لقد أخمدوا مصابيح قلبي، أملك حكاية لم تنته بعد، الزمان مغبر، الحاضر ملوث بوابل من المصائب، يتلظى قلبي بالحقد ومستقبلي مبهم.
الحلم سيد الأحكام لمن يملك نعاسا، والعشق مستبد يحوّل السجن إلى سجن مضاعف، أنا لا أهذي، لكنه الألم الذي يتكلم، وصلت منكِ آخر رسالة، لماذا وضعتِ نهايتها الحتمية واختصرت الكلام؟
- هذه الرسالة الأخيرة التي أكتبها لكَ! أخبرتني
هل نسيتِ قبلات الليالي وأيام العشق الافتراضي بيننا، سريري مليء بكِ والجدران مكتظة بملامحك، أميّز عطرك الذي يغلب المكان ساعة استحضارك، حتى لو ارتبك بروائح المركّبات الكبريتية المكونة من السجائر ورائحة أقدام زملائي الذين يقاسمونني الغرفة.
أمامي لوحة لا يرى جمالها أحد سواي، هذا الجسد المكون من لآليء الزمرد وقطع المرمر وحنين المشتاق، غيّبتُ ملامح وجهك خصيصا لكي لا يتعرف عليك أحد، والأدهى، عقلي اللجوج الذي يثيب السؤال اللحوح داخلي، ( هل تدرك ريتا أنها تمنحك النشوة دون أن تلمسها، وتضعك على قمة الفرح فيذوب الوجع من جسدك كليا)؟ فتجيبني نفسي التواقة للحياة: ( إنها تعيد إلى عروقي الحياة دون أن أدخل بها، وتطوّق معصمي بالحرية، حتى لو أمضيت داخل القضبان أبقى أنزف أفكارا جهنمية بهدف اللقاء، سأخرج من هنا لكي ألتقي بها بعد أن أتمم سنوات الحكم، فممارسة الحرية حق تنكسر أمامه جميع القيود، لكن الحرية لا تتحقق دون وجع وألم وصبر .... أين هي الرأفة!
كتبت لكِ رسالة، سأنتظر ردك بفارغ الصبر:
- نامي فوق ركامي فركامي الليلة أعزل، لا وثيقة ترديه قتيلا ولا يتركني هذا الأرعن وحيدا!
صياح أحد السجناء يخرجني من حالة هيام العاشقين، يا لقسوة العيش بغياب امرأة أعشقها مثلك ريتا، أين أنتِ؟
محسن يخرجني من صوابي، لكننا جميعا لن نهب لمساعدته هذه المرة لأننا ندرك أن الكابوس قد عاده كما كل ليلة، وإن حاولنا إيقاظه سيصاب بحالة عصبية تؤدي به إلى نوبة من الصرع ولدت معه، وقد تفاقمت حالته هنا داخل القضبان، إن حالته تزداد سوءا يوما بعد يوم، الحرارة تستعر وبدأت تأكله، عندما يهدأ سأناوله قرصا مهدءا آخر!
نزل رائد من سريره واقترب منه قليلا، لكنه تردد بلمسه، انتظر حتى صمت محسن وذهب الأخير في سبات عميق مجددا، اقترب مني قائلا:
- ليش لازم نسكت على حالته هالمسكين؟
- شو بنقدر نعمل حسب رأيك، على القليلة هو بيصدر العذاب عن طريق الكوابيس، خليه يكوبِس!
- والله أنا محتار فيك يا عصام، انت الطبيب فينا عم تحكي هيك، هات تشوف شو صار معكما، هل تتواصلان؟
- قصدك تقول، كنت راح أكون مشروع طبيب وتوقف المشروع، أختك يا سيدي قطعت علاقتها معي، الظاهر أنها أعادت حساباتها في العلاقة، هدول عشرين سنة يا شاطر، بتكون تزوجت وخلفت وزوجت أولادها كمان قبل ما تخلص مدة محكوميتي، إن حصل وتركتني لن أتركها بحالها لأنها تحيا معي كل لحظة من لحظات حياتي البائسة، (هي من تملأ حياتي، ماذا أفعل عندما تتوقف عن مراسلتي) قلت بسري لأن شقيقها رائد لا يعلم أننا نتبادل الرسائل الغرامية.
ثم بالنسبة لمحسن سأحاول أن أعمل شيئا بالغد، سوف أطلب له بعض الدواء، قال:
- ريتا تحبك كثيرا وأنتما بحكم الخطيبان، هكذا قالت لي في آخر زيارة لها، لولا إلقاء القبض عليك لتزوجتما، هي تسألني عنك في كل رسالة تكتبها لي، مع أني لم أستلم منها أي رسالة منذ مدة، أرجو أن يكون المانع خيرا، هل تظن أنه حصل لوالدي شيء أو تكون والدتي...؟
ربتُ على كتفه، أسكته ثم أخذت نفسا عميقا من السيجارة التي تحرق قلبي وقلت:
- كلهم بخير، لا تقلق.
- وكيف تعلم أنهم بخير؟
تلبكت قليلا ثم أجبته:
- قصدت القول أنه يجب أن تتفاءل بالخير ليكونوا جميعا بخير!
- اشتقت لأختي الوحيدة ريتا، وأتساءل لماذا لا تأتي مع والدي لكي أراها، سأحاول الاتصال بها وأطلب منها المجيء، أشتاق لها كثيرا، وهيك بتشوفك انت كمان، شو رأيك؟
- والله يا ريت، من حقي الالتقاء بها، خمس سنين ما شفتها، ولا عندك رأي تاني؟ أجبته مخفيا نظرات الحيرة منه.
*
مرّ أسبوع آخر، جاء والدا رائد ووالدي أيضا لزيارتنا، جهزت نفسي جيدا، حلقت ذقني وقلمت أظافري واخترت ملابسا نظيفة وتعطرت، تخيلت لحظات اللقاء، خشيت ألا أتعرف عليها، وعندما بدأت أستعيد ملامحها أخفقت، خمس سنين قاسية مرت فكيف لي أن أتذكرها، هل نسيتها حقا، ثم لم نكن جيرانا لكي تمرّ من أمامي كل يوم فأحفظ صورتها وشكلها بجزيئاته الدقيقة، هي مرة أو بالأحرى مرتان اللتان التقينا بهما، الأولى عند عمتي عندما ظهرت فجأة لتتناول شوبك العجين، وخرجت به تخطو بخطواتها سريعا نحو الباب، كنت في غرفة الجلوس حينها، وعبر النافذة ألقت نظرة خاطفة نحوي وابتسمت، وبادلتها الابتسام، والمرة الثانية عندما ذهبنا لخطبتها، مرّت خلف النافذة المطلة على الحديقة وبسرعة البرق قبل أن تتمّ الطلبة، لأن صفارة إنذار الصبي ابن عمي فاجأتنا أنا ورائد شقيقها، نذير إشارة معترف بها تدعونا إلى الهرب من الجنود قبل وصولهم، وألقوا القبض علينا لأننا لم نستطع تسلق الجدار مثل كل مرة، أحدهم عبث بالسلم دون أن يدري وطرحه أرضا، غابت الشمس سريعا، وغابت منا الحياة في لحظات قصيرة، ومن حينها توقفت قلوبنا عن النبض!
*
لم تدخل ريتا قاعة الزيارة لأنهم منعوها من الدخول لأسباب ما زلنا نجهلها، هذا ما أخبرونا به أنا ورائد، جن جنوني ولزمت الصمت المخيف الذي مزّق أحشائي احتراما للموجودين، وتداركا لما قد يسببه صراخي إن فعلت، وخشية مني من أن تنكشف حكاية الرسائل التي نتبادلها أمام الحاضرين، كظمت صراخي الذي استقر داخلي، قمعت احتجاجي وحصرت دموعي، لأول مرة أحسست أنني بحاجة إلى البكاء، بل يجب أن أبكي ولم أفعل مكابرة...
- إذن هي اختارت عدم الدخول! قلت لرائد!
- بل العكس تماما، سألت والدتي قالت أنها استماتت وهي تطلب منهم الدخول لكن شرطية يهودية منعتها، وتقريبا تشابكتا بالأيدي لولا أنها طلبت، أي الشرطية، من رجال الشرطة عدم التدخل.
- بالكاد أفهم شيئا!
- ولا أنا! قال رائد
" حبيبتي ريتا، يا من غزلت من ندف الكلمات شوقا ينهش بي فأصبحت مثل الذئب المسعور، يا من تصوّرين الحياة بأشهى الكلام حتى لا يبتلعني الضجر، بك أرى البحر ومواطن الطيور والجبال العالية، لماذا أنتِ قاسية؟ اليوم أكملت سنتي الخامسة خلف القضبان، وغدا سأبدأ بالعدّ حتى تنتهي سنة أخرى، سأفتقدك كثيرا، ما ذنبك لكي أبقيكِ حيث أنا عالقة معي، سأتركك حتى لا يضيع من عمرك موسم التفاح واتركيني لأحصي مواسم نعيق البوم وحدي".
أغلقت الرسالة، نظرت كثيرا إلى صورتها التي قد شكّلتها بأناملي على الحائط، رقشت حول كاحل قدمها إشارة نصف دائرة، حلقة أولى تضاف إليها حلقة ثانية الشهر القادم، ليتكوّن حول كاحليها سلسلة حلقات، ليصبحا خلخالين نهاية السنة، كل خلخال يحمل ستة حلقات علامة الستة شهور، حتى تكتمل الحلقات الإثنا عشر، مرتبطة بعضها ببعض ومذابة بلون الدماء التي تجري داخل عروقي.
ومرّ شهر آخر لم يصلني منها أي خبر، فكتبت لها:
" ريتا، بدمي أنقش يومياتي لأن القلم أصبح مقصرا، لماذا لا يصلني منك أي كلام، لم أعهدكِ قاسية...لقد أضفتُ اليوم حلقة أخرى حول كاحلك، أقبلك وقدميكِ...".
انتظرت أي إشارة تصدر من رائد تدعني أفهم ماذا يجري داخل بيت عائلته، وتلقفت كل كلمة يقولها علني أعثر على سبب اختفاء ريتا الطويل، لم أجروء على السؤال، لقد بدأ رائد في كتابة يومياته لذلك أصبح مملا وقليل الكلام، عدت إلى انتظار اللاشيء.
*
"حبيبي عصام، لقد أدركت أنني كنت على خطأ عندما تركتك وحيدا تتخبط بالأسئلة، لقد قررت أن أفعل شيئا، لقد قررنا اقتحام باب قلبك لإخراجك من قيودك، وتنقصنا الوسيلة، ولأننا نعرف تماما أنك الوحيد الذي يعرف أين هو المفتاح ننتظرك لتدلنا عليه، مفتاح قلبك الكبير لكي نقوم باختيار القفل المناسب، لا تتركنا ننتظر، حبيبتك ريتا".
انتفضت من مكاني وهرعت نحو النافذة لأحظى بمزيد من النور، نظرت إلى السماء التي امتلأت بالغيوم، فصل الخريف يأتي مجددا، ارتجفت يداي، فتحت الرسالة وقرأتها عدة مرات وتأملت محتواها جيدا، هو ذات الخط، خط يد ريتا، لكني أشم رائحة مختلفة هذه المرة تتقاطر من بين الحروف، الرسالة لا تخلو من الغموض، سرّ ما يكمن بين الكلمات، سأفكر وسأقوم بفكّ الشيفرة.
وكتبت لها خلسة من عيون رائد الذي سألني عن حالي وإن كنت قد تحصلت على أخبار جديدة.
"ريتا، أدرك أن قلبي مقفولا عليكِ، فمنذ رأيتك لأول مرة، عشقت الأرض تحت قدميك، هل تذكرين أول لقاء، ومن أين استعرت شوبك العجين في بيت عمتي، الذي علق على الجدار؟ هناك تستطيعين إيجاد مفتاح القلب، أحبك بعدد درجات السلم الذي تسلقناه أنا وشقيقك رائد، أما عن باقي السلالم ستبقى قيد انتظار رسالتك القادمة"!
صوت عمرو ذياب يتسلل من مذياع إحدى الغرف المقابلة، أنصتنا جميعا للكلام، (قدري اختار أكون ليها، شفت الجنة في عينيها، أصلها بتفرق في حياتك وحدة، وأنا عاشق وحدة، بحب ودايب فيها، أصلها بتفرق في الشوق والوحدة... )، نحن الأربعة نقيم في غرفة واحدة صغيرة مغلقة علينا، يتميز رائد بكثرة الكلام، شاب مرح وذكي، حنطي له خال جميل تحت أنفه، لكنه لم ينبس ببنت شفة منذ يومين، محسن، صغير العينين كبير الأذنين ووجهه طويل، فقد حاسة الكلام أيضا، نسمع صراخه عندما يعاوده ذات الكابوس، وعمر النساج منهمك بحياكة شالات من الصوف لجميعنا تقينا من البرد المنتظر، صامت طوال الوقت، وإن حصل وتكلم لا يتوقف، وفي نهاية كل حكاية تغلبه الدمعة، يدعوها (الملعونة):
- يخرب بيتها هذه الملعونة صارت تحب خدودي كثير، فأجيبه ساخرا:
- هيك أحسن بصير وجهك أبيض.
- يعني بتعايرنا بأشكالنا كلنا، شوف حالك يا أبيض اللون، يا أبو لوزتين على خدودك كيف شكلك صاير، يضرب الحب وسنينو، وينو (أحمد عزّ)*، ليش مختير يا زلمة، شو هالشيب؟
- إن الشيب لوقار أبو الندى، انسج تـَ قولك انسج.
تمر علينا الأيام طويلة، والليالي أطول والنهارات تسخر منا، ننتظر كتابا جديدا يصل المكتبة، ونعود لنلح على إدارة السجن بإدخال المذياع لسماع الأخبار، لكننا نحن بالذات محرومون من الاستماع إلى الأخبار، وطالبوني في الإدارة للتحقيق كلما كررت طلبي....
*
بعد أيام تصلني رسالة جديدة:
"عصام حبيبي، قلبك مغلق بشدة والقفل مكسور، الأرض أنبتت صخورا وعمتي فارقت الحياة وهدم البيت من بعدها، فكيف تريدنا إيجاد المفتاح"؟
شيء ما يراوغ عقلي المتعب بالشّك، وكأن الرسالة مباشرة وصريحة تسألني فيها ريتا عن مكان الأسلحة التي خبأناها أنا ورائد، لقد حوكمنا بالسجن على هذه التهمة وانقضى الأمر، إذن، أفهم من رسالة ريتا أن الشرطة ما زالت تبحث عن الأسلحة، أم ماذا، لكن ما شأن ريتا بكل هذا، ولماذا تكتب لي هذه الرسائل، هل أصبحت متعاونة معهم، أو ربما هي تسألني عن المكان لكي تقوم بتهريبنا أنا ورائد من السجن؟
لم أنم ليلتي، قرأت الرسالة الأخيرة عدة مرات، وبدأت أفك شيفرات الكلمات لكي أعثر على جواب منطقي، لم أفهم شيئا!
واصل رائد الكتابة، وواصلت أنا في مراقبته، وتمنيت أن أعرف ماذا يكتب، سألته:
- لماذا أنت منكب على الكتابة يا رائد بكل هذا الحماس؟
- يجب أن أنهي القصة قبل...
- أي قصة التي يجب أن تنهيها وقبل ماذا؟
- اتركني وشأني أرجوك...عصام، لقد أصبحت رجلا مخيفا، أنا لا أثق بك!
- لكن أنا أثق بك جدا، تعال يا صديقي نتحدث قليلا، علي استيضاح بعض الأمور منكَ.
- لن تأخذ مني ولا كلمة، ابتعد عني، ابتعد عني.
- رائد، ماذا هناك، ماذا حصل؟
- أنا لا أتحدث مع عملاء.
- أنت تتهمني بالعمالة، هل جننت؟
- طبعا عميل، لماذا استدعوك للتحقيق إذن، أم لم يكن تحقيقا بل أمرا آخر، على ماذا اتفقتما، وبماذا لقنتك المحققة تمارا، هل تظنني غبيا، وما شأن هذه الرسائل التي بدأت تصلك مؤخرا.
- هذه الرسائل من.... ثم، أنا لست عميلا، ولم أتحدث مع المدعوة تمارا أبدا...
- ممن هذه الرسائل إذن؟
- لا أستطيع إخبارك، أنا آسف!
- لقد أتضح كل شيء إذن، هكذا بعتنا يا صديقي، ولمن، لامرأة يهودية سببت بهدم بيوتنا في الحيّ بحثا عن الأسلحة التي دفناها معا، من غيرك أخبرهم عن المكان، لماذا أفشيت السرّ، ألا يكفيك هذا السجن الذي دفنونا فيه؟
لم يمهلني رائد ولم يمنحني فرصة الدفاع عن نفسي، انهال علي بالصفعات، وتشارك معه أصدقائي باللكمات، استسلمت لهم، ما أجمل لكماتهم، ليقتلوني ويخلصوني من الشبهة التي التصقت بي، لقد خسرت ريتا ورائد وجميع الأصدقاء فلماذا أحيا؟
لكني انتفضت فجأة وسألته:
- من أخبرك؟
- وصلتني رسالة من والدي.
- هات الرسالة، أريد الإطلاع عليها، هاتها...
خطفت الرسالة من يده:
- خط ريتا، هذا خط ريتا، أنا أعرف هذا الخط جيدا، إنه ذات الخط، ها هي رسائلها، تعال وتحقق بنفسك، إنه خط ريتا، أنا بالكاد أفهم شيئا!
ضحك رائد ضحكة مخيبة، وصلت ضحكته حد القهقهة، لم أتمالك نفسي، أمسكته من كتفيه وقلت له:
- لماذا تضحك هكذا، أليس هذا خط ريتا!
- بل يا غبي إنه خط تمارا، تمارا لعبت علينا طوال هذه المدة لكي تعرف أين خبأنا الأسلحة، ريتا (بكى بمرارة) لقد فقدنا ريتا قبل سنين، ريتا ماتت يا عصام وقد أخفيت عنك الخبر لكي لا أهزمك، كنت أعلم مدى حبك لها، ريتا أختي الوحيدة قضت في حادث سيارة بعد دخولنا السجن مباشرة، وأنا تركتك تحيا مع هذه الرسائل المزيفة، تلك الرسائل التي أرسلتها لك تمارا التي تقمصت شخصية شقيقتي تعاطفا لحالك.
- أنا لا أفهم شيئا... أنا بالكاد أفهمك...سأجن، تحدث، قل الحقيقة.
- عن أي حقيقة تتحدث، وهي أنني سقطت في مصيدة محققة ذكية ووقعت في براثن امرأة لعوب، أوهمتني أنها حزينة بسببك، وأنها مستعدة لمساعدتك، معنويا، لكي تخرج من أزمتك، وصدقتها عندما اتفقت معها على أن ترسل لك الرسائل باسم أختي، بما أنها تتقن العربية جيدا، أنا الغبي صدقتها ولم أشك لحظة أنه تخطط لشيء كبير، لقد وثقت بها وأخبرتها ببعض التفاصيل الشخصية، لقد أفشيت سرا كبيرا من أسرارك وهو أنك تعشق ريتا، لكني لم أشك بأنها تطمح لمعرفة المزيد، وعندما استدعوك للتحقيق ورفضت إخباري بما حدث معك، ظننت أنك متعاون معهم، وكانت الرسائل ما هي إلا وسيلة لتحقيق هدفهم الرئيسي، أنا الذي يجب أن يضرب وليس أنتَ، أنا المجرم، هيا اضربني هيا تعال وخلّص عليّ.
*
نام القدر في سجنه المؤبد، وتخاطرت رعشات الحرية على أرض مسكونة بالوجل، استفاق رائد ليجد صديقه عصام غارقا بدمه، ركع محسن بجانب الجثة الهامدة يتحسسها ويحاول تدفأتها، ثم دثرها بشال نسجه عمر استعدادا لفصل الشتاء، دموع عمر تنهمر على وجنتيه، لا يحاول تجفيفها، الصمت يحتفي بالمكان، ومن خلال الدموع ظهر الخلخالان مكتملان بدم عصام، يحيطان كاحلي ريتا المعلقة على الجدار، الجدار يأكل كل ذكرى، روح عصام تنزلق ليلا لتضيف إلى كوابيس محسن كابوسا أكبر، لقد استخدم عصام دمه وذات الآلة التي نقش بواسطتها أنصاف الدوائر، وقبل أن يطلع عليه الفجر بكثير، أنجز على حياته ليكتمل البدر في سماء فارغة من النجوم.
- نسبة لأحمد عزّ وهو ممثل مصري وسيم.
كاتبة فلسطينية تقيم في أستراليا