يتناول محرر باب سرد في (الكلمة) روايتين من روايات القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية للرواية، كاشفا عن تضعضع بنيان كل منهما، وعن تهافت القضايا أو الرؤى التي تطرحها كل رواية بطريقتها الخاصة، وأهم من هذا كله،عن افتقار كل منهما للكثير من العمق والإيحاء وقواعد الفن الروائي الجيد.

عن روايات البوكر العربية 2016

سلام إبراهيم

ستعلن النتائج النهائية للبوكر العربية بعد أيام، هنا تحليل لروايتين من روايات القائمة القصيرة، أقدمها لقراء الكلمة في محاولة لألقاء الضوء على المستوى الفني والفكري للنصوص المرشحة التي لا تمثل باعتقادي الأدب العربي الراهن ونماذجه المضيئة.

1- رواية -نوميديا- للمغربي طارق بكاري:
عودة لموضوع الشرق والغرب والجنس:

الرواية تتناول شخصية لقيط يعثر عليه في قرية من قرى الجنوب المغربي الأمازيغي، فتتبناه عائلة، ويرّكب الروائي عدة أحداث فجائعية تصيب سكان القرية، والعائلة تنسب لوجوده -اللعنة، فيتبناه  -حسين- رجل أخر ويأخذه صبيا إلى المدينة. يغير أسمه من -أوداد- إلى -مراد- وينشأ هناك في عائلة لديها ثلاث بنات، ويعاني مشقة وتعذيب جسدي من أمه بالتبني. لكن سنعلم أنه يبزغ ويعمل في السياسة يسارياً، ويعتقل أيام الجامعة وله علاقة بالأدب والكتابة، ويصبح ثريا، إذ تبتدأ الرواية بعودته معلولا بصحبة فرنسية تدعى -جوليا- ليشتري فندقا سياحيا في قرية النشأة -أغرم- لكن الرواية لم تخبرنا كيف أصبح ثرياً من تحت الصفر (وهذا خلل بنيوي).
من خلال السرد يتركز اهتمام الشخصية بقضيتين جوهرتين:
1- الشعور بالنقص كونه لقطيا
2- الجنس و المرأة وفحولة مراد محور اهتمامه ويكرس الكاتب لها صفحات طويلة ومكررة من السرد.
يركب الروائي سرده بتقنيات مختلفة، فيستخدم الكتابة كذريعة للسرد من وجهات نظر أخرى، مثلا يجعل من -جوليا- روائية فرنسية متخفية كرست وقتها لكتابة رواية عن – مراد - واشترت ملفه من طبيبه النفسي، فيكتشف ذلك ولا يصارحها، ونعلم هي فعلت ذلك متعمدة منتظرة ردة فعله دون جدوى. وهنا خلل بنيوي أخر في الرواية (لم يبرر أو يسوق الروائي سبباً مقنعا وقويا يجعل من -جوليا- الفرنسية تخون زوجها، وتأتي إلى قرية في المغرب، وتشتري الملف من الطبيب النفسي، وتفعل ما تفعل، ثم تحب الضحية وتعشقه، وتمارس معه الجنس بلذة، وما دام السبب الجوهري غير مقنع بدت الأفعال والعلاقة فاقدة مبررها وملصوقة لصقا الكاتب يحاول أن يشتغل على تيمة -العلاقة بين الشرق والغرب-
ينتقي ويركز الروائي على تاريخ علاقاته الجنسية، فمراد رغم مرضه وعلته الجسدية، لكنه فحل شرقي لا يضاهى، فهو يجعل خولة حبيبته تحمل منه (هو يتركها حامل ويغيب، النص أيضا لم يوضح لماذا غاب، وأين ذهب، في خلل بنيوي أخر يضعف من شدة إقناع القارئ بأحداث النص) فتنتحر خوفا من الفضيحة، تاركة مذكراتها مسجلة على أشرطة يستخدمها الروائي في بعض مقاطع النص، لكسر رتابة السرد وتكرار الحالة والمواضيع.
بالإضافة إلى أنه يجعله يلتقي بزميلة جامعية قديمة شاركته النضال اليساري -نضال- ويعاودا في علاقة جنسية ملتهبة إذ يجعلها الرواي تزوره إلى فندقه بقرية -أغرم- وتحكي له كيف باعت نفسها، كزوجة ثانية لرجل ثري متزوج تكرهه، وكأنها تمارس البغاء معه. ورغم مرضه والرعاف الذي يصيبه كل مشهد في الرواية، نجده يضاجع نضال بجنون وبنفس اليوم يضاجع  -جوليا – بجنون، ويفكر في امرأة صنعها من مخيلته كبديل رمزي ضعيف –نوميديا-  إذ أن هذا الرمز غير متساوق ولا محصلة ولا منبثق من حاجة داخلية لمسار الأحداث والنص. بل وجد به مخرجا من ورطة السرد والأحداث، كي يقتل فيه –مراد-  في النهاية حالما بامرأة المستحيلة.
يذكر الكاتب في مقطع في الصفحات الأخيرة كاشفا عن أن الرواية تبحث أو تحاول في العلاقة بين الشرق والغرب، بذات -جوليا- الباحثة عن فحولة الشرقي، والشرقي الباحث عن المرأة الغربية المتحررة، التي تزيده جوعا جنسيا على جوعه (وهذه الثيمة وطبيعة الشخصية هي تقليد وبناء يتطابق مع رواية الطيب صالح -موسم الهجرة إلى الشمال-). وكي يعطي للنص بعد معاصر يجعل – مراد - مهدداً من التيارات الإسلامية المتشددة، التي أفقدته صديقا قريبا جدا إليه -مصطفى- في تفجير انتحاري. ولولا هذا لما كان للنص علاقة بالأحداث المعاصرة. وحتى هذا التهديد سنكتشفه مفبركا قامت به -جوليا- الفرنسية لدراسة ردود فعل مراد.
رغم سلاسة اللغة إلا أن الرواية في نصفها الثاني تصبح ثقيلة القراءة، فيها تكرار في الأحداث والموضوع والمواقف والمشاهد والمناجاة والتداعيات، كما تتكرر الجمل الجاهزة، واستخدام غير دقيق لأفعال اللغة العربية لا من ناحية لغوية ولا من ناحية دلالية والأمثلة كثيرة.

2- حارس الموتى رواية اللبناني جورج يرق:
نص يخلو من الأبعاد الإنسانية والجمالية
:
يعود الكاتب إلى تجربة الحرب الأهلية اللبنانية، وتحديدا إلى عام 1979 سنة الشروع بالسرد، ورغم أنه لم يحدد المكان والجهة الحزبية مما أضفى تعمية على الأحداث التاريخية المعروفة زمن تقسيم بيروت إلى شرقية وغربية، إلا أننا نستطيع تحديد المكان من خلال التفاصيل. فالأحداث تجري في بيروت الشرقية (المسيحية) وقتها، والحزب أكيد حزب من الأحزاب المسيحية الطائفية.

ملخص الرواية:
نستطيع تلخيص الرواية، فهي رواية أحداث عادية تنبري الشخصية المحورية – عابر اللطياني – بسردها بضمير المتكلم، وهو شاب قروي يعيش بإحدى القرى في الزمن الذي أشرنا إليه، يخشى من تهمة خطف مدرس، فيهرب من القرية إلى بيروت، التي لا يعرف بها أحد، هناك وكي يجد مأوى ينخرط في مليشيات حزب من الأحزاب، يوفر له المسكن والأكل، ويعيش في خنادق خط التماس متخذا أسماً حركياً –عتريس القناص- ويدخل في علاقة عميقة مع رفيق سلاح "عزيزي" الذي يكتب يوميات فيها أسرار، ويسكن في شقة خارج المعسكر، وخلال فترة بقائه في المعسكر يطلع على بعض أسرار وسلوك رفاقه في السرقة "السطو على الصائغ"، ضرب عشيق امرأة واغتصابها أمامه، من قبل رفيقيه زرزور وشكسبير، زيارة ملهى ليلي بصحبة رفاقه، ورؤيته لمسئول "دومينو" والراقصات يركبن عليه في حلبة الرقص وهو سكران، ثم مقتل صديقه "عزيزي" في شقته. واختفاء دفتر يومياته من تحت بلاطة في شقته أوصاه القتيل بالاحتفاظ به قبل مقتله، فيقرر ترك المعسكر، خوفاً من مصير صديقه، ويلجأ إلى ابنة خالته التي تعمل كمربية ومديرة منزل في بيت طبيب، فيحصل بواسطتها على عمل في مستشفى، كحارس لبراد الموتى، ومساعد في العمليات، إلى أن يختطف من مجهولين ويلقى تحت جسر قرب القمامة حياً.

أولاً: الشخصية الروائية "السارد":
تحدد الشخصية الروائية في النص الروائي وكيفية اختيارها وطبيعتها الكثير من بنية العمل وتطوراته وما يحمله من أفكار وفلسفة وموقف في الحياة هذا بشكلٍ عام، وأقصد بشكلٍ عام تحديدا حينما يكون السرد بضمير الغائب –هو- أي "الرواي العليم" أما إذا كان الروي بضمير المتكلم كما هو الحال في هذه الرواية، فدقة الاختيار من عدمه تؤدي إلى حد كبير إلى تعيين مسارات الرواية الفكرية والفنية من خلال طبيعة القصة التي أختارها الكاتب كإطار لعرض حكايته وفلسفته.

الشخصية التي أختارها المؤلف وأناط بها مهمة السرد، شخصية ميتة روائياً منذ أول صفحة، رجل مسالم، عرضي، ليس لديه طموح، خائف، مرعوب، يهرب من تهمة إلى ورطة أخرى، لا أفق لديه، ولا فعالية، ولا فيه أدنى المؤهلات كي يكون شخصية روائية يقص لنا خلاصات تجاربه بالحياة، من خلال تفاصيل ذات دلالة ممكن أن تمس المشترك الإنساني، لا دراما فيها ولا خصوصية، ولا تراجيديا تمس الكينونة البشرية في تجربة محددة في موضوعه حيوية تمس الوجود البشري كتجربة الحرب، وليس أية حرب، بل حرب أهلية، وهذا أدى إلى سرد أحداث وتفاصيل غير مهمة، والوصول إلى استنتاجات ساذجة لا بها تحليل ولا معرفة بموضوعة الحرب وأسبابها ودوافعها، وهي لم تكن بالمطلق حرباً عبثية دون معنى، بل كانت وما زالت، وكل حرب ما هي إلا تعبير عن صراع المصالح للسيطرة والمال والنفوذ، وبأشكال وذرائع مختلفة، فالسارد يمعن في السذاجة وتسطيح موضوعها الحيوي الذي يمس وجود الإنسان فيقول:

«وطالما كرهنا الهدنة لأنها تضفي على أيامنا ضجراً قاتلاً.إنها عقاب قاسٍ، وخصوصاً متى طالت نتيجة ضغوط يمارسها اللاعبون الكبار على زعمائنا، ويمارسها زعمائنا علينا. فنرفض التقيد بشروطها، نخرقها متهمين أعداءنا بذلك، وأحياناً نتكل عليهم كي يخرقوها، وكثيراً ما فعلوا

كان الضجر أحد أسباب استمرار الحرب.» ص 109

هكذا يختتم المقطع، بهذه الفكرة؛

سبب استمرار الحرب الضجر!.

أو تداعيات ساذجة فيها إسفاف وحشو على لسان حذائه الذي يرميه فنتعرف على وعي طبقي للحذاء وهو يقارن حاله بحال الحذاء الجديد، وهنا الموقع الوحيد في الرواية التي يخرج فيها السرد من الشخصية المحورية ص53-54

التسطيح الفكري وفقر فكر الكاتب وفلسفته يجعل المقارنات الفكرية والتعليق على الأحداث ساذجة، غير إنسانية، ولا تمت للأدب كمفهوم جمالي معني بالإنسان وتهذيبه بالمفاهيم العميقة للوجود ومعانيها، من خلال مبنى جمالي كالسرد الروائي، فنجد السارد "حارس الموتى" يقارن بين الأوضاع الطبقية للجثث، كارها جثث الأغنياء، ومتعاطفاً مع جثث الفقراء، ويذهب بعيدا إلى حد السخرية بالجثث بما يقترب من التمثيل بها:

«الجثث التي كان رغد العيش يظهر عليها، لم تنل مني العطف نفسه الذي نالته جثث الفقراء والناس العاديين.

كان ذلك خارجاً عن إرادتي. وكثيراً ما سخرتُ من جثة يرتدي صاحبها بذلةً وربطة عنق ولا يزال العطر الفاخر يفوح منها. تبدو الجثة المتأنقة متعالية على سواها. أو هكذا أراها أنا. أرى الجثث الأخرى ذليلة مقارنة بها. فأرفع قدم جثة بائع العلكة، وأضعها على صدر الجثّة المتأنقة، أو أفعل أيّ شيء كي يستقيم ميزان العدالة» ص194

وهنا يظهر جلياً فقر الكاتب الفكري، فهو لم يقدم لنا رواية أصوات متعددة بقيم فيها توازنات فكرية بين شخصياته، بل قدم لنا صوتاً واحداً، بدا لا يدرك أصلا مغزى الحياة وثيمها الجوهرية، فهو لا يدرك مثلا ومن خلال هذه الشاهدة أن جميع البشر تتساوى أمام الموت، هذا السر الأبدي للوجود، والسؤال الذي بقى دون جواب منذ فجر البشرية إلى هذي اللحظة.

ليس هذا الفقر فحسب، بل تضج الرواية بتداعيات ساذجة ليس لها علاقة بجو الحدث والنص المفكك أيضا ذو المسار الشبيه بفلمٍ تجاري رديء، الأمثلة كثيرة، منها على سبيل المثال وليس الحصر، تأملات السارد بعد قرف سردي عن الجثث سأعود إليه، تأملات عن القمر والضيعة وأسئلة ساذجة من مثل:
هل للعشاق في بيروت صلة حميمة بالقمر ص214.
أو تداعياته وهو من على سطح المستشفى حينما يتلصص على بيت الراهبات، فيروح يسرد تخمينات ساذجة عن مسئولته في العمل ويخمن غرفتها، وتخيلات عن حياتها، وكل المقطع الطويل عن احتمالات اهتماماتها الثقافية وهواياتها من خلال السؤال المباشر أوقات الاستراحات مثلا، لنقرأ سذاجة التداعي أثناء التلصص والتخمين، وهنا نموذج كيف يتحول التداعي في النص الرديء إلى حشو لا قيمة معرفية أو جمالية له:

«ممكن أن تكون راهبة. الغرفة المضاءة هي للأخت كريستين، ترى ما الكتاب الذي تبقيه في متناول يدها قرب السرير؟ بالعربية هو أو بالفرنسية؟ هل تقرأ كي تتسلى أم لتتثقف؟ بأي نوع من الكتب تهتم؟. لم أبحث عن أجوبة برغم أني متشوق لمعرفتها» ص215.

السرد وترتيب الأحداث:
يكسب ترتيب الأحداث والإحساس في السرد الروائي أهمية بالغة في إضفاء صفة التناغم على النص الأدبي، وهذه الصفة مضافة للتكامل والتألق مجتمعة، هي ما تجعل النص أدبياً أو نصا تقريرياً مبتذلاً.

ومن هذا المنظار الفني وجدتهُ نصاً مضطرباً لا ترابط في السرد والأحداث ولا في بنية المشاعر وبناء الشخصية والحدث، والأمثلة كثيرة ويكتظ بها النص، لنأخذ مثلاً فحدث لجوء السارد إلى بيت الدكتور الذي تعمل لديه ابنة خاله كمدبرة منزل، ينقله لنا السارد بطريقة مرتبكة لا ترتيب فيه، ولا تناغم يبدأ في الحديث عن طبخها الجيد حينما يتذوقه ص138 ثم يفضي للقارئ بمصيرها في نجاحها بالوصول إلى فرنسا واستقرارها، ثم يعود في الصفحات التالية وبسرد بارد وركيك وتقريري وكأنه بالحاضر، إلى هواجسه عن احتمال علاقة لها مع صاحب البيت الطبيب ص140

لنقرأ الجمل السردية وعدم التنسيق والتناقض:

«أن الطبيب يكبر ابنة خالي بخمس وعشرين سنة، لن يعفو عن شابة على مشارف العشرين» ص140.

ثم يعود بعد حشو صفحة إلى القول:

«تمنيت لو يتزوجها الطبيب، فهو لم يزل شاباً» ص141.   

وهذه العينة التي أوردتها يستطيع القارئ الإطلاع عليها في المقطع كاملا بصفحات الرواية بشكلٍ أوضح، وأقصد عدم الترتيب والتناغم وتقريرية الجمل وبرودة السرد تطغي على كل صفحات الرواية تقريباً.

الوصف انتقاء الأحداث والفن الروائي:
يطغي الوصف البارد، التقريري البارد، غير ذي الدلالة على صفحات الرواية، متناغما مع برودة الأحداث وعاديتها، كونها لا أهمية معرفية أو درامية لها، فأغلب ما سرد من تفاصيل ميتة تتعلق بعمله في البراد بالمستشفى، وكأنها تقرير صحفي عن الفساد، سرقة مواد، أخذ الرشوة من المراجعين، والسارد أيضا ذو الوعي الطبقي هو وحذائه يمارس السرقة مع صاحبة من المراجعين ومن أفواه الموتى بقلع أسنان الذهب، ومن خزانة الراهبة، رغم أنه سارق يسرد علينا في صفحات طويلة وباردة وكأنها منقولة من تقرير صحفي ركيك عن جشع الأطباء، وتعلمه حلاقة ذقن الميت، ودائما يجد القارئ عدم تناغم في ترتيب الأحداث، ليس هذا فحسب، بل أن يقوم بوصف تفصيلي بشع لجثث القتلى وصفاً يثير القرف وتأبى عن عرضه حتى القنوات التلفزيونية لما به من استهانة بالجسد البشري، لوجوده وغائيته، لنقرأ هذا المقطع كنموذج يكتظ به النص من بشاعة السرد وعاديته وتنافره مع غاية الأدب كمسعى جمالي، فتاريخ القتل والحروب قديم قدم الحضارة والصراع والقمع والاحتلال والاقتتال الخارجي والداخلي، ورغم أن الأدب صور تلك الحروب بملاحمها ببطولاتها ومأساتها وتراجيدياتها، لكنه تحاشي التفاصيل البشعة وعمد إلى إيصال خلاصة جمالية للشر والعنف والقتل، بشّعها بطرق وأساليب جمالية حفظت للإنسان قدراً مهماً من احترام وجوده.

«عددتُ الجثث بعدما تأكد لي أن المسعفين احترموا طلب الراهبة. إحدى وعشرون جثة كاملة، منها خمس عشرة جُلبت اليوم، وجثتان نصفيتّان، الأولى مبتورة أفقياً. لم يبق منها سوى الرأس والبطن والصدر ويد مقصوصة من المرفق، واليد الثانية سليمة.» ص201

إلى أخر الصفحة والصفحات التالية.

وأخيرا سأورد ما يعمق ما ذهبت إليه من فكرة خلو النص من أي أبعاد إنسانية وجمالية وفنية وابتعاده تماما عن مفهوم الفن الروائي. ولا أدري بم أصفها

فالمقطع التالي ليس له علاقة لا بالأدب، ولا بالرواية، ولا بالجمال، ولا بالثقافة وهو مستلٍ من فكرة ومرض نفسي من الأمراض التي درسها كولن ولسن في كتابة -أصول الدافع الجنسي- الذي صدر عن دار الآداب بيروت في ستينات القرن الماضي، اعتمد فيه على سجلات الشرطة البريطانية، إحدى الأمراض التي درسها يسمى -مضاجعة الموتى- يركبه هنا، لنقرأ معا هذا القرف:
«الزغب على فخذيها يدلّ على غربتهما عن الشمع المزيل للشعر وشفرة الحلاقة. زغب لماع، تزداد شقرته مقارنة بسواد شُعيرات عانتها ذات الهندسة الجميلة (مثلث رأسه تحت) كانت الشُعيرات طويلة بعض الشيء، ربّما لم يحصل الاعتناء بها منذ أيام البحر. من تكورها استنتجت أنها ليست قاسية. لعل نعومتها تعادل نعومة شاربيّ في أول عهد المراهقة. فيما أنظر إلى فرجها الصغير، وبظرها المسترخي بين الفلقتين الزهريتين، راودني السؤال هل هي عذراء أو لا. وسوس لي شيطاني أن أستكشف فخذلته . لم أصغ رغم ندائه المتكرر» 207
تفاصيل مقرفة ليس بها جمال، وتشبيهات تافهة لا معنى لها ولا مسوغ كأن يقارن شعر عانه الفتاة الشابة المغدورة في حرب أهلية بشعر شاربيه، وسذاجة وصفه للمثلث رأسه لتحت، وكأن هنالك عانة بمثلث رأسه للأعلى.
والنموذج المقتتطف عينه مما تعج به الرواية.