القلعةُ الأولى:
ما الذي يجعلُ الليلَ أبيضَ ؟
- قمرٌ تافهٌ بحجمِ عُشْرِ مأساتِنا ؟
- لا ...
- سفينةٌ بلونِ الفضّةِ ؟
- لا ...
- قلعةٌ بطعمِ الحصارِ؟
- - لا ...
- قبلةُ البرتقالِ وفانوسُ الحكواتيِّ ؟
- لا ...
ما يجعلُ الليلَ أبيضَ ،
فتاةٌ تتأمّلُ القمرَ ،
أو سفينةٌ للنازحينَ تبزُغُ من فوّهةِ الوقتِ ،
أو جثّةٌ بخاصرةِ القلعةِ ،
أو دخانُ قصفٍ يلتحفُ الدمعةً ،
*
القلعةُ الثانيةُ:
في برجٍ غربيٍّ من أبراجِ قلعةِ باشطابيا ،
استقرَّت الرصاصةُ في قلبِ الجنديِّ الخافرِ ،
وعلى شِعَابِ الجبالِ لمعتْ خُوَذُ الأعداءِ ،
ودوّى الصهيلُ في هياكلِ البناءِ غيرِ المكتملِ ،
كانت آخرُ كلماتِ الجنديِّ الخافرِ:
من يغسِلُ مطرَ العراقِ مما عَلِقَ بهِ من بارودِ الغدرِ ؟
الآنَ أطلبُ كاميرا العرضِ البطيءِ ،
لأرجِعَ الزمنَ بِضْعَ ثوانٍ وأُوْقِفَ هذهِ المهزلةَ ،
*
القلعةُ الثالثةُ:
إنَّ قلعتَكِ التي تتوضَّاُ بالنارِ عندما أقتربُ ،
سيُشرِعُ حرّاسُ أنوثتِها الأبوابَ لخيولي القادمةِ من البحرِ ،
خيولي التي ستملِّحُ الصدوعَ في الأسوارِ ،
خيولي التي ستتوضَّأُ بالجلّنارِ ،
*
القلعةُ الرابعةُ:
يا حارسَ القلعةِ نَمْ مطمئنّاً ،
فالحجارةُ التي مسَّدَتْها يداكَ عينٌ لا تخونُ ولا تنطفئُ ،
والجدرانُ التي يمسُّها غيرُ أهليها ستنتحِرُ ،
وهواءُ القلعةِ الرائقُ سيمسي خانقاً إذا تسلّلَ أحدُهم ،
والرمالُ ستبتلعُ من يجرؤُ على الخطوةِ الخائنةِ ،
*
القلعةُ الخامسةُ:
لن أكونَ قلعةَ رملٍ ساذَجَةً على الشاطئِ تُحطِّمُها الأمواجُ ،
لن أكونَ قلعةً للسائحينَ يزعجونَها أنّى يشاؤُونَ ،
لن أكونَ قلعةً مهجورةً تُمارَسُ الخلواتُ في أقبائِها ،
لن أكونَ قلعةً مشوَّهَةً تدلُّ على الضَّعْفِ ،
سأكونُ قلعةً عصماءَ لا طريقَ منها ولا طريقَ إليها ،
قلعةً مزخرَفَةً أسوارُها بالنجومِ ،
قلعةً يشيرُ الجميعُ إليها ولا يصلونَها ،
*
القلعةُ السادسةُ:
قلعةُ الرئيسِ ثقيلةٌ ،
لكنّها سهلٌ حملُها في فقاعةِ الصابونِ التي يلهو بها الأطفالُ ،
قلعةُ جسدِكِ من حجرِ الماءِ ،
قلعةُ الصقرِ من حجرِ الهواءِ ،
وقلعةُ الحصارِ من حجرِ السهرِ ،
*
القلعةُ السابعةُ:
القلاعُ التي تلوِّحُ لي بالغربانِ لن أدخلَها ،
القلاعُ التي يدّعي أقزامُها الشِّعْرَ سأنزلُ علمي عنها ،
والقلاعُ التي يعجِنُ الرصاصُ مساماتِها لن أستنشقَها ،
*
القلعةُ الثامنةُ:
في اليومِ الثامنِ من أيّامِ الأسبوعِ ،
كانت الحيتانُ تتقافزُ فرحاً ،
والشاعرُ قالَ: ماذا لو امتدَّ بي بصري بعيداً بعيداً حتّى ألمحَ قلبي ،
في اليومِ الثامنِ من أيّامِ الأسبوعِ ،
تقرُبُ غيمةٌ غامقةُ الظلِّ لتُرضِعَ قلعةَ الشاعرِ ،
حيثُ القصائدُ تسطَّرُ بدمعِ الطرائدِ ،
*
القلعةُ التاسعةُ:
قبلَ أن تشيِّدَ قلعتَكَ في العراقِ ،
قلْ للمهندسِ: خطِّطْ لي ممرّاتٍ سريّةً للهروبِ فالغدرُ وراثةٌ ،
قبلَ أن تشيِّدَ قلعتَكَ في الصحراءِ ،
قلْ للمهندسِ: خطِّطْ لي نافورةً أندلسيّةً فالعزلةُ ذئبٌ ،
قبلَ أن تشيِّدَ قلعتَكَ في جسدِها ،
تأكّدْ أن تربةَ جلدِها طريّةٌ نديّةٌ مشبعةٌ بالقُبَلِ ،
وقبلَ أن تشيِّدَ قلعتَكَ سوراً خلفَ سورٍ خلفَ سورٍ ،
تأكَّدْ أن تتركَ نافذةً في الجدارِ ،
علَّكَ تحافظُ على شيءٍ من ذلكَ الإنسانيِّ فيكَ !
*
القلعةُ العاشرةُ:
أينَ ذاكَ الحاكمُ العادلُ الذي إن أصابَ الرعيِّةَ داءٌ ،
قالَ: لا تخرجوا من قلعتِكم كي لا تنشروهُ ،
أينَ تلكَ القلعةُ التي عدلَتْ فأمِنَتْ فنامَتْ ؟