اختتم مهرجان ربيع الشعر العربي في دورته التاسعة الذي تقيمه مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية أعماله يوم الثلاثاء (29/3/2016) على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، حيث عقدت ندوة عن الشاعر الراحل سليمان الجار الله وأمسية شعرية، وتحدث فيها كل من نجل الراحل سليمان الجار الله، خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي ود.عبدالمجيد فلاح وأدارتها الدكتورة سعاد عبدالوهاب عميد كلية الآداب في جامعة الكويت.
وانطلقت مساء أمس الأحد (27/3/2016) فعاليات مهرجان ربيع الشعر العربي في دورته التاسعة الذي أقامته مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية برعاية سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح وحضور وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب لشؤون الشباب الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح، وذلك في مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي. وأطلقت المؤسسة على هذه الدورة من المهرجان اسمي الشاعرين سليمان الجار الله من الكويت وبدر شاكر السياب من العراق. ويستمر المهرجان لغاية 29/3/2016
بدأ المهرجان فعالياته بافتتاح معرض الكتاب الذي ضم إصدارات المؤسسة الخاصة بالشاعرين المحتفى بهما في الدورة الجارالله والسياب وعناوين أخرى جديدة وقديمة، ثم توجه الحضور إلى مسرح المكتبة حيث ألقى كل من رئيس المؤسسة الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين ووزير الإعلام الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح كلمتين بهذه المناسبة، ونيابة عن راعي المهرجان قال وزير الإعلام: بأن الكويت باتت موقعا للتنوير والاشعاع الثقافي والفكري وقبلة للشعر والأدب. وأضاف: إن المهرجان يؤكد أهمية دور الكويت الريادي حضارياً وثقافياً وإنسانياً في ظل رعاية ودعم القيادة السياسية العليا إيمانا بأهمية الكلمة والأدب.
وأشار الشيخ سلمان إلى أن للشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية والفكرية والسياسية الكويتية منذ نشأة الدولة مشيرا إلى أنه تطور معها بكافة أشكاله وقوالبه ومفرداته وصوره حيث عايش محطاتها التاريخية وعبر عنها أصدق تعبير بصور شعرية خالدة.
وأوضح أن شعراء الكويت لم ينفصلوا يوما عن هموم وآمال وطموحات أمتهم العربية والإسلامية وهو ما يؤكد العمق الثقافي والحضاري الكويتي من حيث مسؤولية مضمون الكلمة والأسلوب التعبيري على مر العصور.
وذكر أن الخريطة الثقافية الكويتية التي يشرف عليها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمختلف أنشطته وفعالياته على مدار العام تزخر بالعديد من الأمسيات والمناسبات الشعرية التي تستقطب العديد من شعراء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج العربي.
وأكمل اللشيخ سلمان قائلاً: إن تلك الأمسيات والمناسبات تلقى حضورا وتذوقا شعبيا كبيرين تؤكد قوة الشاعرية الفطرية الكويتية ونبل مقاصدها بعبورها الحدود مساهمة في نشر قيم المحبة والتسامح والسلام معربا عن عن السعادة لوجوده في هذا المهرجان بين عدد من 'قامات الشعر العربي'.
وشكر الشيخ سلمان الحمود مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية معتبراً أنها إحدى القوى الناعمة الكويتية الفاعلة على المستويين العربي والإسلامي التي نعتز بها وبدورها الثقافي والفكري التنويري، وتمنى للشعراء التوفيق.
كلمة رئيس المؤسسة
ورحب البابطين بضيوف المهرجان والشعراء المشاركين وأضاف: مما يجدر التنويه به، هو أن فكرة تخصيص يوم عالمي للشعر تعود في الحقيقة إلى الشاعر والناقد المغربي المعروف محمد بنيس الذي اقترح في رسالة له على منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) أن تعلن يومًا عالميًّا خاصًّا للاحتفال بالشعر، وقد استجابت (اليونسكو) بعد نقاشات طويلة لأن يكون يوم 21 مارس من كل عام هو «يوم الشعر» في العالم.. وقد جاءت استجابة (اليونسكو) حين أدركت هذه المنظمة العالمية، تراجع الشعر من ناحية الكم والمستوى، إذ انحدرت كثير من الإبداعات الشعرية إلى مستوى الغموض، والإغراق في الذاتية، والبعد عن الهموم الإنسانية والاجتماعية.
وتابع البابطين: هذا فضلًا عن تسارع إيقاعات الحياة التي تستهلك الطاقات الإبداعية، وهذا ما شعرنا به نحن في مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية قبل أكثر من 25 عامًا، مما حدا بنا آنذاك إلى تخصيص الجوائز التشجيعية لتشجيع الشعراء على الإبداع الراقي، وإقامة الدورات الشعرية والأدبية والأمسيات الشعرية في كل الأقطار العربية، وإطلاق أسماء الشعراء الكبار على هذه الدورات، ونحن مستمرون في هذا الاتجاه بإذن الله، بل لقد خصصنا اعتبارًا من الدورة القادمة جوائز للشعراء الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا لأفضل ديوان ولأفضل قصيدة، إضافة إلى الجوائز الأساسية السابقة المعتمدة، وذلك تطلعًا منا في المؤسسة للسعي لإعادة الشعر إلى ألقه وعلو منزلته.
واعتبر رئيس المؤسسة أن للشعر والشعراء دور كبير ومشهود في فضح هذا النظام وكشف أوراقه وألاعيبه، كما كان للشعر دور كبير في شحذ الهمم والتغني بالبطولات الرائعة التي قام بها أبناء الكويت وبناتها في الدفاع عن وطنهم..حتى عادت الكويت بفضل الله ثم بفضل السياسة الحكيمة لقيادتها، ومؤازرة الأشقاء والأصدقاء والشرفاء في مختلف دول العالم. ونحتفي أيضًا بالذكرى العاشرة لتولي (قائد العمل الإنساني) حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم الميمون في دولة الكويت، جعل الله سبحانه وتعالى أيامنا كلّها أيام فرح وسرور وشعر جميل.
وأوضح البابطين: ينبغي أن ندرك أن الشعر هو من أهم مدخراتنا التي ينبغي أن نحافظ عليها ونحرص على مكانها، وأن نسعى دائمًا لأن يكون الشعر ذا شأن وقيم عليا، نسلِّمه للأجيال التالية كإرث إنساني وتراث أصيل تعتز به هذه الأجيال جيلًا بعد جيل.
وأضاف: لقد دأبت المؤسسة على الاحتفاء بشاعرين عربيين أحدهما من الكويت والآخر من أحد الأقطار العربية في كل مهرجان من مهرجانات ربيع الشعر، وفي هذا المهرجان تحتفي المؤسسة بالشاعر العربي الكويتي سليمان جارالله الحسن الجارالله، والشاعر العربي العراقي بدر شاكر السياب رحمهما الله، وخصصت لإبداع كل منهما أمسية شعرية وندوة أدبية، وأصدرت المؤسسة عددًا من المطبوعات الخاصة بموضوع المهرجان، إضافة إلى إصدارات أخرى جديدة خارج موضوع المهرجان توزع جميعها مجانًا لمن يرغب. كما أصدرت المؤسسة ديوانًا شعريًّا خاصًّا في مجلدين، يحمل اسم الطفل عيلان عبدالله كردي، ابن السنوات الثلاث الذي كان واحدًا من ضحايا مأساة الشعب السوري الشقيق. عيلان الذي ارتقى إلى بارئه سبحانه وتعالى غرقًا كآلاف الغرقى من الأطفال والنساء والشيوخ الذين خرجوا من وطنهم فارين ينشدون الأمن والأمان. فكانوا والموت على موعد. هذا الديوان شارك فيه مجموعة كبيرة من الشعراء من كل أقطار الوطن العربي، شعراء لبّوا دعوة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية. فسطّروا للتاريخ وللأجيال القادمة مشاعرهم تجاه مأساة هذا الطفل ومأساة وطنه بحروف الألم والأمل .. كتبوا في هذه القصائد عن هذه المأساة ، وهاجموا الظلم والظالمين ومن يرقصون على جثث الموتى .. وقمنا نحن بطباعة هذه القصائد لنقوم بتوزيعها مجانًا لكم, وهي على الطاولة عند الخروج من هذه القاعة, وتوزع أيضًا على المكتبات العامة والجامعات بالوطن العربي.
تحدث الناقد الأكاديمي د.عبدالمجيد فلاح ضمن ورقة قدمها عن الشاعر الراحل سليمان الجار الله بعنوان " الغزل عند الشاعر الكويتي سليمان الجارالله فقدم نبذة مقتضبة بيّن فيها مكانة المرأة في الأدب العربي، وأنها كانت محطّ اهتمام الرجل على مر العصور، ثمَّ عرّف الغزل، وبيّن أنواعه في الأدب العربي.
بعد ذلك جاء الباحث بالدواعي التي جعلته يقدم على هذا البحث، فذكر مكانة الشاعر بين أقرانه، وسعة اطّلاعه على دواوين الأدب العربي عامّة، والغزل خاصّة، وكيف كان يمرُّ بنا هذا الشاعر الكبير عبر العصور مع شعراء الغزل، وكيف كان يختار من أساليبهم أرقاها.
وذكر د.عبدالمجيد فلاح الملامح العامّة في غزل الشاعر بعد أن توفّر على قراءة ديوانه الشعري بمجلداته الخمسة، ثمَّ ربط الظواهر الغزلية عند الجارالله بقريناتها عند غيره من الشعراء عبر تاريخ الأدب العربي، وقام الباحث بتقسيم الملامح العامة في غزله إلى قسمين رئيسين؛ ملامح حسيّة جسدية، وملامح نفسية وجدانية.
وتحدث الباحث عن ملامح الغزل عند الشاعر، وكيف أنه نحت تمثالاً جسّد فيه المحبوبة، فاختار لها لون العيون والخدود، وشكل الأهداب، وحركة القدِّ ودقّة الخصر، ولون الأسنان والشعر، وكيف أنه أبدع في وصف ذلك الإبداع كلَّه، مؤكداً جمال محبوبته التي راح مرّة يشبهها بالغزال، ومرة أخرى يشبّه الغزال بها، فأخرجَ لنا وصفاً تعدّى الخيال.
ثم انتقل الباحث إلى وصف الملامح النفسية في غزل الشاعر، وكيف أن الشاعر ذكر الوشاة والعذّال، وشجو الحمائم، ووصف العاشق وما يقع له من صدٍّ وهجر، وما يتناوب عليه من أسى ويأس، وما يُصاغ له من وشايات تعترض سبيله وتمنع وصوله إلى معشوقته، وما يكابده من ألم الفراق، ويعيش فيه من أمل اللقاء، والشاعر في هذا لا يعرض لرسم جسد المحبوبة بصورة مادة مفصّلة، وهو ما يجعلنا لا نكاد نختلف في نسبته إلى شعراء بني عذرة.
ومن الملامح النفسية والوجدانية في غزله ما ذكره الراحل عن الطيف والخيال والحلم، والوصل والوصال، والرسول إلى المحبوبة، ومدى وفائه لها، وكيف أن المعشوقة هي من تتوسل العاشق وتطلب منه الوصال، ورسم لنا مخاطرة المحبوبة للوصول إليه، وطلبها من الشاعر أن يتغزّل بها، ومن ذلك أيضاً ذكرُهُ للشيب والشباب، ونظرته النفسية إلى أنَّ الشبابَ هو شبابُ النفس وإن شاب الجسد، ولم يبخل علينا الشاعر بنصائحه في وصف موقع الشيب من قلوب النساء، وإدبارهنَّ عن الرجل إن أدبر ماله وشبابه، وأنهن لا يحببن إلا القوة والشباب والثراء.
ثم ذكر الباحث شيئاً من الملامح البيانية في غزل الشاعر ذاكراً الاقتباس والتضمين، وبيّن من خلالهما سعة اطّلاع الشاعر على دواوين الأدب العربي عامّة من جهة، وعلى عمق صداقته للشاعر الأستاذ عبد العزيز البابطين من جهة أخرى.
وأخيرًا أوجز الباحث بعض السمات الفنية لغزل الشاعر الجارالله من حيث الألفاظ والعَروض، فبيّن سهوله ألفاظه، ورقّة معانيه، وبعده عن الغرابة والتقعّر، وأن جملته الشعرية اقتربت من لغة الكلام العاديّة، وفي ذلك عذوبة ولذة في المزاج، وبيّن الباحث استخدام الشاعر للأوزان العروضية الخفيفة من مثل البحر السريع والخفيف والرمل والمتقارب، وأن الشاعر كان يكثر من تجزئة البحور وتقصيرها، ما جعل شعره سهلا للغناء، يحمّله ما شاء من ألحان وإيقاعات .
وقال الباحث د.عبدالمجيد فلاح: في الختام يحق لنا القول إن الشاعر سليمان الجارالله عرف مذاهب الغزل كلّها، وأخذ منها كلِّها، وكانت له بصمته الخاصة، وإن كنّا في الغالب لا نعلم هل شعره يعبّر عن تجربة ذاتيّة مرَّ بها، أم أنه نقل لما يدور في نفسيته من خواطر الشعراء وأخيلتهم، أو نقل لما يمرّ به أصحابه وخلّانه من تجارب عاطفية صاقة حاول شاعرنا أن يصورها لنا.