يعاني كتاب القصة والرواية من الشخصيات الحقيقية لقصصهم ورواياتهم – فمن الممكن أن تطاردهم هذه الشخصيات - فالمرحوم محمد الجمل كتب روايته من (كفر الأكرم لخط بارليف) عن حياته في كفر الأكرم التابعة لمحافظة المنوفية - ثم عمله بالجيش واشتراكه في حروب مصر منذ 56 إلى 73 – فغضب أهل قريته منه لأنه ذكرهم بسوء. ونشر الصديق محمود قاسم رواية مسلسلة بجريدة المساء – فذكر أهل منطقته بالإسكندرية – فأغضبهم – واتخذوا موقفا منه، لدرجة إنه اتصل بالأستاذ محمد جبريل – المسئول عن النشر بالجريدة - طالبا منه وقف نشر الرواية – لكن جبريل رفض فقد بدأ النشر ولا مبرر لتوقفه. وسألت المرحوم محمد مستجاب عن موقف أهل بلده مما كتبه عنهم، خاصة أن كتاباته فيها سخرية لاذعة، فقال:
- لا أريد منهم شيئا.
وزميل لنا مات وعند مناقشة آخر كتبه قال أهل زوجته في صوت خافت بقاعة المناقشة بقصر ثقافة الحرية: لقد فضحنا. وقد اتصل بي صديق من القاهرة طالبا كتاب صديقي الذي مات – قائلا: سمعت إنه سيرة ذاتية – وأنا كنت أسكن معه في نفس البيت. – ولم أستطع إرسال الكتاب إليه – فزميلنا الراحل كتب عن فترة صباه – وذكر إنه كان يصعد مع أخيه الأكبر سطح بيتهما ويدخلا عشش الفراخ وهو معه فتاة من البيت وأخوه معه أخت القاهري الذي طلب قراءة الكتاب.
وتناولي لبعض الأحداث الحقيقية في قصصي ورواياتي سبب لي القلق. فقد زارت أختي قريبة لنا – وتحدثا عني ككاتب، فقالت قريبتي لأختي: لكنه "بيمسخ" بمعنى يذكر الناس بالسوء - وبلغني ما يتردد في المقاهي عني – بأن ما أكتبه يصور الحي في صورة ليست فيه. وقد زارت شقيقة صديقي محمد عبد الله عيسى أسرة تسكن حينا – فحدثتها عني، بأنني صديق أخوها المؤلف – فقالت صاحبة البيت التي لا أعرفها ولم أرها عمري – وأعتقد إنها كذلك، قالت: نعلم إنه مؤلف، وقد كتب عن امرأة في الحي – فاشترى ابناؤها كل نسخ الرواية لكي يمنعوا الناس من قراءتها – وهذا لم يحدث – ولكنه الخيال الشعبي الذي يكبر الأشياء ويجسم الأحجام. وطاردني صديق - يشاركني السكن في نفس الحي– حتى اضطررت أن أعيد طباعة روايتي وأغير اسماءها.
ومن المعروف إن شارلوت بطلة رواية آلام فارتر هي اسم حقيقي في حياة جوته، منتزع من اسم الفتاة الريفية شارلوت بيف، التي كانت مخطوبة لشاب موظف في المحكمة. إذ وقع جوته في حبها وعاش بسببها حياة مفعمة بالقلق والاكتئاب. فقرر ان يبقي في روايته علي اسمها الحقيقي، بعد أن طغت على مداركه وسكنت جوارحه.
وإن مسرحية ترتوف التي كتبها موليير وانتقد فيها النفاق الديني في فرنسا – كتبها عن شخصية حقيقية هي شاربي دي سانمت كروا وكان دجالا يتظاهر بالتقوى. وغضبت الكنيسة على موليير بسببها وطالب أحد القسسة بحرقه حيا لولا أن رعاه وحماه الملك لويس الرابع عشر.
كما أن كمال عبد الجواد هو نجيب محفوظ في طفولته وشبابه – وأن الثلاثية فيها الكثير من أسرة نجيب محفوظ. ويحكون أن البطل الحقيقي لرواية (السراب) لنجيب محفوظ – غضب عندما قرأ ما كتبه نجيب محفوظ عنه وطارده بمسدسة لفترة من الزمن. كما أن سعيد مهران بطل رواية (اللص والكلاب) هو محمود أمين سليمان سفاح الإسكندرية المشهور الذي ظهر في أواخر الخمسينيات. وقدم نجيب محفوظ أيضا شخصية بسيمة عمران في روايته (الطريق)؛ قاصدا بها زينب عصفور قوادة الإسكندرية المشهورة، وصاحبة أكثر من عمارة كبيرة وشاهقة في محطة الرمل، مازالت تسمى باسمها. وقدم شخصية عباس نوري في روايته (المرايا) ويقصد بها الكاتب الكبير كامل الكيلاني الذي كان يعمل معه في وزارة الأوقاف، وإبراهيم عقل هو منصور باشا أستاذ الفلسفة في كلية الآداب، وقت أن كان نجيب محفوظ يدرس فيها – وماهر عبد الكريم هو مصطفى عبدالرازق الذي شغل وزارة الأوقاف - وعبد الوهاب إسماعيل هو سيد قطب، أول من كتب عن نجيب محفوظ وبشر به.
وقد شغلت لفترة من الزمن بالبحث عن الشخصيات الحقيقية للروايات العالمية – وحلمت بأن أحولها لأعمال درامية تذاع بإذاعة الإسكندرية – لكن اللجنة التي تقبل وترفض الأعمال المقدمة – جعلتني أبتعد عن الكتابة للإذاعة نهائيا – تمنيت أن أقدم تمثيليات للقصة الحقيقية للكونت دي مونت كريستو – فهي قصة طريفة هادئة تناسب الإذاعات – صاحب مقهي في حي شعبي يتآمر عليه معارفه، من يريد الاستيلاء على قهوته، ومن يريد أخذ خطيبته – وفي سجنه يعرف طريق كنز يحوله لثري قادر على الانتقام من غرمائه. وقد حكى هذه القصة مسئول الشرطة بباريس في كتابه عن أشهر القضايا التي قابلته في عمله. فقرأتها صديقة الكسندر ديماس التي تغوي وتحب قراءة الجرائم - فحكتها له – فحولها لهذا العمل الرائع العظيم.
وتيمة (جمع تيم) الكونت دي مونت كريستو من التيم النادرة والمغرية فقد تحولت لأفلام عالمية كثيرة ومصرية أيضا – فأخرج هنري بركات فيلمين عن القصة مباشرة، هما (أمير الانتقام) لأنور وجدي و(أمير الدهاء) لفريد شوقي – وعدد كبير من الأفلام مستوحاة من الفكرة مثل: (دائرة الانتقام) لسمير سيف ونور الشريف، و(المرأة الحديدية) لنجلاء فتحي و(الظالم والمظلوم) لنور الشريف وإلهام شاهين ومن إخراج حسام الدين مصطفى وغيرها – حتى رواية وفيلم (اللص والكلاب) فيها أشياء من الكونت دي مونت كريستو.
ومن "التيم" الثرية والمغرية أيضا – رواية (غادة الكاميليا) وهي قصة حقيقية مر بها الكسندر ديماس الإبن – فقد أحب الفونسين بليسي وجن بها، معتقدا إنها شريفة وعفيفة – وكانت تتزين عادة بزهرة الكاميليا – فسميت غادة الكاميليا – حولها الكسندر ديماس الابن إلى مارجريت جوتيير- وأطلق على نفسه اسم أرمان دوفال – وتدخل الأب الكسندر ديماس الأب ليمنع هذه الزيجة التي ستسيء لأسرته - وتضحي البطلة وتدعي بإنها لا تحب أرمان دوفال – وتموت بالسل. نجاح الرواية يغري الكسندر ديماس الابن لكي يحولها لمسرحية - ونجاح المسرحية يغري جوزيبي فيردي أن يحولها إلى عمل موسيقي هو(أوبرا لاترافييتا)، والتي مثلت لأول مرة عام 1853، بعد تغيير اسم شخصية البطلة من مارجريت جوتيير إلى فيوليتا فاليري. وتم أنتاج أفلام عالمية كثيرة مقتبسة من غادة الكاميليا – وأفلام مصرية كثيرة منها (الغندورة) لمارية فولبي وعبد السلام النابلسي 1935 و(ليلى) لتوجو مزراحي 1942 و(عهد الهوى) لأحمد بدر خان 1955 و(كهرمان) إخراج السيد بدير 1958 و(رجال بلا ملامح) لمحمود ذو الفقار 1972 و(عاشق الروح) أحمد ضياء الدين 1973 و(السكاكيني) حسام الدين مصطفى 1985.
وقدم الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي مسرحية (الجثة الحية) عن حادثة حقيقية حدثت عام 1898، وعرضت على المحاكم الروسية في نفس العام، وعُرفت بقضية الزوجين جيمر. فقد أدمن الزوج (جيمر) الخمر مما أدي به إلى فقد وظيفته، وساءت حالته إلى حد بعيد، وأصبح عالة على زوجته. فطلبت منه أن يختفي وستدعي أمام الجميع بأنه انتحر، ثم تزوجت - بصفتها أرملة - من فلاح وعدها بالرحيل معها إلى إحدى المستوطنات الزراعية في أطراف روسيا ليكملا مشوار حياتهما هناك. لكن – لسوء الحظ – حدثت صدفة كشفت عن هذه اللعبة، وتم اكتشاف الخدعة، فألقي القبض على الزوج والزوجة ومثلا أمام المحكمة، وكان مصير الزوجة الإدانة بالزواج من رجلين في وقت واحد. فحكمت عليها المحكمة بقضاء عام كممرضة في مستشفى السجن.
واختلف البعض عن البطلة الحقيقية لرواية (سارة) للعقاد – فالبعض ظنها مديحة يسري التي أحبها العقاد لفترة من حياته، واتضح إنها الكاتبة والمترجمة أليس داغر، وهي ابنة الرائدة والكاتبة المعروفة لبيبة هاشم مؤسسة مجلة فتاة الشرق، وتزوجت أليس من صحفي سوري كان مقيما في مصر ومؤمنا بالعروبة هو عبده هاشم وحملت اسمه.
واختلف البعض في حقيقة بطل رواية الكاتب السوداني الطيب صالح (موسم الهجرة للشمال) والذي أطلق عليه اسم مصطفى سعيد. وقد جاء إلى الإسكندرية رجل واضح الطول اسمه علي أبو سن – كان يشارك في الندوات الأدبية التي تعقد في المراكز الثقافية – وارتبط بصداقة بالكثير من أدباء الإسكندرية منهم: المرحوم صبري أبو علم والدكتور محمود رشدي والشاعر مهدي بندق – وكانوا يزورونه كثيرا بمسكنه برمل الإسكندرية – وحكى لهم بإنه هو بطل رواية (موسم الهجرة للشمال) فقد كان صديقا مقربا للطيب صالح – فحكى له عن مغامراته أيام دراسته في بريطانيا وقد عين سفيرا للسودان ببريطانيا.
وكتب يوسف إدريس روايته (قصة حب) – وحولها صلاح أبو سيف لفيلم سينمائي باسم (لا وقت للحب) بطولة رشدي أباظة وفاتن حمامة وصلاح جاهين. عن حمزة الشاب الوطني الذي قاوم الإنجليز واشترك في منظمة تغتال جنودهم في مصر - بطل القصة الحقيقي هو الدكتور حمزة البسيوني الثائر الماركسي الذي اشترك في مقاومة الإنجليز– وأطلق الجنود البريطانيون الرصاص عليه وعلى زملائه في المنشية بالإسكندرية، فقتلوا منهم الكثير – وأطلقوا على الشارع الذي حدثت فيه المجزرة بعد ذلك اسم شارع الشهداء، الذي يبدأ من شارع سعد زغلول وينتهى على البحر.
والدكتور حمزة البسيوني كان معتقلا مع يوسف إدريس، فحكى له ما حدث – فأعجب يوسف إدريس بالحكاية ووعده بأن يحولها لرواية. وكان حمزة البسيوني طبيبا بالإسكندرية – فطلبه الرئيس جمال عبد الناصر لمقابلته – وطلب منه عمل تصميم لتأمين صحي للعاملين في القطاعين الخاص والعام والحكومة – على أن يبدأ في الإسكندرية – وفي حالة نجاحه – يعممونه على سائر مصر – ونجح المشروع وعمم على مستوى مصر كلها. وعمل حمزة البسيوني في مستشفيات التأمين الصحي - وهو مازال على قيد الحياة - أطال الله في عمره.