النعشُ المنصوبُ بين الزيتون والزعتر
يتخـلّلُني كَبخورِ الكهوفِ الغابرة
منذ زنوبيا والمجدليّة
يشقُّني أجزاءً
يُقصي كلَّ السائرين في الموكب الجنائزيّ
ويُبقيني وحيدةً
أحملُه منفردةً بكفّي تارةً
وعلى ظهري تارة
ويعودُ يـتـسـلّـلُ بي تارة
دون أن أهوي
ودون أن يسقط
***
ظهري المُحدوْدبُ
تتدلّى منه الأرغفةُ الفارغةُ
من الزيتون والزعتر والضحكات
أرغفةٌ قرمزيةٌ معقوفةُ الأطراف
مملوءةٌ بالشوك
من طرفيْ كلٍّ منها ينحدرُ مِلحي
فـأستـرسـلُ معـه
***
النعشُ المنصوبُ بين الزيتون والزعتر
هـو ذاك الـجـاثـي بين قاسيون والأربعين
بعينينِ تَرُوحانِ جيئةً وذهاباً
ذاهلتينِ دامعتينِ عاتبتين
بهما كثيرٌ من أشلاءٍ وجياع
بهما دهشةٌ وحنينٌ
ورائحةٌ تتأرجحُ
بين الدمِ والترابِ الأحمرين
***
تلتفُّ داليتي بين برَدى والعاصي
كانت قدَري فصرتُ قدَرَها
لا تَلوي على فِكاكٍ إلا عبرَ خيمةٍ
أو فردةِ حذاءٍ مفقودةٍ لِيتيم
أو ذاكرةٍ مثقوبةٍ بالحصار والنزوح
***
أصابعي تكسّرت على النعش
والمساءُ يعانق الصباح
بكثيرٍ من شهداءَ وأكفان
وارتحالين مُجترّين
لم يختلفا كثيراً
أحدُهما كان من وطنٍ
والآخرُ فيه
ستّون خيمةً وألـفٌ ثم عادت الكرّةُ
واشتركا في الطريقِ والهاوية
***
الصمتُ المطبقُ
إلا من الرصاصِ والجوعِ ومواكبِ الجنائز
يسدُّ الأفقَ
ويشدُّ رداءَ العتمة بعد الفجر
يغفو قلبي منقسماً بينهما
مُلتحفاً بهما
ويرقبُ من شرفةِ الموت
ياسمينةً تنبت من قلب الرصاص
أزرعُ ريحانةً بيدي اليمنى أسفل قاسيون
وأزرعُ ريحانةً بيدي اليسرى أسفل الأربعين
وأنتظرُ في زاوية القمر
علّ الدم يستحيلُ
حقلاً من شقائق النعمان
***
ربّما هي الكيمياءُ
يحملُها الفينيقُ على جناحٍ واحد
توحّدتْ في شراييني
وانتصرتْ على الأقطاب
قبضتْ كنعانيتَها في كفّة
وآراميتَها في الأخُرى
لا يزال صداها يتردّدُ على شَفير الـتبّـانة
ويـتـشـبّـثُ بكلِّ القوة التي أمـلـك
وأجدُني ما بين إدلبَ واليرموك
لا أنحازُ إلا للشّهقةِ القديمةِ الجديدة
المثقلةِ بالظلمِ والأنين
***
أقطفُ زهرةً من شقائق النعمان
أثبّتُها على شعري
ألمّعُ مرآتي وأنظرُ فيها
أقرأُ في احمرار الوردةِ الدُّحنونة
أملاً يقفزُ على المِلح
ويـتـشـبـّثُ بالقمح
ليديرَ الطاحونَ يوماً
ويملأَ البيدرَ بالسنابلَ من جديد
ما بين امتداد قاسيونَ والأربعين
سأزرعُ العتباتِ بالحبّ
وكثيرٍ من أطفالٍ وكرامة..