عرف اللقاء ثلاث فقرات استهلت بالقراءات النقدية التي قاربت تجربة الشاعر من خلال ديوانه (مراقي العشق). وكان الناقد والقاص محمد إداغة أول المتدخلين بمقاربة تحت عنوان (أشكال التعايش الجمالي بين المبنى والمعنى في ديوان "مراقي العشق" للشاعر مصطفى الشاوي)، حيث أشار في بداية مداخلته إلى أن كتابته لمقدمة الديوان لم تمنعه من إعادة قراءته من جديد، رغبة في الكشف عن الخصوصيات الفنية التي تميز قصائده وتعميق البحث عن مظاهر الجمال في معناه ومبناه؛ وانطلق الناقد من استهلال ومن معطيات خارجية وأولية لاقتحام الديوان، وللكشف عن عوالم النصوص الدالة عن الاختلاف والائتلاف وعلاقتها بالشاعر وبحياته، وبعد أن أشار إلى أن (توق شقي) القصيدة الأولى في الديوان تجسد بيانا تعاقديا يربط الشاعر بالمتلقي ووقف الناقد محمد إدارغة عند الهاجس القضوي المشترك في (مراقي العشق) ورهانات الأنطلوجيا التي تسكن الديوان، وتتبع مسار الشاعر الرحلي بين مدينتين أوقصيدتين (وزان) و(مكناس)، كما وقف الناقد في مبحث خاص عند المشترك الحرفي/الصوتي في قصائد مراقي العشق ليستنتج جملة خلاصات تسم الكتابة الشعرية عند الشاعر مصطفى الشاوي.
وبقراءة تحت عنوان (مراقي العشق الصوفي بين لغة الواقع ولغة الحلم)، قارب الناقد والشاعر إدريس زايدي الديوان الشعري، منطلقا من فرضية كون قراءة النصوص الشعرية إنما هي استنطاق للممكن لا الكائن، استنادا إلى خصوصية اللغة الشعرية، ومن خلال مراقي العشق ولج الناقد إدريس زايدي إلى عوالم الشاعر مصطفى الشاوي اللغوية، ورأى بأن "النصوص الشعرية عبَّرتْ عن نفسها من خلال شكل الكتابة العمودية التي أخلصت للوزن والقافية والروي الموحد، وكشفت القصائد عن قاموس لغوي مفعم بدلالاتِ البحثِ عن معنىً هاربٍ باستمرارٍ يحمل رؤية صوفية وما تستدعيه هذه الرؤية من لغة تمتح من عوالمَ خفيةٍ لا يحُدُّها الزمان ولا المكان"، وتمتد عبر قصائده التسعَ عشرَ، بدءً بقصيــدة (توق شقيّ) وانتهاءً بقصيدة (ما للفؤاد)، وما بينهما من عناوين تحيل على رؤية شعرية محفوفة بحقيقة الشقاء الذي يولّد في الشاعر الرغبةَ في الكتابةِ، والسعيَ إلى تحقيق التّوْقِ الشقيّ والعسير، وأشار الناقد إلى أن شأن الشاعر مصطفى الشاوي شأن الزاهد المتصوف الذي لا يفارق قاموسه اللغوي عشقا لما وراء الموجودات ليحقق توحده مع اللامرئي في الذات الإلهية. فلغة الشاعر تحاول استيعاب الكون، حين تجرد الموصوفات من زمنيتها ومكانيتها نشدانا لزمن طهور يخترق المحدود إلى المطلق. ويكشف الشاعر عن علاقة الظاهر بالباطن، وعلاقة النور بالظلمة ، معلنا أن الأشياء لا يكون لها إسم إلا بالنور. وخلص الناقد إدريس زايدي إلى القول بأن حضور الرحلة عند الشاعر مصطفى الشاوي يجد صداه في معاناة المتصوفة المتشوقين لرؤية الحبيب مهما كلف ذلك من تعب ومشقة.
وجاءت قراءة الدكتور والناقد عمرو كناوي تحت عنوان (تجليات العشق في ديوان (مراقي العشق) للشاعر مصطفى الشاوي) حيث انطلق في تقديمه من افتراضات أولية تمهد وتبرر تصوره النقدي الذي سيتبناه في مقاربته التي تمحورت حول محورين أساسين: الأول فضاء النص الموازي، والثاني فضاء النص الأصلي، ففي المحور الأول وقف الدكتور عمرو كناوي عند مرقى العتبات من خلال عنصرين فرعيين: عتبتا العنوان واللوحة، وعتبة الإهداء. وفي المحور الثاني ركز على مراقي العشق في الديوان المقروء، حيث وقف عند مجموعة من العناصر على شكل تجليات، منها مرقى الحب الرومانسي، ومرقى عشق المكان، ومرقى العشق والامتنان، ومرقى الإيمان، وخلص إلى أن هذه المراقي تهيمن على ديوان الشاعر مصطفى الشاوي إلا أنها ليست الوحيدة بقدر ما تتعدد تجلياتها بتعدد النصوص وتعدد المنظورات التأويلية التي من الممكن أن يعتمدها القارئ.
وشارك الشاعر والناقد عبد الله فراجي بقراءة تحت عنوان (قصيدة مراقي العشق بين البناء والتأويل) وقف في بدايتها عند التصور الافتراضي القبلي الذي يمتلكه عن الشاعر مصطفى الشاوي وعن ديوانه والذي في ضوئه تفاعل وسيتفاعل مع المقروء الشعري، منطلقا من البنية السطحية للنصوص الشعرية للكشف عن بنيتها العميقة التي تعتبر جوهر الشعر ومصدر دلالاته التأويلية. واعتبر الناقد عبد الله فراجي قصيدة (مراقي العشق) بؤرة الديوان، لأنها تكشف عن حقيقة التجربة الشعرية عند الشاعر، كما يتجلى ذلك في مطلعها:
نَجُوبُ الدُّنَى تَوْقاً إلَى الْحُبِّ نَعْشَقُ **وَمَرْقَى الذَّوَاتِ الْغُرِّ نَهْلٌ مُعَتَّقُ
وتمتد هذه القصيدة في مختلف قصائد الديوان، وهو ما يبرر اختيار عنوانها عنوانا للديوان، ووقف الناقد عبد الله فراجي عند البيت الأول من القصيدة مستنبطا دلالاته العميقة وأبعاده الفكرية ليبرز البعد الصوفي الذي يطبع القصيدة ويهيمن على (مراقي العشق) في مختلف قصائده، وما يبرر هذا الطرح نوع اللغة الشعرية التي تميز نصوص الديوان، وهيمنة الجمل الإسمية، وارتباط بداية القصيدة بنهايتها مما يرسم حركية دائرية للمدلول يكشف عن البنية العميقة للقصيدة وعن الرؤيا الشعرية التي تصدر عنها القصيدة والديوان في مجمله.
في الفقرة الثانية من اللقاء قرأ الشاعر مصطفى الشاوي قصائد شعرية من ديوانه (مراقي العشق) من اقتراح الحضور منها قصيدتي (أمين) و(رحاب) وقصيدة (آتيك مكناس) التي يقول في مطلعها:
آتِيك مِكْناسُ وَ النَّفْسُ عَلى وَجَــسٍ** تَوْقاً لِلُقْياكِ جَذْلاً صَــادِقَ الْحُـــدُسِ
آتِيكِ حـــاضِرَةَ الْمَجــْدِ عَلَى عَجَلٍ **أمْشِي وَ قَلْبي لَهُوفٌ رَاصِدُ الْعَسـَسِ
تَهْوى الْقُلوبُ الْمَدائِنَ الّتِي شَهِـدَتْ **مِيلادَها كَيْفَ أهْوى سَـوْمَةَ الْعُــرُسِ؟
في حين عرفت الفقرة الأخيرة من اللقاء حوارا مفتوحا مع الشاعر مصطفى الشاوي تمحور حول مجموعة من الأسئلة والقضايا المرتبطة بديوانه الشعري (مراقي العشق) وجهها الحاضرون والمشاركون للشاعر. ركزت في مجملها على أسباب ودواعي كتابة الناقد مصطفى الشاوي للشعر مادام التخصص هو النقد. وحول أسباب الالتزام بالقصيدة العمودية في مجمل قصائد الديوان، واعتماد وحدة الوزن والروي والقافية. وما هو التصور الذي اعتمده في تأثيثه وترتيبه لقصائد الديوان ولعتباته وفق الشكل الذي تبناه. ولماذا ينهي القصائد بما تبتدئ به بداية (؟)
وضح الشاعر مصطفى الشاوي في تدخله إجابة عن الأسئلة أن كتابته للشعر ترجع إلى اهتمامه بهذا الجنس الأدبي باعتباره مجال النقد والاشتغال ذلك أن أطروحته اهتمت بنقد الشعر المغربي الحديث. وأن احتكاكه المستمر بالتجارب الشعرية من خلال قراءات نقدية أنجزها حول عدد كبير من الدواوين الشعرية لشعراء مغاربة وعرب ولحساسيات مختلفة مكنته من ضبط مقومات الفن الشعري وجمالياته، وبالتالي فعلمه بالشعر هو الذي دفعه إلى قوله وليس عكس ذلك كما روي عن الأصمعي، بالإضافة إلى تضافر عوامل أخرى بيئية وذاتية كانت وراء إصدار (مراقي العشق).
كما أكد أنه يستطيع بالشعر، على خلاف النقد، أن يعبر عن إحساساته ومشاعره وأفكاره ورؤاه. وفيما يخص الالتزام بالبناء العمودي أومأ الشاعر إلى أن طبيعة المواضيع أملت اعتماد هذا الشكل الذي من الطبيعي أن ينظم فيه كل شاعر وأن يبتدئ به ويتقنه قبل أن يتجاوزه إلى أشكال شعرية جديدة وبديلة.
وأشار الشاعر إلى أن كتابة قصائد الديوان أملتها عوامل ذاتية وموضوعية تكشف عنها النصوص التي رامت تحقيق التواصل الإيجابي مع القارئ بمختلف مستوياته وعلى تعدد أشكاله. وألح الشاعر مصطفى الشاوي على ضرورة اهتمام الشعراء المعاصرين ببلورة حركية داخلية للمدلول الشعري في تجاربهم وهو ما رام التماسه عندما رام ربط نهاية جل القصائد ببدايتها رغبة في شد انتباه المتلقي والتأثير فيه.