السؤال المحرج هل من جديد في واقع المرأة العربية والمرأة في الشرق عامة؟
الجواب على هذا التساؤل أصعب من السؤال نفسه.
ما زالت تتواصل في واقع الشرق سيطرة ﻋﻘﻠﻴﺎﺕ ﻭﻗﻭﺍﻨﻴﻥ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻥ ﻨﺘﻭﻗﻊ ﻭﺠﻭﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﻭﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﻌﺎﺼﺭﻴﻥ. ﺭﺒﻤﺎ ﻨﺴﺘﻬﺠﻥ ﻭﺠﻭﺩﻫﺎ ﺤﺘﻰ ﻓﻲ ﺩﻭل ﻤﺤﺎكم ﺍﻟﺘﻔﺘﻴﺵ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﺭﻭﻥ ﺍﻟﻭﺴﻁﻰ. مع الواقع السياسي والديني السائد بانتشار العنف الداعشي ضد الإنسان لكونه إنسانا أولا، وتعمق النظرة الدونية للمرأة، لدرجة اسقاط صفتها الإنسانية، يتحول الشرق بتسارع الى مزبلة تتراكم فيها العقليات المريضة، والأصنام الفكرية التي تقدس القتل على الهوية، وممارسة كل أشكال التجاوز لحقوق المرأة الأولية، طبعا هذا لا يعني ان واقع الرجل أفضل كثيرا من واقع المرأة.
8 آذار يوم المرأة العالمي .. لكنه يوم لا يختلف كثيرا للمرأة في الشرق. حتى ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺯ المخبول ﻀﺩ المرأة السعودية بات للأسف أكثر رحمة مما تواجهه المرأة إذا وقعت بأسر داعش. ما يروى عن عمليات القتل والاغتصاب يندى له جبين الحيوانات، لكن أشباه الانسان الهمجيين لا يبالون بما يواجه المرأة وما تتعرض له على أيديهم من قتل واغتصاب، لمجرد انهن من عقائد واثنيات مختلفة. أين نحن اليوم من طروحات "ﻤﺼﺩﺍﻗﻴﺔ حقوق النساء" كما جاء في كتاب ماري ﻓﻭﻟﺴﺘﻭن كرافت الذي صدر في القرن الثامن عشر؟ إﻥ ﺩﻭﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻀﺎﺭﺒﺔ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘل الشرقي. المشكلة ليست بالمرأة، انما بمناهج تفكير وتعليم وتثقيف همجية تجاوزتها البشرية، لكن أشباه البشر يتمسكون بها.
قالت ﺴﻴﻤﻭﻥ ﺩﻱ ﺒﻭﻓﻭﺍﺭ التي لعبت دورا كبيرا في الحركة النسائية العالمية: "نعلن ﺍﻟﻴﻭﻡ ﺍﻨﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺎﺤﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ كلنا نساء ورجالا ﻨﻭﻟﺩ ﻤﺘﺸﺎﺒﻬﻴﻥ - ﻤﺜل ﺍﻟﻠﻭﺡ ﺍﻟﻨﺎﻋﻡ-، أﻤﺎ ﺘﻌﺭﻴﻑ ﻫﻭﻴﺘﻨﺎ ﻓﻨﺤﺼل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺒﻭﻗﺕ ﻤﺘﺄﺨﺭ ﺃكثر ﺒﻌﺩ ﻭﻻﺩﺘﻨﺎ ، ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻤﻥ ﺃﻫﻠﻨﺎ". إﻥ ﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﻟﻠﺠﻨﺴﻴﻥ، ﺍﻟﺫﻜﻭﺭ ﻭالإناث، ﺼﺎﺭ ﺍﻟﻴﻭﻡ في عالمنا العربي ﻤﻬﻤﺔ أكثر ﺘﻌﻘﻴﺩﺍ ﻤﻥ ﺍﻟﺴﺎﺒﻕ. الفجوة ﺘﺘﺴﻊ ﺒﺎﺴﺘﻤﺭﺍﺭ بين واقع المرأة في الغرب وواقع المرأة في الشرق، كأننا ﻨﺘﺤﺩﺙ ﻋﻥ ﺴﻜﺎﻥ كوكبين ﻤﺨﺘﻠﻔﻴﻥ، ﺍﻭ ﻋﺎﻟﻤﻴﻥ ﻻ ﻴﺠﻭﺯ إقامة ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻨﺔ ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ. ﺍﻷﻭل ﻋﺎﻟﻡ ﺒﺸﺭﻱ ﻭﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻋﺎﻟﻡ ﻴﺨﺎﻑ ﺤﻜﺎﻤﻪ ﺍﻹﻟﻬﻴﻴﻥ ﻤﻥ الانضواء ﺘﺤﺕ ﺍﻟﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ، ﻟﻸﺴﻑ ﻨﻔﻲ ﺍﻟﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ ﻟﻴﺱ ﻋﻥ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻘﻁ، إنما ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻭﺍﻁﻥ ﺍﻟﺭﺠل ﺃﻴﻀﺎ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﻌﺭﺽ منذ ﺼﻐﺭﻩ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺘﺸﻭﻴﻪ ﺍﺨﻼﻗﻴﺔ ﻭﺠﻨﺴﻴﺔ ﻭﺤﻘﻭﻗﻴﺔ ﻭﺩﻴﻨﻴﺔ وبالتالي نراه يصبح منفذا بلا وعي لفكر دونية المرأة.
ﺍﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺌﺞ ﺍﻟﻤﻠﻤﻭﺴﺔ ﻟﻨﻀﺎل ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﻨﺴﻭﻴﺔ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻭﺴﻴﺎﺴﻴﺎ ﻭﻗﺎﻨﻭﻨﻴﺎ ﻜﺜﻴﺭﺓ، ﻟﻴﺱ ﻓﻘﻁ ﻓﻲ ﺤﻕ ﺍﻟﺘﺼﻭﻴﺕ ﻭﻗﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﻁﻲ ﺍﻟﻤﺭأﺓ ﺸﺭﻭﻁﺎ ﺃﻓﻀل ﺒﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻤل ﻤﺜﻼ، ﻭﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻌﺎﻤل ﻤﻊ الاعتداءات ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻭﺠﺭﺍﺌﻡ ﺍﻟﻘﺘل ﺒﺤﺠﺔ ﺍﻟﺸﺭﻑ .. إنما ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻷﻫﻡ، ﺠﻌل ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﺘﺤﻤل ﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﻤﺠﺘﻤﻌﻬﺎ ﻟﻴﺱ ﺃﻗل ﻤﻥ ﺍﻟﺭﺠل، ﻭأصبحت ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﺼﻭل ﻷﻱ ﻤﻨﺼﺏ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌﻬﺎ.
ماذا تغير من واقع المرأة العربية؟! كما قلت السؤال صعب والجواب عليه أصعب. لكني اقول ان رؤيتي متشائمة لمكانة المرأة في هذا الواقع العربي. بالطبع موقف القيمين على "قيمنا" و "أخلاقنا" و"عاداتنا" و"تقاليدنا" و"ديننا" .. لن أورده، لأنه نوع من الطرح العبثي الممل. إن واقع المرأة في شرقنا لا يمكن وصفة بانه تراجع كبير فقط، بل انهيار كامل حتى للحواجز الأخلاقية، ما بات واضحا هو غياب أي أمل في الفترة القريبة وربما الأكثر بعدا أيضا، لتحقيق أي تقدم في قضية المرأة طالما ظل مجتمعها قبلياً في مبناه وعلاقاته، يحرمها من الحقوق السياسية المتساوية (وحتى حقوقها الدينية منقوصة ومشوهة) ومن فرص النمو والتعليم والتقدم في تطوير قدراتها الخاصة ووعيها، ومشاركتها في عملية التنمية الإنسانية والاقتصادية لمجتمعها. طبعا آمل ان ظاهرة الارهاب ستختفي قريبا، ولا اعرف كيف يمكن لعق جراح هذه المرحلة الرهيبة، على مستوى مجتمعاتنا برجالها ونسائها.
في إطار واقعنا الشرقي المتعثر مدنياً، لن نحرز تقدما في مجال إنجاز نهضة نسائية واجتماعية تغير واقع المرأة، ويفتح أمامها وأمام مجتمعاتنا آفاقاً جديدة، وإمكانيات أخرى تعمق دورها ومسؤوليتها؟ ما زالت ظاهرة قتل النساء بحجة شرف العائلة تسود مجتمعاتنا. المرأة هي الزانية حتى لو تعرضت للاغتصاب. عدا ظاهرة الارهاب السائدة اليوم هناك ارهاب من نوع لا نذكره كثيرا، ظاهرة من القرون الحجرية بتشويه الأعضاء التناسلية للإناث. كأن هذا التشويه سينقذ شرف العائلة التي لا شرف لها أصلا بظل أنظمة تتعامل مع الرجل أيضا بتشويه أفكاره وأخلاقه وقيمه!
هل تغير واقع المرأة في الدول العربية ال 17 من بين ال 21 دولة عربية التي وقعت على اتفاق القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ثم قيدته بتحفظات تشريعية "وطنية" او بنسف بعض بنوده التي تتعارض حسب فهمهم المشوه مع "الشريعة الاسلامية"؟ هل اصلا تطبق الدول التي تتحجج بالشريعة الاسلامية، بنود الشريعة على تجاوزات الأمراء والشيوخ والحكام؟ هل سرا الممارسات الجنسية التي تجري في قصور السعودية والتي انتشرت أخبارها في وسائل اعلامية عربية ودولية مختلفة؟
تساهم المرأة في الدول المتقدمة بحصة تكاد تكون مساوية لحصة الرجل في جميع نواحي الحياة. في عالمنا العربي أرى ان المرأة، حتى الأكاديمية، تخضع لقيود مستهجنة، يفرضها مجتمعها ونظامها، يقيد بشكل واسع تحركها وحجم قيودها، حتى في المجتمع الأكثر تنوراً، على صعيد الدول العربية، نجد ان واقع المرأة لا يختلف بمجمل مضمونه. لذا ليس بالصدفة ان أكاديميات انهين دراستهن في الغرب يخترن البقاء في الغرب!!
دأبت تقارير الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، على وضع اليد على واقع مذهل من التخلف في المجتمعات العربية، يطال النساء والرجال، وغني عن القول ان واقع المرأة هو الواقع الأكثر سوءاً والأكثر مرارة .. خاصة في موضوعين أساسيين: أولا البطالة التي تطال نسبة عظيمة من النساء، ومنهن جامعيات. بالطبع وضع الرجل لا يقل سوءاً، والمعروف ان غياب تخطيط حقيقي للتنمية، وغياب أبحاث أكاديمية حول التنمية وآفاقها واحتياجات الأسواق العربية، والربط بين الاقتصاد ومعاهد الأبحاث (الغائبة) في الجامعات، يقود الى فوضى، او تنمية ارتجالية لا تتجاوب مع المتطلبات الملحة للمجتمعات العربية، ولا مع توفير أماكن عمل حسب احتياجات النمو السكاني. حتى فرص خلق أعمال جديدة يسير ببطء شديد يقود بالتالي الى تعميق استغلال عمل النساء، وهذا يبرز بالأجور المتدنية جداً. وبات إيجاد مكان عمل، صدفة سعيدة تتمسك بها المرأة وتصمت عن واقع إملاقها وسحقها كإنسان.
تقارير البطالة في العالم العربي حسب مؤسسات الأمم المتحدة تتحدث عن أرقام رهيبة تصل الى 30 - 40 مليون عاطل عن العمل، ولا أعرف هل تشمل هذه الأرقام مجمل الراغبين بالعمل، ام فقط المسجلين رسمياً؟ وهل تشمل مجمل نساء الوطن العربي القادرات على العمل؟ حين نجد ان المرأة في المجتمعات الصناعية المتطورة تشكل ما يقارب نصف عدد العاملين، نجد انها في المجتمعات المتخلفة لا تشكل أكثر من 15% وربما أقل كثيرا.
المؤشر الأخر المرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا الواقع، هي نسبة الأمية المرتفعة جداً بين المواطنين من الجنسين، وخاصة بين النساء. هل يتوقع أحد ان ينشأ جيل مثقف متعلم في أحضان نساء جاهلات؟ لا ليس تهجماً على المرأة، هذا الواقع ليس من مسؤوليتها. لأنها تخضع لتحكم استبدادي وديني يتميز كل أطرافه بالجهل والغيبيات. دول عدة كانت أكثر تخلفاً وعصبية تجاوزت واقعها الى مجتمع مفتوح، دمقراطي، تشكل فيه العلوم والاقتصاد قاعدة تطور تضعها في مقدمة دول العالم. وجعلت للمرأة مكانة متقدمة في وظائفها الاجتماعية والاقتصادية، المجتمع الياباني نموذجا!
المرأة في الصين أيضا .. لم يكن وضعها أفضل من حال المرأة العربية .. لكنها تشكل اليوم قوة علمية انتاجية في اطار المجتمع والاقتصاد في جمهورية الصين. بعد ان أعطيت الحقوق الكاملة المساوية للرجل.
أعتقد ان بدء مرحلة إنشاء اقتصاد بديل للاقتصاد النفطي، سيقود الى تغييرات اجتماعية عميقة، تنعكس أيضا على واقع المرأة العربية. ان أي نهضة اقتصادية، حتماً ستفرض تغييرات عميقة في المجتمع، لا بد ان يكون أبرزها خروج المرأة للعمل، والاحتياجات العلمية والتقنية لمتخصصين ومتخصصات في برامج الانتاج الجديد. اذن كيف سنواجه المستقبل؟ ماذا أعددنا لما بعد حقبة النفط؟ لماذا لا تستغل الأموال الفائضة في البنوك (وتقدر بعدد كبير من ترليونات الدولارات) لإحداث نهضة اقتصادية تعتمد على الصناعات غير النفطية.
لا أظن ان أحداً من المتحكمين بالقرار العربي يعرف الإجابة. ربما يعرف كم يوجد في حسابه المصرفي ليس إلا ... ومشروعه لضم الزوجة الجديدة. اليوم يضحكون في واشنطن ولندن وباريس وبون وبكين وطوكيو بوجوهنا. ما زال النفط طاقة أساسية. غدا لن نجد حتى وقوداً لسياراتنا، وسنجر سياراتنا بالجمال. هل سنعود الى أيام الجاهلية قبائل مشرذمة تغزو بعضها بعضاً طلباً للطعام والمشرب؟
حان الوقت لنفهم ان مجتمعا متنوراً متقدماً اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً، لن يكون دون مشاركة كاملة للمرأة في التخطيط والإنتاج والبرمجة المستقبلية. وإقرار القوانين وشكل نظام الحكم.
يؤسفني اني لا أرى مستقبلاً لمجتمعاتنا، بنسائها ورجالها ... مثل الذي أحلم به.