تقدم الكلمة في هذا العدد ديوانا شعريا من سوريا، للشاعر السوري باسم سليمان. ديوان كتب بجرأة وقدرة على صياغة التفاصيل الأكثر حميمية، واقترابا من تجربة شاعر قرر أن تتحول الأحاسيس الإنسانية الى عنصر توليد مضاعف لتجلي الكتابة الشعرية في نصوص تتحرر من سلطة المعنى وتذهب بعيدا في أقاصي وأغوار اللغة.

ديوان العدد

مخلب الفراشة

باسم سليمان

ما القمرُ إلّا قطعةُ نقدٍ سقطتْ من مال الله، أرميه مقامراً، أهو حضور أمْ غيابْ؟

فيأتي نقشُه وجهَكِ.

 

القَلقُ الرّضيْعُ، أثداءُ النّساء لا تكفيهِ

مونولوج 1:
حبّة الفالْيُوم الملتقطَة بإبهامكِ وسبابتكِ، ملقطٌ  يُمْسِكُ الرّياح مِن أذنها، تأديبٌ لكلّ هذا الصّدى؟

 حبّة الفالْيُوم ليستْ حكّاءةً جيدةً تُسقطكِ في النّوم بعد أنْ تُودِع القصّةَ نهداً ثالثاً في صدركِ.

 حبّة الفالْيُوم ترميها إلى عصفور حلْقكِ ليصْطادها كفراشةٍ أعماها حيادُ الضوءِ الأبيض، متجنبةً أنْ تخرج دمعةً على لسانكِ المتلمظ ريقي كذواقٍ للنّبيذ، فابتسمَ قبوُ قلْبِي حيثُ الكثير من الكلام أعتّقُه.

لستُ حبّة الفالْيُوم... أسبِّح بسيجارتي، أسقطُ الجَمْرَة تلو الجّمْرَة في موقد كفّي وأنا أتلو اسمكِ، درويشٌ صارخٌ بعد أنْ تيبّستْ أل"مدد" في حلْقِهِ.

في الخارج يلمعُ شارعُ الإسفلت، نصلُ خِنْجرٍ لغجريّ يتربصُ بمن أدمى خطوتكِ في رقصتكِ الليلة، أُطْفِئ الأنوار كمن يصمّ سمْعَه، أغمدُ لمعةَ الخنجرِ في دمعة على حديّ.

حبّة الفالْيُوم تتوسط المسْرح

الضوءُ يلقي بثقلِه عليها، فينضحُ ظلّها

رغبة بالصّحو، تمتلئ المقاعد بالجمهور، بالمنكانات

تذرف دمعاً بطعم النّفط، فيما أنا قاطع التذاكر

أُرتبُ في الكواليس معطفكِ الفرو وأقنع الثعلبَ الماكرَ بألاّ يفرَّ

فكلاب الصّيد

رُفعِت من الواقع إلى المتاحف

رغم أنّ نباحها يعلو مع كلّ تصفيق لحبّة الفاليوم.

أشمّ شالكِ، هذا الحشيش الصّافي كرائحة السيلينيات اللائي نافسنَ عطر بنلوبي في إيثاكا، أُمسكُ حذاءكِ وأمسحُ سواده بسواد سترتي، فتلمعُ نجمةٌ تحنّ لأصابعكِ.

حبّة المنوِّم أنتِ وهذا الليل في غيابكِ ازدردَ كلّ النّوم من علبة عينيّ وتَرَكَ مقلتيّ بيضاوين كالقلق.

 

مونولوج 2:
 في الحديقة الخلفية لظلّكِ، أجلسُ كمقعدٍ خشبي، حفر لصٌّ رسمَ وردةً على خشبه الطّاعن في السّهاد. وشمتِ على بطّةِ ساقك المهاجرة، سكِينة جيبٍ تخيفين فيها من يصفّر في إثر مشيتكِ.  

 الدَهان الأزرق القاني الذي تساقط دون هزِّ، مازال يذكرُ لسان فرشاتكِ وكيف همّزتكِ نفسكِ أنْ تضعيه كطلاء لأظافركِ، يخمشُ زجاجَ لهاثي، ينافسُ ورق الخريف متشرّداً في الربيع.

 نافذتكِ المطلّة، على مسرح السّاحة الخلفية، شرفةٌ في مسرح فيكتوري، تراقبني من خلف عدسةٍ مقرّبةٍ، تتقينَ بها عدوى الحبّ التي أشاعها شكسبير جرّاء عطساته المتتالية وهو يكتب روميو وجولييت.

 المقعدُ الخشبي كعكاز جون سيلفر، يحلم بقراصنة لا يشبهون قراصنة جوني ديب بل رسوم المانغا اليابانية وجزيرة تُبحر كسفينة إنْ أُرخيتِ القلوعَ على أشجارها، القلوعُ التي قدّتْ من ستائركِ المُسْدلة.

 ـــ ـــ

صمت:

في شارع قلْبي

تَحطّ المقاهي كرفّ سنونوات.

بائعة الورد تمرّ

أتركُ لها كرسياً فارغاً

طاولة، فنجاناً، تصاعد بخارُه

وإنْ لَمْ تملَأْه القهوة.

بائعة الورد، صديقتي الخياليّة من أيام الطفولة

التي حميتها من حقائق الكبار،

بائعة الورد حقيقةٌ كفاية، لتجلس على الرصيف

تعقد رباط حذائها

تختفي كالسّنونوات

لمّا تُكمل الشّمس كأس شاي الغروب.

 

مشْطُكِ ذو الأسنَانِ اللبنيّة، يعضّ شَعري المجعَّد
أمسّد ظهرَ سيجارتي، عيناها تشعّ قطةً في الظّلمةِ، ضوءاً في آخر النفق، أمسّد ظهْرها، يلتف ذيْلُ دخانها على ساعدي الذي تأبطْتِه بلا شرّ.

تعرجين كلّما رأتكِ صديقةٌ وتهمسين ساخرة: تتأبط الأنثى ساعدَ الرّجل لمّا تَكْسُر كعبَ حذائها. كعبُ حذائكِ الذي كنتُ أهزّه، فتساقطَ خطوكِ كوقع أقدام السُكارى في آخر الليل.

 "تولد السّيجارةُ حكيمةً

 مصابةً بالزهايمر

 تنسى خضرتها

 مزدهيةً بجبّةٍ بيضاءَ وعمامةٍ حمراءَ

 مضطجعةً مثل أفعى ابتلعت للتوِّ

 فأر الوقت؛

 لمّا تُلقِمها شفتيكَ كخرطوشة الحبرِ

 تصْغر

 تصبح طفلة موؤودةً

 تترك وجهاً كظيماً كقصيدة".

تتأففين من رائحة الرّماد في المنفضة، تحبين قبلتي المضمّخة بطعمة التبغ الحريفة، تقولين: دخّنْ على الشّرفة، بعد ممارسة الحبّ، لكنْ اتركْ طقس البيت بلا غيمة صيف، تقرَأَها كلّما نظرتَ إلى صفحة ماء ظهري إذ رفعتُ عنه صفصافَ جدائلي.

"تفضّ السيجارة عذريتكَ

 ينمو الشَّعرُ في جيب إبطكَ الفارغ

 ينفرُ لسانكَ بالشتائمِ كحلمة

 تمدُّ حمْرَتُها الفضوليةَ كطفلٍ حطّمَ زجاج النافذة واختبأ بإغماض عينيه ".

وأحلمُ بالنّساء، جبلٌ من النّساء يشبه هرم البطيخِ الأحمر، شاحذاً سكيني بأصابعي الخمسة، متأوهاً، مندهشاً، من أين جاء الدّم الأبيض كلون بطنكِ وأنتِ تمطين جذعك كحوريّةٍ، تكنسين زوايا الغرفة من عناكب ناسكة تحلم بإله كالفراش. أحلمُ بالنّساء إلّا أنتِ، فإنْ متّ رأيتكِ.

أقرأ لكِ: تنام الْيَاسمينة على استخارة أنْ تقطفها أناملكِ
تنامُ على مخدّة من ندى

وتحلم

ـــ تنشلين من العلْبَة سيجارة، تضعينها كغجرية بين نهديك، بعد أنْ حُرثَتْ خطوطُ القدر في يدي وزُرعَتْ بشتول الدخان الخضراء الغضّة كأناملكِ التي تنقر على الطاولة المنجورة من خشب الجوز، إيقاعَ القصيدةِ كثيابكِ الداخلية الموزّعة على حيطان الغرفة، معلقة كلوحات انطباعية لا تجفّ.

أقرأ لكِ:

في الخريف تسقط الأوراق

في الخريف تصلّ الرسائل

****

خضراء كنبتة في أصيصكِ

فضية كخلخال فوق كعبك الرافض لكعب أخيل

حمراء كنار شهوتكِ.

الحرباء التي لا تملك ريشة وألواناً

لا تمكر

بل ترسم.

*****

النّهر ينحني؛ لا ليقطف زهرة أقحوان بل أصيصاً.

تمسّدين بطنيَ المستدير، أنا حاملٌ منكِ وإنْ لم يمسسني فرحٌ، بسيجارتين تحيكين لطفلنا الآتي كنزةً من صدىٍ وكتابة، تمتلئ الغرفة بغيوم الصيف، وتمطر......

 

بصركِ زئبقٌ. نظرةٌ، نظرة؛ متّ ذات هيام
مرآة:

آلاف النّحلات يحملْن صوتكِ، حباتِ وحي إلى زهرات سمعي، تفتّحْن كسرّة بطنِ حاملٍ من ملاك. أصغي نجمةً لانعكاسها في قطرة سمّ، تعلقتْ بشعركِ منارةً في عيونِ بحّارةٍ، سفينتُهم سمكةٌ ينظِّفُ البحرُ بصاريتها، مياهه الحادّة كالعشق بعد مائدة الحنين.

أصيخ السّمع لوحيك نبياً فَضّ عذريتَه نكاحُ السّماء، متلمساً قماشة أخطائه، يمسح ما سال من دمِ المتعة والرّهبة على رمش الهواء.

يا صوتكِ يا دالاً تنزّه عن دلالاته واستوى على عرش الصّدى، ساكباً مقلتيه عسلَ ضوءٍ في شمع السّماء.

أنا،

 أيتها النحلاتُ

 لستُ دبّاً بنيًّا يحبّ العسّل

 مخرّباً رفّ كتبٍ من أجل أقراص الشّهد

 أنا أيتها النحلات، أنا انتحارٌ في لوحة لفان كوخ

 يصرخُ: تباً للمنظور.

لم أُحدِّث الغيمَ القديم عنكِ، بقي بيتي قميصاً من غبار. صافيتا* ترفل بالبلل، الأرصفة تفرش أسنانها المصفرّة من كثرة الخادرات ... الشّرفات تنزع حمالات صدرها، تُعهّر أثداءها، لشمس المطر، تترك حلماتها تساوم قرنفلاً، يزدهي بسمرة فضية. بيتي غريبٌ لا يفكّ عجمة البلل، يرطن، يُهلوس بأنهارٍ نستْ  تبلبلَ لسانها، فأنكرتها الضفافُ، وأنا منذ خلعتُ قبلتكِ أول مرّة، صار ظلّي فوبيا الماء، كلّ غرقٍ ليس في سرابكِ محضُ ضلال، كلّ غرقٍ لا يلفظني على شاطئكِ الصّخري، أزرقاً كإله، كهذا المطر الذي يسحّ الآن.

الهواءُ يشي بالبرودة

البرودةُ تشي بالمطر

المطرُ يشي بصوت خطواتكِ، مجروحٌ هوائي مضمّدٌ بغيمة غياب.

تمدّ الرّيحُ ساقيها لسان أفعى، ياسمينةٌ تلقي بعقبِ عمرها عن كتفِ الشّرفة، يدلّيها شغفُ عاشقين، تستدير أصابع قدميها كفراشة الماء وتهمس لغيمة: جميل هو الحنّاء.

 

انعكاس:
البعدُ ظرف زمانٍ لامتناع المكان؛ النّحلات يتهرّأن كسمع بتهوفن، ليس من قِدْرٍ أَطبخ به عدسَ النبوة وأسرق بُكورية الذّاكرة. الوحي يسْكَر في الحانة يلقي دنانير الشِّعر على الغانيات ونابُ الدّبِّ البنّي معلقٌ كمسمارٍ في الحائط، تتدلى منه الدلالات لوحات بيضاء، عمياء.

الشّرفةُ عُلِّق عليها الأصيص؛

سيجارةً بين لهبين.

الأصيصُ حدقةٌ بيضاء

بؤبؤها موشور.

الياسمينة لسانٌ

حدّد سمت النّظر.

الحدقة تتكسّر

لم تعد الرِّياح تضرب بعصاها برزخ الهروب

السّيجارة ترسِل دخانها كساق نبيّ

تتعطفين عليّ وتمجّين زهرة سيجارتي.

أصرخ: أيّها المطر العنين؛ الحبّ قاتلٌ يظلّ يحوم حول مكان جريمته.

 

مدينة في سوريا
يوم القيامةِ أتأبطُ نهدكِ الأيسر، أدخل على الله

كقائدٍ يستريحُ من انتصاره

يضع دروعَه أرضاً

 سلختِ سوتيانكِ

تركتِ لاهوتَ نهديكِ المملوء بجروح الشّهوات

غواية لهواءٍ محمومٍ بغبار الناسوت.

كان النّهر سهماً، يشدّ السّهلُ قوسَه

يرمي به جوعَ البحر

لبقر بطن اليابسة.

وكان أنْ نزلتِ تستحمين كما يفعل الآلهة في الأساطير عندما يملّون من مُطلقهم  وهنا اكتشفَ النّهرُ طفولتَه، رضع بفميه ثدييك، أحنى شفاهَه، فكانت المنعطفات، رفع أرجله، فكانت الشلّالات، أرخى السّهلُ قوسَه، نام النّهر في حضنِكِ، عندما استفاق كانت دلتا فينوس تشقّ قميصَ البحرِ، غير مكترثة بزَبَد النوارس.

نهدكِ قطرةٌ في عين حنفيةٍ خضراء

حنفية من النحاس

سُبكتْ من أسلاك الهاتف الذائبة تحت وقع لهاثنا الصّوتي.

 نهدُكِ يهطل في جرن الستالس، يتشظّى تاجَ ملكٍ تخلى عن العرش إكراماً للحبّ، في أزقّةٍّ تصلُ بين شرفاتها سلاسل الغسيل، حيثُ النّساءُ تركن للشّمس أن تجفّف قطرات الرفثِ عن الشّراشفِ المعلوكةِ بفم الحكمة العجوز.

نهدُكِ صرّة نارٍ

شهبٌ أرمي به شياطين القلق الذين قعدوا مقعداً للتهكّم.

نهدكِ عقرب الثّواني ألدغ به دقائقي وساعاتي

أطردُ هذا الزّمن الحرون على اللّقاء.

مسرنم أمشي إليه، أفكّ زرّ الحنفية

ألقم فوهتها لفمي المبتور الشفاه كرسالة مطوية في جيب الإبط وأرتوي

أسقط  كشلال من أعلى حلمتك، يحملني الهواء كقوس قزح.

نهدك الأيمن دون كيشوتي الطاّلع، يهجم على صورته المقلوبة في عيني، يكسّر أهدابها، يقول: إنّها أنيابُ ذئبٍ لا يعوي قمراً كاملاً.

يفتكُّ بأصابعي، يمحي بصماتَها، يعلّق سبابتَها في عنُقِهِ، يشي بأسرارِ إبهامي، ثمّ يعرش قلعةً تحرسُ خشخاش بطنكِ، مطمئناً لخدره السّرمديِّ وإدمان كتّان يدي.

يتأمل نهدُكِ الأيسرُ فعلةَ الأيمنِ كسانشو المخمور، يصرخ: ما أشجعك أيّها الفارس النبيل !!

نهداكِ ثمرة الأرض التي لا تسقط بل تعرجُ إلى السّماء السّابعة.

نَهدُكِ ينضجُ كالكمأةِ في هزيم الرعد، لحظُكِ يضربُ بصواعقه ديكَ الاتجاهات كمولوي في عاصفة النّبيذ. العاصفةُ في الخارج تطلِقُ الألعاب النّارية، يقفُ الشبّاكُ أرنبٍاً على ساقيه الخلفيتين، يقضُم جزرةً بلون الشّمس، ينتظرُ رجلُ الثّلج أنفَه، وفي ظلّه نستلقي سويّةً نقرأ أقدارنا في غيمٍ سريعٍ. 

" للقصيدة أرجوحة بين نهدين

لا تهزَّها كثيراً، فيسّاقط رطبها

يغفو فمٌ بين حلمتين"..

 

اللّعنة حيوانٌ أليفٌ
أربّي اللعنةَ طيراً جارحاً، أطعمه سأمي، لا ألوّث دمهُ الفراتَ بنجيع الطرائدِ، أرفعه بيدي راية استسلامٍ وأرسله كقلبٍ يهفو لعشقه، يطأ النّسمةَ، ينحدر من العلوّ كسيفٍ في غمده، كساعي بريد يشتِّت قبيلة الرسائل وفي فم صناديق الوحدة يُنشب مخالبه.

اللّعنة ناقف حنظلٍ

مجدلية أخرى جبّتها الحكاية

تملأ آثار الخطى بدمعها وتكنس بشعرها حصى الكليَة عن الصّدى وتمضي بخاصرَة، يضحك جرحُها كمَداك عروس

تكفّن كفيّها بحنّاء الصّمت،

فعرْض القيامةِ قد فاتها والسّيركُ انتعل حذاءَ المهرّجِ.

أنام في سريرِ اللعنةِ

أخون الخطيئةَ الأولى

يسقطُ كركرُ قلبي من حضْن امرأةٍ، تهْجر بالبراءة

يتدحرجُ كرةَ روثٍ يدفعها جُعَلُ الخلق الأولِ إلى تراجيديا حمقاء

أضطجعُ مع ظلّي ولمّا يصرخ الكورس

أفقأ عيني،

فتذرُ الصّرخة الموؤودة كثبان النّظر.

أربّي اللعنة كحيوانٍ أليف. كلبٌ أمّه ذئبة بيضاء برداء إلهٍ، نأخذ سويّةً اللقاحات ضدّ داء الكلب المنتشِر بين العشّاق، اشتري له عظمْة من محلات فرزاتشي وأبحث في البالة عن ثياب لكِ، تبرعتِ بها لفقراء العالم الثالث، اشتريها وأملأ خزائني بها وأحكي له عن نساء عبرن سرير اللعنةِ، أُسمعه أغنية لويس أرمسترونغ " kiss of fire " ونلعق عَظَمَة الوحدة.

لقيطاً كنتُ

أمشي كرامبو

أتاجر بالسّلاح والجواري

في ليلة انشق القمر

عن المركب السّكران.

اللعنة..

 

عشّاقُكِ صيّرهم ثديُك أخوةً لي في الرّضاع
أذكرُ نظرتكِ الحادّة

تفصدُ ظهر الهواء

يَحرق ملحُ الدّم عيني.

أبكي كمن يقطّع البصلَ إلى شرائح زمكانية على دفّةِ سفينةٍ مصابةٍ بالتّصلب اللُّويحي، قرصانُها، باض القطرسُ في قبعته السّوداء، رجلُه مقطوعة كإيهاب، وضع زجاجة خمرٍ ملأى في خيال السّاق، يعرجُ سكراً، رمى صنّارتَهُ، قلبُه شصّها، قلبُه الذي نسيَه عند غجرِ البحرِ، ليصطادَ موبي ديك.

أذكر سريري كحدّ سيف السّاموراي

وكنتِ حجر الشّحذ، تسِيلين ماء الشّهوة

 وأنا نواسٌ أسكب في قدحِ فخذيكِ

 سلافَ الوقتِ المذبوحِ على نطع الآه.

 لستِ من الجميلات النائمات اللواتي اشتهاهن مركيز.... لستِ ريميدوس التي تتسلى بقتل العقارب في حمَّامها القرميدي ويتساقط العشّاق خارجه من ثقل رصاص الحبّ كالجنرال بيونيدا، فحارَ ماركيز كيفَ يتخلّص منها ..... و سرد بأنّها ارتفعت إلى السّماء في ثوبها المنسوج من الخيش، واختفت كما يفرغ الحبر من دواته، فلا تبقى إلّا ريشةٌ سقطتْ من طائر الرّخ على طاولة الكتابة.

أنا ياسوناري كواباتا أجأر: إنّ الحبّ هيراكاري، فأقاطع استقامة السّيف مع قوس أحشائي وأسجد.

أذكر الشّارعَ الطويلَ كلسان آكل النّمل إلي بيتكِ

أتنكّر كصرار

وأدّعي أنّ الصّيف دائمٌ، أنتِ نملةٌ مجتهدةٌ

تخبزين أقنعة القمحِ

تضعينها على وجهكِ، فلا تجوع المرايا.

أذكر الرؤى

 أنّكِ أغلقتِ الباب خلفكِ

 فأطبَقَ على إطاره

كطفل يعضّ ألمَ طلوع فجر أسنانِه

كأنّ اللوحة انطباعية

 تهوي عليها الفرشاة من مهوى قرطٍ سقطَ  حلْقُه لمّا همستُ في مئذنة السّمع :

 تصغي زهور عبّاد الشّمسِ، تصغي جيداً، كأذن فان كوخ المقطوعة إكراماً للحبّ.

أذكر أصابع قدميك تبصبص ككلب صيدٍ

 في حذائك

 الكعب النّاهد

 تشمُّ رائحةَ خطواتي الآتية مع الرِّيح

 فيقرّ الدّرج كسرْب من الحجل.

 أسمع قرع كعب حذائك، كأجراسِ الخرافِ في المراعي البعيدةِ ... آه، لأَغرق في برميل نبيذٍ فهذا الحزنُ حامض.

إنّه إله ليرسم كلّ هذا البياض، أتلو الكلام أمام لوحة لمونيه. يخبرني الحارسُ أنّ أبوابَ المتحفِ ستغلق، أجيبه:  لا أعرف أين أذهب، لقد استيقظتُ هنا. 

يقودني الحارس الضّجرُ من يدي كأعمى إلى الخارجِ، فأذكر أنّكِ منهمكةٌ بخلق جهازٍ لتعقّب مَن قلوبُهم قد أصابها الزهايمر.

 

الحبّ يكلّمني كصديق – الآن- من وراء حجابٍ
إنْ لم يصبْكَ الحبّ بالجرب

ويصبح

جسدكَ كعشّ النّمل

وتهرع إلى شجرة

يابسة كما تفعل الفيلة وتحكُّ كرحى تطحنُ الحَب، حتى تكْسر جَزَع القلب

فأنت!؟

لا أريد أنْ أكتب نصاً يشتهيكِ أكثر مني، نصّأ يتحوّل كلّه لحرف الألف ليس ألفةً واستباقاً للحروف؛ لتقفَ في حضرتكِ بل رغبة محمومة للولوج.

بعد ليلٍ طويلٍ من معاقرة الكُحل

يأتي الصّباحُ مخموراً

عيناه

مكلّلتان بهالة سوداء

يتلمس بشرتَكِ كصابونة ٍمن زيت الغار

يَغْسُل وَجهَ الضّوء.

في آخر الليل

قبل أن يكتبني الليل كفجرٍ

ألِصُّ سماءك

ألتقط أمنيتك وأحترق.

عاملة البار لا تشرب الكحول

 تمسح دمْعَها بورق التواليت

متكئة على باب الزقاق الخلفي

سكبتْ لي خمْرة الرّمل

فأزهر الصبّار.

عيناكِ الدّربُ اللّبنيُّ

 يمرُّ الأميرُ الصغيرُ كحزنٍ عندما تلمع دمعةٌ كأنّها شهبٌ

يسأل عن ساعة سانت دي أكزوبري الغارقة في مضيق جبل طارق .

تشبهين الزمنَ

 دوماً، 

يقطعني نصفين،

نصفٌ لحضورِك المتأخِّرِ عنه 

نصفٌ لغيابك الذي أسبقُه.

الهبوطُ من السّماء، الصّعودُ الداروينيُّ، أفقداني جناحيّ؛ كنتُ أقهر المسافات... أطير إليكِ.

أنا موسومٌ بقبلاتِكِ، ثورٌ تعرفُ كلّ القطعان أنّي لكِ.

 

صوركِ ورقُ التاروت، تفتحُ للحرف كوّة النبوّة ولموجة الضّوء نرسيساً
الظلّ فعلٌ ماضٍ ناقص، قمر يتمشّى لمُحاقه

- ليْتَ للصّور الفوتوغرافية ظلالاً-

أيّتها العَدَسَةُ، ياحبّة البَقْلِ في كور الزّجّاج

 بكِ

 يستدقّ الضّوء كخَصْرِها

 كرأس إبرةِ الْوَشم تدقُّ على صدري كالورق المقوّى

 انعكاس الحرْفِ في ثدْي الفضّة

- يا ليْت للصّور الفوتوغرافية ظلالاَ-

 أيّتها العَدَسَة يا خرْمَ الإبْرَةِ، كيفَ جعلْتِ الظّلّ ساكناً ؟؟!!

ألبوم الصّور ستائرُ لحمِ الزمكان المقدّد

أقلّبُ الصّورَ كما تقلبين نهديك من ضجرٍ

وأقول: أدقُّ مسمارين في بؤبؤِ العينِ سأصلبُ نظري على قشرة صورتكِ

أُشعلُ في كؤوس الحجامة

لفائف التمائم، أُلْثِمها ظَهْرَ الصّور

فينتفخ البياض كفقاعات الصّابون

أفصدُ دم الغياب بشفرة حلاقة مسحتِ بها زغبَ ساقيكِ كما تحصد الشّمسُ ندى الصباحِ

يتورد العمقُ في أبعاد الصّورِ

ترتفع أكفُّ العشبِ، تتشبّث بشعرِ صدري

عندما تهبُّ الرِّيحُ يلتصق الفستانُ بجسدِكِ كعصفورٍ يحضن صدرَ الهواءِ.

صوَرُكِ قصرٌ بناه سنمار

كعاشق منح الشِّعر، حجر السّرِّ

ومن شرفة الأفقِ حيثُ صوركِ كالحدائق المعلّقة في بابل

بعد أن تبلّبلت ألسنة الألوان

قفز وكلّه ثقة أنّ قلبك سيُفتح كمظلّة

تحمله كريشة إلى الأرضِ

لكنّ السّقوط نهرٌ يعرف شلّالاتِه جيداً

يعرف كيف يحطِّم الجذوعَ السّابحةَ في الأسفل

وهكذا هوى

بؤرة صغيرة سوداء

تمتصّ الضّوءَ حتى الانطفاء

وفي بيت الفيلم الأسود المبني بغريزة النّحلِ كنتِ الانعكاس.

 

شفتُكِ الأمّيةُ مشرومة
يَسْمَحُ لنا الحبُّ:

الصّمت بعدَ الحبِّ

التّكلّم كغريْبَين، نسألُ عن وُجهةِ الدّرب.

اقتفاء أثر الحبيب كهنديٍ أحمر، يلتحف بطانيته المصابة بالجُدريِّ، يتعكز على زجاجة خمرٍ أهداها له يانكي الفيس بوك.

يَسْمَحُ لنا الحبُّ:

الضّجرَ من الدّهشة.

النّومَ فاغريِّ الأفواهِ كالصّبية الذين تتدفق مياه الشّفه من أعضائهم الصّغيرة من  نافورات حلم ليلة صيف.

يسمح لنا الحبُّ:

أنْ نكونَ حمقى كالمهرجين في قصورِ الملوك  أو في سيركٍ تَؤُمّه العجائزُ والأطفال، ننتعل أحذيةً طويلةً كأرغفة الخبز التي تتأبطها صوفي مارسو.

يَسْمَحُ لنا الحبّ القوْل:

خذي صدري، شدّيه إلى خشب السّرير، كقماشة الرّسم، احلقي شعر صدري النّاعمِ، مثلما تقصّ ناسجاتُ السّجادِ الخيط الزائدَ، والآن هاتي سكينَ الرّسمِ.

خذي هذا الصّدرَ كجلد غزالٍ شدّيه على إطارِ القمرِ، اصنعي طبلةً، اقرعي عليها كقينةٍ في خمارة أبي نواس، بعصاةٍ مصنوعةٍ من ذيلِ شهبٍ أو عودِ ثقابٍ، اشعلي نارَ الرّقصِ، لترتفعَ كآهةٍ كجبلِ الخلقِ الأولِ.

أو القوْل:

غيابُكِ يقطّعُ قلبي، لكنّه ذنبُ ضبٍّ.

يَسْمَحُ لنا الحبُّ أنْ نشتمَ أو نهرطق:

لم يكن الزّجاجُ من صنع الكأس بل عطش الرّمل.

كان الحبّ على عدد الأحرفِ لكنّ لهفة العاشقُ صيّرته حرفين.

لربما الاعتراف:

كنتُ أتقن الغشَّ وأنتِ تتقنين المَكْر وإذْ بَرَدَتْ مواهبُنا مات الحبُّ.

يَسْمَحُ لنا الحبُّ:

في السّرير الأوّل غسلْتُ قدمي كَلِمة الحبّ، قسمْتُ رغيف النّور بين نهدين، سكبْتُ خمر الظّل بين فخذين، قبّلتكِ وأسلَمْتُ نفسي للصّلب وفي الأعلى، صحتُ:      

من إبط النّهرِ، أجمعُ القصبَ، أقصّ لسانَه الثرثار، فلستُ أثقُ بحلاق الأمير، أشرّحُه كجثث مايكل أنجلو، لكنّ موسى لم ينطقْ. أصنع السّلال المملوءات بالهواء، ولمّا أضجر من الفراغ أرمي رسائلي المكوّرات غضباً كالكرات في سلّة صدركِ.

 

يدي شجرةٌ، فاستظلّ بعصافيرها
إنْ تَأَكَّلَتْني الرّيحُ، أصير كثيباً، تمرين بي كغزال أَحفظُ لدمِها من ذئب الغضا، تلتقط  الكلأ بشفتين ذاهلتين عن الكلام.

تهبني العتمةُ عينَيْ بومةٍ ترى فأرَ غيابكِ، فقلبي كفكِّ عجوزٍ، أُسْقِطُه بكأسِ بكاء قبل النّوم، فلا أجترّ كبقرة حلوبٍ الأحلام.

أرفعُ بصمتكِ دخانَ محرقة عن الأشياء، فتخلع النّداء، تدخلُ في الغياب. هذا الفراغ المزيف.

قالوا:

صدرُه تنورٌ، تُلْقِمُه زهورَها، تُشعل نارَه بعود ثقابٍ حكّته بنهدها، فتخفق النّارُ كراية.                                                            

قلبهُ قرصُ عجينٍ، تَدْحيه بفخذها، ترقق حوافَّهُ بأصابعها النّاعمة كالمرآة، تُلصقه في الميسرة كسكر تنزع به شعر إبطها، تعلّقه هناك؛ ليصبح ساعة حائطٍ  تتمرجح على نواسها، فتنفخ الرّيحُ تنورَها.

أقول:

الليلُ عسلٌ أسودٌ

القمرُ ملكةُ نحلٍ

النجومُ نحلاتٌ عاملات.

هذا الليلُ عسلٌ أسودٌ

أنا اليعسوبُ الذي حباكِ خليةً من طمأنينةٍ

تجرّه نملاتٌ سوداوات

لمؤونة الشتاء.

قالت:

اسقطْ قناعَ الموسيقى عن الوتر

يَعرفُ أبوّتَه السّفرُ

ما هذا القوس لنهدٍ بل لقمر.

انزعِ السّهم من ظهر الحَرْف، اعقدْ به شَعر النثر

لا حبرَ اليومَ إلّا كُحلي لا قلمَ اليومَ إلّا مرودي.

قالوا:

هكذا تكلّم الظّلُّ وسَفَحَ ماءَ القدر:

اجرحي قلبي، فالدّم النّازف يُدفِئ كالكفن.

 

أنتِ لا تستحمين بالماء، الماءُ يستحم بكِ.
يحطّ الغبارُ

يطير الغبارُ

وبإصبعٍ مبلولةٍ بلعاب الشّمسِ أحدّد جهةَ الصلْصَالِ

أدير على خشبة القمر عجين حبّ الطّلعِ

هذه السّماءُ مزهرية والشّمسُ زهرة عبّاد.

يحطّ الغبار

يطير الغبار

تصبّ السّماء الرّصاصَ في الصّلاة، فيظهرُ نقشُ وجهي؛ أنا سارقُ رصاصاتِ الحسدِ مزخراً صومعة الانفجار في قصبة ناي، فأردي حنيني عن نفسه.

يحطّ الغبار

يطير الغبار

أيّها السّرير يا منفضتي الفارغة، الذي أُطفئ نفسي فيه، لا تتركْها تطلقني كالكبش يحمل شفرة وزناداً بين الحالمين.

يحطّ الغبار

يطير الغبار.

 

قلْتِ: عينُكَ قاربٌ أخرقُ قاعَه بدمعةٍ؛ لأنّ امرأةً هناكَ تأخذُ البصرَ غصْباً.
هو:

أنا بيضةٌ في شطّها الغربي وما ناداني غيبٌ، لكنْ كقلبٍ قلّبتُ مكسَر الموج وبُعثْتُ أمّةً وحدي، أبني الفنار من أصدافٍ، أحرقُ لؤلؤَها بخوراً كلّما كشفَتِ الرّيح عن ساقٍ.

*****

 للحبّ منقارٌ أكسُرُ به قشرة مرجان القلبِ، فأخرجُ كسلحفاةٍ تشتهي الملح المظلّل بخيال نورسٍ جائعٍ، فأحتلمُ وأقذفُ نفسي في الموج تاركاً طاولةَ الرّملِ التي احتضنتكِ مذ تأوّهتِ متألمةً من سخونةِ قهوةٍ لسعتْ ظهر شفتيكِ، فجمحتا هلالاً ... بدراً.

*****

 أعدّ أسماءَكِ الحسنى إلّا أنّي في صحوة الموتِ .. أنا طباخ العزيزِ، من ترشفُ الفراشاتُ من سائله العنكبوتي ... ها قد تنبأتَ لي أيّها القميصُ المشقوقُ من دبرٍ: ليستْ طفولةً أنْ أقصّ زرقةَ السّماءِ لأصنعَ شطاً لقدميك، يا ربّة التفاصيلِ الصغيرةِ، أنا فأرُ الحقلِ، فأرسلي بومتكِ ذات العينِ المستديرةِ كقيدٍ.

*****

نفَسُكِ ينبتُ على صدري، يحركُ نجيلَه الأسود. وريقات تزفرين، وريقات خضراء حارّة كلهب قدّاحة أستضيء بها في تحديقي في ضوءِ الغرفةِ الكهربائيِّ الذي يشعُّ من جرّة يبني فيها النّحل خلايا تستقطب ضوء الزنبق من سماء بعيدة. أشعل بنفسِها سيجارتي وأضربُ بدخانها رصيفاً غادرته القططُ خلف فئران سئمتْ من عداوة الكلاب للقطط.

هي:

وقلتُ للدّربِ، أنا حبلى، فمهّد لي النّهر سريراً من السّمك وإذْ جاءني المخاض مدّتِ الدّاليةُ حيّتها تسندُ ظهري، فولدتَ بين طرفٍ وطرفٍ لم يرتدْ، قلباً يهيم بي وبقبلةٍ على ظهركَ أخذتَ النّفَس الأول وإذا جعتَ ألْقمتكَ شبعي، نبضة، نبضة كشفتين تتفتحان في قبلة، نظرتُ إليكَ.

أعطاني العصفور عشّه قماطاً لكَ وشجرةُ الغار قدمتْ صابونة لشغافكَ ونباتُ الطّيون صار مهداً تنام فيه على زند حكايتي.

وإذا سُئلتُ، أتحبين قلباً لا أحد يعرف أباه؟ أجبتُ: إنْ لم يكن في الحبّ كلّ الأبوة والأمومة، ليس بحبٍّ ولا تعلقُ نطفته في رحم الزّمانِ.

أنا:

أيّها الجبان كيفَ تترك الشّفرةَ تصدأ ورسغكَ لسانُه ممدود.

 

كحلكِ اللون السّابع، يوم استراحتِ الألوان
الجّسدُ صلصالٌ من ترابِ سبع أرضِين والرّوح من صلصلة وحيّ سبع سماوات. أيّتها الأنثى لستُ إلهاً لتكوني ملك يميني، كلّ ما أملكه قلباً يرشقُ الحنطة، يُطعم طيوراً زرقاء كنافورة مستديرة الشّوق.

قالت: حُبّكَ كالحبل السّري

قلْتُ: اقطعيه حتى أكون سرّتكِ.

أعرفُ أنّ الحياة مقلاةٌ

تُكسَر فيها بيضة الرّوح

وتُمدَّد ثلاثة من أضلع الصّدر

بجانب شمسٍ صفراء

وفي سمّ اليقين أصرخ:

يا مخلَب الفراشة،

متى تصطاد أرنب الرحيق؟

القلبُ ثمرةُ الجّسدِ، اقطفْيه قبلَ أنْ يسقطَ؛ يا أنثى كلّ الدروب تؤدي إليكِ ولا أصل!

الحبّ أعمى يسرقُ إبرة وخيطاً ويرتق بصره،علّه يَرى.

وقبل أنْ يكون النّظام العشري مقياساً كان الجسد.القّدم لقياس الأفق، القامة  لقياس الشّجر، الشّبر لقياس الشَّعر، المرفق لقياس الفستان، القبضة لقياس الدّمع. الآن في قلب المقياس العشري قلبكِ هو الميزان.

الرّوحُ سمكةٌ إنْ غرقتْ تطفو بالوناً أفلتَ من يدِ بائع البوالين العجوز. تطير كما البصر، إذ يصبحُ حديداً وإنْ أضناها الحنين، ينقرها غرابٌ، فتسقطُ كأمنية متأخرةً خلفَ ظلّكِ الذي يموج من أثر سفينةِ صيدٍ رفعتْ شباكها كخطوط الطّول إلى القطب.

إنْ كان من اسم لكَ أيّها القلب، هو: ربما

 

الحبّ يجري كأرنبٍ و الفراق يمشي كسلحفاة؛ هكذا نستمع للقصّة كالأطفال
كنتُ أقولُ عن خيبتكِ: إنّها خابيةٌ

أسوقُ إليها الينابيع

وإنْ كنتُ راعياً للسّراب،

فكلّ خداعٍ أمّه ماء

أنا ما أنكرتُ رحمي يا أنثى

ورجمتُ الثّدي وقلتُ: إنّه زنّاء

كلّ ما في الأمر أنّي تام الخطيئة

ولم أقل: ليت الفتى حجر

بل ليته مات.  

هكذا..

رحتُ أحنّطُ الهواء، أنزعُ نجومَه وأضع الخادراتِ مكان القلبِ، أحبسُه في فانوس الحكاية لعلّي أعود طفلَ أنفاسكِ.

هكذا..

ارتديتُ مسوح كيلوباترا، ربيتُ شعاع الضّوء، فنضج كأفعى الغياب، أرسلتُها في سريري، فلدغتِ الحلمَ قبل الاحتلام.

هكذا ..

كنتُ يهوذا، أعفّ عن تقبيلكِ وأكتبُ مأساتي في الخفاء إلى أن شاء النّص، فسقط النصيف وعرفتُ أنّي مقتول، فخنتُ الفتق وأسدلْتُ الرتقَ وقبلتكِ.

هكذا..

أُطعمُ نملَ الوجع، شعير الذكريات، فيما أنتِ تطحنين قمحَ خيانتي وتسكّنين به زمناً قادماً. 

أدعكُ كعبَ الذاكرة بحجر الخفَاف

ليصبح الانعكاس صقيلاً

أتركُ المرآة كالأميرة النائمة

أعطي إلى صانع المجامر

قبلتي النحاس

وأمضي بلا شفاه. 

ظلّي كبينوكيو

يقول: الشّمس لا تغرب

إلّا أنّه يطول كغيابكِ حتى مشرق الشّمس     

التقطُ القمرَ من وجه الماء

أقول عن نوره: عطشٌ

وأرفعه إلى السّماء.

هكذا....
كنتُ ذئبَ يوسف

لأنّ القمر لا يكتمل

إلّا بعواء.

هكذا ..
كانتْ تنزعُ أضلاعَ صدري واحداً، واحداً، قائلة: يحبني لا يحبني.

 

لا تحبيني، فلستُ صالحاً للحبّ أو الكره؛ أنا صالح فقط للموت فيكِ
كيفَ أرتبُ نسيانكِ وصدري لا يتسعُ إلّا لقلبٍ واحدٍ ورئتين مدمنتين على شمّ حبوب النفتالين. أعرف أنّ النسيان عملُ الذاكرة! أضغط المكواة على دراقتي نهديكِ، لكنّهما جرحان في وجه جندي، عارٌ عليه أنْ يندملا.

أشبكُ عروة سرّتك بزرٍّ من المخمل، أغلق صندوق البريد إلّا أنّ السّاعي الأحمق لا يفتأ يكسر أزراري المخملية.

أجمع ثيابكِ، أتبرع بهم إلى الأمم المتحدة، فأشاهد على أل " "TV  فتاة سوداء كالكحل ترقص بقميصك المُحاك من لعابي، فأنشغلُ كعنكبوت بشبكتها لتصطاد  فراش المطر.

أنا أحدبُ نوتردام، أنتِ الغجرية . كان فيكتور هوغو غائباً عنّا، فبقيتُ أقرعُ الأجراس لصلوات بائسةٍ وأنتِ ترقصين حولَ نارٍ؛ لتبكي في آخر الليل قرب رجلٍ يشخر كقطار بخاري.

ظهراً، تضطجع الشّمس على بطنها تأخذ حمام ملل. طيور القيلولة هاجرت وأنا أستحلبُ نعاساً من ثدي الفراغ، أفكر بكتفكِ، كيف لو غرزت شوقي كمنقار طائر الجنّة في وردة لحمكِ، أكان من الممكن أن أصير نباتياً وأهجر لحم النساء إلى الأبد.

أحملُ جسدي إلى النّوم

أضعُ السّاقين كسيفين صدئين من الطّعن في ماءِ طريقكِ الذي لا يُقسم، أضعهما فوق السّرير، أغرزُهما في الحوض الذي يشبه خوذة جندي بندقيته مصابة بالعنّة، فرصاصاتها طائشة كما في عرسٍ.
أموّه الخوذة بطحلب الأمعاء ولون معدة سوداء من القهوة وفي قفص لصيد الجمبري تسبحٌ الرئتان، تطفو فوقهما رقبة مكسورة شنقاً بحزامك الفضي.

على المخدّة البطيئة كسلحفاة تكره الجّزر يستقر رأسي مع عينين تشبهان إطارين لسيارة صغيرة قذفها ابنك الضّجر من أمٍ لا تجيد الحكايا قبل النّوم.

أسحبُ الغطاء كسيجارة من علبتها وأغطّ في الدخان، لم أنسَ القلب،

فكيف لفرنكشتاين الحبّ كما نعتني، أن يكون بقلب!؟.

 

أنا ترجمان سيّئ عن قلبي
أشدّ السّماء من أُذنها، تطولُ قليلاً كأُذنِ الجنيّة في الحكايا، فتسمع همس الشّوق في الزّوايا. تأخذ الشّمس وقتاً أطول، متدحرجة نزولا ًعبر ساعات بطنكِ ككرة الغولف؛ لتختفي بسرّتك، فأسجلّ نقطة في دفتر النتائج الخائبة طوال اليوم.

أرمي في أرضِ ظلّي حباتِ القمح، فتحطّ عصافير الدوري، تنقرها غير جزعة، فيما ينقرني عصفور نهدكِ كمطرقة الجّرس، فأرنّ ككأس فيه بعض ريقٍ أرطبُ به جلْد الكلمات التي انتظرتكِ كثيراً في المسافة.

*****

أتذكرُ الخطأ الطباعي الذي أوجد اللغة بيننا. تلكَ التحرشات النصّية التي كنّا نكتبها، نلفها كمنشور سياسي، نلصقها على الجدار ونهرب من اللقاء, فأجد عَسَسَكِ يتعثر بمخبِري بأحد

الأزقة كثيابكِ التي مزقتِها على عجلٍ وأعدتُ رتقَ ثيابي بها.

لهاثكِ، لهاثي, كلبُ صيدٍ وثعلبٌ في لوحة معلقة في حجر باخوس.

ماؤك يطفئ شمعتي ومائي يطفئ قنديلكِ، ننام في عتمة المتعة كائناً بأربع أرجل وأربعة أيْدٍ

كإلهةٍ هندية.

الخطأ الطباعي – التحرشات النصية – ثيابك، ثيابي – ماؤك، مائي – والكائن الغريب الخارج من أسطورة لم تفكّ شفرتها بعد, هي كلمات.... ثم كلمات، ثم كلمات.
في البدء كانت الكلمة ؛ لكني مزدحمٌ بكِ كيوم القيامة.

*****

أغمضُ عينَ السّماء بالغيم، ما نفع شمس لا تقيم الظّلال من رقدتها! ما جدوى قمر يأكل محاقه كلّ شهر خفية! أيّتها السّماء، يا قبعة السّاحر المثقوبة لم تعد حماماتُكَ البيضاءُ تَخرجُ من أكمام

الزّهر لتلقط الهواء حبةَ قمحٍ، فينبت الذّهب الأصفر في قلبي. 

لستُ ميداس ولم يمرّ بي باخوس بموكبه الغاوي إلا أنّي ذاك الطفل العاري الذي يصرخُ بأنّ زجاجة الحليب عاريةٌ إنْ لم ينعكسْ فيها نهدُكِ. أيّتها السّماء، أيّتها الأنثى التي أسرجتْ صدري بثديين مصابين بقصر النّظر فلا يريان، ما لم تلقميهما شفتيكِ وتنفخي فيهما كما نفخَ الملاكُ ببالون من صلصالٍ، فارتفعَ في الرؤية حتى صار عاشقاً، يقذف من سفينة حوضه حيوانات من كلّ زوج اثنين.

 

غابتْ شمسكِ، فظلّي في جُذام
الغيم
حلوى غزل البنات

إذ قبلتكِ

تكاثف النّدى على شفتي.

الآن
أشبه زجاجاً يبكي

كلّما سقط زنارُ مطركِ

في رقصة الشّتاء

مَن تُنادي

مادامتِ الآذانُ فقدَتْ عازفي الطبول

هكذا
أكتبُ أسمكِ على سجائري

أشعلُ سيجارةً من أخرى

كأحرفِ أسمكِ

وأدخّن النّداء.

لا أسماء

في ضوء القمر

فقط رنين الفضّة يقطرُ كالقدر

لا أسماء

هنا
فقط قرنفلة تتعرّى من النّدى

في وحدتها.

أيّها الوحيد على شرفةٍ

تغزلُ ظلال السّهر

قلْ:
في السّماء

قطرةُ حليبٍ

من حجر.

لأنّ الشّمس تفاحة

سقط ظلّنا.

ليس للعتمة صدى

همس الظّلّ وبكى.
ظلّي غريب جداً

طويل, طويل

كأنّي
في شروق و غروب أبداً.

 

صوتي يدْمع، عينٌ أصابها الرّمد
ونخلتُ حنطةَ جسدكِ،

فتساقط  زؤان الضّوء نجوماً.

*******

كلّ شيء في مكانه، الفناجين البيضاء المتفتحة الشّفاه تنتظر بُن ثديك، الأكواب المزيّنة بأشياء الأنثى تحلم بحقيبة من الشّاي السيلاني تأتي عبر طريق الحرير، صابون دوف لم تحلّق فقاعات حماماته منذ آخر طفل مشاكس بينا، بجامتكِ مطوية كسكينة لا تقرأ الأحلام وكطفلة يتيمة ألبسها في الشّهر مرّة عند اكتمال دمعة القمر، كندرتكِ هنا أيضاً لم تُنس على درج البناية لأنّي لستُ الأمير ولستِ السندريلا، قوس شعرك مستقيم كنصل، فالمطر لم يسقط بدرجة 30، دبابيس الحجاب في الكرتونة المستديرة كناعورة ترفع الرّمل إلى السّماء؛ لتسقي سرابي... ماذا بعد!؟ كلّ شيء هنا إلا الزّمن.

*******

 قالت فراشة:

انظروا الضوء

قدّ بشروق وغروب

إذ همّتْ به وهمّ بها...

وغضّا النّظر

لا آلهة في الحبّ.

*******

قلبي، بيضةُ غيابكِ، كسرها الله، فبياضها القمر، صفارها الشّمس والسّماء مقلاة زرقاء الحبّ.

*******

صَدِئَت شفرةُ الحلاقة بيننا

ذقني طويلة، ذيلُ سنجاب

وساقكِ قماشُ كتّانٍ.

******

النّاي ترقيق النّأي

والشّجن ترقيق السّجن

وأنا ترقيق أنتِ

رققتني
حتى دقّ مِني الظلّ

وفي غابة الحبّ

أصبحتُ أجمةَ القصبِ.    

أنا الحجرُ الغشيم

من احتضنَه نهرُكِ سبعاً

لسن بسمانٍ

لسن بعجافٍ

بل صابرات،

فولدتُ
أدورُ بفلكٍ يجري إلى غير مستقرٍ

تذوب نبوءاتي

كما الشّمع،

فاستدرتُ رحىً

هكذا
كلّ نسلِ آدم من رحمٍ

إلّا أنا

من حجر.

******

لم أكن أعرفُ أنّ الحبّ يُولد كتوأم، حبّ لحضوركِ وحبّ لغيابكِ.