لايزال التاريخ مرآة الشعوب، ولايزال يذخر بالكثير من الدروس للأمم فى حاضرها ومستقبلها، وفى حياة الشعوب والأمم رجال تركوا بصماتهم التى لم تنمحى آثارها على مر العصور والسنون، بل ظلت شاهدة على انجازاتهم وعصورهم.
فى كتاب "بصمات خالدة ...شخصيات صنعت التاريخ وأخرى غيرت مستقبل أوطانها" الصادر عام 2016، تعرض المفكر الاماراتى الدكتور جمال السويدى لدراسة 22 شخصية صنعت التاريخ، لايزال تاثيرها فى حياة مجتمعاتها يتجاوز الماضى والحاضر إلى المستقبل، لأن هذه الشخصيات قد غيرت مسار مجتمعاتها إلى الأفضل، فظلت فى ذاكرة الشعوب خالدة برغم رحيلها عن الحياة، وقد اختار الدكتور السوبدى من بين تجارب الأمم شخصيات وتاريخية ومعاصرة وعلمية وفنية، فنضالها السياسى ممتد أثره منذ توحيد وبناء دولها، وفى تحديثها ونهضتها الحديثة والمعاصرة، أو نضالها فى تحريرها من السيطرة الاستعمارية، أو فى اكتشافاتها العلمية التى لاتزال تهتدى بها البشرية فى مختلف المجالات.
ويختلف هذا الكتاب عن مؤلفات الدكتور جمال سند السويدى السابقه، فهو يركز على دراسة الشخصية (القيادة) السياسية والعلمية والفنية ودورها التاريخى والسياسى والتنموى فى حياة المجتمعات وتاريخ العالم، فهو ينتقل قى مؤلفاته من دراسة تجارب الدول (كتاب القرن الامريكى، 2014) إلى دراسة الجماعات المتطرفة التى تهدم مجتمعاتها (كتاب السراب،2015 )، ثم دراسة شخصيات تاريخية تبنى حاضر ومستقبل بلادها (كتاب بصمات خالدة،2016 )، ففى كتاباته ملاحظات ودروس يقدمها للقارىء عن نماذج البناء والحضارة ونماذج الهدم والتدمير والخراب والارهاب، وكأنه يقول للقارىء لاتيأ، فيقدم له فى كتابه هذا نماذج تدعو الى الأمل والتفاؤل، بعد كتابه السراب الذى حذر فيه من خطر الاسلام السياسى على المجتمعات.
وقد اختار الكاتب 22 شخصية بارزة، من بينها 11 شخصية عربية ( 5 شخصيات اماراتية(الشيخ زايد – الشيخ خليفة بن زايد – الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم- الشيخ محمد بن زايد) - ثلاثة مصرية(محمد على باشا – جمال عبد الناصر – عبد الفتاح السيسى) – شخصية سعودية (الملك عبد العزيز ال سعود )- شخصية ليبية (عمر المختار)- شخصية مغربية (الحسن الثانى ))، وحول العالم اختار 11 شخصية أخرى ( أربعة شخصيات أمريكية (مثل جورج واشنطن، مارتن لوثر كينج- الفريد سيرجوزيف هيتشكوك - ستيف بول جوبز) – ثلاثة بريطانية (مثل البزابيث الثانية، مارجريت تاتشر- البرت اينشتاين) - شخصية صينية (ماوتس تونج) – شخصية هندية (المهاتما غاندى ) – شخصية سنغافورية (لى كوان يو) – جنوب افريقية(نيلسون مانديلا))، وهذا التوزيغ الجغرافى يؤكدمن خلاله أن المساهمة فى الحضارة ليست حكراً على أمة بعينها فكل المجتمعات ساهمت فى الحضارة والتقدم الانسانى .
والرسالة التى يريد المؤلف توصيلها للقارىء واضحة، وهى أن فى تاريخ شعوبنا العربية، وتاريخ الشعوب الأوربية والأسيوية والأفريقية شخصيات بارزة اقامت حضارتها وساهمت فى تقدم الانسانية، لأنها استخدمت سخرت حياتها من أجل بناء ونهضة أمتها، على عكست الجماعات التى توظف الدين لأجل تحقيق مصالحها السياسية وهدم مجتمعاتها، وقد أحسن فى اختيار نماذج مضيئة من التاريخ، فلا يختلف المؤرخون على أن الشيخ زايد هو بانى ومؤسس النهضة الاماراتية الحديثة، وقد سار على دربه من بعد كل من الشيخ خليفة بن زايد، والشيخ محمد بن راشد، والشيخ محمد بن زايد، الشيخة فاطمة بنت مبارك .
وفى تاريخ الأمة السعودية، أسس الملك عبد العزيز ال سعود الدولة السعودية ووحد قبائلها المشتتة، وعلى نفس المنوال أسس محمد على باشا مصر الحديثة، وحمل الرئيس جمال عبد الناصر لواء القومية العربية ودافع عن العروبة وانقذ مصر ووقى شعبها خطر الاخوان والانزلاق إلى حافة الهاوية والصراع والسياسى، وبالمثل فعل الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أنقذ مصر من الدخول فى اتون الحروب والصراعات الدينية .وجميعها شخصيات عربية يشهد لها بالوطنية والكاريزما السياسية والشخصية القيادية التى واجهت مختلف الصعاب من أجل بناء وحماية استقرار بلادها.
على اية حال، يمتاز المفكر الاماراتى الدكتور جمال السويدى برؤية خاصة فى قراءة الواقع السياسى فى العالم العربى وفى السياسة الدولية بصفة عامة، فهو دائماً يركز على دراسة هذا الواقع من مداخل مختلفة، ومناهج مختلفة، ومنظور مقارن، حيث يقارن الظاهرة أو الشخصية فى سياقات سياسية مختلفة ويبرز دورها السياسى فى بيئتها وظروفها السياسية والتاريخية، وغالبا ما يركز أيضا على المقارنة الزمنية عندما يقارن الحاضر بالماضى ليستشرف المستقبل، وهذه المقارنات المكانية والزمانية ليست غاية فى حد ذاتها لكنها تكشف الكثير من الحقائق التى تدعم وجهة نظره فى قراءته للفرص والتحديات والحلول التى يطرحها لملشكلات العربية المعاصرة.