بين دعوة السلام والحب تكتب الشاعرة العراقية سيرة تفاصيلها الصغيرة، والتي تلملم خلالها انكسارها وتشظيها المضاعف. ولا تنسى، وهي تصبغ على سير تفاصيلها بعدا إنسانيا، أن تعيدنا الى صورة هذا العالم اليوم والذي لا يفتح أي باب للأمل فقط تلك الخيبات التي تعيد الشاعرة كتابتها في لحظة آسرة.

قصائد من أسرار أيلول

سميرة عباس التميمي

أيلول أمام عتبات الحب المقدس

إخترتك من دون البشر أغنية

ونبيذاً أيلول

والحب

والعشب النديِّ

ووجهك الكريم

كالمطر

باذخاً كالشجر

أحبك والخريف والمطر

كشمس أيلول

دنوت مني

أعتقتني

وأدخلتني

فخامة الحب

وروعة الأحاسيس في درج مكتبي

ظل أيامِ

ورسائل حملت كل شيء

إلا رائحة الصدق

تلقيتُ ورداً مغلفاً بالسيلوفان

يبُست الأزاهير

وبقيت الأشواك تطوقني

إستمعتُ لإعترافاتِ حبٍ

في لوحة فنية مغرية الألوان

تلونت معها

وبقيتُ في إطارٍ مغبر الحافات

تسلمتُ بطاقات دعوة للخروج

مشيتُ تحت نوافذ غريبة الريح

وعلقتُ أمانيِّ على أغصانٍ

في مهب الأوهام

بكت أحاسيسي بين جدران محبرة

متصدعة

جفت منها الحياة

******

تهب رياح أيلول

وطبول الليل

تعلن المطر

مُطيباً خاطري

ويجتمعُ المطر في أحداقي

تسقط حدود الفصول

تمرحُ مع الجداول

وتتدحرج مع الأوراق والثمار

ويتشكل جسدان

يركضان

يطيران

ويذوبان في زحمة التساؤلات

واضطرابات الفصول في ايلول

تسقط الأقنعة والاعتبارات

كما تسقط الأوراق من الأشجار

وتبقى عارية

تواجه التحديات

كيسوع في غابر الأزمان.

******

 أحببتني من دون شروط أو قناعات مملية

لم تُبرمج حبنا بحسب نشرة الأجواء السياسية

لم تسألني عن كراسي المجد التي تربع عليها أجدادي

أو دفتر الشيكات المحتمل وجوده في خزينة بيتنا

لم تضع حبنا على طاولة المباحثات

كعدد فناجين القهوة التي شربتُها

والرحلات التي قمتُ بها

بين فصليِّ الشتاء والربيع

إستبدلت إبتسامتي الرمادية

بطيور الحب

وقلمي الحزين بالأزاهير

وعلى مفترق حياتين

أسلمتُ وجهي

لأمطار حبك.

 *******

في الخريف

تجتمعُ الفصول

الصيف يتخذ لون أوراق الشجر

ونحن نتخذُ شكل بلبلين يمرحان

تحت حبات المطر

خذني إلى حقول البنفسج

لأعيش تقلبات المواسم

ومذاق الحرية

وتقرأ لي القصيد من قلب المطر

خذني إلى الطرقات المضيئة

بالوجه الصافي للقمر

والمغسولة بالمطر

يمحي آثار أقدام راقصة

لصيفٍ حامي اللهاث

وعلى شرفات دافئة

يطيل القمر البقاء منصتاً

لحكمة الليل

وغناء الخلان.

 

في أيلول

يشتدُ بياض القمر والليلُ

زرقة أُسافرُ

وملايين العشاق ليسكنوه

نكتبُ حباً

ونبني بيوتاً

وأحلاماً

يتجلى حبنا

طيراً سماوياً

طيفاً نبوياً

أزرقَ كماء العيون

مشتعلاً كالقلوب الفتية

كريماً كشهر أيلول

ضمني إلى حدقتيكَ

لأعيش إختلاجات ولادتي

أنا من ركبتُ أمواجاً هائجة

وقدتُ سفناً بلا قادة.

 

إنه أيلول

موسم الحصاد

 والعيون الأصيلة

****

حرية مسيري

يتقدم ضيائي

وطهري

من مساحات كونية طليقة

أجيء حسناء الأزمان

لا أتبدل

أرحب بالفراشات

وقد قدّت قضبان زنزانتها

لتلبس ثوب الفرح والأزاهير

نضيدة فواحة متقدة

أخلق عوالم ضحك

نركب الأحصنة البيض

والزرق

نتبادل الرسومات

والقبل

والإحتضان

وأنا معهم في الحِلم ليلاً

وحتى آخر ضوء نهارا

بين التلال

والأودية

أدعو للسلام

على ضفاف الجداول والأنهار

أرافق الخلان

أنا الموسيقى

أصبُ ألحاني في القلوب الضامئة للفرح

أمر بعبيري على وجوهٍ

قد غادرها النضار

أمحو السراب

من دروب العشاق

أمنحهم الشعرَ ونثراً يتداوله الأنقياء

أعطي لكل سحابة مطرها

ولكل طيرٍ إنشودته

أركض بين حقول الشعير

وأعيش أحلام سنابله

وفي الليل أظلل بيوت الكادحين

بعش لقلقٍ وقمرٍ منير

أمشي مع الآخرين

يسبقنا قوس قزح

نهتفُ بإسم الرغيف والشمس

الليلُ يصرخُ بإسمي

والنهار لوجودي

وتشتعلُ الأقلام ....

باروداً حتى لايذوي النهار

في أفواه البنادق والمدافع

حتى لاتضمحل الأناشيد والأغاني

في آبار الظلام

هناك يتراءى لي فوجاً أبيض من الناس

وشيخاً يفصل بالبيان بينهم

أنا أتألم

أنا الحرف الدامع من قلمٍ داوٍ

أعيشُ بين أفكارٍ جميلة

وأيادٍ ثورية

وأتشحُ بالمصابيح رداءً

وخوذتي ناقوساً

وأجراس فلم تلطخون أهداب ثوبي الأبيض

بالدماء

وتفضون بكارتي عند كل طلقةِ نار

الأسلحة تتقاتل

والأيادي تتشابك

في أراضٍ

حُلل فيها قتل الألعاب

وتلويث الألوان

ودموع الأطفال ليس لها إعتبار

وحده الحمام

أراه يعبر السماء

فهل سأرى المدافع يوماً

تتراشقُ بباقات الورد

وأطواق الياسمين.

******

شاعرة من العراق