يستلهم الشاعر الفلسطيني ذاكرة الماضي بأفراحها وطقوسها كي يقف على راهن وطن يتعرض لأبشع سياسات المحو، ومن خلال طقس موسيقي شعبي يستعير الشاعر تربة الانتماء والهوية كي يصيغ لحظة زمنية مليئة بعبر التاريخ.

حَلْبَةُ رَقْصٍ شَعْبِيٍّ .. (دَبْكَة)

حسين مهنّــا

اَذْكُرُ أَعْراسَ القَرْيَةِ ،

فَتَشُدُّ الذِّكْرى أَوتارَ القَلْبِ

ويَنْتَشِرُ أَريجُ شَبابٍ في أَطْلالِ العُمْرِ

أَقولُ : سَقى اللّهُ زَمانَاً في وَطَنٍ

عَلَّمَنا كَيفَ نُحِبُّ

وكَيفَ نُحَبُّ

وكَيفَ نُقيمُ الأَعْراسَ ..

وكَيفَ ..

وكَيفَ ..

وكَيفَ....!

وكَيفَ نُشَكِّلُ ذاكِرَةً تَاْبى النِّسْيانْ .

أَذْكُرُ أَعْراسَ القَرْيَةِ ،

فَأَراني أَسْتَحْلِبُ فَرَحَ الزَّمَنِ الغابِرِ

مِنْ أُرْغُلِ لَعّابِ الأُرْغُلِ (فرحانِ الصّابِرِ) ،

بَلْ أُبْصِرُ (فَرْحانَ الصَّابِرِ) يَخْطو نَحْوَ السّاحَةِ،

-         بَعْدَ عَشاءٍ وحُداءٍ –

يَدْخُلُها وأَصابِعُهُ تَتَقافَزُ فَوقَ ثُقوبِ الأُرْغُلِ

فَيَطيرُ الفَرَحُ شَعاعَاً في أَوْصالِ الدَّبِّيكَةِ

يَدْخُلُ رَتَلُ الدَّبِّيكَة يَتَهَزْهَزُ خَلْفَ اللَّواحِ (سَعيدٍ) –

أَمْهَرِ فِتْيانِ القَرْيَةِ في الدَّبْكَةِ –

في يَدِهِ مِنْديلٌ،

لا بُدَّ يَكونُ مِنَ المَحْبوبَةِ ،

والمَحْبوبَةُ تَنْظُرُ في خَفَرٍ عن بُعْدٍ

بَينَ صَبايا يَتَغامَزْنَ بِلا حَسَدٍ ..

فالحَسَدُ بِأَعْرافِ القَرْيَةِ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطانْ .

فَعَلَتْ أَلْحانُ الأُرْغُلِ فِعْلَ السّاحِرِ

فَانْتَفَضَ الحادي طَرَبَاً ..

والحادي يَعْرِفُ كَيفَ يُحيلُ الفَرَحَ دُموعَاً في العَينِ

وكَيفَ يُحيلُ الدَّمْعَةَ أَفْراحَاً في آنْ ..!

"يَمَّا يا يَمَّا حَبيبي وينُهْ

حَطُّوا لي العَسْكَرْ ما بيني وْبينُهْ

لاقْحَمِ العَسْكَرْ وأنامْ بِحْضْينُهْ

يْقولْ لي يا روحي واقولْ يا عْيونَا "

واللَّواحُ (سَعيدٌ) يَأْمُرُ رَتَلَ الدَّبِّيكَةِ ،

فَيُطيعونَ الأَمْرَ بِأَرْوِعِ إيقاعٍ :

" اخْبُطْ ..

قَدِّمْ .. إرْجَعْ ..

إخْسَعْ .. إرْكَعْ ..

هِنْزَلْ .. هِطْلَعْ ..

حَفِّرْ .. عَفِّرْ .. غَبِّرْ .. !! "

فَالدَّبْكَةُ لا تَحْلو فَوقَ الباطونِ،

وتَحْلو فَوقَ تُرابِ فِلَسْطينَ

لِيَعْبَقَ في الجَوِّ غُبارٌ يَتَشَكَّلُ غَيْمَاً

يُمْطِرُ فَرَحَاً فَوقَ الدَّبِّيكَةِ،

والنَّظَّارَةِ ..

وصَبايا يَتَغامَزْنَ ...

ويَمْتَدُّ ..

ويَمْتَدُّ ..

ويُمْطِرُ فَوقَ هِضابٍ ،

ومُروجٍ ،

تَشْهَدُ أَنَّ الأَرْضَ لِشَعْبٍ

عَمَّرَها بِالأُرْغُلِ والدَّبْكَةِ والسِّكَّةِ والفَدَّانْ .

 

(البُقَيعَة/الجَليل - آب 2015)