يتناول الباحث السوري تاريخ الصحافة الهزلية عامة، وأثر امتداد الغرب نحو البلاد العربية في ظهورها، إضافة لأثر انفتاح الشرق العربي نحو الغرب في انتشارها. ثم يقارب سيرة الصحافة الهزيلة في مدينة دمشق، ليستبين القارئ أقدم الصحف في هذا المجال وطبيعة نكهتها الساخرة وغايتها.

الصحافة الهزلية الساخرة في دمشق

محمد عـيد الخربوطلي

تعدّ الصحافة صناعة حديثة، لكنها في حقيقة الأمر هي صناعة قديمة جداً، إذا كان المقصود بالصحافة أو المطلوب منها تسجيل الحوادث والوقائع، ونقل الأخبار لجمهور القراء والمستمعين، بدليل أن البابليين كان لهم قبل حوالي خمسة آلاف سنة مؤرخون مكلفون بتدوين الحوادث وتحرير الأخبار.

وقد ورد أن يوليوس قيصر (101-44ق.م) ابتدع قبل أكثر من ألفي سنة فكرة إصدار نشرة عامة يومية يُدوِّن عليها موظفون مختصون ما يجري كل يوم بين جدران مجلس الشيوخ، وما يقع للشعب من أحداث، ثم يجري تعليقها في الساحات العامة، والأماكن المأهولة، فيعرف منها الناس أخبار الدولة.

وقد أكد المؤرخ الفرنسي فرانسوا فولتير أنه كان لدى الصينيين في الزمن السحيق صحف ومجلات، وأكد طرازي في موسوعته تاريخ الصحافة العربية أن أول جريدة أنشئت في العالَم (كين بان) سنة 911ق.م، وهي الصحيفة الرسمية لحكومة الصين، وكانت تنشر ثلاث مرات يومياً، صباحاً باللون الأصفر، وظهراً باللون الأبيض، ومساء باللون الأحمر، بينما ذكرت دائرة المعارف الفرنسية، أن أقدم جريدة صينية صدرت في بكين خلال القرن الثامن الميلادي.

ولم تصدر الصحافة اليومية بمفهومها الحديث إلا في نهاية القرن الثامن عشر، مع العلم أن صحيفة (بورجوادي باريس) ظهرت في فرنسا عام 1409م، وكانت مليئة بأخبار الغيبة والفضائح الأخلاقية، أما بريطانيا فقد عرفت أول جريدة رسمية صدرت في عام 1622م، باسم (ديكلي نيوز)، وعرفت أول جريدة في أمريكا وبالتحديد في مدينة بوسطن عام 1690، ومع انتهاء القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر توالى صدور الصحف والمجلات السياسية والأدبية، يومية وأسبوعية، وقد بلغ عددها في أوربا مئة وأربعين جريدة، وهذا ما أزعج الحكام إزعاجاً كبيراً، فاضطروا لاستعمال وسائل العنف في سبيل توقيفها.

* * * *

ميلاد الصحافة عند العرب

بزغت شمس الصحافة العربية في ختام القرن الثامن عشر في القاهرة، وكان ذلك على يد الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال بونابرت فقد أحضرت البعثة العلمية المرافقة لـه مطبعة من باريس يديرها رجلان فرنسيان، وأول عمل باشرته هذه البعثة أنها نشرت ثلاث جرائد إحداها بالعربية واسمها (الحوادث اليومية) يحررها إسماعيل الخشاب، والاثنتان الباقيتان صدرتا باللغة الفرنسية، لذلك تعد الحوادث اليومية جدة الصحف العربية، لكن الأمر لم يطل فمع خروج الحملة من مصر 1801 توقفت الصحيفة، لذلك بقيت الأمة العربية محرومة من الصحافة حتى قيّض الله لها بعد 27 عاماً محمد علي باشا الكبير فأنشأ جريدة (الوقائع المصرية) 1828م، ثم أنشأت حكومة فرنسا في الجزائر جريدة (المبشر) 1847م، وأول رجل عربي الأصل أصدر صحيفة عربية باسمه رزق الله حسون الحلبي، الذي أسس جريدة (مرآة الأحوال) 1855 في الآستانة، وفي عام 1860 أصدر أحمد فارس الشدياق جريدة (الجوائب الأسبوعية).

* * * *

الصحافة في سورية:

تأخرت سورية في إصدار الصحف، مع أنها كانت أول بلد عربي عرف المطبعة وكان ذلك في حلب عام 1702م، ومع ذلك لم تعرف سورية الصحافة إلا في سنة 1865، حيث صدرت جريدة سورية بعناية راشد باشا والي سورية، وكانت رسمية جداً، فهي لا تنشر إلا أوامر الحكومة وأنظمتها وإعلاناتها، إلى جانب أخبار الولاية وما يقع فيها من حوادث رسمية كالعزل والنقل والترفيع، وكانت تصدر بأربع صفحات، نصفها باللغة التركية والنصف الآخر باللغة العربية، كما أصدر أحمد عزت باشا العابد جريدة أسبوعية سياسية عام 1887 وكانت باللغة العربية والتركية، وكان اسمها (دمشق).

الصحافة الساخرة في دمشق:

عرفت الدول العربية الكثير من الصحف الساخرة، خاصة آخر أيام العهد العثماني وأيام الاحتلال الأجنبي، وقد عُرف من أقطاب الصحافة الهزلية يعقوب صَنُّوع المصري الملقب بأبي نظارة، وهو الذي أنشأ جريدة هزلية باسمه في باريس، وكذلك عرف ديمتري نقولا الذي أنشأ مجلة الفكاهة في القاهرة، فمصر عرفت مئات الصحف الهزلية الساخرة مثل صحيفة الببغاء 1887، والعفريت 1897، والنسناس 1901، وعرفت في العراق صحيفة أخوت 1910، والغربال 1923، وكناس الشوارع 1925، وفي لبنان ظهرت صحف هزلية كثيرة منها المهماز 1870، وسلسلة الفكاهات 1870، والمناغش المجنون 1927، والعفريت الفكاهي السيار 1929، أما سورية فقد شهدت معظم محافظاتها إصدار صحف ساخرة هزلية ناقدة، أما دمشق العاصمة فهي التي شهدت ولادة أكثر الصحف الساخرة والهزلية ومن هذه الصحف:

1- الراوي:

جريدة جديدة هزلية، هكذا كتب إلى جانب عنوانها، صدرت بدمشق في 4/12/1909م، صاحبها ورئيس تحريرها توفيق الحلبي، كانت لهجتها شديدة، جاء في عددها الأول: (الراوي... يرود المجتمعات ويسمع ما يدور فيها من الأحداث، ويدخل دوائر الحكومة فيرسل النظر الثاقب، ويفرق بين الصالح والفاسد، وهو يطيل لسانه على من يطيل يده، وبالإجمال فهو نقاد محشوم، يرفع قدر المخلصين إلى النجوم، ويقبض المفسدين على الزلعوم، فلا يصل إلى أحشائهم إلا الغسلين والزقوم...)

وكتبت الراوي في عددها 44 في 2/10/1910 عن ظلم الاتحاديين وسوقهم للصحافيين إلى المحاكم، وحكمهم عليهم بالأحكام العشوائية من سجن وغرامات وتعليق على المشانق، كتبت لتضمن حقهم اقتراحاً في تأليف شركة لضمان الصحافيين في المحاكمة، مثل شركة تأمين الحياة، حيث يدفع الصحافي في مطلع كل شهر لهذه الشركة مبلغاً، فإذا فاجأته المصيبة يوماً كان على الشركة أن تدافع عنه، غير أن هذا الاقتراح لم يلق أذناً صاغية من أحد.

وعن الكتابة بالعامية في الصحف الهزلية الانتقادية كتبت الراوي في عددها الأول في 21/10/1909 بعدما جعلت من نفسها حلقة اتصال بين الخواص والعوام (أغلب جرائدنا لسوء الحظ يسير كُتابها على خطة بديع الزمان، ولا يبالون فهمتها العامة أم استغلقت على الأذهان، فهو يتلافى ذلك النقص ويغرس مبانيه بالبلاط والبحص فلا يأنف منه العلماء ولا يستكبره الفقراء...)

وكتبت الراوي في عددها العاشر في 30/11/1909 تحت عنوان شركة الترام والأهالي (كفانا يا سيدنا نعدد حسنات شركة الترام ومالها من الأيادي البيضاء وعبثها بحقوق الأهلين، أما علمنا أن جلدها من خام الصالحين لا تؤثر فيه كتابة الجرائد ولا.. ولا.. نحن لا نعجب من أعمال الشركة وإنما نعجب من تراخي الأهلين بأن كيف يرضون باستبدادها، ولا يحتجون عليها أو يمتنعون عن الركب بعجلاتها حتى تصلح فساد أعمالها).

2- ظهر بالك:

صدرت بدمشق في 2 نيسان 1909.

3- أعطه جمله:

صحيفة ساخرة هزلية ضاحكة مسلية، صدرت بدمشق في 16/4/1909 ولم يذكر اسم صاحبها مخافة كغيرها، وكانت مغرقة بالدعاية، وجاءت في أربع صفحات، عرفت نفسها (أنها جريدة هزلية ضحكية لعبية تصدر مرة في الأسبوع) وكتب تحت اسمها (تصدر في العمر كرة وفي كل أسبوع مرة، وأن الرسائل التي ترسل لها يجب أن تكتب بالخط الكوفي...) وما شابه ذلك من أساليب الدعابة والسخرية.

4- النفاخة:

صدرت في دمشق بتاريخ 28/1/1910 كما ذكر طرازي، أما هاشم عثمان فيذكر تاريخ صدورها في 28/2/1909، وكانت جريدة هزلية شيطانية، صاحبها يوسف عز الدين الأهرامي، وكانت أسبوعية، وكتبت (عند الحاجة تصدر يومياً) وجاء فيها (أن قيمة الاشتراك مجيدي حاف سلفاً مع أجرة نقلها بالطنبر) وكانت تصدر في أربع صفحات من القطع الصغير، لكنها لم تعمر طويلاً، وبعد إيقافها أصدرها صاحبها في 10/8/1911 باسم النفاخة المصورة) وصارت جريدة هزلية أسبوعية مصورة، وكُتب في أعلاها (إذا لم يسمعوا فانفخوا لهم وزمِّروا) وصارت خالية من النصوص والمقالات والأخبار، فما هي إلا رسوم هزلية وكاريكاتورية مع كلمات قليلة وتعليقات لاذعة، مما جعل عمرها ينقصف باكراً.

5- اسمع وسَطِّح:

جريدة هزلية أسبوعية، صدرت بدمشق في 6/4/1910 بأربع صفحات صغيرة، ولم تحمل اسم صاحبها، كما لم تشِر مصادر الصحافة العربية والسورية إلى اسم صاحبها أو محرريها، ولم يصدر منها إلا أعداد قليلة حيث سطّحتها السلطات وأغلقتها، ولعلها خوزقتها.

6- السعدان:

جريدة هزلية أدبية انتقادية مصورة، صدرت في دمشق عام 1911، وكانت أسبوعية.

7- المهاجر:

صدرت في دمشق بتاريخ 11/1/1912، لكنها لم تعمّر إلا إلى عام 1914م حيث تعطلت، وبعد منعها عادت فصدرت ثانية في نفس العام.

8- بردى:

أصدرها في دمشق محمد فهمي الغزي باللغة العربية الفصحى واللهجة العامية في 10 أيلول 1911، كتب في أعلاها (قل الحق ولو على نفسك) بقيت تصدر بردى في عهد (كاترو) 1946، لكنها توقفت عدة مرات منها في 31/7/1946 ولمدة شهر واحد، وفي 16/7/1947 صدر قرار بوقفها لمدة أسبوع واحد، ثم توقفت بقرار 10/8/1948 لمدة أسبوع واحد أيضاً، كذلك في نفس العام في 23/11/1948 حيث توقفت لشهر واحد بقرار رقم 2490.

جاء في العدد رقم 196 بتاريخ 5/2/1947 حول الموقف الغامض من المطالبة بإرجاع الاسكندرونة لسورية (تنشر الصحف كل يوم أنباء ينقلها إليها مخبروها عن اجتماع مجلس الوزراء وبحثه شؤوناً هامة مستعجلة، وتوقع صدور بيان رسمي عنها من قبل الحكومة، ثم تنقضي الأيام، وتمر الليالي ومجلس الوزراء يجتمع وينفض دون أن يصدر هذا البيان، ودون أن يعرف الشعب ما فعلت حكومته في قضية لواء اسكندرونة العربي ومطالبتها تركية بإرجاعه وإرجاع الأراضي الشمالية الأخرى المغتصبة من سورية).

ومن أخبار جريدة بردى أنه في عهد الانقلاب الأول الذي قاده حسني الزعيم، خرجت مراسيم الإلغاء للصحف في كل المحافظات السورية، ومنها صحيفة بردى برقم 2 في 2/4/1949.

وبعد انتهاء عهد الزعيم جاء الانقلاب الثاني، والذي قام به سامي الحناوي، فأصدر مرسوماً يحدد به عدد وأسماء الصحف اليومية والمطبوعات الدورية والمحررين ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية... برقم 8 في 2 حزيران 1950، وكان فيه السماح لصحيفة بردى بالعودة إلى الإصدار من جديد، لكنها كانت قد انتقلت ملكيتها إلى منير الريس.

وعندما قام أديب الشيشكلي بالانقلاب الثالث في 29/11/1951م لم ينظر إلى الصحافة بارتياح، حيث كان كما قال نابليون بونابرت "إنني أوجس خوفاً من ثلاث جرائد أكثر مما أوجُس من مئة ألف جندي". فأصدر قوانين جائرة بحق الصحافة، ثم عمد في آب 1952 إلى دمج الصحف بعضها ببعض، ونال بردى ما نال غيرها، حيث دمجت بردى والمنار فصارتا باسم اللواء.

وفي عهد الوحدة 1958 غربلت الصحف غربلة قاسية، حيث صدر قانون التنازل عن امتيازات الصحف والمجلات ونال بردى ما نال غيرها.

9- جُحى:

صحيفة هزلية جدِّية، أصدرها في دمشق محي الدين شمدين بتاريخ 11/2/1911 بأربع صفحات، وبعد عام شاركه في تحريرها خير الدين الزركلي (حيث تزامنت مع صحيفته الأصمعي) وصارت تنشر الفكاهة والانتقاد والجد، وصارت تصدر بثماني صفحات، واستمرت في إصدارها الجديد حتى بداية الحرب العالمية الأولى، فتوقفت لأسباب تقنية وسياسية.

10- النديم:

جريدة هزلية جديه أصدرها في دمشق علي الغبرة في 14/8/1911، وكانت تصدر في كل أسبوع مرتين، كتبت شعارها (قل الخير وإلا فاسكت) وجاءت بصفحتين، صدر منها 312 عدداً فقط، ثم توقفت في بداية الحرب العالمية الأولى، وبعد عشرين عاماً أصدر صاحبها جريدة يومية سياسية وطنية حرة بعنوان (المساء) في 15/11/1931، وبعدها بعام واحد أصدر جريدة (الصباح) في 1/6/1932.

11- الطبل:

صدرت في دمشق أيام العهد الفيصلي، صدر العدد الأول من الطبل في 10/11/1919، وكانت جريدة هزلية سياسية اجتماعية انتقادية مصورة، أما صاحبها ورئيس تحريرها فهو (أ. م. ك) وهي أحرف لاسم لا يُراد الإفصاح عنه، مخافة الملاحقة والاعتقال، فقد ورد عن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بعد خلعه عن عرش السلطنة العثمانية قوله: "لو عدت إلى  يلدز لوضعتُ محرري الجرائد كلهم في أتون الكبريت".

وكان مديرها المسؤول المحامي محمود لطفي الحمصي، أما مدير شؤونها فهو محيي الدين البديوي، وكانت تصدر بأربع صفحات متوسطة الحجم، لكن مع دخول القوات الفرنسية دمشق توقفت، وذلك في 25/7/1920.

12- الحمارة:

صدرت جريدة الحمارة في دمشق في 16/2/1919 وهي لنجيب جانا، وكان رئيس تحريرها أبو رومية أما مديرها الإداري فقاسم الهيماني، وكانت جريدة هزلية سياسية أدبية فكاهية انتقادية مصورة، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع، وجاءت بأربع صفحات متوسطة، وهي من سلسلة جرائد توفيق جانا وأخيه نجيب جانا الهزلية، التي كانت تستمر في كل الظروف مثل جريدة الكردي الهزلية وكان قد أصدرها في حمص بتاريخ 1/2/1915، ولـه عدة جرائد هزلية مثل البغلة وحمارة بلدنا، وكلها كانت تتعطل من قبل السلطات، وكان يصر على رسم الحمارة عند العنوان في جميع الجرائد التي أصدرها، بما فيها جريدة جراب الكردي، وقد أصدر جريدة الحمارة باسم أخيه نجيب جانا لأنه مُنع من إصدار الصحف التي تحمل اسم (الحمارة) وكان هو رئيس التحرير، لكنه لم يصرح عن ذلك فكتب اسم (أبو رومية) وهي غير جريدة الحمارة التي صدرت في بيروت 1910.

13- العفريت:

من الصحف الدمشقية الأسبوعية التي صدرت سنة 1920 في أواخر العهد الفيصلي، الذي تساهل كثيراً في إصدار الصحف والمجلات الناقدة، مما سمح لأعداد كبيرة منها بالظهور، ففي العهد الفيصلي (1918-1920) صدرت 38 صحيفة و16 مجلة، موزعة ما بين دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور، وذكر طرازي في موسوعته (أن صاحب العفريت محمد كامل!)، وذكر ملوحي في معجمه للجرائد السورية (أنها كانت جريدة فكاهية أدبية أخلاقية، جاء في وثيقتها... فكلمة خوتجية كلمة من تعبير عامي .. الأخوت أو الخوتان) وفي تعريف صاحبها.. الحارس القضائي على العفريت محمد كامل، ومن الممكن أن يكون اسماً مستعاراً، وذكرت أنها لا تعتمد وصولات الاشتراك إلا بتوقيع شيخ (السربستية) وسربست اسم كردي معروف ويعني الحر، وذكرت أن العفريت سيمزق الرسائل التي تصل بمجرد استلامها بيده، وأن ثمن العفريت الواحد، أي ثمن النسخة الواحدة من العدد... وكذلك العنوان والرقم البريدي... فهي مغالية في الهزل والمزاح، وجاءت في ثماني صفحات صغيرة.

14- أبو النواس العصري:

صدرت في دمشق سنة 1922 أيام غورو، وكانت تخرج للقراء صباح كل يوم أحد، وبعد إغلاقها أصدر صاحبها صحيفة (أبو فراس) في اللاذقية، وكان مديرها المسؤول محمود منح هارون.
ذكر طرازي في موسوعة الصحافة العربية (أن أمين سعيد أصدرها في دمشق في 3 تموز 1921) أما هاشم عثمان فذكر في كتابه الصحافة في اللاذقية  (يبدو أن لـ اللاذقيين ولعاً خاصاً باسم أبي نواس، فقد رأينا أنه في مرحلة الحكم العثماني، صدرت في اللاذقية عدة صحف باسم "أبو نواس، عكاز أبو نواس، أبو نواس الجديد"، وهاهي جريدة أخرى يصدرها لاذقاني في دمشق العاصمة وهو أمين سعيد، وتحمل اسم (أبو نواس العصري) وهي جريدة فكاهية تصدر يوم السبت والثلاثاء من كل أسبوع، وقدر صدر أول عدد منها في يوم السبت 25 حزيران 1921).

وقد جاء في عددها الأول تحت عنوان (مطاليب الشام): (أبو نواس يخاطب فخامة الجنرال غورو وبلسان دمشق:

هذي مطاليب إليك رفعتها

فانعم بها يا صاحب الإنعام

وأكرم بها حتى تكون بفضلكم

تذكار إحسان لأهل الشام

وكتب صاحبها أمين سعيد (هذه الجريدة قد استخرنا الله في إصدار هذه الصحيفة الأولى من نوعها في سورية، ناهجين فيها منهج الجرائد الأوربية، وجريدة قره كوز التركية، في التصوير الهزلي (الكاريكاتير) وسبك المعاني الجدية في قالب فكاهي انتقادي، مراعين في ذلك أذواق الخاصة، ومشارب العامة، واعدين القراء أن ننزه عن الشخصيات في كل ما نكتب، لاعتقادنا أن الجريدة ملك قرائها، لا لأصحابها، وأن نزيدهم مضاء وتحسيناً كلما زادوا إقبالاً وتشجيعاً)
وقد أصدر أمين سعيد مجلة الأردن 1919، والشرق الأدنى 1927، والرابطة الأدبية 1938، والكفاح 1939، وهو ممن مارس الصحافة بالوراثة متأثراً بأبيه، فقد كان أبوه الشيخ محمد سعيد حسن سعيد أول من أصدر صحيفة في اللاذقية والساحل السوري كله.

هذا وقد أصدر مهدي اللوجي وأحمد العيتاني جريدة (أبو النواس) بدمشق في 13 آب 1928.

15- حط بالخرج:

جريدة سياسية فكاهية مصورة أسبوعية، أنشأها هاشم خانكان بدمشق، صدر عددها الأول في 2/1/1924، وكان مدير سياستها توفيق حسن، وجاءت بأربع صفحات، كتبت في عددها الأول (أنها امتداد لجريدة حط بالخرج التي أصدرها فخري البارودي في دمشق 1909 دون أن يضع اسمه عليها، وكان يضع عليها اسم محمد عارف الهبل، وكان الهبل قد أصدر إلى جانبها جريدة السكة الحجازية 1909 ثم أوقفها لعدة أشهر ليتفرغ لجريدة حط بالخرج).

كانت حط بالخرج تحمل شعارها فوق عنوانها (قل الخير وإلا فاسكت) وبعد توقفها أصدر خانكان جريدة لسان الأحرار في 11/7/1927، وحملت رقم تسلسل جريدة حط بالخرج، وصار مديرها المسؤول في العدد 59 من سنتها الثانية 1925 زكي القدسي.

جاء في أحد أعدادها (الصحافة في هذه البلاد بين نارين، نار الحكومة ونار الشعب، إن تكلم يا ويلاه، وإن سكت يا ويلاه، وهكذا حط بالخرج أفندي إن حكينا الدغري ينقم علينا أولياء الأمور، وإن سكتنا أغضبنا الرأي العام، والله شيء بحيّر، المأمورون لا يريدون أن يسمعوا الحقيقة، والشعب لا يريد أن تسكت الجرائد التي هي لسان حاله عن أعمال الظالمين).

وجاء في أحد أعدادها (روى أبو حتاتة عن ابن نباتة أن الشحادة هي كار بلا رسمال).

أما جريدة حط بالخرج الأصلية والتي صدرت عام 1909 فكان عنوانها حط بالخرج جريدة أسبوعية جدية هزلية عامية انتقادية، وقد امتازت عن غيرها بابتكارها الإعراب الهزلي الساخر، مثل ما جاء في العدد 53 في 13 آذار 1911:

بارت تجارتكم يا قوم فالتمسوا

تجارة اللهو بين الناي والعود

فعربت (بارت) على باب دارت وفارت وخارت، تقول دارت دائرة الكساد على تجارنا وصناعنا وكبارنا وصغارنا، وفارت الأموال بين يدي تجار الإفرنج وصناعهم وكبارهم وصغارهم، ولهذا خارت عزائمنا وضعفت هممنا، وصار يقول الشاعر:

أمست تجارتكم مُخاً يصاد به

فيراننا وجرادين لقد كثروا

صنعتموا منقلاً فازددتموا عجباً

به وقلتم لقد فزنا وهم خسروا

وتتابع حط بالخرج الإعراب فتقول:

(تجارتكم) على وزن حمارتكم وخسارتكم، يعني أن التجارة أصبحت أم الخسارة، لأن الأفندي عندنا لا يتنازل إلى لبس الألبسة الوطنية، لأنه أفندي يستحي (وش حيا) يذهب أحدنا ليشتري بدلة يلبسها فيدفع ثمن الإفرنجية خمس ليرات ولا يشتري الوطنية بليرة فما أعظم حسّنا للوطن.

(فالتمسوا) ذكرها الشيخ كندريش في كتابه الذي سماه (حسن الالتماس في طلب ما بأيدي الناس) فقال: روى أبو حتاتة عن ابن نباتة أن الشحادة هي كار بلا رسمال، وللالتماس معنى ثانٍ مثاله: اذهب إلى أحد الكبراء أو العظماء أو الوجهاء وهؤلاء أحط درجة، واطلب منه أن يسعى لك بوظيفة بشرط أن تدفع الرزق المقسوم، تنَل جميع ما تطلب، التمس بعضهم من كبير رتبة فقال لـه: بدنا حلوتها، قال: وما حلوتها يا سيدي..؟ فأجابه: عشا أو فطور حمص وهذا أمر لا خلاف به.

(عود) إعرابها على وزن جود وهذا رابع المستحيلات في الشام، كما قلنا:

أربعة ليس لها في شامنا وجود

الغول والعنقاء والخل الوفي والجود

فاتركوا الفقير يسف التراب يعيش وإلا فعمره لا يعيش.... دعوا الصناعي بلا أواعي يأكل هواء السماء ويشرب من سواقي الماء، أو كما قال المرستاني (وقل لهم أن يشحدوا فذاك كار الفقراء).

ومما كانت تنشره حط بالخرج غير الإعراب الهزلي حكميات الخرج، وهي معارضات شعرية من نظم (أبو الشمقمق) فقد جاء في العدد 53 الصادر في 13 آذار 1911 جزء من لامية حط بالخرج:

طناجر الرز فيها منتهى أملي

وقصعة اللحم تنهاني عن الكسل

أكلي أخيراً وأكلي أولاً قصع

في دهنها سقسق الخبزات واشتغل

قالوا: خذ الفول

قلت: المال أدهن لي

قالوا: وهل شفت مالاً

قلت: برطللي

فيم القيامة قامت

والضجيج علي

والأمر سهل بسيط

حين تدفع لي

يقول الباحثون والمؤرخون: يؤخذ على الصحف الهزلية هبوطها إلى مستوى العامية في بعض ما تكتب، ولعل عذرهم في ذلك تفشي الأمية عند معظم أفراد الشعب، وإنما أثبت هذا في دراستي هذه لأجعل القارئ مطلعاً على بعض ما كانت تنشره صحف ذلك الزمان

تأخرت سورية في إصدار الصحف، مع أنها كانت أول بلد عربي عرف المطبعة وكان ذلك في حلب عام 1702م، ومع ذلك لم تعرف سورية الصحافة إلا في سنة 1865.. وهنا نستكمل الحديث عن الصحافة الهزلية الساخرة في دمشق الذي كنا بدأناه في المقالة السابقة..

16- المصارع:

صدرت في عهد المفوض السامي الفرنسي سراي، وكانت هزلية مفرطة، وكانت تصل في كثير من الأحيان إلى الإسفاف في نقدها، وذكر هاشم عثمان في تاريخ الصحافة السورية (عيّن سراي مفوضاً سامياً في 2/1/1925 في عهد رئيس الدولة صبحي بركات الخالدي الذي أصدر القرار رقم 69 في 15/4/1925، والذي ينص على أن لرئيس دولة سورية أن يأمر بناء على اقتراح وزير الداخلية بتعطيل أو عدم إدخال كل جريدة أو نشرة تنشر مقالاً أو أخباراً من شأنها تهييج الرأي العام، أو إهانة رئيس دولة سورية أو أعضاء الحكومة، وكذلك الموظفين الملكيين والعسكريين في كل دوائر الدولة، هذا القرار فرض سطوته على الصحافة، ولكن سراي لم يطل مكوثه في سورية، حيث هرب إلى بيروت بعد المعارك التي اندلعت ضد المستعمر الفرنسي، وانتهى عمله في سورية بتاريخ 1/11/1925).

17- الخازوق:

أصدرها في دمشق محمد بسيم مراد في 2/8/1928، وفي بعض المصادر 1926، وكانت هزلية انتقادية أدبية مصورة، وجاءت بأربع صفحات، وقد بيّن صاحبها في عددها الأول أن لا شأن لـه في الأحزاب ولا شأن لها به وأن الوطن فوق الجميع، وقد عمرت طويلاً حيث استمرت في الصدور حتى عام 1941 يوم خوزقتها السلطات الفرنسية.

لكن صاحبها أتبعها بصحيفة جديدة باسم الأخبار وبرقم 2474 والسنة 21، حيث رتبها على تسلسل الخازوق في سنتها وعددها، ثم أصدر صحيفة ثالثة باسم المداعب وكانت هزلية، وقد جعلها امتداداً لما قبلها، ولعل استمرارية الخازوق طويلاً لأنها كانت في عهد المفوض السامي الفرنسي في سورية (بونسو) حيث يعتبر عهده العهد الذهبي للصحافة، ففيه ازدهرت الصحافة ازدهاراً لا مثيل لـه، حيث عرفت 34 مجلة و26 صحيفة، وكان بونسو استلم مكان دجوفنيل في 13/10/1926، وهو الذي عيّن قاضي دمشق تاج الدين الحسني رئيساً لمجلس الوزراء بدلاً من الداماد أحمد نامي، كما كلفه بتشكيل حكومة مؤقتة.

18- الحوت:

صحيفة هزلية انتقادية أخلاقية مصورة، أصدرها فريد سلام على شكل مجلة صغيرة في 16 صفحة عام 1926، وكتب فوق عنوانها (الوطن فوق كل شيء) واستمر في صدورها عشر سنوات لغاية 1936 حيث أصدر صاحبها بعدها مجلة الضياء وكانت بحجم أكبر، وعرّفها بأنها جريدة عربية جامعة مصورة.

19- السهام:

جريدة أسبوعية أدبية ساخرة ناقدة، أصدرها في دمشق محيي الدين البديوي في ست صفحات، صدر العدد الأول منها في 10/10/1927.

20- المضحك المبكي:

من أهم المجلات الساخرة الدمشقية، صدرت في عهد المندوب السامي الفرنسي بونسو، أسسها حبيب كحالة بدمشق سنة 1929، واستمرت إلى سنة 1966 حيث توقفت نهائياً، كانت لهجتها عامية في تعليقاتها السياسية الحادة، وقد تعرضت كغيرها للتوقف والمساءلة عدة مرات من السلطات الفرنسية وحكومات البلد بعد الاستقلال.

استعملت المضحك المبكي الرسم الكاريكاتيري للتعبير الهزلي لما يحدث في جهاز الدولة من خطأ وانحراف، كتبت مرة تخاطب المسيو بيرار الحاكم الفرنسي على سورية (حتى نفهم على أي خازوق بدنا نصفي..)

ومن المعروف أن عددها الأول لم يحمل تاريخاً، وقد عُرفت المضحك المبكي من بين خيرة الصحف والمجلات التي عرفتها سورية في تلك المرحلة، فهي لا تقل أهمية عن مجلة الحديث وجريدة القبس وجريدة الأيام، وقد قال هاشم عثمان في تاريخ الصحافة السورية (هذه المجلة تعتبر بحق رائدة المجلات الساخرة الكاريكاتورية التي عرفتها الصحافة العربية في تاريخها).

وقد جاء في عددها الأول (... وبعد فهذا شكل جديد من الصحف قد سبقنا إليه أكثر البلاد العربية، فهو سهل مفيد ترتاح إليه النفس، وتلذ به المطالعة، فقد سئم القراء الجديات، فضلاً عن أن الطبيعة البشرية تميل إلى الهزليات والمضحكات، وقد شعر المجددون أنه كما يحتاج الطعام إلى تفلفل وتعصفر ومقبلات لتقوى الشهوة إليه ويسهل هضمه، لاسيما عند أصحاب المعدة الضعيفة، هكذا الصحف، لاسيما السياسيّة منها، فإنها تحتاج إلى تفلفل وتعصفر يجعل قراءتها لذيذة، فيلتهمها القارئ بشهية قوية جداً، لاسيما إذا كان من ذوي المعد الضعيفة أيضاً، هذا فضلاً عن أن قراءة الهزل يزيل الهم ويشرح الصدر... فبناء عليه رأينا أن نسد هذا الفراغ في الصحافة السورية، فأصدرنا هذه الجريدة بهذا الشكل لنقدر أن نصل في تنظيمها إلى مستوى الصحف الراقية، لاسيما وأن الصحف مرآة صافية تعكس عليها درجة مستوى الأمم واستعدادها الطبيعي، ولكي نقوم بهذه المهمة أحسن قيام قد اتفقنا مع خيرة الرسامين المشهورين في المدينة، كما أننا اتفقنا أيضاً مع أشهر الكتاب الهزليين ليكتب كل بما يختص به.. أما خطتنا فإننا نعاهد القراء على أن تكون صريحة صادقة ولو أغضبت البعض.. فنحن نسعى إلى أن نخاف الله في صراحتنا وأما عبيد الله فإذا غضبوا ونحن نقول الحقيقة فليشربوا البحر..)

ولصراحتها الجدية الزائدة طالتها يد التعطيل عدة مرات، ثم توقفت مدة طويلة، عادت من بعدها للصدور في آخر شهر آب 1962، لكنها لم تعش طويلاً.

أوقات تعطيلها:

تعطلت المضحك المبكي في 27/3/1945 لمدة شهر واحد عقوبة لها لأنها تمادت في سخريتها، كما تعطلت في 12/11/1945، كذلك تعطلت في 7/9/1946 لمدة شهر واحد فقط، وقد أعيد ترخيصها في دمشق على شكل صحيفة أدبية هزلية في 23/8/1962، وبمرسوم رقم 2498 وباسم جورج كحالة، لكنها توقفت نهائياً سنة 1966.

21- الناقد:

صدرت بدمشق في 6 أيار 1930، وهي ناقدة أدبية على شكل مجلة، تصدر مرة في الأسبوع، وكانت سياستها النقد النزيه لسائر الحوادث والوقائع، والتعليق عليها بلغة رصينة، تحفظ اللغة العربية من التبذل الذي انحطت إليه كثيرات من الصحف.

22- عصا الجنة:

جريدة سياسية ساخرة أصدرها نشأة التغلبي عام 1947، ليروض بها الحكومات ويجعلها مستقيمة، فيقول في عددها الأول: عصا الجنة... التي روضت بها الحكومات وسيطرت عليها وعلى مقدراتها ومصائرها، ولهذا السبب بالذات اخترنا اسم عصا الجنة.. وأردناها ساخرة، لا للترفيه والتسلية، وإنما لأن الإصلاح الساخر خير من الإصلاح المتجهم، فقد قيل: (إن الشعب الذي لا يضحك وهو يعمل.. هو شعب لا يعيش).

وقد توقفت في 7/10/1948، وألغي التوقيف عام 1949، ثم ألغيت في عهد حسني الزعيم بمرسوم تشريعي رقم 2 والصادر في 2/4/1949 وعُوضت وقتها بمبلغ وقدره 5000 ليرة.
في 2 حزيران 1950 أعاد إصدارها عثمان شحرور، وكان محررها طلعت تغلبي، وفي 29/7/1951 صار صاحبها وجيه البزرة، لكنها في 21 آب 1958 غُربلت كغيرها وخوزقت.

23- دمشق:

صدرت في عهد الانقلاب الثاني الذي قام به محمد سامي حلمي الحناوي في 14/آب/1949 حيث طاح بعهد حسني الزعيم الذي لم يبق أكثر من 4 أشهر و14 يوماً، وبعهده صدر قانون الصحافة رقم 53 مع تعديلاته، وصدر القرار رقم 8 في 2 حزيران 1951 المتضمن قائمة بأسماء الصحف اليومية والمطبوعات الدورية، وقد صدرت في هذا العهد عدة صحف ومجلات منها الكلب.

24- الكلب:

جريدة نقَّادة هزلية ساخرة، عالجت المواضيع بقالب شعري ساخر، يسمى الشعر الحلمنتيشي عند المصريين، أسسها صدقي إسماعيل المولود في لواء الإسكندرونة 1924 والمتوفى 1972، فعندما كان صدقي إسماعيل يدرس الفلسفة في جامعة دمشق، كان يحرر بخط يده صحيفة ساخرة نقّادة أطلق عليها مؤقتاً الجسر وفاءً منه لحارة الجسر الأبيض بدمشق والتي كان يسكن فيها، ثم استقر بعد ذلك على إطلاق اسم (الكلب) عليها، امتداداً للمدرسة الفلسفية الإغريقية القديمة، مدرسة أنتِستانِس وديوجانيس، كما أنه أطلق عليها هذا الاسم قبيل المجاز.

كانت تصدر بنسخة وحيدة بقلم رئيس التحرير صدقي إسماعيل، وبعض أعدادها كان يصور على آلة السحب ويوزع، ولكن قراءها لم يكونوا كثيرين، وإن كان قسم منها وصل إلى الجزائر إلاّ أن أكثر المثقفين السوريين لم يكونوا على علم بها، ومع ذلك فقد ظن البعض أنها صحيفة كغيرها من الصحف التي تباع في المكتبات، وكان نائب رئيس التحرير صديقه الشاعر الكبير سليمان العيسى، يساعده في كتابتها وصنع مادتها، كما كان الشاعر أحمد إبراهيم عبد الله مدرس التاريخ في ثانويات اللاذقية مراسلاً للجريدة، وكان شاعراً ساخراً نقاداً ذا شخصية جذابة، لكن غالب شعره لم ينشر لاستحالة نشر هذا النوع من النقد الساخر.

تبلورت صيغة جريدة الكلب في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، وللعدد الأول تاريخ هجري فقط، وهو عام 1370 للهجرة ، ولعل تاريخ 1950 ميلادي يوافق هذا التاريخ.

صدر منها 108 أعداد وكلها مخطوطة في الافتتاحية حتى حالة الطقس، لكنها ضاعت بعد وفاته، فعندما عزمت الجهات الرسمية على جمع تراث صدقي إسماعيل لم تحصل إلاّ على 15 عدداً من الجريدة كانت محفوظة عند زوجته، فطبعتها الإدارة السياسية عام 1983 في كتاب بعنوان (جريدة الكلب).

وكانت أعدادها تصدر في أوقات متباعدة، وآخر عدد صدر منها 1972 عند وفاة صاحبها، ومما كتب في عددها الأول 1370هـ.

جريدة نكتبها بالشعر

تصدر في الأسبوع أو في الشهر

تعالج الأمور باتزان

وتخدم الجميع بالمجان

نخطها في البيت أو في المقهى

في نسخة وحيدة فاقرأها

واحرص على أعدادها المقروءة

فالشام لا تسوى بدون الغوطة

والأعداد الـ 15 التي جُمعت في كتاب (جريدة الكلب) هي (1- 12- 15- 18- 44- 45- 63- 69- 93- 94- 103- 104- 106 - وعددان لم يحملا أي رقم). وجاء في عددها الـ(63) في 30/6/1965:

جريدة شعرية الأغراض

وليس فيها أي سطر فاضي

شعارها متانة القوافي

وحفظكم من وصمة الإسفاف

في الشعر والفن وفي السياسة

من دونها سوف تضيع الطاسة

وجاء في العدد (69) في شهر شباط  سنة 1967:

جريدة تصلح للصدور

بالشعر في مختلف العصور

شعارها السامي وفاء الكلب

لا للعظام، إنما للصحب

للشعر.. بالقافية العريقة

رغم انقراض هذه الطريقة

شعر لا وزن ولا قوافي

كمن يسير عارياً أو حافي

وقد كنا أشرنا إلى أن صاحبها كان قد أصدرها باسم (الجسر) وفاء منه لحارة الجسر الأبيض بدمشق التي كان يسكن فيها، فقد جاء في افتتاحية العدد في 29/10/1956 قوله:

وفاء لحارتنا قد دعونا

جريدتنا باسمها فاعلموا

وكان اسمها الكلب من قبل ذالك

ولكن مغزاه لا يفهم

أليس الصحافة رمز النباح

وإن الكلاب به أقدم

تعيش على العظم من جوعها

ولكنها ليس تسترهم

وللكلب مأثرة إنه

بسيط وبالمال لا يلجم

وقد كتب في العدد (63) الصادر في دمشق بتاريخ 30/6/1965 عن باب حوادث المدينة:

سرقة:

لصان من أهل السوق

هاجما البنك الصناعي

حملا الخزانة وهي فارغة

وليس لذاك داعي

حادث سيارة:

وسيارة طحشت مخزناً

يبيع الكنادر للسيدات

وما كان سائقها غير بنت

مهذبة من بنات الذوات

وقد سئلت كيف كان الصدام

فقالت: هوايتي الواجهات

اعتداء:

شيخ من الريف لـه هيئة

تدل عفوياً على الفقر

أمام قصر العدل شاهدته

مشرشحاً كالعدد الكسري

هاجم شرطياً على غرة

فاقتيد للسجن على الفور

واستجوبوه قال قصدي بأن

أروي على الضيعة ما يجري

أحكي لهم أني على رغمهم

دخلت في يوم إلى قصر

ونختم حديثنا عن جريدة الكلب بنموذج يعد أسلوباً خاصاً بصدقي إسماعيل، الذي يسخر فيه من كل شيء.. من المبادئ كما يحذرنا فيه من التفكير ومن قول الحقيقة، كما يدعونا فيه إلى المبالغة وإلقاء الكلام على عواهنة، كما يرى فيه أن العناد والعُري للإنسان أفضل.

فقد كتب في جريدته في عدد آذار لعام 1957 أبياتاً من الشعر الحلمنتيشي. ومنها قوله:

أوصيكَ لا تتسرع * * * وبكل شيء فاقنع

واحذر من التفكير * * * فالتفكير ليس بأنجع

وقل الكلام على عوا * * * هنه وبالغ وادَّع

وبالغ من ذكر الحـ * * * ـقيقة فالجماعة لا تعي

ويتابع قائلاً:

الجحش شيمته العِنادُ * * * ألا ترى هذا معي؟

وأرى العِنادَ فضيلةً* * * في عصرنا المتميع

فالعُرْيُ للإنسان أفـ * * * ـضلُ من طِلاء البُرقُع

* * * *

المصادر والمراجع:

1- تاريخ الصحافة العربية، الفيكونت فيليب دي طرازي، ط1، بيروت، 1914.

2- الصحافة تاريخاً وتطوراً وفناً ومسؤولية، بشير العوف، ط1، 1987، المكتب الإسلامي، بيروت.

3- الصحافة السورية ماضيها وحاضرها (1877-1970)، هاشم عثمان، ط1، وزارة الثقافة بدمشق، 1997.

4- تاريخ صحافة اللاذقية، هاشم عثمان، ط1، وزارة الثقافة بدمشق، 2002.

5- أعداد من مجلة المضحك المبكي.

6- مدونة الصحافة العربية، ط2 من الإنماء العربي، بيروت، 1985، إعداد د. يوسف خوري، تحرير علي ذو الفقار شاكر.

7- معجم الجرائد السورية، د. مهيار الملوحي.

8- الصحافة العربية المعاصرة وآفاقها الثقافية بين النقد والتوثيق، ياسر الفهد، ط1، 1980، مطبعة الإنشاء، دمشق.

9- تاريخ الصحافة في الجزائر، الزبير سيف الإسلام، ط2، 1985، الجزائر.

10- صحيفة الدومري، عدة أعداد.

11- صحيفة الدبور، عدة أعداد.

12- بقعة ضوء، عدة أعداد.

13- مجلة الأمل، العدد الأول، صيف 2008، ملف عن جريدة الكلب (18- 112).

* * *

(عن الباحثون، ع. 58-59، نسيان وأيار 2012)