"هم يعتقدون إن في البدء كانت الكلمة لكننا نعتقد انه في البدء كان الفعل ثم الكلمة "تروتسكي".
- السلام عليكم...
كررناها من خلفه، نحن معشر المصلين، كعادتنا دائما فما يقوله إمامنا نقول نحن من بعده آمين، حتى وإن كنا لا نعرف ما يقوله .. فالدين هو الشعور بالتبعية المطلقة كما قال أحد أساتذتي ذات صباح.. استدار هذا الإمام جهتنا بتؤدة الزهاد وهو يمسح لحيته الملونة بالحناء والمنسدلة بغزارة..انفض المصلون من حوله. تفرقوا أيدي سبأ كما لو ذعروا من دوي صفارة إنذار. تسارعوا إلى أحذيتهم تجنبا العودة بدونها كما حدث ذات جمعة رمضانية لبائع السمك الذي قرر أن تكون تلك أول صلاة وآخر صلاة على الأقل في ذلك المسجد ..أحد المصلين انتهز التدافع حول باب المسجد فوضع يده في جيب مصل آخر مغيرا على هاتفه النقال وفمه لا يزال يردد مع الإمام:
- استغفر الله العظيم. لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم....
صافحه صاحب الهاتف المسروق من دون أن يعلم ما وقع له ورد عليه :
- تقبل الله منا ومنك..
كان صوت مصل آخر يرتفع من هناك لاعنا دين أم من رمى بحذائه هناك بعيدا عن مجموع الأحذية وقدماه لم تفارق باب المسجد بعد...وغير بعيد عنه تجمهر الناس حول عراك بين بعض المصلين ...لا أعرف لماذا وجوه بعض المصلين تخيل لي مثل هياكل حديدية صدئة مصقولة من نضارة الإيمان تتدافع حول الباب بالمناكب وأشياء أخر هاربة من المسجد كأنها فارة من حمم بركانية ...أليس الدين المعاملة..؟؟.قفز إلى ذهني قول أحد أصدقائي: لا تحدثني عن الدين...ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك..
الإمام لا يزال في مكانه رابضا يتكلم مع نفسه لا يعرف المؤمنين فحواه خصوصا الحاج بوعزة الذي مد أذنه كثيرا لكن من دون أن يحقق فضوله...
كثر اللغط حول هذا الإمام الحديث العهد بالقرية. أربعيني وإن كانت تقاسيم وجهه تعبر عن أكثر من ذلك. جلبابه الأفغاني القصير الذي يلبس من فوقه المعطف الأمريكي ولحيته المسدلة التي لا تشبه لحى أهل القرية وعطره الحاد والعنيف الذي يجرح الأنوف أشياء كانت مدار حديث أهل القرية في أسمارهم...لماذا هو يلبس هكذا؟؟...
أحد رواد المسجد وإن كان يرتاده مكرها لرفع تقارير يومية لرئيسه يسر لي بأن هذا الإمام رجل عصري وحداثي يهوى النت والمراسلة عبر المواقع الاجتماعية وتبادل الزيارات... بل ويتواصل باسم مستعار مع تلك العشرينية التي صفعته بجمالها القاهر ذات عودة من صلاة العشاء وهو لا يريد ذيوع الخبر خوفا من غضب السلطات وعقابها الغليظ ...
هي المرأة دائما أصل الغواية في بنية العقل العربي.. حتى الجنة لم يتخيلها العربي بدون متعة مع النساء....
أنا الآن في دكان صديقي إبراهيم السوسي أجرب حظي مع اليانصيب كعادتي بعد كل صلاة مغرب. وأنا أحك واحدة صاح إبراهيم فرحا بأنها رابحة .. فرحت بدوري وحمدت الله كثيرا... إمام المسجد من خلفي يهنئني بالفوز ويدعوني إلى الصلاة كثيرا من أجل فوز آخر خصوصا صلاة الفجر مع الإكثار من دعاء الفوز في اليانصيب الذي وعدني بكتابته لي حتى أحفظه مقابل منحه بعض الدريهمات من ربح اليوم ... بل وعدته أن أمنحه نصيبا من كل ربح في الأيام القادمة إن كان الدعاء الذي سيكتب لي فعالا ... فقبل الوعد..
الإمام غوته هذه اللعبة مثل غواية بنت العشرين له .. مده إبراهيم بورقة .. وبخبرته التجارية الفطرية يذكره بأن الربح بالملايين وقد يأتي لا محالة ... الإمام يحك الأولى .. يحك الثانية .. يحك الثالثة وهو يستعين بسرد آية الكرسي ويتمتم بأشياء أخرى غير مفهومة قصد مساعدته على الربح. .. كانت كل الأوراق التي يحكها الإمام خاسرة ... إبراهيم يومئ إلي أن انظر إلى حال الإمام وأحواله ... لم أستطع كتمان بركان من الضحك بداخلي فانفجرت ضاحكا كما لو أنني لم اضحك لسنوات وأنا أرد على أحد الزبائن المصلين الذي جاء ليحك بعض الأوراق هو الآخر:
- وعليكم السلام...
بينما الإمام كان لا يزال يحك الأوراق مطاردا الربح الذي قد يأتي عبر إحداها...
- elkhatibi033@hotmail.fr