النخلةُ الأولى:
أنا فزّاعةُ الساسةِ العراقيّينَ أتنزَّهُ في كوابيسِهم ،
عموديَ الفقريُّ ساقُ شجرةِ الزقُّومِ ،
وفروةُ رأسي ذئابٌ ساغبةٌ تنهَشُ لحومَ أسرّتِهم ،
ولتكنْ جذوريَ الضاربةُ مرايا تعكِسُ أكفانَهم ،
وليكن سعفي المحشوُّ بالشوكِ وسائدَهم ،
*
النخلةُ الثانيةُ:
أنا جثّةُ الوقتِ المبتورةُ بفأسِ طائفيتِكم وماضيكم ،
نزفي ليسَ نزفي ،
نزفي خشبٌ يقطُرُ ،
وقامتي تتظاهرُ في ساحةِ الهواءِ بلافتاتِ الخريفِ وانكماشِ التمرِ،
إنْ مِتُّ فادفنوني عموديّةً ،
فأنا هكذا جثّةٌ في الهواءِ لا جثّةٌ في الترابِ ،
*
النخلةُ الثالثةُ:
أنا إسطوانةٌ مخزونةٌ فيها رسالاتُ التغريدِ ،
حيثُ نقّارُ الخشبِ ساعيِ البريدِ ،
*
النخلةُ الرابعةُ:
أنا منارةٌ للعصافيرِ اللامرئيّةِ بأثرِ الفنارِ مسترسلاً ،
ورائحةِ الفراشةِ محترقةً وطعمِ التويجةِ نديّةً ،
أبداً أشِعُّ رغمَ الأفاعي الملفوفةِ حولي ،
أبداً ثماري منوَّرَةٌ رغمَ حارسِ الحقلِ الخائنِ الذي يلقِّحُني بسُمِّ الوطنيّةِ ،
أبداً أمدُّ سعفاتي إلى سفنِ النازحينَ كحبالِ شوقٍ وأمانٍ ،
وربّما كنْتُ نخلةً حدباءَ فالظلُّ المقوَّسُ أبلغُ في قلبِ الراعي ،
*
النخلةُ الخامسةُ:
مرّةً تحرّرتُ من تربةِ القيظِ ورحْتُ أحملُ لافتةً: نخلةٌ عاطلةٌ عن العملِ ،
طردْتني ضفافُ دجلةَ والفراتِ ،
فقررْتُ أن أزرعَني في قلبِ الأمِّ ،
نخلةٌ تغرِسُ آخرَ جذرٍ لها في قلبِ الأمِّ ،
نخلةٌ تشهقُ بستاناً ،
بستانٌ يرفُلُ بمخلوقاتِ الأوكسجين ،
*
النخلةُ السادسةُ:
على شاطئِ العزلةِ ألمحُ نخلةً نازحةً تسعى بحقائبِ الرملِ كسعيَ هاجرَ ،
تلوبُ حولَ ماءِ قصائدي ،
فبماذا تفكّرُ هذهِ النخلةُ النازحةُ ؟
*
النخلةُ السابعةُ:
الآنَ أُلبِسُ هذهِ النخلةَ ثوبَ صديقتي التي طُمِرَتْ تحتَ القصفِ ،
الآنَ أتنزّهُ معَ هذهِ النخلةِ ثمّ أغرِسُها في ماءِ عينيَّ ،
لتكونَ منظاريَ الأخضرَ صوبَ الوطنِ ،
*
النخلةُ الثامنةُ:
ريشٌ متفحِّمٌ يحوطُ النخلةَ ،
ريشٌ متفحِّمٌ كالأمارَةِ الخيرِ ،
*
النخلةُ التاسعةُ:
أنا فلّاحٌ بصريٌّ أتسلّقُ نخلةً في سريري ،
كقاربٍ يتسلّقُ شلّالاً بمجذافِ القُبُلاتِ ،
الجلدُ أخضرُ وأصابعي تتكاثرُ باللمسِ ،
منها الخِنْصِرُ: طيرٌ سيّابيُّ الكرِّ والفرِّ ينقُرُ زجاجَ النهدِ ،
والبِنْصِرُ: سعدي يوسف مشغولاً بحياكةِ الأخضرِ وَفْقَ مقاساتِ اللغةِ ،
والوسطى: حجرةٌ دافئةٌ تستريحُ فيها اللغةُ ،
والسبّابةُ والإبهامُ لفركِ حلمةٍ تستنفرُ ،
وحينَ تصلُ شبكتي قمّةَ السمكةِ ،
تهمسينَ: لو تقتصدُ فقبلةٌ واحدةٌ تكفي لتحرقَ هذا الجسدَ ،
أهمسُ: ذراعايَ ثوبُكِ ،
فيسقطُ التمرُ على السريرِ ،
ما ألذَّ أن نستشفَّ اللؤلؤَ في المحارِ ،
*
النخلةُ العاشرةُ:
أزرعُ نخلةً في يديَ اليمنى ،
أقترحُ أن تكونَ هذهِ الخطوطُ في باطنِ كفّي سواقيَ للنخلِ ،
هنا أخلقُ وظيفةً جديدةً لخطوطِ اليدِ فقد مللْنا قراءةَ العرّافةِ ،
إذن يديَ الآنَ بستانٌ تَحُجُّ إليها الطبيعةُ ،
يديَ الآنَ مبارَكَةٌ فليتمسَّحْ بها من يشاءُ ،
يديَ الآنَ بصرةٌ جديدةٌ !
*
النخلةُ الحاديةَ عشرةَ:
أزرعُ نخلةً أخرى في يديَ اليسرى ،
تارةً أسمّيها عكّازاً حينَ يكونُ اتجاهُ الكفِّ إلى الأرضِ ،
وتارةً سلّماً حينَ يكونُ اتجاهُ الكفِّ إلى السماءِ ،
*
النخلةُ الثانيةَ عشرةَ:
تلكَ أقدمُ نخلةٍ معمَّرَةٍ في الأرضِ ،
وما زالتْ تتقدّمُ في العمرِ ،
مع كلِّ زفرةِ آهٍ تصدَحُ منّي ،
*
النخلةُ الثالثةَ عشرةَ:
مرّةً اختشبْتُ سفينةً للنازحينَ من نخلةٍ ،
جعلْتُ الهدهدَ رُبّانَها ،
روَّضْتُ أسماكَ القرشِ من بابِ ( صادقْ عدوَّكَ ) ،
وعقدْتُ هدنةً معَ هوجاءِ البحرِ ،
لكنّ الذي خانَ هذهِ المرّةَ هو الساحلُ الذي كلّما اقتربْنا راحَ يبتعدُ ،
كجزيرةٍ أسطوريّةٍ عذراءَ تأبى أن يعانقَها مكتشفُها ،
ومن كانوا يلوّحونَ لنا على الساحلِ ذابوا مثلَ شموعٍ في كعكةِ الميلادِ ،
قالَ الهدهدُ: لا تخافوا ولا تحزنوا ،
فنحنُ نازحونَ إلى بقعةٍ ليسَتْ على هذهِ الأرضِ ،
*
النخلةُ الرابعةَ عشرةَ:
عندَ مملكةِ النملِ تكونُ النخلةُ ناطحةَ سحابٍ ،
أو جسراً واصلاً بينَ القارّاتِ ،
فالنملُ يحسَبُ ماءَ الصنبورِ المتجمِّعَ بحيرةً ،
لقد رأيْتُ دبّاً قطبيّاً يحكُّ ظهرَهُ بساقِ النخلةِ منتشياً ،
وقرداً يقرُصُ أُذُنَ نَمِرٍ ثمّ يتسلّقُ نخلةً فهوَ في مأْمَنٍ ،
ورأيْتُ نَسْراً يجلِسُ القُرْفُصاءَ عندَ قمّةِ النخلةِ ويقرأُ روايةَ شطِّ العربِ ،
وغزالةً تحتمي من مطرٍ غيرِ متوقَّعٍ بمظلَّةٍ من سعفِ النخيلِ ،
وأنا الآنَ معَ حوريّةِ بحرٍ ،
تزعُمُ أنّ نخلةَ بيتي هيَ التي دلَّتْها إليَّ ،
كمنارةِ جسدٍ تدلُّ سفينةَ اللذّةِ ،
*
النخلةُ الخامسةَ عشرةَ:
سأمدحُ العراقَ في حالةٍ واحدةٍ ،
إذا صارَ تَعْدادُ نخلِهِ مساوياً لتَعْدادِ الرصاصِ والجثثِ !
*
النخلةُ السادسةَ عشرةَ:
رقصةُ النخلةِ ركوعُها حتّى تعبِّئَ السِّلالَ ،
نهارُ النخلةِ تغلغلُها بينَ جبالِ الغيومِ وقطفُها شمساً ،
ليلُ النخلةِ مُقْمِرٌ بلونِ جلدِ الضِّفْدِعِ ،
*
النخلةُ السابعةَ عشرةَ:
في لعبةِ ( الغُمَيضةِ ) أعدُّ إلى المئةِ ،
وأُمهِلُ أصدقائي وقتاً أطولَ من اللازمِ ليختبئوا ،
لأنّ ما يُغلِقُ عينيَّ ليسَ يديَّ ،
بل جناحا ملاكٍ ممتدّانِ من نخلةٍ ،
وأغرقاني في خيالاتِ الظلامِ ،
*
النخلةُ الثامنةَ عشرةَ:
أتشمّسُ على شبكةٍ مشدودةٍ بينَ نخلتينِ ،
وعلى الساحلِ تمشي الهُوَيْنا سُلحفاةٌ تخبّئُ نازحينَ تحتَ قوقعتِها ،
*
النخلةُ التاسعةَ عشرةَ والنخلةُ العشرونَ يتعانقانِ ،
يشكّلانِ قوساً رماحُهُ طيورٌ ،
وجنديُّهُ غروبٌ مُزمجِرٌ فوقَ حصانِ البحرِ ،