تلتقط القاصة التونسية زينب هداجي لحظة مفصلية في حياة شاب عاطل عن العمل أتعبه الدوران بين الدوائر والبحث عن العمل وتتابع يأسه وكيف يدفعه نحو التطرف والبحث عن سعادة ومتع عالم يخلقه شيوخ الجوامع ودعاة التطرف.

الطريق إلى الجنّة

زيـنـب هـداجّـي

تأمل مليّا الندبة على خده... أخذ منه الملف، وضعه جانبا. لم يضعه في الدرج مع بقية الملفات. ثم قال له وهو يحاول أن يرسم ابتسامة كابتسمات السياسيين في التلفاز:

" سننظر في ملفك وإذا قبلناك سنتصل بك. يمكننك أن تتفضل الآن"

غادر حسام الشركة وهو يركل حصى الشارع وكل شيء يعترض طريقه. لم يبد عليه تعبير من التعابير المألوفة. لم يعد ينفعل كثيرا عندما ترفض الشركات توظيفه أو عندما ينظرون إليه بازدراء أو حتى عندما يطردونه عند رؤيتهم لتلك الندبة على خده. واصل ركل تلك الأشياء التي تقبع تحت قدميه. أحس بمتعة كبيرة عند قيامه بذلك. تطاير الغبار من حوله فغطى وجهه و حذاءه الذي لم يعد يلمعه عند ذهابه لمقابلة عمل فهم لا يرون سوى تلك الندبة. هي أكثر لمعان من أي شيء فيه.

تعود حسام على كل شيء. لم يعد يحس، لم يعد يفكر . لم يعد يريد أن يثبت شيئا لا لنفسه و لا للآخرين. صار شرخا عميقا و نازفا يطوقه الذباب والبعوض ويتغذى من دمائه، حتى أن إحدى البعوضات صرحت لأحد صديقاتها بأن دماء الشباب أشهى و ألذ من دماء غيرهم و نصحتها بامتصاص ما أمكنها من الدم قبل أن يهرم فشباب اليوم يشيخون أسرع من ذي قبل.   وهي في ذلك محقة فحسام البالغ من العمر ثمان و عشرون سنة اكتسح البياض نصف شعره كما اكتسح القدر جميع أحلامه:

لم يفلح في القبول في وظيفة عمومية أو خاصة. لم يستطع الحصول على قرض لإنشاء مشروعه الخاص. لم ينجح في الحصول على تأشيرة إلى إيطاليا كما أنّه لم يوفق في الوصول إليها عبر ذلك القارب الصغير. حاول الانتحار ولكن الدنيا مصرة على تعذيبه. لم يستطع التدخين او شرب الخمر فهو يعاني من قرح في المعدة. حتى الفتاة التي عشقها يئست منه       وتزوجت من أحد المقيمين بالخارج.

واصل حسام طريقه وهو يركل الحصى بعصبية شديدة. صعد إلى الرصيف و راح ينظر إلى الواجهات البلورية بذهن شارد. توقف عند إحداها .... تأمل وجهه... وضع يده على الندبة ... خطر له ان يجعل لحيته تنمو فتغطيها. و بينما هو يمشي بلا هدى سمع صوت الآذان يصدر عن جامع قريب. ذهب ليصلي العصر. بعد انتهاء الصلاة . جلس إلى جماعة من الملتحين يتحدثون بغلظة واحتقان.

أصبح حسام يواظب على حلقة الجماعة  وقد رضوا عنه تمام الرضا بعد أن أطلق لحيته و ارتدى القميص الشرعي ، والحمد الله، و قد ظهرت له زبيبة الصلاة في وقت قياسي،         والحمد الله. أصبح من الصالحين و قد ندم عن كل ما فعله من خطايا وذنوب وكبائر ، والحمد الله.

لم يعد حسام يرغب في وظيفة في تلك المؤسسات التي يختلط فيها النساء بالرجال والعياذ بالله. لم يعد يخجل من ندبته. لم يعد يبكي حبيبته التي تزوجت. فبعد أسبوع من الآن بالتحديد سيتزوج بحورية أجمل منها وستكون طوع أمره ولن  تشمئز منه كما يفعل الآدميون.