تقرير من الرباط: سعدي يوسف يضيء مسرح محمد الخامس
لمناسبة منحه جائزة الأركانة العالمية للشعر للعام 2009م
سعدي يوسف: لكأنّني الآن أسمع رفيف أجنحة 24 تشرين الأول (اكتوبر) لن يكون، من الآن، عادياً في ذاكرة الشعر والشعراء. ذلك التاريخ البعيد الذي حدّده محمود درويش، قبل أن يرحل بأيّامٍ، موعداً لاستلام جائزة الأركانة التي منحها له بيت الشعر بالمغرب للعام 2008 م. لكنّ الشاعر الفلسطيني عاجله/ عالجه الموت، فلم يحضر. حضر، بدلاً عنه، شقيقه أحمد ومُحبّوه ووارثو أسرار شعريّته، مأخوذين بروحه العظيمة التي خيّمت على فضاء مسرح محمد الخامس، وهو الذي كان أثيراً لديه في كلّ لقاء شعريّ ـ روحيّ جمعه بجمهوره المتعاظم في المغرب. ربّما، لهذا السبب، صعد الشاعر سعدي يوسف خشبة المسرح، لاستلام الجائزة نفسها هذا العام، وهو يترنّح مأخوذاً بروح رفيقه ومُصغياً إلى هَيْنماتٍ من نشيدٍ لا يزال. قال سعدي، بنبرة حزْنٍ آسر: "أوجِّه رفيفاً من الرُّوح إلى محمود درويش". وفي إشارةٍ إلى اللقاء الذي جمعه بالشاعر محمود درويش عام 2003م، قال سعدي: "في هذه اللحظة، أشعر أنّنا لا زلنا معاً بهذا المكان الأثير لدينا"، وأضاف "اللحظة شديدة القصر والإرهاف، لكنّها الكفيلة بالتغيير الأعمق في ذواتنا. لكأنّني الآن أسمع رفيف أجنحة. إنّ طاقة الشعر لا تفنى. الشعر هو أغنية، هو أغنية كما قال محمود درويش". وأخبر سعدي جمهور المسرح أنّه عائد للتوّ من الصين التي ترجمت إلى لغتها مختاراتٍ من شعره لم يفكر حتّى في مراجعتها، لأنّ له ثقة كبيرة في عربية الصينيّين الذين يكنّون كل الاحترام للشعراء العرب، مثلما يعترفون لبيت الشعر المغربي بالفضل في عودة أخيهم الغريب الشاعر الصيني بيي ضاو من مقامه الطويل في الولايات المتحدة إلى وطنه الصّين، بعد أن مُنح جائزة الأركانة في دورتها الأولى للعام 2002م. ثمّ أنشد الشاعر سعدي يوسف، خلال الحفل الذي قدّمته الشاعرة وداد بنموسى وحضره وزراء وسفراء ومثقّفون وأدباء، قصائده (أيام العمل السري)، و (قصيدة يائسة)، و (إلى سركون بولص)، و ("نابل" في الشتاء) التي يقول منها: تتجمّعُ الأمطارُ في كانون... في الكورنيشِ، صيّادونَ لم يَحْنوا الجباهَ لسطوةِ الأنواءِ، بضعةُ فِتْيَةٍ تاهوا مع الفتَياتِ. في الكورنيشِ ذكرى أو رسائلُ. كان كِشْكُ مثلّجاتٍ يحتمي بالريحِ. سوف نكون، في مَغْنىً، هنا! خداري، حميش، صبحي والوهايبي: الكلمات الّتي تجب وكانت سبقت طلّة سعدي على جمهور المسرح كلماتٌ في حقّ المحتفى به وجائزته المستحقّة لم تخْلُ من روح الدّعابة، في البدء، وجّه الشاعر نجيب خداري، رئيس بيت الشعر في المغرب، "تحية للصانع الماهر الأكثر انتباها إلى العابر"، وقال: "نعتز، عميق الاعتزاز، بفوز شاعر عربي رائد كبير هو الشاعر العراقي سعدي يوسف بجائزة الأركانة لسنة 2009. وإذا كانت اعتبارات الإنجاز الشعري الباذخ، في مسيرة سعدي يوسف الطويلة الدائبة المتجددة، مما لا يجهله المهتمون بالمشهد الشعري العربي العالمي، ومما يبوئه عظيم التكريم والاحتفاء، داخل الوطن العربي وخارجه، فإنّ هناك اعتبارات تجعل المغاربة أكثر سعادة بذهاب الأركانة إلى سعدي يوسف، تتمثل في صداقته العميقة للمغرب، ولشعرائه وأدبائه وفنانيه ومثقفيه". وزاد: "على كل حال، نعتبر أنّ من رسائل جائزة الأركانة، ومن مهام بيت الشعر في المغرب، تأكيد ضرورة الإنصات المرهف إلى الشعرية العربية، من جاهليّتها إلى الآن، ترجمة وتداولاً واحتفاء، داخل البلاد العربية، وفي كل بلاد العالم". وألفت الحضور إلى "أنّ هناك ظلماً آخر نعانيه هو سياسات حكوماتنا العربية التي تضع الهم الثقافي في أسفل اهتماماتها وميزانياتها. ولكن أبشع أنواع الظلم الذي يلحق بثقافتنا وإبداعنا هو ما يتنزل علينا من خلفية الصراع العربي الإسرائيلي. وهي الخلفية ذاتها التي أضاعت علينا فرصة كانت متاحة قبل أيام لتبوئ كرسي إدارة اليونيسكو". أما الكاتب والروائي بنسالم حميش، وزير الثقافة، فقد حيّا، في كلمة له بالمناسبة، سعدي يوسف يُهنّئه بالجائزة: "سعديْك سعديْك يا أخي سعدي بجائزة الأركانة التي شرفت بك"، وذكّره بصداقة ريتسوس ومحبّته، وما قاله الشاعر سان جون بيرس في أمثاله: "إنّ الشاعر من يكسر، لحسابنا، سُنّة التعوُّد". ولم تخْلُ كلمة حميش من نقد الراهن الثقافي المغربي، عندما دعا إلى الكفّ عن الحروب الثقافية التي لا تخدم أحداً، وإلى تربية النشء على قراءة الشعر وتذوّقه وحفظ ذاكرته. من جهته، أشار الكاتب السوري صبحي حديدي، رئيس لجنة التحكيم، إلى أن اجتماع لجنة التحكيم لم يكن بالشكل المتعارف عليه، "فقامة سعدي يوسف كانت شاخصة أمامنا منذ البداية، وكانت قصيدته تثير الإعجاب والإجماع بيننا. لم يطرح أحدٌ إسماً غيره". وأوضح أنّ الذي يلفته في شاعرٍ كبيرٍ مثل سعدي يوسف أمران: ـ شاعر تفعيلة يواصل عناده ومغامرة كتابته بسيولة فائقة. تلك السيولة التعبيريّة التي تضيء لغته وإيقاعه وصوره في تناوله للتفاصيل اليومية، وتجعل منه الأكثر تأثيراً في جيلٍ كبير من شعراء العربية اليوم، بما في ذلك شعراء قصيدة النثر. ـ لم يزل سعدي يوسف مُخْلصاً لانتمائه السياسي والإيديولوجية والأخلاقي، ولم يُلْحق ذلك أذىً بقصيدته، لأنّه منحازٌ إلى الخير والكرامة الإنسانية، وإلى حرّية القصيدة وقيمة الفنّ. فيما لفت الشاعر التونسي منصف الوهايبي، عضو اللجنة، إلى أنّ سعدي يوسف يكتب قصيدته بمفرده، وهو يعود بها من العالم إلى بيته في سلّة، واجداً لها ذلك الوسيط الشعري الذي يصل بين الفعل الفنّي واليومي، ويستثمر الرواية والفنون التشكيلية. إنّ الأمر يتعلّق، وفق تعبيره، بـ "جماليّات المبذول" التي تغنم من اليومي نبض الحياة. وزاد الوهايبي إن قصيدته تُعقد على التكثيف اللغوي، ممّا يتولَّى معه الاقتصاد في العبارة والزهد في تسمية التفاصيل. وهل نصّ سعدي غير لغةٍ مقتصدة تقول اليومي، وتقمّش الأحداث والوقائع بتمثُّلٍ لغويّ أكثر تكثيفاً، ومهما اتّسعت القماشة فهي محدودة!. نصير شمّة: العود العربي وما يصنع! وتُوِّج الحفل، الذي شدّ أنفاس الجمهور لنحو ثلاث ساعاتٍ، بمعزوفات الفنان والموسيقار العراقي نصير شمّة الذي حيّا ابن بلده، بطريقته الخاصّة. تحيّة الغريب للغريب. قدَّم شمّة، سليل مدرسة العود العربي العظيمة ومُحييها، سبع معزوفاتٍ موسيقيةٍ امتزج فيها الشعر العربي القديم بالحديث، وعبق بغداد بندى الأندلس، والمقام العربي بالفلامنكوالإسباني. من (حوار بين المتنبي والسياب)، مروراً بـ (إشراق) من مقام كورد، و (غارسيا لوركا) التي ألفها في العام 2000 بغرناطة، وأهداها إلى شاعرها لوركا، و (تنويعات) استوحى لحونها من كلاسيكيّات التراث العربي كـ "بعيد عنك" لأم كلثوم و "يا ما للشام" لصباح فخري، و (بغداد كما تحب)، و (بين دجلة وسعدي يوسف) التي أهداها إلى الشاعر المحتفى به، وانتهاءً بمعزوفة يُطلقها لأوّل مرة، جعلها عربون حبّ من العراق للمغرب، وبالمثل. لقد أطلق شمّة أوتار عوده، وهو يجول في العصور والمقامات المختلفة، تصدح طليقةً في فضاءات التاريخ والثقافة، وتتكلّم السحر والغرابة. كان لموسيقاه البديعة حضورٌ طاغٍ بادٍ من العيون المشدوهة التي تشعُّ في ظلام المسرح، وتُرغم حتى أولئك الذين لا يدركون معنىً لما يحصل أن ينصتوا له باهتمامٍ بالغ. أمّا عينا سعدي فكانتا تبكيان كثيراً، ويحجبه بريقهما المزمن سحاباً عابراً من ذكرى العراق وغنائه.
سعدي يوسف: لكأنّني الآن أسمع رفيف أجنحة 24 تشرين الأول (اكتوبر) لن يكون، من الآن، عادياً في ذاكرة الشعر والشعراء. ذلك التاريخ البعيد الذي حدّده محمود درويش، قبل أن يرحل بأيّامٍ، موعداً لاستلام جائزة الأركانة التي منحها له بيت الشعر بالمغرب للعام 2008 م. لكنّ الشاعر الفلسطيني عاجله/ عالجه الموت، فلم يحضر. حضر، بدلاً عنه، شقيقه أحمد ومُحبّوه ووارثو أسرار شعريّته، مأخوذين بروحه العظيمة التي خيّمت على فضاء مسرح محمد الخامس، وهو الذي كان أثيراً لديه في كلّ لقاء شعريّ ـ روحيّ جمعه بجمهوره المتعاظم في المغرب. ربّما، لهذا السبب، صعد الشاعر سعدي يوسف خشبة المسرح، لاستلام الجائزة نفسها هذا العام، وهو يترنّح مأخوذاً بروح رفيقه ومُصغياً إلى هَيْنماتٍ من نشيدٍ لا يزال. قال سعدي، بنبرة حزْنٍ آسر: "أوجِّه رفيفاً من الرُّوح إلى محمود درويش". وفي إشارةٍ إلى اللقاء الذي جمعه بالشاعر محمود درويش عام 2003م، قال سعدي: "في هذه اللحظة، أشعر أنّنا لا زلنا معاً بهذا المكان الأثير لدينا"، وأضاف "اللحظة شديدة القصر والإرهاف، لكنّها الكفيلة بالتغيير الأعمق في ذواتنا. لكأنّني الآن أسمع رفيف أجنحة. إنّ طاقة الشعر لا تفنى. الشعر هو أغنية، هو أغنية كما قال محمود درويش". وأخبر سعدي جمهور المسرح أنّه عائد للتوّ من الصين التي ترجمت إلى لغتها مختاراتٍ من شعره لم يفكر حتّى في مراجعتها، لأنّ له ثقة كبيرة في عربية الصينيّين الذين يكنّون كل الاحترام للشعراء العرب، مثلما يعترفون لبيت الشعر المغربي بالفضل في عودة أخيهم الغريب الشاعر الصيني بيي ضاو من مقامه الطويل في الولايات المتحدة إلى وطنه الصّين، بعد أن مُنح جائزة الأركانة في دورتها الأولى للعام 2002م. ثمّ أنشد الشاعر سعدي يوسف، خلال الحفل الذي قدّمته الشاعرة وداد بنموسى وحضره وزراء وسفراء ومثقّفون وأدباء، قصائده (أيام العمل السري)، و (قصيدة يائسة)، و (إلى سركون بولص)، و ("نابل" في الشتاء) التي يقول منها:
تتجمّعُ الأمطارُ في كانون... في الكورنيشِ، صيّادونَ لم يَحْنوا الجباهَ لسطوةِ الأنواءِ، بضعةُ فِتْيَةٍ تاهوا مع الفتَياتِ. في الكورنيشِ ذكرى أو رسائلُ. كان كِشْكُ مثلّجاتٍ يحتمي بالريحِ. سوف نكون، في مَغْنىً، هنا!
خداري، حميش، صبحي والوهايبي: الكلمات الّتي تجب وكانت سبقت طلّة سعدي على جمهور المسرح كلماتٌ في حقّ المحتفى به وجائزته المستحقّة لم تخْلُ من روح الدّعابة، في البدء، وجّه الشاعر نجيب خداري، رئيس بيت الشعر في المغرب، "تحية للصانع الماهر الأكثر انتباها إلى العابر"، وقال: "نعتز، عميق الاعتزاز، بفوز شاعر عربي رائد كبير هو الشاعر العراقي سعدي يوسف بجائزة الأركانة لسنة 2009. وإذا كانت اعتبارات الإنجاز الشعري الباذخ، في مسيرة سعدي يوسف الطويلة الدائبة المتجددة، مما لا يجهله المهتمون بالمشهد الشعري العربي العالمي، ومما يبوئه عظيم التكريم والاحتفاء، داخل الوطن العربي وخارجه، فإنّ هناك اعتبارات تجعل المغاربة أكثر سعادة بذهاب الأركانة إلى سعدي يوسف، تتمثل في صداقته العميقة للمغرب، ولشعرائه وأدبائه وفنانيه ومثقفيه". وزاد: "على كل حال، نعتبر أنّ من رسائل جائزة الأركانة، ومن مهام بيت الشعر في المغرب، تأكيد ضرورة الإنصات المرهف إلى الشعرية العربية، من جاهليّتها إلى الآن، ترجمة وتداولاً واحتفاء، داخل البلاد العربية، وفي كل بلاد العالم". وألفت الحضور إلى "أنّ هناك ظلماً آخر نعانيه هو سياسات حكوماتنا العربية التي تضع الهم الثقافي في أسفل اهتماماتها وميزانياتها. ولكن أبشع أنواع الظلم الذي يلحق بثقافتنا وإبداعنا هو ما يتنزل علينا من خلفية الصراع العربي الإسرائيلي. وهي الخلفية ذاتها التي أضاعت علينا فرصة كانت متاحة قبل أيام لتبوئ كرسي إدارة اليونيسكو". أما الكاتب والروائي بنسالم حميش، وزير الثقافة، فقد حيّا، في كلمة له بالمناسبة، سعدي يوسف يُهنّئه بالجائزة: "سعديْك سعديْك يا أخي سعدي بجائزة الأركانة التي شرفت بك"، وذكّره بصداقة ريتسوس ومحبّته، وما قاله الشاعر سان جون بيرس في أمثاله: "إنّ الشاعر من يكسر، لحسابنا، سُنّة التعوُّد". ولم تخْلُ كلمة حميش من نقد الراهن الثقافي المغربي، عندما دعا إلى الكفّ عن الحروب الثقافية التي لا تخدم أحداً، وإلى تربية النشء على قراءة الشعر وتذوّقه وحفظ ذاكرته.
من جهته، أشار الكاتب السوري صبحي حديدي، رئيس لجنة التحكيم، إلى أن اجتماع لجنة التحكيم لم يكن بالشكل المتعارف عليه، "فقامة سعدي يوسف كانت شاخصة أمامنا منذ البداية، وكانت قصيدته تثير الإعجاب والإجماع بيننا. لم يطرح أحدٌ إسماً غيره". وأوضح أنّ الذي يلفته في شاعرٍ كبيرٍ مثل سعدي يوسف أمران:
ـ شاعر تفعيلة يواصل عناده ومغامرة كتابته بسيولة فائقة. تلك السيولة التعبيريّة التي تضيء لغته وإيقاعه وصوره في تناوله للتفاصيل اليومية، وتجعل منه الأكثر تأثيراً في جيلٍ كبير من شعراء العربية اليوم، بما في ذلك شعراء قصيدة النثر.
ـ لم يزل سعدي يوسف مُخْلصاً لانتمائه السياسي والإيديولوجية والأخلاقي، ولم يُلْحق ذلك أذىً بقصيدته، لأنّه منحازٌ إلى الخير والكرامة الإنسانية، وإلى حرّية القصيدة وقيمة الفنّ.
فيما لفت الشاعر التونسي منصف الوهايبي، عضو اللجنة، إلى أنّ سعدي يوسف يكتب قصيدته بمفرده، وهو يعود بها من العالم إلى بيته في سلّة، واجداً لها ذلك الوسيط الشعري الذي يصل بين الفعل الفنّي واليومي، ويستثمر الرواية والفنون التشكيلية. إنّ الأمر يتعلّق، وفق تعبيره، بـ "جماليّات المبذول" التي تغنم من اليومي نبض الحياة. وزاد الوهايبي إن قصيدته تُعقد على التكثيف اللغوي، ممّا يتولَّى معه الاقتصاد في العبارة والزهد في تسمية التفاصيل. وهل نصّ سعدي غير لغةٍ مقتصدة تقول اليومي، وتقمّش الأحداث والوقائع بتمثُّلٍ لغويّ أكثر تكثيفاً، ومهما اتّسعت القماشة فهي محدودة!.
نصير شمّة: العود العربي وما يصنع! وتُوِّج الحفل، الذي شدّ أنفاس الجمهور لنحو ثلاث ساعاتٍ، بمعزوفات الفنان والموسيقار العراقي نصير شمّة الذي حيّا ابن بلده، بطريقته الخاصّة. تحيّة الغريب للغريب. قدَّم شمّة، سليل مدرسة العود العربي العظيمة ومُحييها، سبع معزوفاتٍ موسيقيةٍ امتزج فيها الشعر العربي القديم بالحديث، وعبق بغداد بندى الأندلس، والمقام العربي بالفلامنكوالإسباني. من (حوار بين المتنبي والسياب)، مروراً بـ (إشراق) من مقام كورد، و (غارسيا لوركا) التي ألفها في العام 2000 بغرناطة، وأهداها إلى شاعرها لوركا، و (تنويعات) استوحى لحونها من كلاسيكيّات التراث العربي كـ "بعيد عنك" لأم كلثوم و "يا ما للشام" لصباح فخري، و (بغداد كما تحب)، و (بين دجلة وسعدي يوسف) التي أهداها إلى الشاعر المحتفى به، وانتهاءً بمعزوفة يُطلقها لأوّل مرة، جعلها عربون حبّ من العراق للمغرب، وبالمثل.
لقد أطلق شمّة أوتار عوده، وهو يجول في العصور والمقامات المختلفة، تصدح طليقةً في فضاءات التاريخ والثقافة، وتتكلّم السحر والغرابة. كان لموسيقاه البديعة حضورٌ طاغٍ بادٍ من العيون المشدوهة التي تشعُّ في ظلام المسرح، وتُرغم حتى أولئك الذين لا يدركون معنىً لما يحصل أن ينصتوا له باهتمامٍ بالغ. أمّا عينا سعدي فكانتا تبكيان كثيراً، ويحجبه بريقهما المزمن سحاباً عابراً من ذكرى العراق وغنائه.