يعقد الباحث المغربي هنا مقارنة بين تناول كل من سيمون دوبوفوار وفاطمة المرنيسي للقضية النسائية، وللسيرة الذاتية كوسيلة للتعبير عنها من خلال دراسة مقارنة للسيرة الذاتية لكل منهما في علاقتها بالأخرى من ناحية، وفي اختياراتها لما ترويه ولطبيعة الجمهور الذي تتوجه إليه من ناحية أخرى.

القضية النسائية أو السيرة الذاتية

من سيمون دو بوفوار إلى فاطمة المرنيسي

محمد أعراب

عندما نقارب مسار تطور فكر وحياة كل من فاطمة المرنيسي "وسيمون دوفوفوار"، نلاحظ تقاربا واضحا يجمعهما ويوحد بينهما، حيث أن كل واحدة منهما قد اهتمت بالقضية النسائية، وجعلت وضعية النساء محورا أساسيا للدراسة والتفكير. وتأكيدهما على أهمية التمدرس بالنسبة للمرأة والفتاة في المجتمع، وأهمية الاستقلال المادي والاقتصادي بالنسبة للمرأة. وهناك قاسم مشترك أخر يجمعهما، يتحدد في كونهما قد بدأتا بكتابة بحوث ومقالات. ثم الاتجاه فيما بعد إلى الاهتمام بكتابة السيرة الذاتية. وهو الأمر الذي يثبت ويبين ان الفكر النظري لديهما يجد جذوره في المعيشي اليومي. Le vécu. في الدراسة الآتية، سأقوم بمقارنة لأعمالهما وسأركز بصفة خاصة على نصوص من سيرتيهما الذاتية. يعكسان مرحلة طفولتهما وهما: "مذكرات فتاة شابة مطيعة" لـ"سيمون دوبوفوار" 1958

 و"rêves de femmes : une enfance au harem".و Mémoires d’une jeune fille  أحضان الحريم" لفاطمة المرنيسي. 1994rangée " essais وتجدر الإشارة أيضا إلى أن فاطمة المرنيسي قد كتبت هذا الكتاب باللغة الانجليزية، وترجم فيما بعد إلى اللغة الفرنسية وقامت هي نفسها بمراجعته. في تحليلي هذا سآخذ بعين الاعتبار التباعد الزمني والجغرافي وكذلك الثقافي الذي يفرق بين هذين النصيين. كما أنني لن أقف عند حدود المضامين، ولن اكتفي فقط بذلك’بل سأحاول أن اهتم واحلل استراتيجيات السرد عندهما، وأيضا الاختيارات القيمة والأخلاقية والجمالية عندهما. كما سأحاول الإجابة عن السؤال الملح والمعقد les choix وهو الأتي. إلى أي حد يمكن اعتبار فاطمة المرنيسي هي " سيمون دو بوفوار" بالنسبة للعالم العربي والإسلامي’ وأيضا للعالم الغربي في وقتنا الحاضر؟ éthiques et esthétiques

لنبدأ بتقديم نبذة موجزة عن حياة المرأتين الكاتبتين، ولدت "سيمون دو بوفوار" سنة 1908 وهي تنتمي إلى وسط بورجوازي، غني و" كاطوليكي". إنها البنت البكر بالنسبة لأسرة لها طفلين، تابعت دراستها بتفوق1- لقد فقد وخسر أبوها ثروته غداة الحرب العالمية الثانية، لم يتمكن من إعداد زواج ابنته وفق النظرة التي كانت لديه وكما كان يرغب في ذلك، نظرا لضعف إمكانياته الماليةL’Invitée. ، وهي السنة التي نشرت فيها روايتها الأولى" الضيفة" شهادة نالت  agrégationالتبريز في مجال التعليم إلى حدود سنة 1943، في هذه الفترة’التقت بجون بول سارتر الذي سيصبح شريك حياتها. لقد عاشا معا في إطار علاقة حرة، دون أن ينجبا أطفالا، لقد أصبح "الزواجagrégation le couple " الحر بين سيمون دي بوفوار وسارتر شهادة، نموذج المساواة بين الجنسين بالنسبة لجيل كامل من الشباب الأوربي في تلك المرحلة التاريخية. في السبعينات من القرن الماضي أصبح مؤلفها "الجنس الثاني" الذي صدر سنة 1949 مرجعا أساسيا بالنسبة للحركة النسوية، من جهة أخرى أصبحت الحركة النسائية التي تزعمتها سيمون دو بوفوار هدفا ومثار انتقادات شديدة وواسعة. لقد وجه الجيل الجديد انتقادا إليها مفاده أن "سيمون دي بوفوار قد قللت وأغفلت أهمية ودور الأمومة في حياة المرأة. كما وجه إليها انتقادا أخر بعد وفاتها سنة1986 ، ويتحدد في كونها أضفت نوعا من التنميق على علاقتها بسارتر d’avoir embelli sa relation Le « Deuxième sexe، essai sur la condition des femmes »

أما بالنسبة لفاطمة المرنيسي، فقد وُلدت سنة 1940 بفاس، في وسط عائلة تنتمي إلى البورجوازية المغربية، قضت طفولتها في أحضان حريم، أي ضمن أسرة ممتدة كبيرة تضم الجدة والأعمام والأخوال من جهة الأب، بما فيهم المطلقين والمطلقات، وأبنائهم وبناتهم، تمثل هده الدار العائلية الكبرى، فضاء مسلما تقليديا، حيث يتم الفصل بين الجنسين، ويخضع للحراسة والمراقبة من طرف حارس يراقب حركة الدخول والخروج،. تعتبر فاطمة المرنيسي، من الفتيات الأوليات اللائي ولجن التعليم المختلط العمومي في المغرب، هذا النمط من التعليم الذي تمت إقامته استجابة لنضالات الحركة الوطنية المغربية سنة1942. تابعت دراستها بالرباط، ثم بفرنسا والولايات الأمريكية المتحدة، وذلك خلال حقبة تاريخية كانت نسبة التحاق الفتيات بالتعليم العالي جد ضعيفة بالمغرب. لهذا يمكن اعتبارها من الرائدات في هذا الميدان، وينطبق هذا أيضا على سيمون دو بوفوار التي تعد من الرائدات اللواتي تخرجن من المدرسة العليا للأساتذة بباريس فرنسا. نشرت فاطمة المرنيسي، كتابها الأول تحت عنوان Sexe idéologie et Islam  الجنس والايديولوجيا والإسلام" سنة 1983 هذا المؤلف الذي ساهم في شهرتها عالمياLe Harem politique: le prophète et les femmes (Paris، Albin Michel، 1987)وفي سنة 1987 نشرت كتابها المعنون" الحريم السياسي. النبي والنساء"، الذي أثار ردود فعل قوية، بل تهديدات من طرف التيارات الأصولية، لكن رغم ذلك استمرت في الكتابة والإنتاج العلمي، حتى وصلت وحققت شهرة واسعة في نهاية القرن العشرين. بموازاة مسارها المهني ككاتبة، قادت معارك ونضالات من اجل الدفاع عن وضعية المقهورين والفقراء في بلدها الأصلي (المغرب). لقد أسست" قوافل مدنية"، وهي عبارة عن شبكة دولية من اجل منح وإسماع صوت الفنانين والمثقفين والأميين في المناطق المعزولة والمهمشة من المغرب، وأيضا "العمل الجماعي: النساء، الأسر والأطفال" femmes.familles et enfants » " le. « collectif » ، وكان الهدف المتوخى منه هو العمل على مساعدة الأطفال والنساء المحتاجين والذين يعيشون في وضعية صعبة. حصلت سنة 2003 على جائزة الأدب من اسبانياlittéraire du Prince des Asturies كما كانت من الثلاثة الأوائل اللذين حصلوا على الجائزة الفخرية من "هولاندا" سنة.2004. وقد ورد في تقرير لجنة الجائزة إن المرنيسي تستحق هذه الجائزة نظرا لأعمالها، وكونها أصبحت نموذجا يحتذي بها بالنسبة لفتيات الأجيال الصاعدة، فهي تساعدهم على تكوين وخلق هوية خاصة بهم باعتبارهم" « des femmes musulmanes émancipées » نساء مسلمات متحررات".

من اجل مقارنة هذين النصين في السيرة الذاتية Mémoires d’une jeune fille rangée et Rêves de femmes  اقترح القيام في البداية بتحليل لشكل وأساليب السرد، و"أحلام النساء" "فتاة شابة ومطيعة"، ثم سأعالج فيما بعد سؤال السياق الثقافي والتاريخي كما هو موجود في ثنايا النص، وسأخلص وانتهي بإنجاز مقارنة على مستوى المفاهيم الخاصة بالقضية النسائية والنزعة النسوية" كما استعملتهما الكاتبتين . du féminin et de la féminité.مذكرات

يتم تقديم (البدايات) أعمالهما باعتبارهما مذكرات، أي سرد لسيرة ذاتية تتحدث فيها الكاتبة عن حياتها، تميز هذا المؤلف بخاصية النضج، لان صاحبته كانت قد كتبته في سن الخمسينات من عمرها، وكانت "دو بوفوار" قد اكتسبت شهرة واسعة. أما بالنسبة لفاطمة المرنيسي، فقد كانت قد بلغت سن 54 سنة، عندما أصدرت سيرتها الذاتية الخاصة بطفولتها. عندما نقارن النصين، نجد أنهما معا تستهلان وتبدآن بالحديث عن سنة ومكان ولادة الكاتبتين فاطمة المرنيسي وسيمون دو بوفوار، حيث تستهل دو بوفوار سيرتها بالجملة الأولى بما يلي" لقد ولدت عند الساعة الرابعة صباحا، في يوم 9 يناير1908، في غرفة يوجد بها أثاث من اللاكي الأبيض، وهي غرفة، تقود إلى شارع boulevard Raspail. والذي يقابلها المقطع الآتي من سيرة فاطمة المرنيسي في كتابها أحلام النساء حيث تقول "ولدت سنة 1940 وسط حريم بمدينة فاس، وهي مدينة مغربية يرجع تاريخها الى القرن التاسع الميلادي، والتي تقع غرب مكة وتبعد عنها بخمسة ألاف كيلومتر5000 ، و1000 كيلومتر جنوب مدريد 4-

الملاحظة التي تبدو للوهلة الأولى بالنسبة للمقطعين هي وجود "النزعة المركزية الأوروبية، بل النزعة الباريسية" بالنسبة لدوبوفوار، أما بالنسبة لفاطمة المرنيسي، فالأمر يختلف، حيث يقتضي الأمر منها أن تشرح وتحدد موقع مدينة فاس باعتبارها مدينة لا تنتمي إلى الغرب الأوربي، ثم كونها تقع على هامش أوربا والعالم الإسلامي (غرب العالم الإسلامي- مكة) ، لكن هذا الاختلاف بين الكاتبتين، يمكن النظر إليه من زاوية أخرى، وهي أن سيمون دو بوفوار تبدو وكأنها تخاطب وتوجه خطابها إلى مخاطبين"فرنكوفونيين" فقط، لأنها كتبت أبحاثها باللغة الفرنسية، في حين يبدو خطاب فاطمة المرنيسي خطابا عالميا موجه لجمهور أوسع لأنها كتبت مؤلفها باللغة الانجليزية. ويلاحظ أيضا، أن فاطمة المرنيسي قد اختارت منذ البداية الحديث عن مدينة فاس، مسقط رأسها، باعتبار هذه المدينة تقع في مفترق طرق القارة الأوربية والقارة الإفريقية، مما يقود إلى التساؤل حول الانتماء الثقافي للمغرب، بل للمغرب العربي، الذاكرة الجماعية التي يرتبط بها. لأنه من وجهة نظر الكاتبة، فانه – أي الانتماء الثقافي- يستمد جذوره من العالم العربي من جهة’ ومن الأندلس من جهة أخرى، إلى التاريخ العريق لحوض البحر الأبيض المتوسط الذي يجمع بين إفريقيا وأوربا.

إذا كانت "بدايتا" "ومقدمتا" هذين الكتابين تتشابهان مع بعض الاختلافات، فان الأمر يسري أيضا على نهايتهما" وخاتمتيهما «حيث تم الإخبار بالفقدان النهائي لصديق القلب. هذه القطيعة المأسوية، تسجل أيضا، الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الكهولة. بالنسبة لسيمون دو بوفور، إنها قصة "زازا" الذي بدل أن يختار التمرد- على وضد القيم البورجوازية وطبقته وجنسه – كما فعلت الكاتبة نفسها- انتهت إلى الخضوع لإرادة والديه. بعدها بقليل، أصيبت بمرض خطير أدى إلى وفاتها المبكرة. في مقابل ذلك استطاعت سيمون، المتمردة، أن تلج وتندمج في عالم الرجال، الذي تم الترميز إليه، بالتعليم العالي وبكيفية خاصة، المدرسة العليا للأساتذة. في السيرة الذاتية لفاطمة المرنيسي، إن قصة فاطمة الفتاة الشابة تنتهي بفراقها مع سمير ابن عمها، ورفيقها، وذلك منذ منعه من دخول حمام النساء. لكن في الجملة الأخيرة، من سيرتها الذاتية، تثير فاطمة المرنيسي إن صراعها ومعارضتها لن تنتهي بالاستسلام للدور التقليدي للمرأة في المغرب في مرحلة الأربعينيات من القرن الماضي "إذا لم تغادر المكان الذي توجدين به، فانك ستمكثين مع الضعفاء" كما ذكرتها بذلك الخادمة المسنة أمينة"5. في مرحلة الكهولة، اختارت فاطمة المرنيسي أن تنهج وتسلك طريقها الخاص بها، بدل أتباع مصير النساء الأخريات المعتكفات في الحريم. " Paratexte des deux ouvrage

إذا انتقلنا إلى المستوى الشكلي للسيرتين:
ونبدأ بعنواني المؤلفين، نلاحظ أن ما يجمعهما هو طابع السخرية والتهكم الذي يتضمنه العنوان الذي يحيل إلى أفكار مخالفة لما يتضمنه مضمون الكتاب، وما يتوخى "تبليغه وتحقيقه. لأن القارئ يعرف جيدا إن بطلة رواية "مذكرات فتاة شابة مطيعة" لا تتوافق وتتماثل مع صورة الفتاة المطيعة، كما تريدها الخادمة البورجوازية الباريسية، إبان مطلع القرن العشرين. ومن جهتها، فان فاطمة المرنيسي لن تكتفي قط بالأحلام التي أضفتها ومنحتها لجنسها كامرأة ، ولكنها ستتمرد وتثور على المصير الذي ينتظرها باعتبارها أنثى.

إن وجه الاختلاف بين العنوانين يكمن في التعارض بين "الفردي" و"الجمعي"./ فتاة شابة عند بوفوار في حين تتكلم المرنيسي عن أحلام النساء بصيغة الجمع. هذا الاختلاف في الرؤية يتجلى أيضا في غلاف الروايتين، في غلاف كتاب سيمون دوبوفوار نجد البورتري المرسوم لفتاة شابة تنظر إلينا بقلقle portrait  أما غلاف السيرة الذاتية لفاطمة المرنيسي فهو مزين بصورة بالأبيض والأسود لساحة أو فناء داخلي ، يوجد بها ثلاث ألوان زاهية، ترمز إلى ثلاث نساء مغربيات منظورا إليهن من الخلف أو الظهر. بدل إثارة القارئ كما هو الحال مع الفتاة الشابة لبوفوار، فان الأمر يختلف غلاف فاطمة المرنيسي، حيث إن النساء لا ينظرن إلى القارئ، كما انه لا يرى وجوههن.

لا يبدو أن اختيار هذه الصورة بالضبط، بالنسبة لكاتبة كتبت الكثير عن حمل النقاب في العالم العربي، لم يكن عفويا ولا مجانيا. بل على العكس من ذلك. إذ نجد نوعا من التناصّ والترابط البين بين هذه الصورة، ولوحة يوجين دو لاكروا "tableau d’Eugène Delacroix والتعاليق المنجزة في يومنا هذا من طرف أسيا جبار ورشيد بوجدرة وفاطمة المرنيسي ذاتها./ "نساء الجزائر في شقتهن" 6- « femmes d Alger dans leur appartement » Mémoires d’une jeune fille rangée إن النساء المغربيات لدى فاطمة المرنيسى لا ينظرون إلى العموم، بل يديرن ظهرهن له، ولسن عرضة للغرباء، على عكس نساء الجزائر لدى رشيد بوجدرا. كما إن الصورة التي تزين غلاف السيرة الذاتية لفاطمة المرنيسيي، تؤكد وتظهر أهمية وقيمة التاريخ الجمعي في سيرتها. إن (أحلام النساء) التي يحيل إليها عنوان السيرة تتجلي في ثنايا ومضامين الكتاب من خلال الاستعمال المكثف لضمير المتكلم في صيغة الجمع، وهو نحن، فالكاتبة تتحدث باسم الجماعة بدل الحديث باسمها، او بشكل فردي، وذلك بفعل الانتماء إلى الجماعة. "nous. « histoire collective »

في كتاب "مذكرات فتاة شابة مطيعة" نلاحظ إن موضوع/ "تيمة" التضامن وبالتحديد التضامن بين النساء الذي يكتسي أهمية كبيرة لدى فاطمة المرنيسي، هذه التيمة، على خلاف ذلك، إنها شبه غائبة في كتابة سيمون دو بوفوار؛ كما انه، يتكون لدينا إحساس، إن البطلة في رواية سيمون دو بوفوار توجد وحيدة ووحدها في معركتها من اجل التحرر. في حين نجد أن بطلة فاطمة المرنيسي في سيرتها الذاتية مدعومة ومؤازرة من طرف أمها أولا ، ثم مدعومة أيضا من طرف نساء محيطها ووسطها الاجتماعي.

إذا ما قمنا بمقارنة بين الكاتبتين: سيمون دو فوار وفاطمة المرنيبسي، فيما يخص الطريق المؤدي إلى التحرر والتربية، قد لقي وحظي بتحالفات من قبل الجنس الأخر. بالنسبة لحالة "بوفوار"، فان تحررها اتسم وتميز بولوجها لعالم الرجال، وبربط صداقات مع الذكور. بينما قد عاشت وشعرت بالعزلة والوحدة في عالم النساء لما كانت تدرس في الثانوية. حيث لم تتمكن من الخروج من هذه الوحدة، إلى عندما التحقت بالجامعة، فاستطاعت إن تندمج في وسطه وفي المحيط الاجتماعي. وفتح لها باب الانفتاح على مصراعيه.

بالنسبة لفاطمة المرنيسيي، حدث العكس، في اللحظة التي تم منع صديق طفولتها الذي هو ابن عمها من دخول حمام النساء، فهمت وعرفت الخندق والجدار العميق الذي يفصل بين النساء والرجال في المجتمع المغربي، إبان الأربعينيات من القرن الماضي. هذا الاكتشاف المؤلم، دفعها إلى أن تخطو إلى الإمام، كما هو الشأن بالنسبة لسيمون دو بوفوار، وألا تستسلم لسلطة القدر وسلطة التقليد الذي ينتظرها. لهذا ستذهب وتنصرف لفتح بل لاكتشاف عالم يسوده ويسيطر عليه الرجال" les mémoires d’une jeune fille rangée لنستنتج، بصفة مؤقتة، أن في المسار الذي سلكته وقطعته بطلة السيرة الذاتية لفاطمة المرنيسيي، أن التضامن بين النساء يلعب دورا أكثر، بالمقارنة مع دو بوفوار. على خلاف ذلك، فان التضامن القائم على أساس فكري هو الذي ينتصر، ويغلب بالنسبة لسمون دو بوفوار.

تقودنا هذه المقارنة، إلى الحديث عن السياق التاريخي الذي تمت الإشارة إليه من قبل الكاتبتين. في مذكرات "سيمون"، أن الحرب العالمية الأولى، هي التي ستوقظ فكرة وجود العالم الخارجي عند "الساردة"، حيث إن جزءا من مدرستها قد تحول إلى مستشفى عسكري، كما أن الحرب جعلتها تواجه وتعرف الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية ، رغم أن الصورة التي تقدمها لنا سيرتها الذاتية تبقى ساذجة وغير مكتملة. على العكس بالنسبة لفاطمة المرنيسي، فان السياق الاستعماري، اعتبر منذ البداية، مشكلة وإشكالية. «العالم الخارجي أيضا ، في مغرب الأربعينات من القرن الماضي، كان يتشكل من وجود الجنود الفرنسيين الذين أقاموا وعسكروا بالمدينة الجديدة المجاورة للمدينة القديمة التي توجد بها الدار الكبيرة لعائلة فاطمة المرنيسي.» اغلب الناس يتنقلون في المدينة راجلين؛ الفرنسيون كانوا يخافون أن يتجولوا على أرجلهم. كانوا دائما يركبون سيارتهم، كان خوفهم يثير فينا الدهشة، نحن الأطفال، لأننا فهمنا نحن، أن الكبار يخافون أيضا. وكانت المدينة الجديدة آنذاك، بمثابة حريم لهم. مثل النساء تماما اللائي ليس لهن الحق إن يذهبن بحرية إلى المدينة القديمة. وهو يمكن، أن يكون الإنسان قويا وسجينا داخل حدود/ داخل حدود معينة، في نفس الوقت.

فاطمة المرنيسي، الطفلة، عاشت إذن في مدينة محتلة من طرف جيش أجنبي آنذاك. عندما كانت لاتزال في ريعان شبابها، فان البطلة، على غرار بطلة سيمون دو بوفوار، عاشت بدورها تجربة الحرب. ولكن بالنسبة، لحالتها، فهي قد عاشت حربا تجري أطوارها على بعد مسافة جد قريبة من سكناها. على خلاف "دو بوفوار" لم تعد فاطمة المرنيسي تتذكر شيئا من ذلك في مرحلة كهولتها، ولكن حسب ما كانت تحكي لها جدتها، فلقد ظلت مصدومة من هول الحرب."

لقد كان الأمر يستدعي منا أن نذهب معكم، كل يوم جمعة، عدة مرات، من اجل زيارة الفقيه في ضريح مولاي إدريس ، للقيام بطقوس تحميكم وتحفظكم من إي مكروه. وكان ينبغي علي أن أضع تميمة او حجابا مكتوبا عليها آيات قرآنية، أضعها تحت وسادتك عند ما تخلدين إلى النوم، وذلك طيلة سنة لكي تستطيعين النوم بكيفية عادية. لقد أدى الأطفال ضريبة ثقيلة للحرب الاستعمارية التي عاشتها فاطمة المرنيسي، هذه الحرب، التي عانى منها الأطفال والكهول مدة طويلة إلى أن نال المغرب استقلاله. ونتيجة لذلك، لقد أثرت تجربة الحرب التي عاشتها فاطمة، علي تكوينها الشخصي كطفلة، كما أنها عاشت ونشأت في أحضان وسط الحركة الوطنية المغربية. لهذا، فان وعيها السياسي قد تشكل وتطور منذ طفولتها المبكرة. بينما بطلة رواية "مذكرات فتاة شابة مطيعة" لصاحبتها سيمون دو بوفوار، بالرغم من كونها قد تمردت على وسطها الأصلي قد بقيت لمدة طويلة بعيدة عن السياسية. ولقد أكدت هذه الحقيقة، في "يوميتها او مذكرتها حول الحرب" خلال الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية. ولكن نجد أن التفكير السياسي في لحظات هذه الحرب كانت جد قليلة.

لننتقل الآن من السياق التاريخي إلي السياق الثقافي لهذين المؤلفين. بالنسبة للكاتبتين معا، إن الفرق والاختلاف، بين العالم الداخلي والعالم الخارجي بين المدينة والقرية قد لعب دورا مهما في طفولتهما. لقد كانت الحياة خارج المدينة، مرادفة للحرية والسعادة بالنسبة لهما. تقول سيمون دو بوفوار في الصفحة 32 مايلي: "كان الكل يتغير، بالنسبة لي عندما أغادر المدينة، وأنا راكبة مع الحيوانات. ثم تضيف قائلة "أن سعادتي كانت تبلغ أوجها، خاصة خلال فصل الصيف، حيث كنت اقضي شهرين ونصف في الريف. كان أمي تبدو منشرحة أكثر بالمقارنة مع باريس، وكان أبي يعتني بي كثيرا، وكان لي الوقت الكافي لكي أقراء والعب مع أختي. ص 105.

بالنسبة لفاطمة المرنيسي، في مؤلفها "أحلام النساء"، إن الحياة في البادية، تعني وترمز إلى فضاء وعالم بدون بحدود، وبدون قيود، حيث تتمتع النساء، بحرية اكبر. تقيم جدتها ياسمينة ’من جهة الأم’ في ضيعة، في البادية، والتي كانت امرأة متمردة، وتتنبأ بان ظاهرة تعدد الزوجات ستختفي وتندثر في المغرب مستقبلا. حيث سيكون رجل وزوج لكل امرأة وزوجة" 37- إن طبيعة التمرد التي تتميز بها جدة الساردة- هنا فاطمة المرنيسي- ترجع أساسا إلى ماضيها القروي. والذي يمثل فضاء للحركة ب حرية اكبر.8 فيما يخص هذه النقطة، يوجد تقارب كبير بين النصين، رغم أن أم سيمون دو بوفوار لم تعش داخل الحريم كان واضحا إن الوسط الباريسي والبورجوازي الذي نشئت فيه يحد ويكبح حركاتها وأنشطتها ويعزلها في عالم منغلق، تسوده عدة ممنوعات. ولنتذكر أن في هذا الوسط إلي تربت فيه دو بوفوار، كان الزواج المرتب لا يزال موجودا وقائما، كما إن النساء لم يحصلن بعد على الحق في التصويت. وهكذا فان وضعية النساء في المجتمع الأوربي، في تلك المرحلة، لم تكن مختلفة بصفة كلية، عن وضعية المغربيات في الأربعينيات من القرن الماضي. le mariage arrangé -"

المظهر الثقافي الثاني الذي أود أن أعالجه وأتطرق إليه هنا هو نوع العلاقة التي تقيمها النساء مع أجسادهن، وكيف يعتنين به وبجماله؟ بالنسبة ل"دو بوفوار"، إن كل مايتعلق بالمستوى الأنثوي والأنوثة وبالمظهر الفيزيقي، والتجميل واللباس كان ينظر إليه بشكل سلبي ما أن بلغت سيمون سن النضج حتى بدأت تدرك أنها ليست جميلة وان لباسها ليس أنيقا ويوحي بالحزن والكآبة. على العكس، من ذلك عند فاطمة المرنيسي، فان النساء  يتميزن بحساسية وشهوانية ملحوظة وبالوسيلة التي يختارونها لتأكيد واثبات استقلاليتهن التي تكمن أساسا في طريقة تجميل وتزيين الجسد، أي في فن العناية بأجسادهن.

ثالثا: إن الاختلاف بين السيرتين يتجلى أيضا في الكيفية التي تتخيلها بطلتي السيرتين فيما يخص المستقبل .. بالنسبة "لسيمون دو بوفوار" تتخيل المستقبل وتنظر إليه كحلم "فردي" "وفكري" في الوقت ذاته. "أتمنى فحسب الحب' وان اكتب كتبا جيدة’ وان يكون لدي بعض الأطفال". مع أصدقاء اهدي لهم مؤلفاتي، ويعلمون الفكر والشعر لأبنائي" - 10- في حين ترد الخالة حبيبة المطلقة في سيرة فاطمة المرنيسي قائلة "ينبغي لثورة نسائية إن تلقي بالنساء والرجال معا’ في حمام، مفعم بالحنان". "روح الجماعة" مقابل "النزعة الفردية" "والشهوانية مقابل "النزعة الثقافية أو" الانتليجنسيا"، وهكذا يمكن تلخيص أهم الخلاصات للسيرتين معا. Intellectualisme - "sensualité"

قبل إن نختم هذه المقارنة، تجدر الإشارة إلى نقطتين. عندما نقارن بين النصين يجب علينا ألا ننسى أن مؤلف المرنيسي هو حديث بالمقارنة مع مؤلف "سيمون". ولا يخامرها أدنى شك في إن المرنيسي قد قرأت مؤلفات دو وفوار، بل أنها تأثرت بكتاباتها وبالحركة النسوية إبان مرحلة السبعينيات من القرن الماضي. أما بالنسبة ل"سيمون دو بوفوار" فهي لم تكن لديها نظرة واضحة ودقيقة حول العالم الإسلامي. ويتضح هذا من خلال تحليلها لـ"حكايات ألف ليلة وليلة" حيث ورد على لسانها في مؤلفها" الجنس الثاني" مايلي "ينظر إلى النساء وكأنهن مصدر لأنواع من اللذة والشهوة، مثل الفواكه والحلويات والعطور. في حين ترى المرنيسي أن قصص ألف ليلة وليلة هي التي تعكس بوضوح، الصراع بين الجنسين حيث أن المرأة قد خرجت منتصرة من المعركة’ بواسطة سلاح الكلمة والحيلة. 11-  "الحريم والغرب" كتابها « Le Harem et l’Occident » وصفت المرنيسي مؤلف "ألف ليلة وليلة" بكونه "أسطورة الحضارة" في الأدب العربي.

ومن اجل الختام، نؤكد أن فاطمة المرنيسي، قد حملت المشعل فعلا، من يد سيمون دو بوفوا إلى حد ما. بفضل أصولها المغربية، قد منحت وأعطت أهمية كبرى لتضامن النساء وقيمة لأنوثتهن. في مقابل ذلك اعتبرت سيمون دو بوفوار أن الأنوثة بما فيها الأمومة، تعد عائقا وحاجزا لتطور مصير النساء.

 لنعد إلى السؤال الذي طرحناه في البداية: وهو. هل يمكن اعتبار فاطمة المرنيسي هي سيمون دو بوفوار العالم العربي والإسلامي؟ نجيب عن سؤالنا هذا بالقول إن سيمون دو بوفوار كانت تخاطب الغرب، في حين فاطمة المرنيسي لم تكن تخاطب العالم الإسلامي فحسب، بل تخاطب العالم ونسائه بكامله، ولهذا يمكن وصفها اليوم بأنها ليست سيمون دو بوفوار العالم الإسلامي فقط بل إنها سيمون دو بوفوار كل العالم في الأزمنة المعاصرة.

أستاذ باحث في السسيولوجيا وعلوم التربية، المدرسة العليا للتكنولوجيا- جامعة مولاي إسماعيل - مكناس

المراجع والهوامش

             + _OURCE (OR PART OF THE FOLLOWING SOURCE):

Type conférence contribution

Title Féminisme et/ou autobiographie: de Simone de Beauvoir à Fatima Mernissi

Author(s) I. van der Poel

Faculty FGw: Instituut voor Cultuur en Geschiedenis (ICG، tot 2014)

Year 2010

 

1 - on ce qui concerne la vie de Simone de Beauvoir، je me suis basée sur l’excellente biographie de Deirdre Bair،

Simone de Beauvoir: a biography، New York، Summit Books، 1990. Pour ce qui est de Fatima Mernissi، j’ai

consulté les sources suivantes: Fatima Mernissi، Sexe، idéologie et Islam، Paris، Tierce، 1983، pp. 180-181;

‘Musulmanes. Témoignage de Fatima Mernissi’، dossier “Pour un Islam différent”، http://www.nouvelles cles.com. (consulté le 20-12-2006). 2 comme son père a perdu.

-2 Cf. Alexander Rinnooy Kan dans Religion and Moder Erasmus Prize 2004، Amsterdam Praemium Erasmianum Foundation، 2004، pp. 52 et 54.

3- Simone de Beauvoir، Mémoires d’une jeune fille rangée (1958)، Paris، le livre de poche، 1971، p. 5.

4 Fatima Mernissi، Rêves de femmes. Une enfance au harem (1994، traduit de l’anglais par Claudine Richetin، revu et adapté par l’auteur)، Paris، Albin Michel، 1996،

- 5Fatima Mernissi، op.cit.، p. 232

 -6-Assia Djebar، ‘Regard interdit، son coupé’، Femmes d’Alger dans leur appartement، Paris، des femmes، 1980،

pp. 167-193; Rachid Boudjedra، ‘Eloge d’elles’، La Nouvelle Revue française juin 1996، nr. 521، pp. 36-40; Pour

Mernissi sur les peintres orientalistes du XIXe siècle، voir son Le Harem et l’Occident، Paris، Albin Michel،

2001، p. 8 et pp. 20-21

7-. fatima Mernissi، op.cit. p. 25.

 9- Sur le contraste ville-campagne en ce qui concerne la ségrégation des sexes au Maghreb، on se reportera à

Germaine Tillion، Le Harem et les cousins، Paris، Seuil، 1966، pp. 181-209; Camille Lacoste-Dujardin، Des

mères contre les femmes. Maternité et patriarcat au Maghreb، Paris، La Découverte، 1996، pp. 242-248.

 10-voir aussi le chapitre sur la ruse des femmes dans Camille Lacoste-Dujardin، Des mères contre les femmes،

op.cit. 198-202.

 11-voir aussi le chapitre sur la ruse des femmes dans Camille Lacoste-Dujardin، Des mères contre les femmes،

op.cit. 198-202.