تصور القاصة المغربية حالة الشباب العاطل عن العمل والمفلس وهو يقع في مأزق يومي يتعلق بمحاولته ممارسة حق الجلوس في المقهى في مجتمعات تنغلق على شبابها ولا توفر لهم سبيل العمل والكرامة الاجتماعية والحياة السوية.

جيوب خاوية

فاطمة بلحـاح

ارتدى جاكيت فخمة أهدته إياها صاحبة عمل أمه، ثم خرج للتسكع بين دروب المدينة.

قادته قدماه إلى شارع المكسيك، فبحث بين المقاهي الراقية المصطفَّة على الشّارع عن مكان له، ثم جلس في إحداها يتابع حركة المارّة.

تناول أكثر من فنجان قهوة، وهو يتفرس وجوه المارّة لعله يجد بينهم رفيقًا من أيام الثانوية؛ ليدفع عنه فاتورة كؤوس القهوة التي لا يذكر عددها، فزمّ شفته السفلى وهو يلعن في سرّه حظه التعيس.

مرت ساعات طوال، وصار مخه يتراقص كأرجوحة من سموم الدخان المتسرب إلى جمجمته من سجائر رواد المقهى، فهبّ واقفًا، يفكر بالتسلل متجاهلا الفاتورة الموضوعة فوق الطاولة، لكن النادل انتبه له، فحضر إليه يطالبه بدفع ثمن كؤوس القهوة.

رتب جاكيته بطريقة تبدو للعيان أنه شخصٌ ذو نفوذ، ثم رسم على ثغره ابتسامة رجلٍ ذي جاهٍ ومال، و حك جبهته مستنجدًا بفكرة، ثم أدخل يده في جيوبه الفارغة.

تعالت غمغمة الجالسين في طاولات قريبة منه، فشعر بالاحتقار من نفسه، وقال بلهجة رجلٍ واثقٍ من مخه الوعر:

- مشا "البصطام" بين دروب المصلى، هناك أوقفت سيارتي.. الله ياخذ الحق في السراق!

تلقى على وجهه صفعة لم يشعر من أي جهة أتته، ففقد توازنه،  ودارت به الحياة المظلمة التي يعيشها، ولم يعرف من صاحب تلك الصفعة القوية، لكونه انشغل بفكرة الخلاص من الفاتورة، ولم ينتبه للنادل حين غمز لرجلٍ ضخم يقف عند بوابة المقهى، أتى في لمح البصر ليقوم بالواجب المنوط به!

عندما استعاد توازنه، ارتعب من النظرات الملتهبة للرجل الواقف قبالته، فأقسم متلعثمًا: أن سيارته قد أوقفها في حي المصلى، وإن لم يصدقه، فليرافقه إلى هناك، ويسلمه ثمن الفاتورة.

أمسك به الرجل الضخم من ذراعه، وجره متوجهًا نحو دروب المصلى، وهو يزمجر عليه.

وحين اقترب من زقاق ضيق، نظر من حوله، فتراءت له سيارة فخمة، فصاح مشيرًا بيده:

- انظر يا رجل، هذه هي سيارتي!

ثم أخرج من جيبه مفتاح منزل أمه، فأفلت الرجل ذراعه.

سار بخطواتٍ حذرة إلى أن اقترب من باب السيارة، ثم أطلق الريح لقدميه، واخترق المارّة كثور جامح، وغاب بين الأزقة الضيقة المتشابهة.

 

من مجموعتي القصصية " طريق للعروس " مخطوط