أصبحت تظاهرة معرض "الكتاب المستقل" والتي حملت شعار هوية الكتاب المغربي وتنظم بساحة السراغنة في العاصمة الاقتصادية المغربية الدارالبيضاء، أحد أهم التظاهرات السنوية التي تنفتح على الكتاب المغاربة في الهامش والمركز مساهمة في تجسير الهوة بين الكتاب والكتاب وجمهور القراء، وحفلت التظاهرة هذه السنة بتنظيم برنامج ثقافي غني بمواضيعه ومحاوره التي لامست راهن الثقافة المغربية اليوم.

المعرض الوطني للكتاب المستعمل

المهدي أيت بعراب

انطلقت يوم الاثنين 18 أبريل فعاليات الفترة الثانية المخصصة للرواية والنقد والمجتمع، من المعرض الوطني للكتاب المستعمل في دورته التاسعة التي تحمل شعار "هوية الكتاب المغربي" بساحة السراغنة الدار البيضاء. حيث عرفت قاعة الشهيد محمد الزرقطوني أربع لقاءات انطلقت مع مائدة مستديرة على الساعة الخامسة بعنوان"الصحافة الثقافية بالمغرب" نسق أشغالها عبد العالي الدمياني(عن الأحداث المغربية) الذي وضع أرضية عرف فيها المشاركين في هذه المائدة، وركز على الاختلافات الموجودة بين الخبر الثقافي وسواه من الأخبار، أما الطاهر الحمزاوي(عن جريدة اخر الساعة) فقد اعتبر أن الصحفي الثقافي عكس الصحفي التقني الذي يصوغ الخبر فقط، إنما هو شخص له وعي بالساحة الثقافية عن طريق احتكاكه مع كل ما هو ثقافي، في حين أكد شفيق الزكاري ( عن جريدة المساء) على أن الاستراتيجيات المتخذة في الصحافة الثقافية المغربية اليوم عرفت تراجعا كبيرا جدا ساهم فيه المكلفون بالصحف لعدم إعطائهم أهمية للجانب الثقافي، أما محمد جليد (عن جريدة أخبار اليوم) فقد أشار لضرورة تكوين جيل من الصحفيين القادرين على متابعة كل الأنشطة في مختلف الاختصاصات الثقافية، مؤكدا بدوره على عدم اهتمام المسؤولين على الجرائد بالممارسة الصحفية الثقافية، ليختتم النشاط بكلمة القاعة حيث اجمعت كل المداخلات على التحولات الكبيرة والكثيرة التي أصابت تاريخ الصحافة الثقافية بالمغرب.

 مباشرة بعد انتهاء هذه المائدة المستديرة، تم الاحتفاء بالأديب المغربي عبد الغني عارف مع تقديم روايته "مرايا الظلال"، سير اللقاء عبد العالي الدمياني الذي أشار إلى أن المحتفى به كان يكتب السرد في السر وقدم اليه من الشعر، أما إبراهيم أبويه فقد أشار في مداخلته إلى أن "مرايا الظلال" عمل يقع بين السيرة الذاتية والرواية، وأنه يطرح ثنائيات الحضور والغياب، الواقع والحلم، وكذلك قضية الصراع الطبقي، واختتم اللقاء بكلمة للمحتفى به الذي أشار إلى أن كتابته لهذا النص هي نوع من الوفاء لهذا الوطن، ذلك الوفاء الذي يعني كشف الغطاء عن بعض المفاتيح التي تمنح إمكانية التغيير، وأنها تضم معطيات من التاريخ المغربي الحديث، حيث قال:"حاولت أن أكتب هذا النص كوني مجرد شاهد على الأحداث".وفي الأخير قدم الصحفي شفيق الزكاري درع التكريم للمبدع عبد الغني عارف.

واختتم هذا اليوم بتقديم روايتين هما رواية "ليال بلا جدران"لحسن المددي، التي قدمها عبد الحكيم الجابري عبر ورقة وسمها ب "اغتراب الشخصية في رواية ليال بلا جدران"تطرق فيها الى مظاهر الاغتراب في هذه الرواية التي على حد قوله ترصد أحداث سنة 1965 ما يجعل من الرواية رواية تاريخية، أما رواية"وجبة من طحالب الكتابة" لحسن السلموني اللواتي، فقام بتقديمها كل من ابراهيم اجويش الذي أشار الى ان هذا العمل الروائي هو تعبير صريح عن الطريق التي يخرج بها الانسان عن النسق العادي المتعارف عليه عن طريق المعاناة، أما محمد الطويل فقد اعتبر أن تجربة حسن السلموني هي انحياز أدبي إلى غنوصية لم يقترفها بل اقترفتها نصوصه.

توفيقي بلعيد ومحمد شداد الحراق ولحسن حمامة  في ساحة السراغنة

الرواية والمجتمع والترجمة

شهدت قاعة الشهيد محمد الزرقطوني يوم الثلاثاء 19 أبريل 2016، مجموعة من الأنشطة الثقافية، افتتحت بتقديم ورقة بحثية للنقاش معنونة ب " الأنشطة الموازية وجسور التواصل" أنجزها الباحث محمد شقران الذي أشار إلى الدور الكبير الذي تلعبه هذه الأنشطة في خلق روح التعاون والعمل الجماعي، واعتبرها مجالا خصبا للتواصل الديمقراطي الحر بين المشتركين فيها من أساتذة وتلاميذ، وقد نسق هذا اللقاء ميلود الهرمودي الذي أشار أيضا إلى أهمية هذه الأنشطة في صقل مواهب التلميذ وتكوين شخصيته، ليفتح المجال للحضور الذين تباينت آرائهم؛ إذ ذهب البعض إلى أن سبب غياب هذه الأنشطة في المؤسسات التعليمية هم الأساتذة، بينما ذهب آخرون إلى أن التلاميذ هم السبب في هذا الغياب.

وانطلقت ندوة حول الأعمال الروائية لروائي والشاعر توفيقي بلعيد، نسق أشغالها عبد اللطيف حباشي الذي وضع أرضية للقاء أشاد فيها بالمحتفى به الذي اعتبره من الأدباء المهمين سواء في الشعر أو السرد، وشارك في هذا اللقاء كل من الباحث عبد النبي غزال الذي وسم ورقته ب "ذاكرة الجراح: من أجل ذاكرة عادلة " اعتبر فيها أن رواية " ذاكرة الجراح " عبارة عن نشيد جريح، تنتقد من خلاله تجربة اليسار، وهي أيضا مساءلة للماضي باعتمادها التاريخ والذاكرة، أما الباحثة سلمى براهمة فقد عبرت عن إعجابها برواية " مسارات حادة جدا " كونها أعادتها إلى الزمن الجميل زمن الروايات الحاملة للقيم، وأشارت أيضا إلى اشتباك هذه الرواية مع أدب السجون والتاريخ والسيرة الذاتية دون أن تكون واحدة منهم، وأنها إضافة نوعية للمشهد الروائي المغربي ولثقافة اليسار وهي رد بالسرد على محاولة طمس ما جرى، ليأخذ المحتفى به الكلمة ويعبر عن فرحه الشديد بهذا التكريم.

وكانت الجلسة الثالثة عبارة عن تقديم كتابين للمؤلف محمد شداد الحراق " الأسرة العلمية في خدمة تراث البادية " و" مقدمات في نقد الثقافة الشعبية "، سير هذا اللقاء الباحث محمد فالح الذي قدم نبذة عن المؤلف وعن أعماله الأخرى، مشيرا إلى أهمية هذه الدراسات في الساحة الثقافية المغربية، وفي حديثه عن المؤلفين أشار محمد شداد الحراق إلى أنهم يتناولان بالدرس شيئا من الهوية المغربية، وأن الكتاب الأول "الأسرة العلمية الناصرية " هو إعادة اعتبار للبادية والهاش والمغرب العميق، بطرحه لقضية المثقف البدوي، أما الكتاب الثاني " مقدمات في نقد الثقافة الشعبية " الذي اعتبره مجرد مقدمات ومحاولات لنقد الثقافة الشعبية وليس نقدا، وطرح كذلك إشكالية تلقي واستعمال مصطلح الشعبي الذي يحمل دلالات إيديولوجية على حد قوله.

وانتهت أنشطة هذا اليوم بلقاء مفتوح مع الناقد والمترجم لحسن حمامة، قام بتنسيقه كل من محمد عرش الذي أشاد بالدور الذي يلعبه لحسن حمامة في ميدان الترجمة ، وعبد اللطيف حباشي الذي طرح سؤال الترجمة في العالم العربي وطبيعة الأشياء التي تترجم، وأكد أيضا على انفتاح ضيف اللقاء على لغات عدة ومجالات معرفية أخرى خارج الأدب، وفي كلمته أشار لحسن حمامة إلى تصوره للنقد حيث اعتبره " فنا وهواية وربما موهبة "، مشيرا فيما بعد إلى تبوأ المغرب الريادة في العالم العربي في ما يخص الترجمة، ليخصص الحديث عن روايته " ذاكرة المرايا " معتبرا أن الكتابة الروائية تقدم للشخص فسحة لإستغلال مقروءاته، عكس الكتابة النقدية التي يجد فيها الناقد نفسه محصورا في نص إبداعي ما، لينهي حديثه بضرورة إنشاء منظمة أو هيئة خاصة بالترجمة للدفاع عن هذا المجال وعن المختصين فيه.