إن المتتبع للوضع الذي صارت تعيشه عموم فئات الشعب المغربي العاملة والكادحة، سيصطدم لا محالة بحجم التحديات التي أصبحت تغتال حياة الناس وتكتم أنفاسهم،غلاء الأسعار،الهجوم المستمر على مكاسب الشغيلة، والتنزيل القهري والفوقي لعدد من الأنظمة والقوانين، والتضييق المستمر على الحريات النقابية والسياسية، والتدمير المتواصل للخدمات والقطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن ومقاصة وغيرها، سيتساءل دون شك عن موقع المثقف المغربي مما تشهده الساحة المغربية من صراع وتناقضات، جعلت عموم الجماهير الشعبية تعيش حياة البؤس والشقاء والفقر، في ظل عجز حكومي وانبطاح سياسي غير مسبوق في تاريخ المغرب المعاصر.
إن تاريخ الثقافة المغربية ما فتئ يقدم لنا من بين صفحاته صورة مشرقة عن المثقف المغربي المناصر للحرية والحق والعدالة، ذلك أنه لا يمكن أن ننسى ما قدمه المثقف المغربي من تضحيات جسام في سبيل بناء مغرب حر ومتقدم وديمقراطي، خلال القرون السابقة أو خلال مرحلة الاستعمار الأجنبي، أو أثناء مرحلة ما يعرف بسنوات الجمر الحارقة.
لقد كانت مواقف المثقف المغربي طيلة هذه الفترات مضيئة وواضحة، تنتصر للحق والحرية، وتندد بالظلم والاستبداد والحط من الكرامة الإنسانية، دون خوف أو وجل أو تردد أو كيل بمكيالين. من منا لا يذكر الفقيه الشهيد عبد السلام جسوس الذي فاضت روحه دفاعا عن حرية العبيد، ومن منا لا يستحضر بطولات رجلات ونساء الحركة الوطنية الذين صمدوا ضد بطش الاحتلال، ومن ذا لا يستحضر روح الشهيد المهدي بن بركة التي لا زالت ترعب الجلادين الأحياء. أو روح سعيدة المنبهي المرأة التي قل ما يجود الزمان بمثلها.
هذا هو المثقف المغربي الأصيل الذي يموت واقفا ولا يركع أو يجبن أمام من باعوا ضميرهم، من أرادوا أن يدمروا، بوعي أو بجهل، هذا التاريخ لقاء دراهم معدودات، فماذا يا ترى نحن فاعلون أمام زحف الظلام على مجتمعنا وشعبنا، ألا يعتبر السكوت على الظلم ظلما؟ ألا يُعدُّ الصمت مشاركة في الجريمة وتشجيعا على المضي فيها؟ هل نسمح بالزيف والموت والبؤس لإرضاء ساسة يرعون مصالحهم بالحديد والنار والقوانين الجائرة والآذان الصماء،انبطاحا أمام أخطبوط ظهر فساده في البر والبحر؟.
إن المثقف العضوي والحقيقي يلتحم بقضايا شعبه وهموم مجتمعه دفاعا عن كل القضايا العادلة والمطالب المشروعة، ولعل ما تعيشه الطبقة العاملة وعموم الفئات الشعبية تقتضي منا اليوم، التعبير الواضح والرد القوي تجاه كل التجاوزات والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان المغربي في العيش الكريم والكرامة والعدالة، بكل بساطة نحن مطالبون اليوم بقول:
" كفى" لصنع أمل جديد ومحو الصورة السلبية عن المثقف الانتهازي الباحث عن المجد والأضواء والمواقع.
"كفى" في وجه العبث والتلاعب بأحلام الشباب والفقراء عبر المخططات الفارغة والخطابات السياسوية الرخيصة.
"كفى" من امتصاص دماء الفقراء وقوتهم اليومي لحساب الجشع الطفيلي والرأسمال الغاشم والرجعية المقيتة.
"كفى" في وجه من أرادوا أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الماضي، حيث الموت والظلام والخرافة والجهل.