في إطار برنامج توطين فرقة مسرح المدينة الصغيرة بالمركز الثقافي تطوان، واحتفاء باليوم الوطني للمسرح، نظمت الفرقة ثلاثة أيام دراسية، وذلك يوم 10 -11- 12 ماي 2016. وقد كان محور هذه الأيام الفن المسرحي في علاقته بجمهوره، وبالمواطن المغربي بشكل عام. وهكذا كانت ندوة اليوم الأول تدور حول موضوع "المسرح المغربي وجمهوره" بحضور ثلاثة مختصين وممارسين للمسرح هم الأستاذ رضوان احدادو والأستاذ الزبير بن بوشتى والأستاذ أنس العاقل.
وقد كانت مداخلة الزبير بن بوشتى بعنوان "ترويج العرض المسرحي بالمغرب"، وقد تحدث بحرقة بوصفه مؤلفا مسرحيا وبوصفه منتجا لديه فرقة مسرحية وهي فرقة باب البحر سينمسرح، عن الصعوبات الجمة التي تواجهها الفرقة المسرحية في المغرب خلال ترويجها لعملها المسرحي، حيث لا يشكل المسرح تقليدا لدى المغاربة، وحيث رغم التجاء الفرقة إلى عدد هام من الخطط التواصلية، إلا أن الجمهور لا يهتم كثيرا. وقد قال الكاتب أن هذا الذي يحدث غير معقول لأن هناك ميزانية كبيرة تصرف على الأعمال المسرحية وهناك مجهود كبير من قبل المسرحيين، لكن كل ذلك لم يحقق لحد الآن الانسجام المطلوب بين المسرح والمجتمع المغربي. كما تحدث أيضا عن مشاكل الفرقة المسرحية والتي تسبب في عزلها أكثر عن الجمهور، حيث شبه الفرقة المسرحية المغربية بأسرة متشردة ومنبوذة، حيث لا تملك فضاء قارا للعمل، وتتنقل كالمتشرد بين القاعات. أما مداخلة الأستاذ أنس العاقل فقد تحدثت مداخلته عن تحولات الفرجة المسرحية المغربية تفاعلا مع تغير انتظارات المتلقي. فقد استجابت العروض المسرحية المغربية أول الأمر لتوقع أفق المتفرج المغربي من خلال تضمنها لقضايا مقاومة المستعمر أثناء فترة الاحتلال، وبعد نيل الاستقلال تغير توقع أفق المتفرج المغربي فسعت العروض المسرحية إلى الاقتباس من المسرح العالمي قصد التفاعل مع انتظارات المتلقي الذي بدأ يريد مسرحا يعرض مشكلاته الاجتماعية. أما حينما وقع المد اليساري وتمت مواجهته بالقمع تحولت العروض المسرحية إلى وسيلة من أجل تمرير الإيديولوجيا الماركسية موظفة القالب البريشتي. في نفس الوقت ظهرت نزعة المسرح التأصيلي التي حاولت البحث عن قالب مسرحي يحمل قدرا من الخصوصية استجابة لأفق توقع متفرج جديد يتفاعل مع نزعة الانتماء وقضايا الهوية. بالمقابل، فإن المسرح التجاري انتعش في أوائل الثمانينيات لكنه سرعان ما أصبح متجاوزا عندما انفتح المتفرج المغربي على المسرحيات التجارية العربية عندما انتشرت ثقافة الفيديو والبث الفضائي، فلم تعد المسرحيات التجارية المغربية تستجيب لتمرسه الجمالي. ويرى الباحث أن من أسباب عزوف المتفرج المغربي على المسرح طغيان ثقافة الوسائط الحديثة التي أصبحت تنافس المسرح وتتجاوزه بفعل تقاعس المسرحيين عن مواكبة انتظارات جمهور جديد منفتح على كل أشكال الفرجة العالمية التي تتيحها مختلف الوسائط الحديثة. لذلك، فإننا نحتاج إلى التفكير في خلق صناعة مسرحية تقوم على أساس دعم الأعمال التجارية (غير المبتذلة) من خلال الترويج والإشهار لها، ومواكبة العروض المسرحية المجددة من خلال قنوات التلفزيون العمومي والإعلام المكتوب من خلال التعريف بها وتسليط الضوء على قيمتها الجمالية.
وقد تمحورت مداخلة الأستاذ رضوان احدادو في مجملها حول تاريخ المسرح المغربي وجمهوره، وقد كانت مداخلة مفارقة، إذ أظهرت الفارق المخيف بين الماضي واليوم، حيث كان الجمهور يحضر العروض بغزارة، والأستاذ رضوان احدادو بوصفه مشتغلا بالفن المسرحي منذ عقود طويلة، وباحثا ودارسا خبيرا لديه عدة كتب نقدية هامة عن المسرح وعن الحركة المسرحية خاصة بالشمال، من قبيل "الحركة المسرحية بمدينة طنجة"، "مسرح عبد الخالق الطريس"، تعد مداخلته شهادة هامة وصادقة، وقد فجر عددا هاما من المفاجآت بخصوص بداية المسرح العربي، وعن مسرحيات في تطوان يعود تاريخها إلى ما قبل تاريخ مسرحية مارون النقاش الشهيرة "البخيل". كما تحدث بصدق عن أن المسرح لا يمكن أن يتقدم دون إرادة سياسية حقيقية، ودون تخطيط دقيق ومحكم وشامل، وهو ما نفتقده اليوم. وقد كان تفاعل الجمهور الحاضر كبيرا مع الموضوع، حيث تنوعت المداخلات، وحيث ظهرت أصوات من القاعة لها تاريخ في الممارسة المسرحية، وعبرت عن استيائها من الحالة التي عليها علاقة المسرح المغربي وجمهوره اليوم. وللمزيد من تعميق النقاش، ولغاية طرح الموضوع على نطاق أوسع فإن فرقة مسرح المدينة الصغيرة ستعمل على نشر المداخلات في كتاب.
أما بالنسبة لليوم الثاني فقد تم الاحتفاء بالإبداع المسرحي نصا، حيث تم توقيع كتاب "قصر البحر - صخور سوداء نصان مسرحيان للكاتب المسرحي محمد زيطان من تقديم الأستاذ أحمد بنميمون، وقد تمحور التقديم حول تجربة المؤلف عموما وحول النصين موضوع التوقيع. وفي اليوم الثالث، ثم التطرق إلى وجه آخر من وجوه الممارسة المسرحية، وهو النقد المسرحي، حيث تم توقيع كتاب "تمثلات النقد الثقافي في المسرح العربي" للباحث المسرحي الشاب عادل القريب من تقديم الأستاذ أحمد الجرطي.