيمنة هذا التصنيف الذي يفصِل الواحد عنوة. تستغرب أن يعتبر الناس الماء حاجزاً بين كيانين بينما لا يعتبرون ماء الجسد الواحد فاصلاً فيه، إنهم يشطرون الحياة برمز الحياة، فالماء هو الحياة كما يقول القرآن: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ".
تُحب والديها بالقدر نفسه وهما يحبان بعضهما. تحب الناس على هذه الضفة كحبها للناس على الضفة المقابلة، فلماذا يُجبرونها على الفَصل كل يوم؟! أوليس الحب هو الرابط المُوحَّد بين كيانين؟. فلماذا يدَّعون الحب ثم ينقضونه بإصرارهم على الفصل؟! وعلى هذا النحو كانت تأملات نورية مع نفسها منذ أن وَعَت على الدنيا. بالطبع عرفت آخرين مثلها أجبرهم ضغط الناس على اختيار صفة واحدة وإنكار انتمائهم للأخرى كي يحلون هذه المعادلة. فكان بعضهم يبالغ بتمثله لثقافة الضفة التي يختارها أو تختاره حد التصنع والتزييف، أو حتى حد التطرف المؤذي أحياناً. إلا أن نورية لم تجد في نفسها القدرة على الفصل، وكلما كانت أصدق مع ذاتها كلما أدرَكَت بأنه من الاستحالة أن يتمكن نصفها من نكران أو قتل النصف الآخر في داخلها.. كانت تريد وتجد نفسها بتكامل الاثنين معاً. كانت تُحب في نفسها هذا الغِنى، فلماذا يُكرِهونها على كُرهه؟!. لماذا يُصِرّون على تقليلها؟!
لذا ففي تلك اللحظة التي بَرقت فيها تلك الفكرة كالرعد في رأسها، اهتز جسدها ووجدت نفسها واقفة تخلع ثيابها على عجل ثم تنطلق راكضة صوب البحر، صارخة بأعلى صوتها وملقية نفسها في الماء، حتى هرع إليها حراس الساحل ظناً منهم بأنها تنتحر أو تغرق، لكنها ضحكت لهم وسط الموج، شاكرة ومعتذرة، قائلة لهم بأنها تصيح من شدة الفرح. صمتوا أولاً، حدقوا إلى بعضهم ثم إلى وجهها فوجدوه بالفعل: طافحاً بالبهجة. عندها ابتسموا وراحوا يصرخون معاً ويضحكون، ثم رَبتوا على ذراعيها وعادوا للجلوس في أبراج المراقبة، يصفقون أحياناً أو يلوحون لها من بعيد.
أتتها الفكرة حين كانت جالسة على الرمل مُسندة ظهرها على صديقتها الصخرة وتتبادل الرسائل القصيرة عبر هاتفها المحمول مع إسماعيل، الذي كان يجلس هو الآخر مثلها على الضفة الأخرى، مستسلماً لسحر ضوء الشفق. إسماعيل شبيهها، إسماعيل، حبيبها الذي وُلِد في طنجة من أب مغربي وأم إسبانية، تعرّفت عليه في صيف العام الماضي هناك، وما كانت لتتوقع بأن تلتقي ذات يوم بإنسان آخر يشبهها من الداخل إلى هذا الحد، فكلما استمع أحدهما إلى الآخر كان كمن يستمع إلى نفسه. هو الآخر قد أمضى حياته على الضفتين، بين الضفتين وأحَب الضفتين، وكلما عرف عنهما أكثر وجد كثرة التشابه بينهما وأوصله التأمل أو البحث التاريخي والثقافي إلى مصادر مشتركة، إلى نبع واحد.
ـ أنا مثلك يا نورية، وأمثالنا كُثر في هذا العالم ممن يوحدهم مزيج الدم والحب فيما يُفرض عليهم الفصل التعسفي الزائف من حدود مُخترَعة وأوراق ووثائق مُختَلَقة. ما الحدود؟ إنها اختراع أنانية الساسة والتجار والعساكر وليست من اختراع الإنسانيين والأمهات أو العشاق والشعراء أبداً.
منذ أن عرفا بعضهما، لم يكفا عن تبادل الزيارات والمكالمات والإيميلات وهذه الرسائل الهاتفية القصيرة، الصامتة التي صارت تشكل جزءً من الطقس اليومي، يحترم صمت الغروب المهيب الذي يقدم عرضه المسرحي الكوني على إيقاع موسيقى أمواج البحر وهي تغسل الرمل والحصى والضوء والروح وتتماشَط مع الهواء.
كانا لحظتها يتبادلان النجوى ذاتها، يقولان لبعضهما: إنني أشعر بك كأنني أراك، كأنني ألمسك، كأننا نجلس بجوار بعضنا على الرمل ذاته، الماء ليس فاصلاً بل واصلاً، يربطنا ببعضنا بشكل حي. ضع قدميك في الماء الآن، وأنا أيضاً. مد أصابعك فيه. أكاد أشعر بنبض كفك في كفي، أكاد أشعر بأنفاسك تلفح عنقي آتية يدفعها الموج من عندك.. آه، يا إلهي إننا نلمس الماء ذاته، نجلس على أرض واحدة.. إننا في بلد واحد.
فهمسَت نورية بما انتهت من كتابته تواً وأرسلته: بلد واحد.. نعم، هذا هو بلدنا.. وَجَدتها.. ها أنا لدي جواب حين يسألونني الآن: من أي بلد أنت؟.. فارتعش بدنها لهذه الفكرة بحيث أَلفَت نفسها واقفة، تخلع ثيابها وتنطلق باتجاه اسماعيل، باتجاه البحر وتصيح بأعلى صوتها فرحاً، حتى دون أن تنتبه لما كانت تقوله صراخاً وبأية لغة.. إنها لا تتذكر الآن تلك الكلمات بالضبط، ربما كانت تقول: وجدتها أو تصرخ باسم اسماعيل منادية إياه، أو أنها كانت تقول: هذا هو بلدي، بلدي الماء، بلدي الضفتين، بلدي البحر، بلدي المضيق.. بل بلدي الواسع المتسع الذي يحتوينا جميعاً ولا يفرقنا.. أو أن هذا كان استرسالاً لاحقاً للفكرة وهي عائدة في طريقها إلى البيت متداولة إياها عبر الماسينجر مع إسماعيل طوال الليل، كأنهما يحلمان أو هما يحلمان فعلاً.. ولمَ لا؟! أوليس كل الخطوات القادمة تبدأ بالحُلم؟!. كان كل منهما يضيء قول الآخر ويضيف إليه، يعززه ويطوره أكثر وأكثر بما كان يتفتح في روحه.. حتى ساد ضوء الفجر العالم كله وقد وصلا إلى بلورة كاملة للفكرة وكيفية نشرها.
قررا إنشاء موقعاً على الإنترنيت يسميانه (بلد المضيق) ثم راحا يتداولان الأمر مع أصدقائهما، مبتدئين بمن يشبهونهما أو يفهمونهما، فتحمسوا للأمر وراحت الآراء تُغْني الفكرة والعمل مما قادهم للاتفاق على تسميته (بلد المُتسع) كي يشير إلى رحابته وترحيبه باحتواء الجميع، واشترطوا في الموقع ألا يوضع إلا ما يتحدث عما هو مشترك بين الثقافات، عما يجمع ولا يفرق. وكانت المفاجأة أن يتسارع انتشار الفكرة واشتهار الموقع بمشاركة وانتماء العشرات يومياً إلى هذا البلد، مغاربة في إسبانيا وأسبان في المغرب، جزائريون في فرنسا وفرنسيون في الجزائر، عراقيون في أمريكا وأمريكيون في العراق، لبنانيون وسوريون في أمريكا اللاتينية ولاتينيون في الشام، خليجيون في بريطانيا وبريطانيون في الخليج، هنود في باكستان وباكستانيون في الهند، إيطاليون في ليبيا وليبيون في إيطاليا.. وهكذا من شتى الجنسيات والبلدان، كانوا ينضمون إلى هذا الموقع ويُثرونه بالمواد والآراء والاقتراحات. البعض كان يقول: في الحقيقة ليست هناك ضفتين فلو أنك واصلت السير على الضفة نفسها ستجد نفسك تصل إلى الضفة الأخرى دون أن تضطر لعبور الماء. آخرون قالوا بما أن كل حدود الدول واسمائها وأعلامها هي اختراع بشر مثلنا فلماذا لا نعيد الترتيب نحن أيضاً، نحدد حدوداً لبلدنا، ونخترع له عَلَماً وحكومة ووثائق أيضاً. عدَّل عليهم آخرون بأنهم هنا لاجئون مما فرضَه الغير، فليكن بلدنا مفتوحاً بلا حدود وأن يكون أينما يكون الماء، أي أينما تكون الحياة، فإذا كان الغير يصنعون الحدود الافتراضية والجدران الاسمنتية بين بعضهم فلنقم نحن بإلغائها. ألم يغير هدم جدار برلين التاريخ، ألم يعارض الفلسطينيون والإيرلنديون والعراقيون وغيرهم جدران الفصل بالرسم عليها؟ فلنعارض إذاً اعتبار هذا الماء جداراً بين الضفتين. نطالب ببناء جسراً عليه، نطالب بفتح نفق تحته، نطالب بتوفير المراكب المجانية على مدار الساعة، نبقيه مفتوحاً، نرسم عليه، ولكن كيف سنرسم على الماء؟ فأجاب شاعر: مادام ذلك ليس ممكناً فلنرسم الماء على بقية جدران اليابسة... وسرعان ما تحوَّل الأزرق الفاتح لوناً لأبناء هذا البلد، لون العَلَم والبطاقات وجدران غرفهم وملابسهم والبيوت وأغلفة كتبهم ومنشوراتهم، وفي البطاقة لكل شخص أن يختار الاسم الذي يعجبه، ألم يكن الاسم من وضع آخرين أيضاً؟ فكل ما صنعه غيرنا وأجيال أخرى، نستطيع نحن فعله أو تغييره أو تصحيحه وفق ما نرتأي، ويفترض أن يكون لدينا الحق في ذلك. فها نحن لدينا بلدنا الذي لا تنقصه مقومات أي بلد مُختَرَع آخر. نحن مواطنوه، وله تاريخ عريق وفيه ثروات ومقبرة لأخوتنا الذين غرقوا فيه على مدى القرون.
وهكذا راح يتسع (بلد المتسع) وتتفرع من موقعه مواقع أخرى مرتبطة به وتدل عليه فتَعَولَم، وانتمى إليه أناس من كل الأمكنة والأزمنة والثقافات والاختصاصات، ومنهم على سبيل المثال: كاتب من أصل إسباني اسمه خوان غويتيسولو يعيش بين مراكش وباريس ونشر في الموقع مقالات وكتب كثيرة منها ما يتعلق بالهوية ومنها عن شخص بلا أرض، اسمه خوان، وانتمت لهذا البلد معه زوجته الفرنسية مونيك، وكاتب آخر اسمه الطيب، من أصل سوداني، زوجته انكليزية، ويعمل في قَطَر ونشر في الموقع كتاباً عن زمن الهجرة إلى الشمال، وآخر يسمونه الجَد ثربانتس كان قد اختلف الدارسون في تحديد أصل عائلته ومدينة مولده وتنقل بين اسبانيا وايطاليا والجزائر والبرتغال ونشر كتاباً عن شخص مجنون، يُدعى الكيخوته، يحبه كل العالم بكل اللغات وفي الكتاب أيضاً قصة جميلة عن حب بين مسلمة جزائرية اسمها ثريا وأسير مسيحي اسباني انتميا بدورهما إلى (بلد المتسع)، كما انتمى، مع عائلته، كاتب عراقي اسمه الرملي، يعيش في مدريد هو وزوجته التي من أم ألمانية وأب اسباني وابنتهما سارة، ونشر في الموقع أوراقاً كتبها بعيداً عن دجلة، وتخلى كاتب آخر عن أربع جنسيات يحملها هي الألمانية والفرنسية والإسبانية والمكسيكية ليكتفي بجنسية هذا البلد، واسمه ماكس آوب والده من أصل ألماني وأمه من أصل فرنسي وعاش في بلدان كثيرة منها اسبانيا والمكسيك وكتب عن يومياته في الجلفا Djelfa الجزائرية، وآخر اسمه ساراماغو من أصل برتغالي ويسكن في جزيرة تَنَريفة Tenerife مع زوجته الإسبانية بيلار، وآخر اسمه كامو ولد في الجزائر من أم إسبانية وأب فرنسي، نشر في الموقع كتاباً عن إنسان يشعر بأنه غريب، وفيلسوف أندلسي اسمه ابن رشد ولد في قرطبة ويقيم الآن في مراكش انتمى إلى البلد الجديد مع صديقه الإغريقي أرسطو، وكاتبة من أصل تشيلي اسمها إيزابيل وزوجها أمريكي ونشرت كتاباً عن بلد مُختَرَع، وراهبة اسمها تيريسا من أصل ألباني تقيم في كالكوتا انتمت هي وكل من أحبوها من مَرضى عالجتهم وأطفال رَعتهم، ومتصوّف إسلامي يسمى ابن عربي، ولد في مورثيا ويقيم الآن في دمشق، قال: أن دِيني هو الحُب. انتمى وتبعه أتباعه وطلابه وطلاب أتباعه إلى هذا البلد، وسياسي اسمه عَنان أصله من غانا وزوجته سويدية، ومغنية لاتينية اسمها شاكيرا، والدها من أصل لبناني وأمها من كولومبيا، ووزير معارف مصري يدعى الدكتور طه وزوجته فرنسية، وكان قد بنى مركزاً ثقافياً إسلامياً في مدريد، ونادل اسمه حبيب يعمل في مقهى بيسوا في لشبونة، والده تونسي وأمه برازيلية .. وغيرهم وغيرهم الآلاف من أناس يصعب حصر أصولهم ولغاتهم وأعمارهم واختصاصاتهم، أناس من كل لون وعرق ودين مثل أناس أي بلد آخر. فصاروا يخرجون في المظاهرات حاملين الأعلام الزرقاء ضد كل الحروب، وضد كل ما يتعلق بالحدود أو التمييز العنصري ومناهضين لأي شكل من أشكال العولمة التي يريد فرضها التجار مقتصرة على حرية انتقال البضائع ومنع انتقال الأشخاص، طارحين العكس من ذلك وهاتفين بشعارات تطالب بتطبيق مفهومهم للعولمة المفتوحة كالبحر والسماء، العولمة المنفتحة على استيعاب تنوعنا جميعاً، وانتمى إلى هذا البلد الجديد الكثير من خفر السواحل وشرطة المطارات والموانيء والحدود في العالم، فكانوا يتركون أبواب نقاط السيطرات الحدودية مفتوحة كلما غَفل الضباط القساة، الأمر الذي اضطر الرؤساء لعقد قممهم كل يوم، يناقشوا فيها هذا الخطر الذي يهدد كراسيهم وامتيازاتهم في السلطة ولو على شبر من أرض أو حفنة من أناس منغلقين على عقلية أنهم شعب نقي ومن عرق واحد.
بل ها هي مظاهرة مليونية أخرى، زرقاء أمام مبنى مقر الأمم المتحدة وتنقلها شاشات العالم، وموقع (بلد المتسع) والمواقع التابعة له، وشاشة تلفاز غرفة نورية في الخثيراس وتلفاز صالون بيت إسماعيل في طنجة، حيث كانا يتابعانها ويواصلان تبادلهما لرسائل الهاتف الجوال كعادتهما، ويناقشان مدى إمكانية إقامة عرسهما على متن سفينة كبيرة وسط بلدهما، أي وسط الذي كان يسميه الناس في الماضي (المضيق)، مثلما كان يشاهد المظاهرة زعماء العالم عبر نوافذ صالة اجتماعهم في مقر الأمم المتحدة، يبصرون المتظاهرين وهم يُنزلون الأعلام الملونة في الحديقة ويستبدلونها بالزرقاء. ورأى رئيس المنظمة الحالي سلفه عنان بين المحتشدين وهو يسند الجَد ثربانتس فيما يسنده من الجهة الأخرى حفيده غويتيسولو، فراودته رغبة النزول معهم ولكي يسند الشيخين ابن رشد وأرسطو حين رآهما يتكئان على بعضهما وترف لحيتيهما البيضاوتين كعَلَمين ناصعين. فيما كانت أناشيد المتظاهرين تزداد علواً بلا مكبرات صوت وهي تتناهى إلى أسماع الرؤساء المجتمعين، ويبرز من بينها صوت الشابة شاكيرا وهي تغني وترقص على إيقاع موسيقى هي مزيج من شرقية وغربية، ومرفوعة على أمواج بحر من الأيدي:" كلنا أولاد حواء وآدم / أمة واحدة.. لا أُمَم" فاضطر الزعماء لبدء اجتماعهم بمناقشة مسألة: حتمية الاستجابة لما يطالب به المتظاهرون الزُرق وتغيير اسم هذا المكان إلى: (منظمة الأمة الإنسانية المتحدة).