ككل مرة مرت ذكرى اغتيال الشهيد والكاريكاتريس العربي ناجي العلي في صمت، اللهم بعض الإرادات والإطارات المناضلة والتي لا زالت تصر على الاحتفاء بذكرى استشهاده مطالبة بالكشف على قتلته وهنا نموذجا لإحداها، وتتزامن هذه الذكرى ما يشهده العالم العربي من نكسات نجد بعض صداها حاضرا في رسومه وأقرب الى نبوءات واستباقات تخييلية غاية في الإبداع.

عمان: منتدى الفكر الديمقراطي يفتح ملف اغتيال ناجي العلي

أقام منتدى الفكر الديمقراطي، الشهر الماضي، احتفالية خاصة، في الذكرى ال27 لرحيل الفنان العربي الفلسطيني ناجي العلي  شارك فيها الفنان الملتزم كمال خليل، والشاعر موسى حوامدة والباحث والشاعر د. عصام محمد السعدي، وقدم فيها المفكر الدكتور فيصل الخضرا شهادة عن علاقته بناجي العلي واشتملت الاحتفالية على معرض لرسومات العلي، وأدار الاحتفال الفنان القدير جميل عواد، بحضور نخبة كبيرة من المثقفين والمناضلين والمهتمين.

الفنان جميل عواد افتتح الاحتفالية قائلا: "ناجي العلي أيقونة إنسانية تجمعنا دائما على حب الوطن"، وأضاف: "لم ألتق ناجي إلا مرة واحدة، ترك خلالها في نفسي أثرا كبيرا. ناجي العلي ناضل وكافح بالفعل لوحدة العرب من خلال المقاومة التي رسخها بفعل المقاومة لأن فلسطين حق لا يقسّم".

وحول الاحتفالية ومبررها قال الباحث والكاتب عبد الله حمودة: حينما قررنا إقامة هذا الحفل قيل لنا من البعض أن الزمن تقادم على ناجي والأداث سبقته ولكن هذا الكلام هراء فما زال ناجي العلي حاضرا، وعصيا على التشويه لأنه الملح الذي يحذار الفساد. والسخرية عند ناجي ليست مجرد شتيمة أو فضح لما يجري في الغرف والمكاتب بل هي فعل تحرير الوعي أو نوع من الاستنارة السياسية والاجتماعية والثقافية. فلسطين ناجي العلي كما هي فلسطين كل المحرومين، بسيطة تعادل البساطة في طفولتها.

وبيّن حمودة أن ناجي "كان منتميا لثقافة شعب شفاهي لم يكتب أحد حكايات أبطاله المنسيين ولا احترم أحد ذاكرته الحية التي تعيش فيه جيلا بعد جيل، و(حنظلة) الشخصية التي ابتدعها ناجي ما زالت رافضة للواقع العربي، وما زال (حنظلة) هو الشخصية الأمينة لفكر ناجي".

من جهته استذكر الخضرا الراحل بورقة عنونها "ناجي العلي.. طود عصي على الانحناء"، تحدث خلالها عن علاقته بناجي منذ عام 1959، متتبعا مفاصل من حياة ناجي منذ ولادته في عام 1936، في قرية الشجرة في غور فلسطين، وهجرته مع أهله عام 1948، نازحين إلى لبنان، حيث أقاموا في مخيم عين الحلوة في ضاحية صيدا، حيث نشأ في المخيم وكان منحازا إلى الفقراء، وقد انعكست مشاعره الوطنية التي شحذها ونماها انتماؤه إلى حركة القوميين العرب على رسوماته في مواقف غلب عليها موضوع قضية فلسطين.

وأضاف الخضرا: كانت علاقتي بناجي قد تجددت في الكويت في عام 1976، حين عمل في جريدة السياسة الكويتية، ومن ثم انضمامه إلى جريدة القبس، حيث أراد محمد جاسم الصقر، رئيس تحريرها، أن يحظى بعمل ناجي معه، وهكذا، بعد أن تسلح الصقر بمحمد حسنين هيكل وبناجي العلي وبأحمد مطر وقد تمكن من دفع "القبس" في اتجاه وطني واضح وضعها في فترة من الفترات في مقدمة الصحف العربية توزيعا في الوطن العربي.

وتحدث الخضرا عن ملابسات اغتيال ناجي، حيث تطرق إلى الرسم الكاريكاتيري المتعلق بالصحافية رشيدة مهران، مشيرا إلى أن المقصود بالرسم هو الشاعر الراحل محمود درويش، "حيث جرت مشادة كلامية هاتفية عنيفة بين ناجي ودرويش لم تخل من التهديد".

الشاعر موسى حوامدة استذكر لحظة اغتيال ناجي العلي الذي كان يخص صوت الشعب حيث كان يعمل حوامدة برسوماته مجانا ورسم ذلك الكاريكاتير الشهير عن ليلى شرف حين قدمت استقالتها كوزيرة للإعلام فرسم ناجي شمعة تبكي وكيف تلقى حوامدة وزملاؤه في صوت الشعب نبأ وفاة العلي وما كتب في لحظتها:

ولو أَنَّي استطعت لقلت شعرا         إلى بلد تعلق في هواكا

فما نفع الكلام اذا استحلنا           إلى حجر تَخفّى كي يراكا

وما نفع الدموع بلا نفير             اذا ما كُنتَ في شعب فداكا

تخطى الشعر قلبَ الموت حيا    وجاوز في محاسنه السِماكا

لأنك ما عرفت الخوف يوما               ولا نزلتْ على ذل يداكا

كما قرأ قصيدة بعنوان لن ينتهي اسم فلسطين قال فيها

لم ينته الكلام/ لأغلق فمي بقماش الخيبة/ أشطبَ اسم بلادي من أطلس الجزيرة/ وأدفعَ الجزية للعابرين.

***

سأربحُ الحربَ لأن الطين بيتي/ والبحرَ جاري/ والنجومَ شقيقاتي الغافلات/ والسماء ستدرك فحوى رسائلها.

والثالثة أهداها إلى المقاومة وإلى غزة.

انتصرنا على الموت

انتصرنا على دود الأرض

على حرائق المخطوطات

على خيانة التاريخ

ورموز الكهنوت.

انتصرنا قليلاً

انتصرنا ولسوف ننتصر

لا نحلم بحق الضحية في إبادة الخصم

نحلم بحقنا في الغناء فوق جنازات العابرين بلا أثر

ستنضم فلولُكم لجموع الغزاة

وتعداد المارين فوق صدورنا العارية 

وتكبر بياراتنا كما تكبر حبة القمح

وتكبر تلك النطف

كي تروي

للغد

بعض الجراح

تروي كثيراً من الزلل

وقليلاً من الأمل.

ومن جانبه قرأ الشاعر الدكتور عصام محمد السعدي قصيدة مهداة إلى غزة، وأخرى بعنوان "تقدم"، حيث يقول في الأولى: "غزة اصرخي اليوم فينا/ أيها الجاثمون على قبورنا/ متى الرحيل؟ كم مرة انتحر القاتل/ وعاش الشهيد/ كم مرة غرق البحر/ واشتعل النسيم".

واختتم الحفل بوصلة غنائية للفنان كمال خليل، حيث غنى أكثر من أغنية وطنية، من مثل "يا راية شعبي المرفوعة.."، و"اتلوا يا شعر الحيه على اديه، حبك يا وطن سيفي الي بيديه".