حذر الباحث المختص فى شؤون الأسرى رأفت حمدونة فى أعقاب الاعتقالات اليومية وبالعشرات، وطريقة الاعتقال الوحشية والتعسفية ، وفى ظل اعترف جهاز المخابرات الإسرائيلية بممارسة التعذيب ضد المعتقلين الفلسطينيين، ومطالبتهم بعقد صفقات تتضمن "أحكاما مخففة" في المحاكم العسكرية بشرط الاعتراف وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، التى أكدت تخوفات ضباط المخابرات من أن تتحول افادات المعتقلين وشهادات ضباط المخابرات الى مستندات تقدم ضدهم الى محكمة الجنايات الدولية في العاصمة الهولندية لاهاي، وقالت "هآرتس" أن الشاباك مارس التعذيب المكثف، ضمن بند في قانون الاحتلال الإسرائيلي، يجيز استخدام "تعذيب محدود" بهدف الحصول على معلومات حساسة، "من شأنها أن تنقذ حياة ناس، أو تمنع أخطارا".
فى ظل هذه الاعترافات التى تشكل غيض من فيض من الجرائم فى مراكز التوقيف والتحقيق الصهيونية ضد الأسرى ، وجدت لزاماً القاء ولو نظرة مبسطة على مجريات التحقيق والتعذيب فى تلك المسالخ التى وصفها ضباط الشاباك بالتعذيب المحدود.
فى البداية يقصد "بالتعذيب" وفق اتفاقية مناهضة التعذيب "أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف ، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ، هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو ارغامه هو أو أى شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها "[1] .
يتضح من هذا التعريف أن هناك أربعة شروط أساسية وتراكمية تجعل من عمل معين بمثابة تعذيب:
أ) يتم عن قصد .
ب) يسبب الألم أو المعاناة الشديدة .
ج) يتم لغرض تحقيق أحد الأهداف المشمولة في الميثاق، وبضمنها تخليص المعلومات .
د) يتم من قبل موظف رسمي أو بموافقته [2].
ويرى الباحث حمدونة مدير مركز الأسرى للدراسات أن تلك الشروط - بلا شك- معززة بما تقوم به دولة الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين ، التى تستهدف الأسير الفلسطينى وترتكب جرم مقصود للنيل منه ، وانتزاع اعتراف وتخليص معلومات ولو غير حقيقية تحت الضغط والتعذيب لتحقيق الأهداف المشمولة فى الميثاق ، وعلى الرغم من أن إسرائيل قد وقعت وصادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 ، فإنها تعتبر" الدولة" الوحيدة في العالم التي أجازت التعذيب وشرعته بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية، لتعطي بذلك رخصة للمحققين الإسرائيليين وأجهزة الأمن المختلفة في مواصلة تعذيب الأسرى والمعتقلين بأشكال وأساليب متنوعة[3] ، فالأسرى فى سجون الاحتلال ليسوا مجرد عدد كبير، بل هم مشهد تتجسد فى كل جنباته أصناف العنصرية والاهانة والتنكيل والتعذيب واللاانسانية التى يمارسها الاحتلال بحقهم[4] ، فاسرائيل لم تمنع التعذيب بل على العكس فهى من الدول الاستثنائية التى شرعته ووفرت للمعذب الحماية القانونية بموجب أحكام قانونية صريحة وواضحة [5].
فلقد تعرض المعتقلون الفلسطينيون والعرب لمختلف أشكال التعذيب والاهانة والاذلال والتحقير والمس بالكرامة الانسانية والوطنية ، وتفتقت العقلية الصهيوينة عن عشرات الوسائل والأساليب فى التحقيق ، وطرتها سنة بعد أخرى ، وتفنن المحققون فى تعذيب الأسرى واهانتهم والحاق الأذى بهم على مدار السنين[6] .
ولقد تحولت السجون الإسرائيلية إلى مراكز لشن العنف ضد الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة ذاك العنف الذي يستهدف الإبادة، ولكن عبر وسيلة أخرى غير حبل المشنقة أو حد المقصلة، وسيلة للتصفية التدريجية للإنسان جسديا ومعنويا، لقد أريد للمناضلين الفلسطينيين أن يتحولوا في السجن إلى حطام كائنات لا تمت للبشرية بأية صلة، كائنات مفرغة من كل محتوى إنساني وتشكل عبئا على نفسها وشعبها[7] .
أهداف التعذيب وأنواعه :
لقد أقدم الاحتلال على بناء المعتقلات بهدف استكمال ذبح الانسان الفلسطيني بأشكال أخرى محاولاً قتل قيمه النضالية وتدمير إرادة التحدي فيه والمواجهة في شخصيته وجعله نادما ومحبطاً على فعله النضالي، ولم يدخل أحد إلى السجون الاسرائيلية الا وتعرض لصنف أو اكثر من أصناف التعذيب " الجسدى أو النفسى " ومورس بحقه أبشع أساليب التعذيب المحرمة دولياً [8] ، فكل من دخل تجربة الاعتقال ومورس بحقه التحقيق والضغط والتعذيب يرى أن هنالك مناوبة على " الأسير الضحية " ويكون الحال أشبه بمسرحية متكاملة الأدوار ، لكل محقق وجه معين، وهم أشبه بالممثلين، محقق متخصص فى التهديد والوعيد ، ومحقق للشتيمة والاستهزاء والسخرية، ومحقق يمثل دور الطيب الحنون الذي يواسي ويستدرج بالكلام ، وآخر ينهال بالضرب والألفاظ البذيئة القذرة [9].
التعذيب الجسدى :
وتغطية الرأس بكيس ملوث ، وعدم النوم ، وعدم العلاج ، واستخدام الجروح فى التحقيق ، ووضع المعتقل في ثلاجة ، والوقوف لفترات طويلة ، وأسلوب العصافير وما ينتج عنه من تداعيات نفسية ، واستخدام المربط البلاستيكي لليدين ، رش الماء البارد والساخن على الرأس ، والموسيقى الصاخبة ،
ومنع الأسير من القيام بالشعائر الدينية ، وتعرية الأسرى ، واستخدام الضرب المبرح ، وربطهم من الخلف إما على كرسي صغير الحجم، او على بلاطة متحركة بهدف إرهاق العامود الفقري للأسير وإعيائه، والأخطر من كل ذلك، استخدام القوة المبالغ فيها أثناء التحقيق والقمع، والتي أدت في كثير من الأحيان إلى استشهاد الأسرى أثناء التحقيق، والشبح لساعات طويلة بل لأيام، إلى جانب استخدامها أساليب الهز العنيف للرأس الذي يؤدي إلى إصابة الأسير بالشلل او إصابته بعاهة مستديمة، او قد يؤدي للوفاة [10] ، و(الشبح) أنواع سواء ما تمثل في (الإجبار على الوقوف فترات طويلة)، أو (الوقوف رافعًا اليدين)، أو (ربط الأيدي بالأرجل من الخلف)[11] .
ويرى أن لكل أسير وأسيرة فلسطينية قصة مرعبة لأشكال وأساليب التحقيق وما مارسه المحققون فى المسالخ والزنازين التى فاقت كل توقعات البشر والآدميين ، وينقل الأسير المحرر حمدونة أقسى اللحظات التى مر بها فى مسالخ التحقيق وتفنن التعذيب بالقول " أدخلونى زنزانة جانبية وإذا بالشرطة تفتح الفوهة الصغيرة العليا للزنزانة، وتم وضع خرطوم أنبوبة المطافىء الكبيرة المليئة بالبودرة الكيميائية وضخها داخل الزنزانة الصغيرة فقمت بتغطية رأسي تحت البطانية المتسخة المتوفرة بالزنزانة حتى هدأ تناثر وبعثرة المادة التى سببت الاختناق لي، أخذت أنادى على الشرطة وأكبر ليخرجونى من عملية تعذيب وخنق وإرهاب مبرمجة ، وتفاجأت بحضور الشرطة رداً على صراخى ظاناً أنهم آتون لإنقاذي، غير مدركٍ أن هذه هي إحدى مراحل التعذيب والانتقام في تلك الليلة القاسية والغير مسبوقة لربما على تجربة أسرى آخرين، وتم اقتيادي لمكان انتظار في بداية القسم له ثلاثة جدران وواجهة شبك وكان الوقت قرابة منتصف الليل، كنت أنتظر المزيد من المفاجئات في تلك الليلة الرهيبة وإذا بثلاثةٍ من الشرطة بلباسٍ مدني يتقدمهم شرطي بزي سجان قام بفتح البوابة عليّ ودخل أحدهم وبيده إبريق "كمكم كهربائي " مليء بالماء المغلي " ، واقترب منى ورشقه نحوي ، حركت وجهى قليلا وإذا بالماء يحرق جزءًا من رقبتي وصدري، وقاموا بنقلي لعيادة السجن الذي تعامل معي بكلّ قسوةٍ وألم وفقط وضع القليل من دهون الحرق على جسمي.
وشهادة مهمة أخرى من ليالى التحقيق مع المناضل المرحوم " أبو على شاهين " قال : " أخذ التعذيب معى منحى جديد من الشبح ، إلى التعليق من القدمين ، إالى التغطيس بالماء الساخن ، إلى الضرب على المواضع الحساسة فى الجسم ، إلى الأوساخ التى لا تتصور فى الزنزانة ، إلى التعذيب بالكهرباء وكان ذلك لأول مرة بالنسبة لى ، وهذا اللون من العذاب بدا جحيماً ، اذ لم يكتفوا باعطاء الشحنات الكهربائية ، بل أخذت تحرق الجلد ، بالاضافة إلى إطفاء السجائر بالجلد [12].
هذه الروايات ومئات بل الآلاف من مثيلاتها تؤكد أن رغم تعرض الأسرى الفلسطينيون للعديد من الضغوط ، والإجراءات القمعية التعسفية، إلا أن لديهم من القدرات والإمكانيات الشخصية ما يعينهم على مواصلة نضالهم، واستمرار حياتهم داخل المعتقلات الصهيونية، فهم يمتلكوا من القدرات المعرفية والانفعالية، ما يؤهلهم للتصدي للمواقف الضاغطة والتخلص منها، أو ما يعطيهم القدرة على تجنب أثارها السلبية، أو التقليل منها بهدف المحافظة قدر الإمكان على التوازن الانفعالي والتكيف النفسي والاجتماعي، رغم تنوع أساليب التحقيق وتطورها[13].
التعذيب النفسى :
أجازت لجنة التحقيق لضابط الشرطة استخدام الضغط النفسي غير العنيف من خلال التحقيق الشامل والشديد باستخدام الحيل وما فيها من أعمال الخداع، والإهانة، والتحقير، والتفتيش العاري والحرمان من النوم، والزج في زنازين معتمة رطبة، إضافة إلى الإهانات المعنوية، و التهديد بالقتل، او النفي، او هدم البيت، والتهديد بالقضايا اللأخلاقية ، او اعتقال الزوج أو الزوجة [14]، واسماع المعتقل أصوات مسجلة لاستغاثات واطلاق نار ، ونباح كلاب بوليسية [15] وغير ذلك من ممارسات .
تعذيب الأطفال :
افاد محاموا هيئة شؤون الأسرى والمحررين فى اكتوبر 2015 ، بأن السلطات الإسرائيلية وجنودها وإدارة مصلحة سجونها، مارست واحد أو أكثر من أساليب التعذيب أو التنكيل النفسي والجسدي بحق 99% من الأطفال القاصرين الذين يتم اعتقالهم واستجوابهم في مراكز التحقيق [16]، وأن اطفالا صغارا وطلاب مدارس ابتدائية يتم اعتقالهم وضربهم وزجهم في ظروف اعتقالية وحشية وبعضهم من المصابين بالغاز او الرصاص ، ويتم التحقيق معهم لساعات طويلة وهم مشبوحين على كرسي ومقيدى اليدين و القدمين، وينهالوا على القاصرين دون سن الثامنة عشر عدد من المحققين 100بالضرب المبرح طالبين منهم الاعتراف وان الجميع ضربوهم على بطونهم ووجوههم مسببين لهم آلام شديدة ، وتعرض الأطفال لكل ما يتعرض له البالغين من الشبح والضرب والهز العنيف وكل أشكال التعذيب الجسدى والنفسى كالتفتيش العارى والتهديد والترهيب والضغط النفسى[17] .
تعذيب الأسيرات :
لم تسلم الأسيرات رغم خصوصيتهن من كافة أشكال التعذيب الجسدى والنفسى الذى يتعرض له الرجال ، إضافة إلى تعرض الأسيرات الفلسطينيات للتحرش اللفظي من قبل جنود الاحتلال، وانعدام الفحوصات المخبرية والرعاية الصحية للحوامل ، والضرب القاسى المهدد للاجهاض فى حال الحمل ، وغياب الطواقم الطبية المختصة بالأمراض النسائية ، والتهديدات اللأخلاقية ، بالاضافة للضغوط النفسية باعتقال الأبناء والزوج أو الوالد وهدم البيت[18]، الأسيرة المحررة فيروز عرفة قالت حينما لم تكتب اعتراف عن انشطتها للمخابرات فى التحقيق " بدأت معى رحلة رحلة الشتم والبصق ، والاهانة ، والكفر ، وبعد فشلهم فى كسر ارادتى بدأوا بممارسة " الاهمال " وهو أسلوب يتبعه المحققون لتحطيم معنويات المعتقل الفلسطينى ، وتبدأ الهواجس والأفكار تهاجمه وتؤثر على نفسيته ، معتقدأ انهم نسوه ، فكانوا يتركونى أيام بدون جولات تحقيق ، وهنا أقر كانت تراودنى أفكار سيئة ومزعجة واوجه عشرات الأسئلة لنفسى ، لماذا يفعلوا ذلك ؟ ماذا يريدون ؟ ما هى خطواتهم التالية ؟[19]
رواية أخرى تجرم دولة الاحتلال بسبب انتهاكاتها للمبادىء الانسانية التى نص عليها ملحق قائمة القواعد العرفية فى القانون الدولى الانسانى الذى أكد فى القاعدة 127 على تلبية الاحتياجات الخاصة بالنساء المتأثرات بنزاع مسلح فى الحماية والصحة والمساعدة [20]" شهادة الاسيرة المحررة فاطمة الزق فى وصف التعذيب ، قالت : "عذبوني نفسيا وجسديا وحاولوا إجهاضي لأكثر من مرة ، وقدموا لى دواء غير معروف ، وأصابنى نزيف حاد كدت أفقد بسببه جنينى ، وتعرضت للضرب بلكمات في وجهي من قبل ضابط المخابرات الإسرائيلي ، وأخذوني في منتصف الليل سحبا بالسلاسل والقيود ، وتم نقلي من زنزانة إلى أخرى بهدف إرهابى وتعاملوا معى بوحشية وقسوة دون مراعاة لخصوصيتى كمرأة أو كحامل[21] ، وحاولوا اجهاضى من خلال الدواء والعلاج الغير معروف وفي كل مرة كانوا يطلبون منى فحص الجنين ليس للمساعدة طبعا ، وكنت أرفض إجراء الفحص الذي يهدف لقتل جنينى ، وباءت محاولاتهم العديدة بالفشل وهزمتهم إرادتي الفلسطينية . وأثناء الولادة رفضوا أن يكون أهلي بقربي ولكن الله كان معي دائما ، حيث تمت ولادتى بعد معاناة كبيرة مع الطبيبة العنصرية ، وكان الإحتلال قد قيدنى خلال الولادة بالسلاسل من القدمين واليدين لثلاثة أيام متواصلة وبعد معاناة فكوا قيودى وكنت في مستشفى " مائير بكفار سابا " حيث كنت أشعر بأنى في ساحة حرب وكانت الطبيبة الإسرائيلية العنصرية تصرخ في وجهى بأنى إرهابية وسألد إرهابي[22] ، وبذلك كانت الأسيرات صمدن صمود الجبال وكن بقوة وصلابة الرجال .
اعترف جهاز المخابرات الإسرائيلية ضمنا فى أعقاب موجة اعتقالات أكتوبر 2015 ، أنه يمارس أشكالا من التعذيب ضد المعتقلين الفلسطينيين، وطالب نيابة دولة الاحتلال بابرام صفقات مع المعتقلين تتضمن "أحكاما مخففة" عليهم في المحاكم العسكرية ، وحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن تخوف ضباط المخابرات الاساس، هو أن تتحول افادات المعتقلين وشهادات ضباط المخابرات
الى مستندات تقدم ضدهم الى محكمة الجنايات الدولية في العاصمة الهولندية لاهاي[23] ، وذلك فى أعقاب انضمام فلسطين رسميا إلى الجمعية العامة لأعضاء محكمة الجزاء الدولية في خطوة رئيسية تتيح للمسؤولين الفلسطينيين ملاحقة إسرائيل بدعاوى حول ارتكاب جرائم حرب بحق المواطنين الفلسطينيين [24].
مشاركة الطبيب فى التعذيب :
تعتبر الطواقم الطبية العاملة فى السجون ، أو فى المستشفيات العامة ، جزءاً من المؤسسة الاسرائيلية الأمنية ، وقد أكدت كافة الشهادات على مشاركة الأطباء والممرضين – بشكل مباشر – فى تعذيب الأسرى والأسيرات بشكل متعمد ، اذ كثيراً ما رأينا المحقق ينتحل صفة الطبيب ، وبالمقابل رأينا الكثير من الأطباء يتحولون إلى أدوات فى يد الأجهزة الأمنية ، ينفذون ما يطلب منهم ، أو يصمتون أمام تعذيب المخابرات الاسرائلية للمعتقلين أمامهم ، متخلين بذلك عن أخلاقيات المهنة[25] .
جهاز كشف الكذب:
من شأن هذا الجهاز أن يرصد بعض التغيرات التي تطرأ على جسم الإنسان كنبضات القلب وإفرازات العرق الناجمة عن توترات عصبية، عندما يجتاز المعتقل كل وسائل أو بعض التعذيب، وتضطر سلطات الاحتلال إلى عرضه على هذا الجهاز، يوصل المعتقل بأسلاك التيار من أذنه وبطنه وأطراف أصابعه والأسلاك هذه تلتقط التعبير مهما كان بسيطاً، ويقوم المحقق بتوجيه الأسئلة إلى المعتقل مطالبه بالإجابة عليها بسرعة فعندما يحصل تغيير ترتفع الذبذبات فينتبه المحقق إلى موقع الكذب( )، علماً بأن هذا الجهاز لا يشكل إثباتاً أمام المحكمة وكذلك ممنوع في العرف الدولي، ولا يجوز استخدامه ضد المعتقلين [26].
تقول الأسيرة المحررة روضة حبيب أنهم نقلونى إلى ما يسمى بجهاز الكذب وأبلغنى المحقق أنهم دفعوا آلاف الدولارات لتأمينه لفحص الصدق أو الكذب ، تعرضت لهذا الأسلوب ثلاث مرات ، وكل مرة كنت أمكث 15 ساعة للعملية الواحدة ، كنت أشعر بعملية تحقيق قاسية ، أى حركة للرأس أو الجسم يعيد الاختبار من جديد كنت أشعر بالتحنيط ، كنت أذهب للخبير من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى نهاية الليل ، كنت أشعر بالشلل وأنا مليئة بالأسلاك فى كل مكان على جسمى وقلبى ، وفى النهاية قال لى أنت انسانة كذابة وخسرنا الكثير والخبير معك دون فائدة ، وعقبت كل القضية مسرحية شعرت أن الكرسى نفسه كذاب بالاضافة للمحققين [27] .
استخدام العملاء "نزلاء غرف العار":
غرف العار، هي امتداد لأجهزة السلطة القمعية بأيدي فلسطينية لمساعدة المخابرات الإسرائيلية في عملها، المحقق الإسرائيلي يجند العملاء لابتزاز الاعتراف من المعتقلين، وذلك عن طريق الخداع وتمثيلهم لأدوار وطنية، وغرف العار هي غرفة مخصصة للعملاء الخونة الذين سقطوا في مستنقع الخيانة، والذين يتولون التحقيق مع المعتقل الجديد داخل هذه الغرف بإيعاز وإشراف رجال المخابرات الإسرائيلية ويمثلون دور الشرف والنضال بهدف استدراج المعتقل للحديث عن العمليات أو النشاطات التي قام بها أو ممارسة الإرهاب والتهديد ولإتمام عملية التمثيل فإنهم يضربون المعتقل ويهددونه بإحداث جروح في جسده بأدوات حادة[28] .
بايجاز عملية التحقيق ليست سهلة ويسيرة وانما هى عملية معقدة ومركبة جداً وتحتاج إلى نظرية عالية فى الدقة والاحكام وتراعى أدق وأرقى العلوم وتستخدم أعلى نظم للتكنولوجيا كى تنجح فى تحقيق أهدافها بحسب ما لدى المعتقلين من معلومات ، فليس من المتوقع أن يجدد المحقق هذا الفدائى الذى حمل روحه على كفه من أجل القيم التى يحملها أن يقدم له ما لديه من معلومات على طبق من ذهب ، هذا ليس متوقعاً ، كما وأنه ليس متوقع أن يحقق رجل الشاباك ذلك بقليل من الجهد أو بصورة وأساليب سهلة وسطحية [29].
نعم تعرض عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، ولكن بسبب قناعة هؤلاء الأسرى المعذبين بعدالة قضيتهم، لا تظهر عليهم آثار التعذيب النفسية والاجتماعية، بقدر حجم وكم التعذيب الذي يتعرضون له ومن زاوية التحدي للاحتلال وممارساته وجرائمه، يظهر هؤلاء الأسرى درجة عالية من التماسك ليشكلوا نموذجاً في الصمود أمام شعبهم في مقارعة الاحتلال، لحثهم على المقاومة بدلاً من الخضوع للاحتلال والخوف منه[30].
حتى ما بعد الأسر والافراج اتضح أن المحررين يتمتعون بإستراتيجية إعادة التقييم والتى تحتل المرتبة الأولى في الاستخدام في مواجهة الآثار النفسية، يليها التخطيط لحل المشاكل، ثم التحكم بالنفس، يليها الانتماء، تأتي في المرتبة الخامسة إستراتيجية تحمل المسؤولية، يليها التفكير بالتمني والتجنب، وجاءت إستراتيجية الارتباك والهروب في المرتبة السابعة والأخيرة في الاستخدام من قبل الأسرى المحررين، كما تبين أن الأسرى يستخدمون العديد من استراتيجيات التكيف لمواجهة الآثار النفسية الناشئة عن الأسر[31].
ويعتقد الباحث أن هنالك المئات من الشهادات المشفوعة بالقسم من قبل الأسرى المحررين الكفيلة بتجريم دولة الاحتلال أمام المحاكم ، ومحكمة الجنايات الدولية ، ودعا المنظمات الحقوقية لجمعها وتوثيقها وتحضيرها لمحاسبة المحتلين على أفعالهم وملاحقتهم وفضح انتهاكاتهم بحق الشعب الفلسطينى أمام العالم .
هوامش:
[1]- موقع الأمم المتحدة – حقوق الانسان ، http://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CAT.aspx
[2] - بتسيلم - مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ، http://www.btselem.org/arabic/torture/international_law
[3] - فتحي كلوب : مفاهيم حقوق الأسرى المتضمنة في محتويات مناهج التربية الوطنية المقررة على تلاميذ المرحلة الأساسية في فلسطين ، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص 5 .
[4] - فراس هلال :معاناة الأسير الفلسطينى ، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ، بيروت ، لبنان ، 2009 ، ص 1 .
[5] - ربحى قطامش ، نمر شعبان :تعذيب السجناء السياسيين الفلسطينيين فى السجون الاسرائيلية ، الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان ، رام الله ، فلسطين ، 2003 ، ص 101 .
[6] - زاهى وهبى : مروان البرغوثى ألف يوم فى زنزانة العزل الانفرادى ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، رام الله ، فلسطين، 2011 ، ص233 .
[7] - د. إياد شناعة : أوضاع ومعاناة الأسيرات والأطفال الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية " 1967م – 2012م " ، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص2 .
[8] - رفيق حمدونة ، منير شقورة : " توثيق تجربة الاعتقال الفلسطينية في السجون الإسرائيلية بين الضرورة والتنفيذ وتاريخها"، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص 3 .
[9] - الأسيرة المحررة روضة إبراهيم حبيب ، مقابلة، فى اذاعة صوت الأسرى ، 3/2/2015 .
[10]- كمال الأسطل : القانون الدولي الإنساني وقضية الأسرى الفلسطينيين ، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص 3 .
[11] -عايد محمد الحموز: الصلابة النفسية وعلاقتها ببعض أساليب التعذيب الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين في محافظة الخليل ، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص22 .
[12] - محمد القيسى ، الهواء المقنع- أبو على شاهين 15 عام فى الاعتقال ، مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة ، 2014 ، ص 116 .
[13]-عايد محمد الحموز: الصلابة النفسية وعلاقتها ببعض أساليب التعذيب الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين في محافظة الخليل ، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص5 .
[14]- جيفرى ديلمان ، موسى البكري ، استخدام إسرائيل للتعذيب بالصدمة الكهربائية، ط1، مركزالمعلومات الفلسطيني لحقوق الإنسان، القدس، 1991، ص25.
[15] - منية سمارة ، محمد الظاهر : سيناريو المعتقلات الصهيونية ، دار المنارات ، عمان ، 1985 ، ص 77 .
[16] - وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية: http://www.wafa.ps/arabic/index.php?action=detail&id=205736
[17]- وكالة معا الاخبارية : https://www.maannews.net/Content.aspx?id=788510
[18] - رشاد المدني : واقع الأسيرات الفلسطينيات ومعاناتهم داخل السجون الصهيونية، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص2 .
[19] - سامى الأخرس : فيروزيات نضالية ، مطبعة الأندلس ، غزة ، فلسطين ، 2015 ، ص 114 .
[20] - جون ما رى هنكرتس : دراسة فى القانون الدولى الانسانى العرفى ، الترجمة إلى العربية أ محسن الجمل ، بيروت ، الناشر المركز الاقليمى الاعلامى للصليب الاحمر ، 2005 ، ص 49 .
[21] - موقع الرأى : http://alray.ps/ar/index.php?act=post&id=131470
3- شبكة فلسطين للحوار : https://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=994056
4 - أبو عون ، فايز ، " 10 ألاف فلسطينية دخلت المعتقلات منذ عام 1968 "، مجلة الغيداء، العدد 15 ، ص 7 .
[23]- وكالة قدس نت للأنباء: http://qudsnet.com/news/View/318856//
[24] - BBC عربى : http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/04/150401_palestine_joins_icc
[25] - عبد الناصر فروانة: الأسرى الفلسطينيون .. آلام وآمال ، القاهرة ، صادر عن جامعة الدول العربية ، 2015 ، ص 211 .
[26] - وليد مزهر: الاعتقال في السياسة الإسرائيلية في منظور القوانين، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص 98 .
[27] - الأسيرة المحررة روضة إبراهيم حبيب ، مقابلة، فى اذاعة صوت الأسرى ، 3/2/2015 .
[28] - محمد لطفي ياسين خليل: التجربة الاعتقالية في السجون الإسرائيلية, دار ابن رشد للنشر والتوزيع 1989 ، ص32.
[29]- يحيى السنوار : المجد ، جمعية واعد للأسرى والمحررين ، غزة ، فلسطين ، 2009، ص 268 .
[30] - عايد محمد الحموز: الصلابة النفسية وعلاقتها ببعض أساليب التعذيب الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين في محافظة الخليل ، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص21 .
[31] - عايد محمد الحموز: الصلابة النفسية وعلاقتها ببعض أساليب التعذيب الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين في محافظة الخليل ، غزة ، فلسطين ، مؤتمر الأسرى ، جامعة القدس المفتوحة ، 2013 ، ص19 .
مركز الأسرى للدراسات
للمراسلة على البريد الالكتروني
على الفيس بوك على الرابط
https://www.facebook.com/alasraPSnews