يذكر الكاتب أن هذا الكتاب يتضمن معلومات قيمة ومفيدة لفهم الوضع الحالي في مصر والمنطقة عموما وخصوصا في مجال فتح الرئيس أنور السادات النافذة لدخول حركة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية، ومدى اختلاف توجهاته عن مواقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ومن أهم ما توصل إليه الكاتب من استنتاجات أن السلام في الشرق الأوسط والاتفاقية التي وقعها السادات مع قيادة إسرائيل، وما تلاها من اتفاقات، فشلت جميعها لأنها لم تعالج قضيتين رئيسيتين وهما قضيتا استيلاء إسرائيل على القدس، وتمسكها بسياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كتاب «السادات» لـروبير سوليه

سمير ناصيف

صدرت مؤخرا الترجمة العربية لكتاب «السادات» للصحافي في جريدة «لوموند» الفرنسية روبير سوليه، المولود في مصر. وتضمن الكتاب معلومات قيمة ومفيدة لفهم الوضع الحالي في مصر والمنطقة عموما وخصوصا في مجال فتح الرئيس أنور السادات النافذة لدخول حركة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية، ومدى اختلاف توجهاته عن مواقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في هذا الشأن وغيره.

ومن أهم ما توصل إليه الكاتب من استنتاجات في كتابه الصادر حالياً بالعربية عن دار «هاشيت ت نوفل» في بيروت، ان السلام في الشرق الأوسط والاتفاقية التي وقعها السادات مع قيادة إسرائيل، وما تلاها من اتفاقات، فشلت جميعها لانها لم تعالج القضيتين الرئيسيتين القابعتين على رأس قائمة اهتمامات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية، وهما قضيتا استيلاء إسرائيل على القدس وتمسكها بسياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويوضح سوليه في الفصل العشرين من الكتاب ان السادات وفي لقاءاته مع الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر وفي مطلع عام 1978 عبّر لكارتر عن إحساسه بالمرارة ملقيا اللوم على مناحيم بيغين لخضوعه لضغوط وزير الزراعة آرييل شارون الذي كان يرغب في إسكان آلاف المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة، وقد رأى السادات آنذاك ان رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يرغب حقاً في السلام.

ويستشهد بما قاله الرئيس جيمي كارتر في مذكراته حيث أشار إلى انه «كلما حققنا تقدماً ما من جهة العرب، يأتي الاعتراف بمستوطنة جديدة أو ينطلق تصريح استفزازي تُدلي به الحكومة الإسرائيلية لتضيع ما حققناه هباء». وكان البيت الأبيض، حسب كارتر، يراقب تصرفات إسرائيل بقلق خصوصا عندما أدخلت جيشها إلى جنوب لبنان في 14 آذار/مارس 1978 واحتلته ووصلت إلى نهر الليطاني.

وفي الفصل 31 من الكتاب بعنوان «سلام جليدي» يقول الكاتب انه كان بوسع المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية ان تُظهر أن اتفاقية «كامب ديفيد» يجب ان تؤدي إلى حل شامل في الشرق الأوسط. ويضيف: «كانت سياسة السادات الخارجية لتكون محل ترحيب شامل لو أنها أدت إلى حل للمسألة الفلسطينية، لكنه (أي السادات) ليس المسؤول الوحيد عن هذا الفشل، بل على العكس، فبمواصلة الاستيطان في الضفة الغربية ورفض كل حل وسط حول القدس، حال الإسرائيليون دون إقامة دولة فلسطينية. أما الزعماء العرب، فقد تميزوا خصوصاً بانقساماتهم وازدواج لغتهم وديماغوجيتهم».

ويشعر سوليه بالأسف لان العالم صدّق ان اتفاقية السادات مع إسرائيل في كامب ديفيد كانت ستؤدي إلى اتفاقيات أخرى في التوجه نحو السلام نفسه. فتم برعاية الرئيس بيل كلينتون توقيع اتفاقية اوسلو في 13 ايلول/سبتمبر 1993 بين اسحاق رابين وياسر عرفات بعد مباحثات في كامب ديفيد، ولكن كانت تلك الاتفاقية في رأيه إعادة إنتاج (مطابقة تقريباً) لما قام به قبل 16 عاما الثلاثي كارتر ـ السادات ـ بيغين، أي انها لم تركز على القضيتين الأساسيتين وهما مصير القدس والاستيطان الإسرائيلي وأجلت معالجتهما بجذرية. وبعد اغتيال رابين، ذهبت (حسب الكاتب) اتفاقية اوسلو أدراج الرياح ولم يبق سوى السلام المنفرد بين إسرائيل من جهة، مع مصر والأردن من جهة أخرى. ويشير إلى قول لوزير الخارجية الإسرائيلي السابق شلومو بن عامي وَرَدَ فيه التالي: «أخطأت إسرائيل حين اعتقدت ان بوسع مصر ان تفتح أبواب العالم العربي، لان مفتاح المصالحة بين العرب وإسرائيل يبقى، حيث كان دائما، أي بيد الفلسطينيين».

الفصول الأولى تركز على مزاجية الرئيس السادات وتبدل مواقفه من كونه الضابط المناهض للاستعمار الانكليزي لمصر والمعجب بالألمان إلى الرئيس السلطوي الديكتاتوري الذي مهد وساهم في إدخال مبادئ الشريعة الإسلامية إلى الدستور المصري في عام 1971.

ويعتبر الكاتب ان من أحد أهم أخطاء السادات كان اللعب بالنار، فباستخدامه بعض الإسلاميين لمحاربة اليسار والناصريين، أطلق عملية خطيرة كلفته حياته في النهاية. ولكنه يستدرك قائلاً انه من غير المنصف تحميل السادات وحده مسؤولية نمو التطرف الإسلامي، الذي لم تكن مصر وحدها مسرحاً له، بل مجمل العالم العربي.

كما يوضح أن مراجعة ايديولوجية تمت لدى بعض التنظيمات الإسلامية المتشددة إذ تخلى قسم منهم عن العنف لتحقيق غاياته السياسية، فيما اختار آخرون الالتحاق بمنظمة «القاعدة» حيث تحالف تنظيما «الجهاد الإسلامي» و»الجماعة الإسلامية» واغتالا السادات في وقت تحول فيه تنظيم «الإخوان المسلمين» إلى أبرز مجموعة برلمانية معارضة خلال حكم الرئيس حسني مبارك وبعده.

وفي الفصل الأخير من الكتاب يذكر سوليه انه وفي 6 تشرين الأول/أكتوبر، أحدث الرئيس المصري السابق الإسلامي التوجه محمد مرسي مفاجأة بتقليد السادات «بطل العبور» أرفع وسام مصري وهو «وشاح النيل» فيما لم يتم تكريم الرئيس جمال عبد الناصر في الاحتفالات بالذكرى الستين لانقلاب 23 تموز/يوليو 1952.

ويوضح ان كثيراً مما كُتب عن وجوه التعارض بين السادات وعبد الناصر فيه قدر من المبالغة إذ يلاحظ الكاتب والوزير اللبناني السابق جورج قرم ان الرجلين يتشابهان في كون أحدهما وجّه بلده إلى أحضان الغرب الاشتراكي والآخر وضعها في أحضان الغرب الرأسمالي.

إلا أن سوليه يعالج اختلاف المواقف بين السادات وعبد الناصر في أكثر من فصل من فصول الكتاب الأولى، وخصوصا في الفصلين الثامن والتاسع.

ففي الفصل الثامن بعنوان «في ظل عبد الناصر» يذكر الكاتب ان السادات زار واشنطن عام 1966 وشعر بالانزعاج من هجوم عنيف شنه عبد الناصر على الأمريكيين عشية وصوله إلى واشنطن، وكان ناصر أراد نسف الزيارة التي كان قد شجعه على اتمامها. ويضيف ان الأمريكيين وجدوا السادات لطيفا وودوداً ومنفتحاً، أما هو (أي السادات) فقد أثارت الولايات المتحدة اعجابه كثيراً.

ولا شك في انه، حسب الكاتب، بدأ يحلم مذ ذاك «بإدارة الظهر للأخ السوفييتي للارتماء في أحضان العم سام». وبدأ السادات، حسب المؤلف، يتلقى هدايا من شخصيات عربية خليجية، مما زاد في غضب عبد الناصر منه.

وتفاقم الخلاف بينهما بعد «حرب الأيام الستة» في 5 حزيران/يونيو 1967، وبعد تدمير سلاح الطيران المصري بأكمله وهو على الأرض، وعلى أثر اعتراف ناصر بالمسؤولية واستقالته والعودة عنها انزعج السادات لكون الرئيس عبد الناصر عيّن زكريا محي الدين بدلاً منه، قبل تراجعه عن استقالته ولأنه كان دائما يعطيه دوراً ثانوياً كمذيع يقرأ النصوص التي يكتبها الآخرون.

كما شعر السادات ان تحميل المشير عبد الحكيم عامر مسؤولية هزيمة حرب 5 حزيران/يونيو كان مبالغا فيه، وخصوصا إزاء الإعلان بأنه انتحر. ورأى ان الفرصة سانحة أمامه للعب دور أكبر وخصوصاً بعد إقالة عبد الناصر قادة بارزين آخرين في النظام مثل صلاح نصر وحسين الشافعي وشمس بدران ومحاكمتهم.

ورغم ذلك، فقد عينه عبد الناصر نائبا للرئيس، خلال غيابه للمشاركة في مؤتمر لتحرير فلسطين في العاصمة المغربية.

بيد ان السادات ارتكب أخطاء في منصبه كنائب للرئيس، حيث أعلن، في غياب عبد الناصر، خلال زيارته لطرابلس الغرب، معارضته لمبادرة السلام التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي ويليام روجرز والتي كان الرئيس عبد الناصر قد اختار قبولها لرفع الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى المستوى العالمي.

وفي الفصل التاسع بعنوان «انا الرئيس»، غاب انور السادات عن جنازة الرئيس عبد الناصر بحجة اصابته بانهيار صحي مفاجئ. وفي مذكراته، يقول السادات ان السوفييت خططوا منذ اللحظة الأولى ضده لانهم لا يريدونه رئيسا. ولكن لدى ترشيحه من جانب اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي، ومجلس الأمة للرئاسة قال السادات للنواب «برنامجي هو برنامج عبد الناصر … ولا أحد إلا الجماهير يستطيع سد الفراغ الذي تركه قائدنا الحبيب».

وكانت للسادات، حسب الكتاب، علاقة قوية بوزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر مع ان الأخير اعتقد في البداية بانه مهرج ولن يبقى في سدة الرئاسة أكثر من أسابيع قليلة. كما اعتبره جوزف سيسكو، أحد كبار المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية الأمريكية: «رجلاً يتفهم تماماً مشاكل اسرائيل بطريقة عقلانية لا يمكن سماعها من أي حاكم عربي آخر».

ويشير الكاتب إلى ان السادات كان مقتنعاً بأنه يواجه كتلة سلطة تتشكل اساساً من عملاء للاتحاد السوفييتي. وحسب ما ذكرته زوجة السادات جيهان، سلم ضابط شرطة إلى السادات شريط تسجيل تضمن محادثات هاتفية بين اثنين من قادة الحزب الحاكم يتناقشان فيه سبل القبض على السادات وحتى اغتياله. وفي مخابرة مسجلة أخرى، تحدث نائب الرئيس علي صبري، ووزير الداخلية شعراوي جمعة، حسب سوليه، عن الإطاحة بالرئيس، حيث قال صبري لجمعة: «إذا تمسك بمنصبه سنتكفل بان نلمه». وأقال السادات شعراوي جمعة من منصبه وطلب من اللواء الليثي ناصف، قائد الحرس الجمهوري إلقاء مسؤولين في السلطة في السجن، خوفاً من انقلاب ضده. وبعد ذلك صدرت أحكام على كل من علي صبري وشعراوي جمعة وسامي شرف بالإعدام ثم خففت إلى الأشغال الشاقة، ووحده علي صبري بقي قيد الاحتجاز طوال فترة رئاسة السادات ثم خرج في عهد الرئيس مبارك في ربيع 1981. وفي احدى الفترات، أصبح السادات «الرئيس المؤمن» وهو عنوان الفصل العاشر من الكتاب، حيث لبس الثوب الإسلامي ودعا إلى استناد الدستور المصري إلى الشرع الإسلامي.

ويقول الكتاب: «لم يسبق لأي من الدستاير المصرية السابقة، سواء في العهد الملكي أو الجمهوري، ان أكد على أمر كهذا، خصوصا ان نسبة عشرة في المئة على الأقل من المصريين هم من المسيحيين».

وبالتالي، حسب سوليه، هذا الأمر سمح للسادات بالتأكيد على شخصيته كزعيم مسلم، ولم يعد اسمه انور السادات بل محمد انور السادات، وبدأ يسري عليه لقب «الرئيس المؤمن».

ويذكر الكاتب ان مصر عبد الناصر كانت أقل ليبرالية من مصر السادات لكنها كانت تسمح بوجود مرجعيات متعددة كالقومية والعروبية والاشتراكية والإسلام السياسي، ولكن العنصر الأساسي فيها كان التفاني في سبيل الوطن العربي والمصري أما في عهد السادات، فقد سيطرت المرجعية الإسلامية، وشيئاً فشيئاً، أخذت تحتل حيزاً مفرطاً في ساحة المجال العام. ومع ان السادات ومشروعه لإدخال الشريعة في الدستور أتاح له الفوز برضى الإسلاميين، ومع ان عبد الناصر قمعَ «الإخوان المسلمين» الذين اتهمهم بالسعي لاغتياله في عام 1954، وايده السادات في ذلك آنذاك، فان انفتاح السادات، ومغازلته للحركات الإسلامية المعتدلة من أجل القضاء على النفوذ المتزايد للناصريين والاشتراكيين والشيوعيين والديمقراطيين الليبراليين، وإطلاقه سراح إسلاميين معتقلين وعفوه عنهم، وتغييره لوجهة النظام المصري، برغم ايجابياتها إنسانيا وديمقراطياً فقد أدت إلى دفعه ثمنها عندما قررت هذه الجهات معاقبته على تجاوزه للحدود المقبولة في علاقته بإسرائيل المعتدية على حقوق الفلسطينيين والقدس الشريف واغتالته.

 

روبير سوليه: «السادات»:

ترجمة أدونيس سالم

دار «هاشيت ت نوفل» بيروت 2015

345 صفحة