هل هي مشاهد من مسرحية فكاهية تلك التي تقتنصها لنا القاصة الأردنية؟ أم من تراجيكوميديا الواقع العربي الجديد في زمن العبث والتردي والهوان؟.

مشاهد من مسرحية فكاهية

سامية العطعوط

المشهد الأول: أحشاء
قفز كالقطّ المذعور، وهو يخفي وجهه بين كفيه من هول المشهد. لم يصدق ما تراه عيناه. كانتْ أحشاء أمه تخرج من بطنها، وهي واقفة وسط الطريق ترتعش بين تقاطعات الشوارع، والإشارات الضوئية. وقفتْ في المنتصف تحاول العبور نحو أي رصيف. كانتْ تمسك أحشاءها السائبة بين يديها، لا أحد يتوقف ليراها، وهي تجرّ نفسها، كي لا تقع على الأرض!
الإبن ينظر إليها كالقط المذعور.. فكّر.. لا زال هناك شارعان يفصلان بينهما. لن يصلها بسرعة، وقد تسقط مُغمى عليها على أرضٍ قذرةٍ ممتلئةٍ ببقايا أحشاء آدمية.
شعر بالغثيان..
وفجأة التمعتْ برأسه الأصلع فكرة. تناول الموبايل من جيب سرواله. اتصل مع خدمات المشتركين بسرعة. أجابه صوت بنعومة فائقة، للاستفسار إضغط واحد للاستفسار عن الرصيد، إضغط إثنين لخدمات ال.. إضغط 3 لتعبئة ...، وقبل أن يكمل خياراته، جاءتْه لقطة عبر البلوتوث للقرد العطشان. استقبلها على عجل، وحين فتحها، لم يتمالك نفسه وانفجر بالضحك. ضحك كثيراً وطويلاً حتى استلقى على قفاه الأصلع كرأسه أيضاً ... ولم يتردد أبداً بإرسالها على وجه السرعة لعددٍ من الأصدقاء...! 

المشهد الثاني: حافلة
تعلّق بباب الحافلة، وهي تكمل سيرها. كانت ممتلئة بالركاب، وضجيجهم يضاعف من وزنها!
ظلّ ممسكاً بباب الحافلة بيده اليسرى، بينما حمل كتبه بيده اليمنى. حاول أن يدفع بجسده الضخم، أكوام الأجساد اللحمية، علّه يجد مكاناً ما في الداخل دون جدوى.
وفجأة، اقتربتْ سيارة من الحافلة. لمح فيها رجلين ملتحيين، أحدهما يضع عمامة على رأسه، بينما شبك الآخر طاقيته عليه، ثم سمعنا دويّ انفجار ضخم ودخان كثيف ... أُصبنا بالذهول.
هل فجّر الملتحيان الحافلة؟؟
هل فجّرت الحافلة السيارة بالملتحيين؟
هل كان الصوت دويّ رعدٍ في مكان ما قريب؟
كل ما أعرفه، أنني رأيت بعينيّ الأجساد تتناثر باتجاهات مختلفة .. اللحم يلتصق بالحديد، والحديد يتلون بالدماء .. ورأيت من بعيد، تلك السيدة تمسك أحشاءها السائبة بين يديها ... وتجرّ نفسها بتعب.
ابتسمتُ في سرّي، وأدرتُ ظهري للمشهد كله ...! 

المشهد الأخير: نحن هنا في الجوار
نشعر ببعض البرد، بينما تشتعل في الخارج وتحترق كل الأشياء.
ترتفع أسعار الغذاء والدواء .. والدجاج الذي لا يموت بانفلونزاه يموت بمحارقنا.
المدن تحترق عن بكرة أبيها ....
والنفط، تشتعل أسعاره قبل أن يصل إلى مواقدنا..!!
هي لحظات نسرقها لنغيب فيها عن الواقع، أنا وأنت.
ويبقى المشهد الأخير، أننا سنخرج من هنا أحياء أو أموات، لتضمنا الشوارع الباردة الغريبة إليها ثانية...
ونضيع فيها بين مقهى بأرجيلة ومقهى بإنترنت ومقاه بلا مقاعد أو فناجين قهوة وشاي..
ويبقى المشهد الأخير أننا كيفما التفتنا، سنعود لرعشة برد تصيبنا في الواقع، بعيداً عن دفء الأحلام والأوهام...! 

 

قاصة أردنية: من مجموعة قصصية بعنوان (قارع الأجراس) تصدر قريباً