بمنتصف الخمسينيات بمجلة صباح الخير، ظهر باب جديد باسم "عصير الكتب"، توافد على الباب المُقدّم لقراء المجلة عدد من الأسماء، أوّلها فوزية مهران، ثم أحمد عباس صلاح وصلاح عبدالصبور، غير أن علاء الديب التي اصطبغ العمود بروحه بعدهم، حمل الباب اسمه لزمن، عرض فيها الديب العديد من المقالات الأدبية، تحكي عن أعمال لكُتّاب قدامى أو شباب، وهو الفن الأدبي الذي تمسّك به الكاتب حتى الآن.
"ماذا قدمت لي الكتب سوى الحيرة وتلك الحزمة من الأشجان الرومانتيكية اليابسة؟ هل تقف الكتب ضد الحياة أو بديلًا عنها؟ كلا هم أصدقاء.. من حسن الحظ أن مهنتي هي هوايتي، هي حياتي تلك الخطوط السحرية التي تنقل معاني وتهز النفوس والجبال وتغير العالم".. هل يُفكر الديب في خواطره عن الكتب تلك الآن، و هو تحت مجهر الأطباء بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي، تلك الخواطر التي كتبها بمقدمة الكتاب المُجمع لمقالات، الذي يحمل نفس اسم الباب بمجلة "صباح الخير".
لم ينضم الديب لجوقة تنشد لكاتب ما، ولا يغض الطرف عن أحدهم لأنه شاب، لذا حملت مقالاته للعديد من الأسماء الجديدة في الوسط الثقافي، اكتشف الديب ابراهيم أصلان، وكتب عن المجموعة القصصية "أوراق شاب عاش منذ ألف عام"، العمل القصصي الأشهر لجمال الغيطاني، وخاض بين دفات قصص أريج جمال، الكاتبة الشابة في عملها الأول "مائدة واحدة للمحبة".
بعيني قارئ غيور يُمكن أن يُقال أن الديب هو دودة قراءة، لم يترك كتاب جديد أو قديم، إلا وقرأه، ليس ذلك فحسب بل وفنّده أيضًا، من الأماكن التي حلّ بها الديب، كانت جريدة "القاهرة الثقافية"، في عمود أنيق بنفس الاسم الشهير، كتب الديب أيضًا، قبل الثورة بأشهر قليلة، عن انعام كجة كجي، الكاتبة العراقية التي حكت عن "الحفيدة الأمريكية"، وبحروف مضبوطة بدأ الديب بمقولة تخللت الرواية الصغيرة "كل العودات مرحبُ بها إلا هذا الإياب، إنه يكوي الحشا"، كما التفت الديب لهموم الوطن المتمثل في الأعمال الأدبية، كتب عن أزمات الوطن الكبير والقارة الأفريقية، لم يتقوقع داخل أزمنة أو أمكنة بعينها، لكن الكتابة شملت معاناة الإنسان بأي مكان.
بقلم قارئ شغوف ينقل الديب ملاحظاته عن الكتب، في شيء أشبه بـالـ"ريفيو" وليس النقد، لم يستخدم لغة المتخصصين المعقدة، بل جذب الكثير من الشباب بأسلوبه، ذلك ما ظهر في تعليقات القراء على الكتاب المُجمع لمقالاته.
ظلّ الديب بمؤسسة روز اليوسف حتى المعاش، بأواخر التسعينيات، حلّ بمجلة صباح الخير، إحدى اصدارات المؤسسة التي عُرفت حينها بـ"مدرسة الهواء الطلق"، منذ الستينيات، أظهر من خلال بداياته، روح الأديب، قبل كتابته لعصير الكتب اشتغل بالتحقيقات، أول تحقيقاته كانت عن "مخدرات الطلبة"، ورغم جدية الموضوع غير أن المقدمة، التي أشار إليها شعبان يوسف في إحدى مقالاته، كانت تمهيد لطريق أديب شاب "كثير من النوافذ هذه الأيام تظل مضاءة حتي الفجر وكثير من الوجوه الشابة المرهقة، يبدو عليها الإجهاد والإعياء، ذقونهم نابتة وعيونهم حمراء وأعصابهم متوترة، إنهم الطلبة الذين تعصرهم الامتحانات هذه الأيام، الشوارع في الليل فارغة، والكورنيش يمشي عليه السجائر والسواح، والطلبة في البيوت يحاولون تعويض الوقت الذي راح".
جاءت النكسة لتحمل طعم المرارة بفم الديب، قرر ألا يعود للعمل الصحفي منذ تلك الأيام الحزينة وحتى الآن، جعل تركيزه ينصب فقط حول الكتابة عن الكتب، وبجانب عمود عصير الكتب، كتب العديد من الروايات والقصص، من بينها الثلاثية "أطفال بلا دموع، قمر على المستنقع، وعيون البنفسج"، أصدر العمل الأول له "القاهرة"، لكنه كان من بين جيل الستينيات المقل في انتاجه، "أيام وردية" هي آخر عمل روائي له، نشر بدار الهلال عام 2002، من أشهر ما كتبه الديب هو "وقفة قبل المنحدر"، وهي ترنيمة حزينة لوضع مثقف مع عهد عبدالناصر.
كتب الديب حوار فيلم "المومياء"، بالاشتراك مع شادي عبدالسلام، رغب مخرج الفيلم في الاعتماد على الأدب، وهنا كانت لغة الديب ما يوُصل الإحساس بذلك الزمن البعيد، حيث تدور أحداث الفيلم في القرن التاسع عشر، عن قبيلة الحربات التي تقوم على سرقة الآثار المصرية.
أنهى سعد عبدالرحمن، رئيس قصور الثقافة، عام 2012، علاقة الديب بجريدة القاهرة، التي كان يعمل بها مستشار أدبي، مبررًا ذلك بأنه لا يعرف ماهية وظيفة المستشار الأدبي التي يشغلها، لم يُعلق الكاتب على القرار، وانتقل بعدها إلى الأهرام ثم المصري اليوم، التي يكتب بها الآن، لم يترك الديب ذواقة الأدب، على مدار ستة عقود، انكبّ صاحب "زهر الليمون" على الروايات، القصص ودواوين الشعر، كملاحظ أو مبارك لكل عمل جديد وقديم، يفنّد الأعمال ويستخلص منها الأرواح الحسنة، لعلّها الآن تقف بجانبه في طريقه للشفاء من المرض.