يكشف محرر باب سرد في (الكلمة) في قصته هذه عبء رحلة عمر مترعة بالقهر والخيبات، وقد استحال إلى كوابيس تطادره في المنافي رموز ممثلي القهر والسلطة من الأب للمعلم وحتى الشرطي، دون أن يستطيع التملص من وطأتها، إلا بالتحقق المورث للإحساس بالذنب في تلك الكوابيس.

حفيد علي بن أبي طالب

سلام إبراهيم

يا أبا الحكمة..

يا مصباح حلكتي

هذا غيضٌ من فيض كوابيس نومي اليومية ..

ما هذه الحياة؟ ..

فزعٌ في فزعٍ، حزنٌ في حزنٍ، رعبٌ في رعبٍ. و.. و.. وهمتُ في بريةِ الله الواسعةِ، الممتدةِ أمامي، مذعوراً، غريباً، شريداً.

الأب – المعلم – الشرطي، سلسلة جعلتني أوغلُ في هولي وأسراري. فارتكبت الكبائر في أحلامي أيضاً حينما يحاصرني الليل برغائبه، وبإرث الكبت والحرمان أجد نفسي أضاجع النسوة المحرمات كلهنَّ، لأتحمل في الصباح تقريع الذات المرير.

وتفرزني الأحلام إلى الصباحات مرتبكاً متلبداً، شاعراً بالخزي، فأكون منبوذاً، شريداً، فزعاً، غير واثقٍ من شيء.

أية عذابات عانيتها يا شيخي الجليل إذن، في صحوي الذي أخبرتك عن بعضه، وفي أحلامي.

فلمَ ألقيتني في فجوة هذه الرؤيا المدَمِرة؟!.

وتقول ليَّ أصبرْ!

عانيت يا شيخ الغافرين مثل ما عانيت.

لم أتلوث بشؤون الحكم مثل ما تلوثت.

لم أرتكب ذنب قتل النفس مثلما ارتكبت.

فمن أجل عدالةٍ موهومةٍ تسكن الرأس منذُ فجر الحضارات خضت غمار معارك أفنيتَ فيها الكثير من نفوس أعدائك وأصحابك.

بكفك الجبار وسيفك ذي الفقار قتلت أعزّ أصحابك في معركة الجمل وبكيت عليه

أحرقتَ من عبدك بالنار، وحاربت من كان صاحبكَ بالأمسِ.

بالغتَ في عدالتكَ، وغفرتَ كل الذنوب، حتى الشذوذ، حينما أتاك عمر مرعوبا صارخاً؛ لقد هلكت، لقد أدبرتْ. فهدأت باله.

قسّمتَ بيت المال بالحق، وتواضعتَ شديد التواضع في ملبسك ومأكلك.

ماذا حصدتَ من كل هذا؟ .. ماذا؟!

الكلُّ لفظك .. الكل هجركَ .. الكلُ حاربك، حتى اضطررت إلى الإيغال بوهم الحق وقدرتك فصرخت بخطبتك في جامع الكوفة:

(أنا آيةُ الجَّبار. أنا الأول. أنا الآخر. أنا الظاهر. أنا الباطن. أنا وجه الله. أنا يد الله. أنا جنب الله. أنا من سُمَّي في الإنجيل إيليا. أنا وارث علم المختار)*.

أسرفت في الوهم وأسرفت، حتى قُتلتَ اغتيالاً بيد أعزّ أعزائك؛ ربيبك في ذلك الغبش الحزين وأنت تصلي الفجر في جامع الكوفة.

أما عن طقسك السري، فلم تكشف عنه بكلمة واحدة.

ألا توجد لديك أسرار؟!

يجوز ذلك .. كنتَ مشغولاً بشؤون الحكم والعدل وتبرير القتل.

أنت الحاكم المطلق

وأنا عبدك الضائع

أنت الأول والآخر

وأنا الذرة المهجورة!.

أنت وجه الله ويده وجنبه

وأنا حفنة تراب منسية!.

أنتَ آيةُ الجبار

وأنا ذات الجندي الذي قاتل في جيشك وجيش أعدائك

نسياً منسيا

ذات العذاب

ذات المحنة.

عذابٌ مستعرٌ لا يبرد.

لم أقتل أعزّ أصحابي.

لم أحرق أحداً بالنار.

لم ألسع كف أخي الضرير السائل.

كنتُ جندياً في جيش السلطة ومعارضيها، لا حول لي ولا قوة .. ولا يقين .. وهذا عذابي!

حاولت أن أموت قتيلا، لأتحول إلى معنى ولم أستطع!

يا شيخ الراحمين

أغفر لي ما قلته لك عنك، فقد أهلكتني الرؤيا وجعلتني أهذي بما لا أدريه!

أنت المتحول لاحقاً إلى قدس الأقداس

وأنا واحدٌ من ذريتك المهجورة في خضم عذابات البشر المطحونين بالخراب والتوله المستحيل بالعدالة!.

جاهرتك ..

جاهرتكَ .. فأفصح لي عن نفسي الشديدة التناقض، الفاقدة يقينها!

المعنى .. المعنى .. المعنى يا شيخي الجليل المعنى .. المعنى فروحي خلصتْ .. ونفسي نفدتْ!

وأنتظاراتي إنهدمت!

----------------------------------------

*عن الإسلام في إيران ص144 هنري كوربا – دار النهار بيروت