يفتتح صادق جلال العظم، رئيس تحرير "أوراق"، مجلة رابطة الكتاب السوريين الصادرة عنها بالتعاون مع منشورات المتوسط وبرعاية من مؤسسة بناة المستقبل، العدد السادس منها بمقالة عنوانها "سورية في ثورة"، يحكي فيها تجربته الشخصية ومشاعره كإنسان ومثقف خلال الفترة الأولى من الثورة السورية، ويتحدث فيها عن الاستعارات والمجازات التي كان المثقفون يفضلونها، فيستحضر مثال ياسين الحاج صالح، ثم علي فرزات، وصولاً إلى زملاء له في قسم الفلسفة في جامعة دمشق محللا ردود أفعالهم، وصولاً إلى تحليل طبيعة السلطة السورية وتحولها، في رأيه، إلى طبقة متغطرسة تشبه طبقة البراهما الهندية، "تعتبر نفسها خارج أي محاسبة، وتمتلك حقاً لا ينازع في حكم الناس العاديين، الذين تعتبرهم طبقة دنيا – جاهلة ومتخلفة وغير مؤهلة للديمقراطية".
وشرحت "هيئة التحرير" أسباب اختيارها ملفاً يسائل دور النخبة الفكرية في سورية بعد انطلاق الثورة وتتحدث عن الإشكالات التي رافقت صدور هذا الملف والعدد، فيما قدم الروائي والشاعر السوري فادي عزام للملف الذي عمل على إعداده، عن كيفية اشتغاله على موضوع "الكاتب والكتابة السورية في زمن الثورة"، مركزا على طرحه مراجعات ذاتية وموضوعية للكتاب، وشهادات شجاعة وحارة، كما يلج الملف بعمق في المؤسسات ويفكك منتجها وآلية عملها، ويشير إلى اتصاله باتحاد الكتاب العرب الرسمي ودعوتهم للمشاركة في الملف والذي لم يتلق عليه رداً.
انخرط كتاب الملف في تناول مواضيع عديدة، منها تجاربهم الشخصية والمعرفية مع النظام السوري ومؤسساته كما فعل ياسر الأطرش في مقالته "يقتلني نصف الموقف أكثر" حين تحدث عن استقالته من اتحاد الكتاب العرب الذي سماه "اتحاد القتلة"، وانتقد في مقالته استمرار كتاب سوريين في الانتماء لهذا الاتحاد. ويحاول الأطرش أن يجيب عن سؤال "هل من دور للمثقف في الثورة؟"، ويعتبره دورا تراكميا غير مباشر.
من ناحيته، يتحدث أحمد أنيس الحسون عن مأزق الكتاب السوريين ويراه في تحول المثقف الى صناجة سلطة أو الى مهمش، ويحلل علاقة النظام السوري بالمثقفين وكيف تم ترويضهم أو قمعهم، وهو ما يتابعه فيه غسان الجباعي في بحثه المعنون بـ"المضمون الخبيث والشكل الأجوف: في ظل الاستبداد"، الذي يرى فيه أن الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي والفكري ولوثة الاستبداد العسكري والفكري لم تسمح للكاتب العربي بالتقاط أنفاسه، والمراكمة الكمية والنوعية، والبحث عن هوية إبداعية متميزة.
ويتحدث فرحان المطر "كيف يستخدم النظام السوري اتحاد الكتاب العرب"؟ راوياً قصة انشقاقه عن هذا الاتحاد وخبراته في العلاقات السائدة فيه. ويقدم حواس محمود في "الكاتب والكتابة السورية" آراءه في الكتاب السوريين الذين كتبوا ضد الاستبداد ومع الثورة ويذكر أسماء العديد منهم.
أما عبد القادر المنلا فيحكي في "قصة عامل المطبعة" حكاية صعود عامل بسيط إلى إدارة مؤسسة إعلامية كبيرة هي التلفزيون من خلال علاقته الشخصية مع أحد المسؤولين.
ضمن هذا المحور يختار خلف علي الخلف موضوعا شائكا يعنونه بـ"الوسط الثقافي السوري: من حروب الفتات الى حروب التمويل الكبرى"، ويتحدث فيه عن ترك النظام بعض الفتات في حقل الثقافة والفن، "وعلى هذا الفتات كانت تدور حروب طاحنة بين المشتغلين بالكتابة والثقافة والفن، استخدمت فيها كل الأسلحة لإقصاء الآخرين بما فيها الاستقواء بالمخابرات واللجوء اليها لتصفية الخصوم"، كما يقدم عادل رشيد في "مأساة المتغير وملهاة الثابت" أسئلة جارحة حول التغيير والتعددية مستنتجا أن مفهوم التعددية ما زال غريبا على الكتاب حتى بعد الثورة.
وفي محور مهم آخر يطرح علي سفر موضوع "القاموس السوري الجديد"، حيث يتابع ما قام السوريون بنشره على وسائل التواصل الاجتماعي خالصا إلى نتائج تتعلق بتغيرات الخطاب اللغوي والدلالي السائد بين السوريين، ولكنه يعتبرها نتائج غير نهائية كونها مرتبطة بواقع متحرك. ويشير سفر إلى أن دخول الثورة عتبتها المسلحة في السنة الثانية كبح ديناميات إنتاج اللغة الجديدة وأعادها الى الماضي بعد أن فرض النظام واقعا دمويا.
يقول سفر أن الشبكة العنكبوتية فرضت على العقل الشبابي منطق الاختصار والذهاب مباشرة نحو الأهداف وهذا واجه السائد اللغوي البلاغي التطويلي، عاكسا الخلاف مع السلطة بشكل لغوي، كما أن هذا المنتوج اللغوي الجديد استند الى رغبة واضحة في اختراق حاجز الممنوع الذي تم التعايش معه لفترة طويلة.
ويتابع رامي سويد من حيث انتهى سفر في مقالته عن "الكتابة الإبداعية على فيسبوك"، ويعتبرها ثورة على رابطة الكاتب والقارئ التقليدية، ويشرح كيف تحولت وسائل التواصل الاجتماعي الى منابر لنشر الكتابات الإبداعية القصصية الساخرة والشعرية بحيث شكل السوريون مجتمعا افتراضيا بديلا عن مجتمعهم الحقيقي الذي دمرت روابطه، وسمح ذلك لكتاب شباب غير معروفين بالظهور ومنافسة وحتى التفوق على كتاب تقليديين.
موسعا الإطار نفسه يشير أنور بدر، في "الكتابة الجديدة وخطاب الثورة"، إلى التحوّلات الكبرى التي يعيشها العالم مع الثورة الرقمية والانترنت وما أدى إليه ذلك من انهيار الكثير من البنى والهياكل والمفاهيم القديمة وأنظمة القوانين والأعراف السائدة، وهو ما أثر في المجتمع المدني وفي "حدود العلاقة بين المواطنين والسلطة السياسية"، ليتحولوا من مجرد مستهلكين إلى شركاء، وأدت هذه العوامل إلى فرض شكل وأدوات الخطاب ومحتواه في الكثير من الأحيان.
كما يتساءل بدر كيف يمكن فهم خيانة أغلب المنظمات القوى القومية لثورة الجماهير ضد أنظمة الفساد والقمع، ويتساءل "كيف يمكننا أن نفهم خيانة الماركسيين لصالح الطبقات التي يدعون تمثيلها والدفاع عنها؟".
عادل بشتاوي، في "نظرة من ثقب الكتابة إلى ميدان الثورة"، يناقش في أسلوب شديد السخرية الكثير من الأفكار التي تتناول الكتابة والكتاب فيعتبر أن القارئ العربي يتقدم كتابا كثيرين، ويحاول، في طريقه، كسر بعض الكليشيهات والأفكار المسبقة بشرحه أن بعض أكبر مكتبات العالم ليس في لندن وباريس بل في الخليج، لكنّه يتساءل، في الوقت نفسه، عن سبب سؤال شاب عن شاعره المفضل فيقول "المتنبي"، وعن مؤرخه "اليعقوبي".
يتابع جبر الشوفي، في "الحرية كمعطى أدبي"، بدوره، أسئلة سابقيه حول العلاقة بين الاستبداد والكتابة ويطالب بدراسة مساهمات المنجز الإبداعي السوري بعد الثورة في بناء الهوية الثقافية السورية موازياً ذلك مع معطى الحرية باعتبارها جوهر وغاية كل نشاط إنساني، قارئا ما تعرضت له هذه الهوية من عوامل التهتك والتمزق في ظل الحرب الدائرة حاليا، معيدا ذلك إلى تغييب حرية الكلمة، ويتوقع الشوفي أن الأدب السوري سيأخذ منحى تبرز خصوصيته المنفتحة على المغامرة واللامعقول والنزعة العنفية.
تقرأ نسرين طرابلسي "حال الكاتب في الدراما السورية" من خلال عدة مسلسلات ملاحظة ظهوره في حالات نمطية تجمع بين الفقر والعاطفية والوصولية والتملق، وتلاحظ أن الدراما تجاهلت معاناة الكتاب السوريين الذين تعرض كثر منهم للملاحقة والاعتقال، فبدت أقصى معاناة يعانيها الكاتب في الدراما هي الانهزام أمام قصة حب فاشلة، بل إنه في أحد مسلسل "الولادة من الخاصرة" يعمل مع ضابط المخابرات على حبك قصص كاذبة للإيقاع بأشخاص بقصد الانتقام منهم. غير أنه في المسلسل الأخير نفسه تظهر شخصية شاعرة تتحدى ضابط الاستخبارات وتنتهي بكتابة سيناريو مسلسل درامي عما حدث لها معه فترفضه الرقابة "لأن الحكاية ليست واقعية".
ويتابع حافظ قرقوط الموضوع في مقالته "كاتب الدراما وسياسة التهميش" محللا ظواهر مثل أسلوب الفانتازيا الذي ابتدعه نجدت أنزور، ثم إنتاج الأعمال التاريخية، وأعمال البيئة الشامية، وكذلك الأعمال التي تحاكي لهجات بيئة معينة. ويرى قرقوط أن الوسط الفني أخفى خلف كواليسه ما أخفاه نظام الأسد خلف شعاراته الرنانة.
وفي مقاله "صدمة الكاتب بالثورة" يقدم عبد القادر عبداللي مقارنة بين أحوال الكاتب قبل الثورة وأحواله بعدها فيلاحظ وجود كتاب يكتبون عن كل شيء لا علاقة له بالواقع، وآخرين يسميهم الكتاب المحظيين الذين صدموا بالثورة فتحولوا إلى كتاب تقارير واستبدلوا القلم بالسوط والمسدس، كما يتحدث عن نوع ثالث يلف ويدور ويرمز ليقول ما يريد لكنه لا يصل الى الناس بسبب تلغيزه وتورياته.
ويحلل عبداللي التشتت الذي أصاب الكتاب فمن كان ممنوعا من الكتابة في الدين بدأ يدافع عن التطرف الديني والتطرف الالحادي أحيانا، فيما جعل حظر موضوعات الجنس بعض الكتاب يستخدمون أقذع الشتائم، أما السياسة، على حد تعبيره، "فأصبح الجميع فقهاء سياسيين"، بحيث أن الكتاب بعد الثورة تحرروا من سلطة الجهات المختصة ولكنهم وضعوا في فراغ... "ليس له بلد، وليس لديه سلطة يوجه لها الانتقاد، ولا قوانين تنظم عمله".
سامي صقر نوفل في "كبير ألم الكاتب/مهول ألم القارئ" يتناول الكتابة من وجهة نظر القرّاء الذين تعرضوا بدورهم لكافة أنواع الحصار برأيه أما إبراهيم اليوسف في "آلة الاستبداد ولذة المواجهة" فيقدم شهادة ذاتية طويلة فيها الكثير من الحكايات والقصص التي تروي أشكالا مختلفة من معاناته مع الاستبداد والقمع وتداخلهما في مجالات الكتابة.
إبراهيم محمود في "مثقف الساعة الخامسة والعشرون" يناقش قضايا موت المثقف ورهان البقاء في زحمة الصور معتبرا أن غالبية الذين يعلقون وينظرون ويقارنون "يتحركون على الموجة القصيرة".
وتقوم مرام برواية تجربتها في تنظيم "أنطولوجيا شعرية" معتبرة العمل فعل حب.
تضمن العدد قصصا وكتابات إبداعية لنور دكرلي وحسن شاحوت ومحمد شبيب ومازن الكاتب وريم محمد ومصطفى تاج الدين موسى، كما قصائد لحكمة شافي الأسعد وطلال بو خضر وميار الديراني ومعاذ زمريق وبسمة شيخو وحمد عبود وسرى أحمد علوش وحسام الملحم ومحمد سعيد.
كما تضمن دراسة "في المعنى النفسي الاجتماعي لمفهوم الكرامة في الثورة السورية لمحمد شاويش، وأخرى في "اتجاهات الشعر السوري بعد الثورة" لعبد الكريم بدرخان وعروضا لكتب من بدر الدين عرودكي (ربيع سورية الذبيح)، وهشام الواوي (السوريون الأعداء)، وهاشم شفيق (بلاد الرجال)، وفاطمة ياسين (خوف بلا أسنان).
كما ضم ترجمة لمقالة لصحافية سويدية، إينس كابرت، بعنوان "سورية بصفتها موضوعا ثانوياً"، وحوارا مع رشيد مشهراوي قال فيه إن السينما الفلسطينية خلقت وطنا لا يمكن احتلاله، وآخر لعادل بشتاوي مع نسرين طرابلسي بعنوان "الإنسان يكتب مجردا من جنسه".