توطئة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلام على أشرفِ الخلقِ وسيّدِ المرسلين محمد بن آمنة الأمين الذي أُرسلَ للناسِ رحمةً باسطاً الشريعة للخلقِ نعمةً لا نقمة ميسّراً أمورهم بما تشتهي الأنفسُ التائقةُ للسموّ معطياً الجسدَ حقّهُ جاعلاً اللذةَ بمنزلةِ العبادةِ مؤالفاً بين اللهِ والباهِ إذْ ساوى في دنياه بين حبّ النساء وقراءة القرآن الكريم بمنزلةٍ واحدةٍ ولم يتركْ في شؤونِ الخلقِ شاردةً ولا واردةً فحقّ بذلك أن يكونَ خاتمَ الأنبياء والمرسلين مُتمّاً رسالته على أكملِ وجهٍ وسبحان العزيز القائل " نريد بكم اليسرَ ولا نريد بكم العسرَ "
وبعد
اعلمْ عزيزي القارئ هداكَ اللهُ ونجاكَ من الآثامِ الكبيرةِ وغفرَ لكَ اللممَ والسهوَ وأمتعكَ بمتعِ الدنيا قبل الآخرة فهو ربّ الجمالِ خالقُ الفتنةِ وغافرُ الذنوبِ وهو القائلُ في محكمِ كتابهِ المجيد " إن الله لا يغفر أنْ يُشركَ بهِ ويغفر ما دون ذلك " واعلمْ رعاكَ الله أن ربكَ لا ينظرُ إلى الوجوهِ والأجسادِ وإنما ينظرُ إلى القلوبِ وما تكسبُ ولا يخدعنّه منافقٌ أو كاتبُ تقارير يدّعي العفّةَ والشرفَ فهو العارفُ بما يخفى وما يظهر ونِعمَ بالله وكيلا
إنّ ما دفعني إلى تسجيلِ هذه الوثيقة وكتابةِ هذهِ الرسالة التي أسميتُها (رسالةٌ في الجُلقِ والجلاقة) صافعاً بها الوهمَ بكفّ الحقيقة منيراً قلوبَ الحائرين من ظلمةِ رجال الدين الذين نسوا التوحيدَ والأصولَ ونبذوا العواطفَ والعقولَ وراحوا يقلّبون الأمرَ بما تُملي عليهم أهواؤهم فحللوا الفلقةَ وحرّموا الجَلَقَةَ كما حللوا القتلَ والغزوَ وحرّموا العشقَ والشدوَ إرضاءً لشرورِ أنفسهم وظلامِ عقولهم لعلّ رسالتي هذي تنيرُ للضائعِ دربا وتزيلُ عن نفسِ المكروبِ كربا وتدنيهِ من الحبّ منزلةً وقربا
لقد عزمتُ على كتابةِ هذهِ الرسالة بعد الذي لقيتُه أثناءَ دراستي طالباً للفقهِ والعلمِ في حوزةِ قم من عنتٍ وزيفٍ وتخريف من شيوخ النفاق والخداعِ والتسويف فرأيتُ ما هالني من هؤلاءِ من شائنِ الفعلِ والقولِ في شؤونِ الدينِ والعالمين فقد حدثني شيخي الذي كنتُ أحسبُه جليلاً حافظاً للأمانةِ وللعلم خزانة قال " حكمُ الجالدِ لعميرتهِ كحكمِ الزاني بأمّهِ في الكعبة " فما كان مني إلا أن رحتُ أضربُ رأسي ووجهي نادباً إسرافي في المعاصي ولسانُ حالي يقول " هلكتُ وربّ الكعبةِ " حتى إنْ فقدتُ وعيي وتلعثمَ رأيي ما بين مُصدقٍ لما يقوله شيخي وما بينَ عقلي وقد زادَ طينتي بلةً وقيدي غلّةً أن خيالي شطّ بي باغياً فرأيتني أرفعُ ساقيْ أمي وأولجُه فيها ناعظاً راهزاً وهي تتقلبُ تحتي في نشوةٍ ومتعة فخورةً برجولةِ ابنها وبذرةِ بطنها حتى إذا ما أفرغتُ فيها استيقظتُ من الكابوسِ وتذكرتُ حكايةَ فحلِ الجاموسِ الذي عُصبتْ عيناه فواقعَ أمّه ولما انتهى منها رمى بنفسهِ في النهرِ منتحراً فوجدتُني ساقطاً على الأرضِ وقد اسودّ الضوءُ في عيني وتجمهرَ حولي طلبةُ العلمِ وهم لا يعرفونَ من خبري شيئاً بعد ذلكَ علمتُ من زملائي المغررِ بهم لسذاجتهم أو لحسنِ نيتهم بأنّ هذا الشيخَ منافقٌ لعين لا يفقه في الدينِ إلا ما يلائم شهوتَه ويحرّكُ خصيتَه فأن له من الأزواجِ أربعا ومما ملكتْ أيمانه مرتعا وقيلَ همساً إن له من الغلمان عددا فرفعتُ كفيّ نحو السماء قائلاً ربي نجّني من القوم الظالمين فأوحى إليّ أن أهربَ من هذا الماخورِ فهربتُ من ظلامِ قبري إلى النورِ ومن فسادِ الحوزةِ مطلقاً سراحَ الهمزةِ من منبرِ الدجلِ إلى فضاء الحرية مردداً اللهم اجعلهم بددا واحرقهم أبدا وأضئْ عقولَ مريديهم بنورِ الحقِ والجمال واتركهم في ظلمةِ أرواحهم يعمهون سلّطْ عليهم مَنْ يسحلهم بعمائمهم ويرميهم في مزبلةِ الأرض اللهم اجعلهم كالكلابِ يلهثون يأكلونَ فلا يشبعون ويشتهون ولا ينتصبُ لهم أيرٌ أصبْهم بالعنّةِ وابلوهم بالأبنةِ اجعلْ بناتِهم قحابا وأولادهم غلمانا لعلهم يرتدعون
فصل في الإباحة والتحريم
اعلمْ هداكَ اللهُ وأيدكَ بنورِ العقلِ وأنارَ ظلمتكَ بسراجِ اليقين حدثني شيخي شهابُ الدينِ اليزدي وقد حقَّ عليه الاسم فهو ضرّاطٌ من سلالةِ ضرّاطين قال حرّم الله الاستمناءَ باليدِ أو ما عُرفَ بجلدِ عميرة وفقَ ما جاء في الآيةِ الشريفة (والذينَ هم لفروجهم حافظون) فقلتُ سامحكَ الله يا شيخُ أين هذا من ذاكَ وكيفَ أصبحتِ الكفُّ فرجا ولِمَ حُرّمَ استخدامها في الاستمناءِ وحُللَ في الخرطاتِ التسع والفعلُ واحد فصرخَ الشيخُ بي غاضباً وقالَ مرتعدا قد جئتَ أمراً إدّا ودخلتَ دائرةَ المحظوراتِ عمدا واتخذتَ من وثنيي الإغريقِ سندا فقلتُ ساخراً رويدكَ يا شيخي اغفرْ لي قلّةَ خبرتي واستفحالَ جهلي وتصدّقْ عليّ من خزائنِ علمكَ ما يشدّ من عضدي ويقوّمُ سندي وأنتَ الذي وهبكَ الباري من فضلهِ مددا فأشرقَ وجه الشيخِ بزهوٍ وانتفخَ كبوٍّ وضحكَ حتى بانتْ نواجذه المتسوسة وقال سامحكَ الله يا ولدي لقد اتخذتَ من القياسِ منهجا وهذا ما نهى عنه الأئمةُ المعصومون والفقهاءُ ورجالُ العلمِ وأشارَ إلى نفسهِ كواحدٍ من أولئكَ الفطاحلِ الذين ملأوا الأرضَ خيراً بعلمهم وطبّهم وهندستهم ولم يكتفوا بتفسيرِ المسائلِ وتحريرِ الوسائلِ فكتمتُ ضحكتي وارتضيتُ بغصّتي وفعلتُ ما يفعلُ التلميذُ النجيب مبالغاً في الطاعةِ والتهذيب فقلتُ بطريقةِ المتسائلِ التائقِ إلى الاستفاضةِ وما الضيرُ من ذلكَ يا مولايَ فقالَ وقد انتفشَ ريشُه غرورا وانفرجتْ أساريرُه حبورا القياسُ يا ولدي منهاجُ الخاطئين ومن غُررَ بهم وغرّروا بالآخرين من فلاسفةٍ وسفسطائيين ثم ألقى إلي حجته التي سمعتُها مراراً من غيره وهي قضيةُ الشهودِ وعددهم في إثباتِ الكفرِ والزنا فقلتُ واللهِ الذي لا يعلمُ الغيبَ سواه إن لقضيةِ الزنا وشهودها سرّاً محققا وأمراً ملفقا فلو جيءَ بأربعةِ شهودٍ في ذلك اليوم المشهود لقيلَ لهم هاتوا بثمانيةٍ ولو جيءَ بثمانيةٍ لقيلَ لهم هاتوا بستةَ عشرَ شاهداً إكراما لها وستراً للفضيحةِ ووالله عزّ وجل لو جيءَ بستةَ عشرَ لقيلَ لهم هيهات هيهات لن تُقبل شهادتهم حتى يأتونا بكسّ فارجٍ وينطقُ وأيرٍ والجٍ ويعترف
وأما بعد
لقد اختلفَ الأئمةُ والفقهاءُ في أمرِ الاستمناء فقد حرّمه مالكُ والشافعي وأباحَه الإمامُ أحمد مستدلاً على ذلكَ بالقياسِ على الفصْدِ والحجامة ومن دواعي الأسفِ الشديد أن شيخنا الفاضلَ محي الدين ابن عربي قد جارى الأوَلَين في حكمهما مستندين إلى آية (والذينَ هم لفروجهم حافظون) ولو تأملوا الآيةَ بشيءٍ من الرويةِ والعقل لوجدوها آيةً عامةً لا خاصة تحثّ على عفّة النفسِ ولا تشيرُ إلى ما نحن بصددهِ الآن ولا تحسبُ حساباً للزمانِ والمكانِ وما يتبعها من آي يدلّ على ذلك الزمانِ الذي فيه لا يعجزُ الإنسانُ عن اتخاذ حليلةٍ له إلا بسبب العوزِ والفاقة فما له من وسيلةٍ إلا انتظار الرازقِ الأكبر أما في يومنا الحاضر فهناك ألفُ سببٍ وسبب يجعلُ الإنسانَ عاجزاً عن النكاح لا بسبب ضيقِ الحالِ وإنما بسبب تغير الأحوالِ وحكم العزلةِ من حروبٍ طويلةٍ ونفي واعتقال
أما أنا فأقولُ وأوجّه وجهي نحو القادرِ العليّ بنيّةٍ صافيةٍ مبتغياً مرضاته وحسنته الواحدة إنْ أخطأتُ وسبحانَ من لا يُخطئ وبالحسنتين إنْ أصبتُ وفي كلا الحالين لا أبغي تبريرَ معصيةٍ وإنما أرجو انتهاجَ السبيلِ الواضحِ وفي كلا الحالين أقولُ حسبيَ اللهُ ونِعمَ الوكيل
اعلمْ أيها القارئ بأني أحللُ الاستمناءَ حلالاً مطلقا وأبيحُه للناسِ إباحةً لا تحوطاً فيها ولا قلقا مستنداً إلى العقلِ وما يمليه الظرفُ وإلى اختلافِ الرأي عند الأئمةِ وكذلك إلى قولِ الرسولِ الكريمِ الذي يتغافلُ عنه كلّ منافقٍ لئيم من عالمٍ يدعي العلمَ وليسَ له بأهلٍ ولا يحملُ منه مثقالَ ذرةٍ أو متخمٍ لا يشعرُ بجوعِ غيرهِ أو ضالٍ لا يبرحُ مكانَه ضارباً في نواحي الأرضِ باحثاً عن رزقهِ أو منفياً مرغما أو سجيناً لقضيةٍ عظمى أو طالب علمٍ مترفعاً عن سفاسفِ الأمور لكنّ الله أضلّهم بالنفاجةِ والادّعاء فتوهموا العلمَ والعلم منهم براء واستعذبوا الكسلَ ونبذوا العملَ فصاروا تنابلةً لئاما أعناقهم مرصوصةٌ وكروشهم تخطو قبلهم يأكلونَ الحراما ويسرقونَ أموال الناسِ بذريعةِ الزكاةِ والخمسّ فصاروا عبيداً للدينارِ والكسّ يمتطونَ الأراملَ بحجةِ الحرصِ على عفتهنّ ويغوون الأيتامَ بخديعةِ الإشفاق فصاروا كمَنْ يتخذُ العجْلَ إلهاً في التيهِ بدلاً عن التأملِ والمكابدةِ والوجد للوصول إلى طريقِ الحقِ والعمل الجادِ لبناء أمّةٍ قويةٍ يفخرُ بها أبناؤها فبئسَ من سلفٍ عاقٍ ورجالٍ ساقطين
قال الرسول الكريم " الزواجُ من الحرّةِ خيرٌ من الزواجِ من الأمَة والزواجُ من الأمةِ خيرٌ من الخضخضة "
فانظر أيها القارئ إنَّ الرسولَ لم يحرّم الخضخضةَ وإنْ جعلها في المرتبةِ الدنيا وأضعفَ الإيمان وذلك حسب ظرف ابن آدم والمكان فمن أين جاء المنافقون بأمرِ التحريمِ وقالَ أكثرهم نفاقاً بالتجريمِ لعنة الله عليهم إلى يوم الدين فوالله الذي لا تخفى عليهِ خافية وهو الشاهدُ على ما أقول لقد سألتُ مرةً شاباً معمماً يدّعي الورعَ ويعملُ واعظاً في إدارةِ معسكراتِ الأسرى العراقيين في إيران إنْ كان لما تبثّه وسائلُ الإعلام العراقية حولَ قيامِ الحرسِ الإسلامي بقتلِ الأسرى من صحةٍ فقال ممتعضاً وهو يمسّد لحيته بافتعالٍ فغدا وجهُه كنعالٍ أجلْ لقد قتلنا عدداً قليلاً منهم لا يتجاوزُ الخمسين شخصاً إنهم يمارسون الرذيلةَ فقلتُ اللواطَ أجلّكم الله ؟ فقال لا إنهم يمارسون الاستمناءَ فانظرْ عزيزي القارئ إلى هؤلاء الأوباشِ يرون الناسَ كالأكباشِ فما أزهدَ الإنسانَ في دينهم وما أرخصَ القتلَ في قانونهم يأمرونَ الناسَ بالمعروفِ وهم منحرفون وينهون عن المنكرِ وقد جُبلوا عليه حتى صارَ لهم الكذبَ سجيةً والقتلُ غايةً يرتجونَ بها من وجه اللهِ قربا وهو الذي حرّم قتلَ النفسِ والقائل بأنّ من قتل نفساً بريئة بغير حقّ كأنما قتلَ الناسَ جميعا لكن أنفسهم المريضةَ سوّلتْ لهم أن يفعلوا المنكرَ ظنّاً منهم بأنه المعروف وزينتْ لهم سوءَ أفعالهم فظنوا أنهم يقتلون الناسَ بالحقّ ويغتصبون العذارى بالحقّ فالمرأةُ في دينهم عورةٌ وفي عرفهم بقرةٌ ولكنهم في لحظاتِ هياجهم يلحسونَ مُطّالَها ويقبّلون نعالَها حتى إذا أفرغوا سمومهم فيها عادوا يذلونها ويرجمونها متشدقينَ برجاحةِ العقلِ على ناقصاتِ العقلِ والدين وانظرْ عزيزي القارئ إلى أين وصلَ الأمرُ بهم يحللون الإذلالَ والقتلَ ويحرّمون الجَلَقةَ وإن رفعتْ كفّ للاعتراضِ قطعوها وإن ألقيتْ عليهم حجة حرّفوها باللغوِ والإطناب فترى أحدهم يتحدثُ ساعةً كاملةً ولا يقول شيئاً متهماً مَنْ يعترضُ عليهِ بالفسقِ والزندقة
فاتني أن أذكرَ في شأنِ فقهاء الجهلِ والرذيلةِ أنّ إمامهم في الدجلِ قد حرّمَ في كتابهِ (تحرير الوسيلةِ) الاستمناءَ وحللَ وطء الرضيعةِ ولو كان يعلمُ أنّ الطبّ الحديثَ اليوم يكشفُ ما تغيضُ الأرحامُ لأباحَ وطء النطفة
وخلاصةُ الفتوى وزبدةُ الفحوى أقولُ عزيزي القارئ الباحث عن الحقيقةِ بمسندِ العقلِ والنهجِ الواضح والشريعةِ السمحاء لما كانتِ المرأةُ صعبةَ المنالِ في بعض الأحيان لمشاغلِ الحياةِ وهمومها من حروبٍ ونفي واعتقالٍ أو عهرٍ وابتذالٍ وتعففِ الواعي من الرجالِ من الانحطاطِ والإسفافِ إلى درجةِ التهريجِ وإضاعةِ الوقتِ في الركضِ وراءَ غانيةٍ فاتنة كظامئ يركضُ نحو الأفقِ القصي كي يمتحَ من سرابٍ أو كمَنْ يرمي صنارته في بركةِ ماء آسنةٍ خاليةٍ من الأسماك فيعودُ كلّ مرةٍ خاليَ الوفاضِ نادماً على إسفافهِ كمقامرٍ يخسرُ مالَه ووقتَه ويتلفُ أعصابَه أملاً بالربحِ فأني الحرّ الفقير لرحمةِ الله الغني بالتوحيدِ أبيحُ لكم الاستمناءَ دون مواربةٍ أو خجلٍ ودون تحوطٍ أو احتراز والله من وراء القصد سبحانه الذي قال " نريدُ بكم اليسرَ ولا نريدُ بكم العسرَ " أو " لا يكلفُ الله نفساً إلا وسعها " فسبحانَ مَنْ اباحَ للأيمانِ قابضةً أو فارغة فمَنْ لم تملكْ أيمانُه ملكَ أيمانَه أقولُ قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم فإنْ كنتُ قد أخطأتُ في اجتهادي فاعلموا أن اللهَ غافرُ كلّ ذنبٍ وهو القائلُ بمحكمِ كتابهِ المجيد " إنّ الله لا يغفرُ أنْ يُشركَ بهِ ويغفر ما دونَ ذلك " فهنيئاً للموحدين إيمانهم وأيمانهم بما ملكتْ أو لم تملكْ
فصل في التسمية
اعلمْ سيدي الفاضل أنّ للاستمناءِ أسماءً كثيرة منها ما هو اسم معنى أو اشتقاق ومنها ما جاء على سبيلِ الوصفِ أو المجازِ والاستعارة لعل أشهر هذه الأسماء وأكثرها تداولاً بين المثقفين من الناس هو (الاستمناء) ويعني كما هو واضحٌ استخراجُ المني بواسطةِ اليدِ على الأغلب وبفعلٍ إرادي وتكون (الخضخضةُ) شكلاً من أشكالهِ الكثيرةِ التي سنأتي على وصفها لاحقاً في فصلٍ أسميناه (فصل في الطرقِ والوسائل) ويصحبُ الاستمناءَ عادةً استدراجُ خيالاتٍ ذهنيةٍ يلعبُ الخيالُ فيها دوراً هاماً وكلما كان المستمني ذا ذهنٍ متمرسٍ على التأملِ وخلقِ الإيحاءاتِ كانتِ المتعةُ أكبرَ فالرجلُ ذو المَلَكَةِ الخياليةِ الواسعة يستطيعُ أنْ يجسّدَ في خيالاتهِ صورةَ المرأةِ المشتهاةِ على وجهٍ يقاربُ الحقيقةَ ولأنّ الإنسانَ فُطرَ على الخجلِ والمستمني عادةً ما يكون حسّاساً رقيقَ المشاعرِ لذا فأنه يكون أكثرَ جرأةً عند الاستمناء ويمارس أقصى حريتهِ في استدراجِ المرأة إلى مخدعهِ فتراهُ يتعرى أمامها دون مواربةٍ أو وجلٍ تاركاً لمكبوتهِ أن ينعتقَ من أسرِ كابتهِ ولحريته أن تتحررَ من أسبابها فتارةً نراهُ يختارُ العفيفةَ من النساء يبدأ معها بمعسولِ الكلامِ ولواعجِ العشقِ والهيامِ معاهداً إياها بالزواجِ على سُنّةِ اللهِ ورسولهِ حتى إذا اطمأنتْ إلى كلامهِ ووثقتْ من حبّهِ وغرامهِ وأيقنتْ من حسنِ نيتهِ وصدقِ مرامهِ راح يقبّلُ لثامها ثم ينزعُ نقابها ويزيلُ حجابها وهي غاضّة بصرها إلى الأرضِ عاضّة شفتيها تكابدُ شهوتها ولا تجرأ على التحديقِ في عينيه حينئذٍ يبدأ بحضنها وتقبيلها من تحتِ أذنها وعصْرِ نهدها برقّةٍ حتى يفضَّ بكارةَ خجلها فترمي رأسها على كتفهِ باستسلامٍ وتمتدّ يدها شيئاً فشيئاً مداعبةً شعرَ صدرهِ نازلةً إلى تحت وحينما تلمسُ انتصابَه بين أصابعها داهنةً رأسَه بلزوجةِ مذيّهِ تنشغُ من لسعِ برودتهِ فترفعُ رأسها إليهِ بعينينِ ذابلتين وشفتينِ مرتعشتين متسولةً من رجولتهِ غمزةً ومن فحولتهِ رهزةً تستعجلُ الأمرَ بالاستلقاء والإفراجِ حتى إذا فاضَ ماؤها وباشرَ فحلها بالإيلاجِ واستقرَ الوتدُ في قاعِ أرضها الرطبِ انقلبتْ رأساً على عقبِ فتراها عاهرةً ماهرةً في فنون الإغراءِ والرقصِ على نارِ فتنتها عارفةً كلّ طرقِ النيكِ والمصّ بجنون فطرتها وداعرةً في الكلامِ واللهاثِ في النهيطِ والنغيطِ وتارةً يختارها المتخيلُ فاجرةً نافرةً كأنها ولدتْ من بيضةٍ فاسدةٍ تكونُ هي المبادرة بالغوايةِ وكأن كلّ خليةٍ في جسدها تصرخُ " هيتَ لك " تكرهُ ما تألفه الأخريات فتبدأ بالمصّ وتنتهي بلحسِ المني وقد تكونُ سلقلقيةً لا تكتفي بالمألوفِ من النيكِ ولا تحصلُ متعتها إلا بإتيانها في الدبرِ وهذا النوعُ من النساءِ هو أكثرُ ما يثيرُ الرجلَ في استمنائهِ ويُخرجهُ من سجنِ حيائهِ إلى فضاءِ مجونهِ وجنونهِ محلّقاً في سماء النشوة
ومن بين النساءِ متمردةٌ من جنسِ المردةِ ملحدةٌ لا يثنيها عن طلبِ المتعةِ واعزٌ وكل شيءٍ في دينها جائزٌ حتى لو كلّفها الأمرُ حياتها تعشقُ الجنسَ والنبيذَ وتكرهُ الزواجَ فهي ترى فيه قيوداً للمتعةِ تساحقُ النساءَ بذاتِ الشهوةِ مع الرجالِ خبيرةٌ بكلّ فنونِ الفسقِ ولا تعرف الغيرةُ لنفسها طريقاً فهي لا تفرّقُ بين الرجلِ المتزوجِ والأعزب ولا بين الشيخِ والغلام فلكلّ منهما قد هيأتْ طريقةً وخطابا وهي في الإغراءِ والفتنةِ نارٌ ترتدي ثيابا زبّاءُ مع النساءِ مستبدة ومع الرجالِ طيعةٌ ومستعدة لفعلِ أي شيء يطلبون حدثني جلاقٌ من ذوي الخيالِ المنفلت ومن أهل الخبرة والدراية بهذا الصنفِ من النساء قال صنعتُ امرأةً من أهلِ الكتاب لم يماثلها أحدٌ في الفسقِ والفجورِ ساخنة كالتنورِ وجميلة كأنها من الحورِ كانتْ تعلّقُ صليباً متدلياً على صدرها تضكُّ
عليه نهديها فأسمعُ صراخَ المصلوبِ وحشرجتَه وهو يتدلى في وادي العقيق دعتني إلى نيكِ صدرها فأولجته بين نهديها لاحسةً رأسَه بلسانها الأحمر المندلق فرحتُ أدخله في فمها مرةً فتتلقفه ظامئةً واسحبه ببطءٍ متزلجاً بماءِ شهوتهِ حتى إنْ قذفتُ وتغطى الصليبُ بالمني راحتْ تلعقه باكيةً ناغطة وعلى كل عُرفٍ ساخطة فتثيرني أكثرَ مما بدأتُ فأعيدُ الكرّةَ ثانيةً وثالثةً حتى تنفصلَ أعضائي عن جسدي وتصبحَ أشلائي رميماً فأنتظر النفيرَ لقيامةٍ أخرى
ومن بين الرجالِ مَنْ لم يكتفِ بواحدةٍ فتراهُ مضطجعاً بين جيشٍ من الفارساتِ كأنه في الأمزون سيّد أو أسير بين نساءٍ محارباتٍ من نارٍ وحرير يلحسنه حتى يتلاشى جسدهُ أو يطيرُ بجناحين من شبقٍ وجنون وعن أولئك النساء حدثني رفيقٌ من أهل الحرفةِ قال كنتُ أنيكُ بضربةٍ واحدةٍ عائلةً كاملةً فقلتُ كيفَ رعاكَ اللهُ وقوّاك قالَ أغويت صبيةً فتسللتُ إلى حجرتها على سطحِ دارهم ولما رأتْ أيري منتصباً كشراعٍ نشغتْ وصرختْ فهرعتْ إليها أختها الوسطى فلما رأتنا على ما نحن عليه شاطتْ غضباً وغيرةً فخفتُ من فضولِ الجار والفضيحة لكنّها حينما تطلعتْ إليه منتصباً اقتربتْ بترددٍ وارتباك حتى إذا ما قبضتهُ بكفّها ورازتْ خصيتيه فغرتْ فاهاً وأطلقتْ زفرةً ساخنةً ولسانُ حالها يقول أهذا جزاء الأخوّةِ يا ناكرةَ الإحسان وعديمةِ النخوةِ تخفين ما عندكِ وتنعمينَ به وحدكِ فصرتُ وسيطاً بينهما معاهداً على إشباعِ جسديهما بالتناوبِ والتساوي وهكذا رحتُ متنعماً بين أشرسِ ذئبتين وكذلك جاءتْ الأختُ الكبرى والأمّ التي راحتْ تندبُ حظّها من قسمةٍ ضيزى بين ثلاثةِ أكساس جائعةٍ ولكن بعدَ أن رأينَ ما أنا عليه من فتوّةٍ وقوّةِ باه حمدنَ اللهَ على ما أنزلَ إليهنّ من رزقٍ لم يكنْ في الحسبان فصرتُ أنيكُ أربعا تارةً بالتوالي وتارةً أجمعهن معا حتى علمَ الأخُ بالأمرِ فخفتُ وتوجستُ منه شرّا فقالتْ إحداهن بثقةٍ مطلقةٍ ونبرةٍ قلقةٍ هوّن عليكَ يا رجل فأنه واللهِ إنْ رأى هذا الأيرَ سيزاحمنا على ما أنعم الله علينا من خير فعلمتُ بأنه يدفع مالاً لمَنْ ينيكه فأذقته صَدَقَةً ما لم يذقه من قبلُ وكان من الشاكرين
وحدثني جلاقٌ تركَ الحرفةَ وتزوجَ بامرأةٍ ذات قبحٍ وغلظةٍ وحينما سألتهُ متعجباً من أمره قالَ والله لن أرى أجملَ منها فقلتُ كيف وهي قبيحةُ الوجهِ دميمةٌ وذميمةٌ ومترهلةُ الجسدِ قدمها قدمُ فلاحٍ وجلدها جلدُ تمساحٍ قالَ وهو يهزّ يده سخرية من جهلي هذهِ قبضةُ العدس التي يتوهمُ الغافلون فواللهِ إن لها لساناً يقطرُ الفجورُ منه عسلاً ينتعظّ على كلماتهِ مَنْ بهِ عنّة فكيف لمَنْ به جِنّة خادمةٌ مطيعةٌ إنْ أردتها عفيفةً أو رمتها وضيعة تفيضُ منها الشهوةُ كبئرٍ مترعةٍ وكلّ ثقبٍ فيها تخاله باباً مغلقاً على خزائنِ الدنيا وكنوزِ متعةٍ أذاقتني من اللذةِ فنوناً لم تكنْ في بالي حتى وأنا في شطحةِ الخيالِ إذْ لم أكنْ أصدّقُ أن أجمعَ الحسنيين فبها أنيكُ وأجلقُ في لحظةٍ واحدةٍ عندئذٍ أدركتُ بأن للاستمناءِ فوائدَ لا تحصى فهو مدرسةٌ للأجسادِ وما محنة المتزوجين إلا لكونهم لم يدركوا حقيقةَ الخيالِ وفضلَ الكلمة فهي مفتاحُ الجنونِ وبالجنونِ وحده تتحققُ المتعة
وعن خيالِ الجلاق رويتْ حكاياتٌ كثيرة يعجزُ الباحثُ عن جمعها فيكتفي بأظرفها فحالُ الجلاقِ في نعيمِ خيالهِ كحالِ خراشٍ بين ظبائه كما وصفه الشاعر حينما قالَ على (بحر الوافر)
" تكاثرتِ الظباءُ على خراشٍ
فلا يدري خراشٌ ما يصيبُ "
ولعلَ أظرفَ هذهِ الحكايات ما رويَ عن جلاقٍ عراقي في بلاد الغرب حينما كان يتشمسُ على ساحلِ بحرِ البلطيق وكانت النساء أمامه يستحممنَ عارياتٍ كظباء خراشٍ فراحَ ينتقي أجملهنَّ ويضربُ الجلقَ مردداً مع نفسهِ بهوسِ المهتاجِ على أمّ اللباس الأحمرِ وحينما تتوارى ينتقلُ إلى أمّ اللباس الأخضر والأصفر ماسحاً بنظرهِ أفخاذَ ونهودَ الصبايا العارية وهكذا حاله حتى إذا اقتربتْ شهوتُه وأوشكَ على القذفِ تساوتْ أمامه الأجسادُ وأصيبَ بعمى الألوان فلم يعدْ يفرّق ما بين ذاتِ اللباسِ الأحمر أو ذات اللباس الأزرق مردداً في سره وهو يخضّ أيره بسرعةٍ وعيناه تغتصبُ الفضاءَ عليك يا عَلي عليك يا علي عليك يا
ومن مرادفات الاستمناء (جَلدُ عميرة) وهو الاسم الذي تداولته العربُ قديماً حيث وردَ ذكره في كتبِ الأولين من فقهاء وشعراء فقد ذكرهُ الشاعرُ ابن الحجاج رحمه الله وذكرهُ الشافعي ومالك والإمام أحمد كما أسلفنا وهو اسم غامضٌ ولكنّ غموضه يزولُ إذا افترضنا أن عميرةَ هو اسم من أسماء الأير وربما منه جاء (العير) بعد تذكيرهِ وحذفِ الميم الاسمُ الذي يتداوله أهلُ العراق والخليج العربي وبعدها تحول إلى (الأير) كما يرد في الكتب ويتداوله أهلُ الشامِ ومصر وشمال أفريقيا وربما يكون العكس هو الصحيح والله أعلم ولي في هذا الموضع رأي فأنا أستهجنُ هذه التسمية التي بُنيتْ على حكمٍ مسبق فالربطُ بين الاستمناءِ وعقوبةِ الجَلَد هو ما استنكرُهُ هنا واستهجنه لأنه يدلّ على أنه حكمُ الجاهلين ورجال الدين فكيف يرضى عاقلٌ أن يربطَ بين المتعةِ والعقوبةِ وإنْ كنتُ أعلمُ أنّ من بين الجلاقة مَنْ يستمتع بالألم أو كما يسمى في علمِ النفسِ الحديث بالمازوشية أو المازوخية وهذا في رأيي من الشذوذ الذي لا يصحّ الاحتكام إليه وليس موضعَ بحثنا
أما ما وردَ في حديثِ الرسول الكريم الآنف الذكر " الزواجُ من الحرّةِ خيرٌ من الزواجِ من الأمَةِ والزواجُ من الأمةِ خيرٌ من الخضخضة " فأنا لم أرَ هذا الاسم في كتبِ الأولين إلا نادراً ولكنه أي الاسم شائعٌ عندنا في العراق فهو اسمٌ دالٌ على تصويرِ حركةِ اليدِ على الأيرِ وخضّه حتى يقذفَ زبدتَه كما يُخضّ اللبنُ في الجودِ وبهذا المعنى يقتربُ مع ما يتداوله أهلُ الشام حينما يقولون فلان يحلبُ أيره أي أنه يُخرجُ الحليب منه بحركةٍ تشبه حركةَ تمريرِ الأصابعِ على الضرعِ وقد كنّا في العراق أيامَ فتوتنا الأولى نرددُ أهزوجةً معروفة
طوله طول الموزه
براسه توجد جوزه
خضّه تطلع بوزه
والبوزة هي الرغوةُ التي تندفعُ بقوةٍ من قنينةِ المشروباتِ الغازية بعد خضّها بحركةٍ تشبه الاستمناء وإزالةِ غطائها بسرعة
(العادةُ السرية) من التسمياتِ الأكثر شيوعاً في الكتبِ وبين المثقفين من الناس وفي رأيي أنها تسميةٌ غير دقيقةٍ ويُرادُ منها الإساءة فالاستمناءُ كما هو معروف ليس عادةً كالعادةِ الشهرية عند النساء أو ما اعتادَ عليه الإنسان بالطبع أو التطبع وإنما هو فعل إرادي حرّ ولماذا خُصتْ وحدها بالسريّةِ فهل رأيتم إنساناً يضاجعُ صاحبته جهاراً لكن وصفها بالسريّةِ كما هو واضح هو قولةُ حق يُراد بها باطل فالصفةُ هنا تضمرُ الغمزَ بكونها شائنة ومعيبة ومرتكبها كالسارقِ أو كالمتآمرِ فقد قيلَ " إن المستمني كالزاني بنفسهِ " وهذا لعمري هراءٌ لا يستحقُّ الردّ فلو كشفَ ابنُ آدم عن مكنونِ نفسهِ وتعرّى لرأينا من سوءاتهِ وشناعةِ طباعهِ ما يعجزُ الوصفُ عنه
ومن الأسماءِ الشائعةِ بين عامةِ الناسِ في العراق هو (الجُلُق) بضم الجيم واللام وفاعله (جالق) ومدمنه (جلاق) على زنة (فعّال) وجمعها (جلاقة) على زنة (فعّالة) ومفردُ الجلق أو المرة منه (جلقة) بتسكين اللام على زنة (فعلة) أو فتحها والجلقُ كلمةٌ فارسية مفتوحةُ الجيم وساكنةُ اللام ويُلفظُ قافها مخففاً حتى يبدو أقربَ إلى صوتِ الغين فيلفظُ (جَلْغْ) وقد سمعتُ الكثيرَ في العراق مَنْ يلفظها كذلك وفاعلها (جالغ) ومدمنها (جلاغ) ويطلق في العراق على فعلةِ الجلقِ (راس) فيقال " ضربَ فلان راسَ جلقٍ " سألتُ أهلَ الخبرةِ عن مصدرِ هذه التسمية فقالوا بالقياس على (رأس النارجيلة) فيقال " يدخنُ فلان رأساً واحداً في اليوم أو رأسين " وللقياسِ هنا أكثر من وجهٍ للمقاربة فكلاهما يشيعُ في الجسدِ خدراً واسترخاء ولو نظرتَ عزيزي القارئ إلى مدخنِ النارجيلةِ وهو يجلسُ على كنبةٍ فارجاً ساقيه واضعاً إحدى قدميهِ على الكنبة ومُدلياً ساقه الأخرى بجلسةٍ سلطانيةٍ وبغيبوبةِ انتشاء وتفرّد متلذذاً بزفراتهِ وعزلتهِ عمّنْ حوله مستمتعاً بجمعِ الماءِ والنارِ في كفّةٍ واحدة
ويقال عن الجلقةِ (قاط) ولا أعرفُ من أين جاءت هذه التسمية والأكثر غموضاً ما شاعَ استعماله بين أهلِ العراق في الآونةِ الأخيرة فيقال عندهم (قاط وطني) وقد سألتُ أحدهم عن أصلِ العبارة ففسّر لي بأن ما يُقصد هنا بـ (الوطني) هو إشارة إلى (سينما الوطني) الشهيرة والواقعة في شارعِ الرشيد ببغدادَ مقابل مخازنِ الأورزدي باك وقد ذهبتُ إلى هناك وتحققتُ بنفسي فما أنْ أطفئت الأنوارُ وبدأ عرضُ الفيلم بفتاةٍ تركضُ في مرجٍ واسع ونهداها يرتجان حتى سحبَ الرجلُ الجالسُ جنبي سحّابَ بنطالهِ ومدّ يده إلى كهفهِ فالتفتُّ إليه مستغرباً أمره فأدركَ بأني لستُ من روادِ سينما الوطني فقالَ انتظرْ وأين تظنّ ستذهبُ قلتُ لا أدري ولم تمضِ سوى بضعِ ثوانٍ حتى وصلتْ إلى كوخٍ على طرفِ المرجِ وقبلَ أنْ تدفعَ بابه أخرجَ صاحبي أيرَه منتصباً وحينما دخلتْ كان بانتظارها شابٌ قميء بزي فلاحٍ جالساً على سريرٍ من تبنٍ هجمَ عليها ممزقاً ثيابها ثم أدارَ إليه عجيزتها وأولجَه فيها من الخلف على موسيقى صاخبةٍ فلم أرَ من المشهدِ غيرَ عجيزةِ الشاب القذرة والمغطاة بشعرٍ كشعرِ الخنزيرِ بعضلاتها المفتولة وقد ملأتِ الشاشةَ التفتُّ نحو الجالس إلى يميني فرأيته قد راحَ يواكبُ حركاتِ المشهد شعرتُ بخجلٍ من وقاحتهِ وأشحتُ بوجهي إلى جهةِ الشمال فرأيتُ الجالسَ إلى شمالي يفعلُ ما يفعله الأولُ ثم تطلعتُ إلى الجالسِ في المقعدِ أمامي فوجدته يبصقُ في راحةِ يدهِ ويخضّ أيرَه وقد أحاطَ جنبيهِ بمعطفهِ الوبري على الرغمِ من حرّ حزيران اللاهب مُحدثاً صوتاً كصوتِ التلمظِ وحينما التفتُّ إلى الخلف سمعتُ صوتاً يناديني بغلظةٍ " درْ وجهك وشوفْ شغلك " فما كان مني إلا أن أيقظتُ قضيبي من غفوتهِ وأخرجته من عزلتهِ ولسانُ حالي يقول " حشرٌ مع الناس عيد " ورحتُ أخضّه كما يخضّ الآخرون حتى إذا أنهيتُ مهمتي نهضتُ من مقعدي فالتفتَ إلي الذي يجلسُ إلى يميني وهو يصرخُ بي " وين أخي بعده الفلم بأوله خذْ لك قاط وطني آخر " فشكرته على دعوتهِ فردّ على شكري بكلامٍ مهذبٍ يوحي بمستوى صاحبهِ وحين خرجتُ من السينما أدركتُ صحةَ التفسير
فصل في فوائد الجلق
اعلمْ هداكَ الله أن لأهلِ الدجلِ طريقةً في الكلامِ والجدلِ يوهمون بها ضعافَ العقولِ فيعجبُ بهم السفيهُ من الرجالِ فهم يدّعونَ المعرفةَ وليس لهم منها حظّ ويدّعون العفّةَ وهم يستبيحون العرضَ فإنْ سألتهم عن مسألةٍ ما ادّعوا العلمَ بكلّ شيء كأنهم قبضوا الأرضَ من أقطابها وغاصوا في عمقِ البحارِ إلى أطنابها ولهم في السماءِ والفَلَكِ ما لا يدانيهم أحد وفي المسائلِ عارفون بعللها وأسبابها فإنْ قلتَ لهم هذا ينافي العقلَ قالوا ما العقلُ وراحوا يفنّدون البديهةَ باللغو والإطنابِ فيحوزون على الإعجابِ من الجاهلِ لجهلهِ وسفاهةِ عقلهِ أو أنهم يجترحونَ للعلمِ أصلاً في النقلِ حتى لو اقتضى الأمر أن يقوّلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو يتهموا العلمَ بالزللِ وكثيراً ما أوهموا السامعَ بأنّ لكلّ مستقيمٍ عوجا ولا يشعرون من ذلك حرجا يحسبون الخبثَ فطنةً واللباقةَ غلبةً والجهلَ حنكةً فأمرهم في هذا كأمرِ سراج الدين الأصفهاني إذْ حدثني صاحبٌ لي كان يدرسُ في الحوزةِ ثم أدركَ ضلالةَ مسعاهُ ونجّاهُ اللهُ بأنْ أرشدهُ إلى طريقِ العقلِ وجادةِ الصواب قالَ رأيتُ الشيخَ سراج الدين الأصفهاني يبولُ واقفاً باتجاهِ الكعبةِ الشريفةِ فأسرعتُ إليه مُنبّهاً وقلتُ له سامحكَ الله يا شيخ وغفرَ لكَ أعنْ سهوٍ فعلتَ هذا فانتبهَ إلى ما كانَ عليه فردّ غاضباً ومؤنباً مريده على سوء الظنّ بشيخهِ الفطنِ الجليل مُلقياً الإثمَ عليّ لسوءِ الظنّ ناعتاً إيايَ بالآبقِ كأني عبد له وليس لله صاحبِ العزّةِ كلّها والجلالةِ فرحتُ أؤكدُ عليهِ وينفي وأظهرُ له الأمرَ جلياً فيخفي وحينما لم يجدْ بداً من الاعترافِ بالخطأ زعقَ بي شاتماً وقالَ بلى كنتُ واقفاً أبولُ باتجاه الكعبةِ ولكن الذي تجهله هو أني قد حرفتُ رأسَه عن اتجاهِ القبلة قليلا وهكذا هم هداكَ الله وجنّبكَ صحبتهم يحرِفونَ المستقيمَ عن مسعاهُ وإنْ اقتضى الأمرُ بهم أن يحركوا الجهةَ عن الاتجاه والحديث عن هذا يطول ويبعدنا عن فكرةِ بحثنا فلقد ادّعى أهلُ الجهلِ ومن على شاكلةِ الأصفهاني بأنّ للاستمناءِ مضاراً جمّة تودي بصاحبها إلى التهلكة فالمستمني يستدرجُ الشيطانَ إلى مخدعهِ حتى إذا غلّقَ الأبوابَ عليهِ واستحكمَ بهِ لم يعدْ قادراً على ردعهِ فيكون كمدمنِ الترياقِ أو الأفيون لا يطيقُ صبراً على الصحوِ منه حتى يذلّه ويقضي عليهِ أو ينتهي به الأمرُ إلى الجنونِ فالاستمناءُ في اعتقادهم لا يقتلُ الإيمانَ في النفوسِ فحسب بل ينخرُ الأبدانَ كالسوسِ فيصابُ مدمنُه بالنحولِ والنسيان لكثرةِ السرحان فيمشي كالأبله يحدّثُ نفسَه عديمَ الصفاءِ وقليلَ الحياءِ وفاقدَ الثقةِ بنفسهِ وبليداً بحسّهِ والمستمني شهوانيّ بلا غيرةٍ أو ضميرٍ يردعه حتى عن مضاجعةِ أختهِ أو أمّهِ إلى آخرِ التفاهاتِ المتكلسةِ في عقولهم والنفاياتِ المتكدسةِ في نفوسهم والتي ترجعُ إليهم فتراهم يفضحونَ ما يكبتون وينطقُ صمتهم بما يكتمون فقد حدّثني صاحبي حينما كان طالباً في الحوزة إن أحد الشيوخ قد باحَ لهم في لحظةِ سكرةٍ أو زلةِ لسان وقد أخذَ منه المزاحُ مأخذا فاعترفَ دون أن يدري إذْ قالَ إنّه في أغلبِ الأحيان يستيقظُ من نومهِ وقد أوشكَ على القذفِ في حلمٍ لذيذٍ على فراشٍ وثير فلا ينهضُ بل يكملُ حلمَه مستمتعاً بالدفءِ بين اليقظةِ والحلم حتى يقذفَ فاعترضَ كلامَه طالبُ علمٍ بالسؤالِ أيجوز هذا يا شيخُ فقالَ أجلْ بل هو واجبٌ فقلنا كيفَ هداكَ الله فقالَ إنّ هذا من فضلِ اللهِ على المؤمنِ ومَنْ يتنكر لفضلِ الله فهو جاحد لنعمتهِ فردّ عليه طالبُ علمٍ آخر ولكن أليس ذلك استمناءً يا شيخُ فنهرَهُ غاضباً وقد عادَ إلى الجَدّ في الكلامِ وراحَ يؤكدُ أنّ المؤمنَ حينما يستحلمُ في فراشهِ لا يستمني بل يواقعُ حوريةً في الجنة أهداها الله إليه بعد رضا ومن يرضَ الله عنه فهو من الفائزين واعلمْ عزيزي القارئ عندي الكثير من هذه الحكاياتِ عن أدعياء العلمِ والعفّةِ من شيوخِ الرذيلةِ والجهل ولكنّي أكتفي بهذا تاركاً البقيةَ إلى بحثٍ آخر إنْ شاء الله
أما أنا فأقولُ إنّ الجلقَ كغيرهِ من الممارسات الإنسانية محكومٌ بوعي صاحبهِ فالإفراط فيه مضر ومذموم وهذا أمر معلوم لا يتجاهله إلا المكابر والعنيد والاعتدالُ في كلّ شيء حميد فهل رأيتَ المريضَ حينما يأخذ الدواءَ يشفى وإنْ أفرطَ فيه يزداد مرضاً وربما يودي بحياة المتعاطي للدواء دون دراية أو تشخيص فحبة أسبرين أو حبتان تشفي الصداعَ ولكنّ عشرين حبّة انتحار وهلم جرا ففوائد الاعتدالِ في الجلقِ كثيرة كما حدثني أهلُ الطبّ والتجربةِ فمنها ما هو نفسي ومنها ما هو جسدي فهو يريحُ الجسدَ ويُرخي عضلاتهِ ويزيلُ احتقانَ الخصيتين ويُرخي عضلاتِ الوجهِ فيبدو الجالقُ ضاحكاً في حبورٍ دائم ويزيلُ التوترَ عن النفسِ فترى الجالقَ بعد الجلقةِ يبدو رقيقاً دمثَ الأخلاق لطيفَ المعشر والصحبةِ متيقظَ الذهنِ وصاحبَ طرفةٍ وفطنةٍ وأدب فلذا ترى أنَّ أغلبَ المفكرين والأدباء والفنانين والحكماء هم جلاقة باعتدال وقد نصحَ به أهل الأدب من شعراء وقصاصين كتمرينٍ ورياضة فهو يوسّعُ دائرةَ خيالهم الذي هو أداتهم في ما يبدعون وقد أراني مرةً صديقي الشاعرُ قصيدةً له عظيمة وفيها تطور كبير على مستوى شعرهِ فقلتُ له بالله تحدثني كيف كتبتها فقال كنتُ سجيناً في سجن إيفين الشهير وفي ليلةٍ اشتدّ عليّ ألمُ ضرسي ولم أستطع النومَ والصبرَ على ما أنا فيه فرحتُ أطرقُ بابَ الزنزانة بقبضتي وأصرخُ فجاءني أحدُ حراس السجن توسلتُ به أنْ يأتيني بحبةِ أسبرين تسكّن آلامي أو ينقلني إلى طبيب فنظرَ إلي ساخراً ثم أغلقَ فتحةَ الزنزانة الصغيرة وهو يردد بَدَرْ سكْ بَدَرْ سوخته فعدتُ إلى فراشي ساخطاً متألماً حتى خطرتْ لي فكرةُ أن استمني لعلّي أنسى شيئاً من وجعي أو أنهكُ جسدي فأستطيع النومَ فرحتُ أعصرُ قضيبي براحةِ كفّي كما يفعلُ عاملُ الكبابِ باللحم على السيخ كيلا يشعرَ السجناءُ الذين معي بما أنا فاعل وقد نسيتُ خلال ذلك ألمي حتى قذفتُ فشعرتُ بنشوةٍ لم تدمْ سوى بضعِ لحظات ثم عاد ألمُ ضرسي ثانيةً ففكرتُ بطريقةٍ أخرى وهي أن أكتبَ قصيدةً فأخرجتُ قصاصاتٍ ورقيةً كنتُ قد جمعتها من ساحةِ السجنِ أثناء الساعة التي تُمنح يومياً للسجناء لشمّ الهواء وبدأتُ بالكتابةِ وكلما توقفَ أو تعثّرَ مجيءُ شيطاني استبدلته بشيطانٍ آخر فأستمني ثانيةً ثم أعودُ إلى الكتابةِ وهكذا قضيتُ الليلةَ بين القصيدةِ والاستمناء وقد زالَ الألمُ تماماً وعند الصباح أعدتُ قراءةَ القصيدةِ فكانتْ لي اعتراضاتٌ على بعض مقاطعها أو كلماتها لكني آثرتُ أن أتركها كما هي وما هذا التناوب العفوي البريء الذي تراه في القصيدةِ بين الألم واللذة إلا وصف للحالةِ التي كنتُ عليها فقلتُ للهِ درّ العقل حين يكونُ موضعَ احترامِ صاحبهِ في مسعاه للسموّ والارتقاء
والجلقُ أنيسُ المستوحشِ في وحشتهِ وسلوى الساهدِ في سهدهِ ورفيقُ المسافرِ في ترحالهِ وصاحبُ الأسيرِ في أسرهِ والمنفي في منفاه ولا فرقَ بين الأعزبِ والمتزوج بل إنه يُعينُ المتزوجين أكثرَ ويجعل حياتهم الزوجية بأمانٍ يحافظون على بناءِ أسرهم وحياةِ أطفالهم فكما هو معروف بأنّ المرأةَ قد ابتليتْ بأيامٍ لا تستطيعُ فيها إشباعَ رغباتِ زوجها عندئذٍ يكون الجلقُ ملاذاً للرجالِ العقلاء الذين يحترمون الزوجةَ والأمّ التي جُعلت الجنة تحت أقدامها ويؤمنون بحقِ المرأةِ في المساواة فهم لا يخونون زوجاتهم ولا يؤمنون بتعددِ الزوجاتِ ولا يرتادون المواخيرَ ولا يصطحبون بناتِ الهوى وهم في مأمنٍ عن السفلسِ والزهري والأمراض الأخرى ويقلُّ عندهم الطلاقُ والهجرُ وبهذا يحافظون على أسرهم من التفككِ والضياع فترى أولادَ الجلاقةِ أكثرَ سَويةً من غيرهم ممنْ عانوا من ظلمِ الضرّة أو هجرِ الآباء حدثني رجلٌ عفيفُ اللسانِ والقلب وذو خلقٍ وأدب وكان قد تحول إلى الجلقِ بعد أن تجاوزَ الخمسين من عمره قال مارستُ الجنسَ مع زوجتي عشرينَ عاماً من موقعِ حرثها حتى غدا مثل بئرٍ طافحةٍ ويُطلقُ أصواتاً غريبة لاسيما بعد أن أنجبتْ لي سبعةَ أطفال فخفّت شهوتي ولم يعدْ قضيبي ينتصبُ كما كان وأدركتْ زوجتي ذلك فراحتْ تداعبه بيدها وتمصّه وتحشرهُ بين نهديها ولكنْ لم تكتملْ لذّتي حتى أجاءني الأمرُ إلى أن أقترحَ عليها المواقعة من الدبرِ فمانعتْ بإصرارٍ ثم استجابتْ على مضضٍ لطيبةِ قلبها وحبها لي وسعيها لإرضائي واسعادي فكنتُ ألحسُ فرجها وأمصّ بظرها بحبّ وهي تمصّ قضيبي بشهوة حتى تحصلَ متعتها وتقضي وطرها عند ذاك أجلسها على ركبتيها وأربضُ فوقها كفارسٍ يعشقُ فرسَه مفتتناً برشاقةِ خصرِها وتعضلِ فخذيها أمسّد عجيزتَها برقّةٍ وأمررُ قضيبي بين ردفيها وعلى فتحةِ دبرها التي تبدو مثل تينةٍ ناضجة وقد دهنتها بمرهمٍ أو بقليلٍ من الزبد حتى إذا استرختْ وذابتْ تحتي قرّبتُ رأسَ قضيبي من فتحةِ دبرها وقد تغيّرَ لونُها إلى الزهري أدخلُ رأسَه بحذرٍ فكانتْ تتألمُ في أول الأمر وتصرخُ لاعنةً جنوني وهمجيتي منتظرةً بفارغِ الصبر أن أنهي مهمتي وهكذا استمر الحالُ حتى بدأتْ والحمد للهِ تألفه وتعشقه فكانتْ هي التي تبادرُ إلى الطريقةِ وكلما أدخلتُ شيئاً منه طلبتِ المزيدَ حتى يختفي كله في جوفها كاختفاءِ السيفِ في الغمدِ وهي تحركُ تحتي بظرها بإصبعها فكانتْ تستمتعُ مرتين وتحصل على لذّتين لذّة الوصولِ إلى الذروة ولذّة ألمٍ طفيف ودام الحالُ على هذا المنوال خمسةَ أعوامٍ حتى وصلَ الأمرُ إلى النهاية المؤلمة حبث أصبحتُ كمَنْ يُدخِلُ أيره في فضاء عقالٍ وأحستْ زوجتي بذلك فكانتْ تتألم وتخفي حسرتها على أيامِ الشباب والجمالِ مفضّلةً ضيق الحالِ على ضيق المجالِ وانطوتْ على نفسها وتغيّرَ مزاجُها حتى اقترحتْ عليّ الاقترانَ بزوجةٍ ثانية وتبرعتْ بأنْ تختارها لي بنفسها زوجةً شابةً تُشبعُ رغبتي مرددةً على أسماعي ما يردده الشيوخُ عن حقّ الرجلِ في الزواجِ مثنى وثلاثا ورباعا وكادتْ أركان أسرتنا الجميلة تنهارُ وتنهارُ بانهيارها أعمدةُ السعادة التي بنيناها معا في السراء والضراء لكنّي قلتُ والذي فطرَ السماواتِ والأرضَ لن أنساقَ وراء حماقتي وعاهدتُ نفسي على الوفاءِ لزوجتي حتى لو اضطررتُ إلى إخصاءِ نفسي وقد استجابَ الرحمنُ لدعائي ولهفتي فهداني ولولاه ما كنت لأهتدي إلى وسيلةٍ ناجعةٍ تشبعُ شهوتي وتحفظُ أسرتي من التفككِ والضياع فصرتُ أمارسُ الجلقَ مرةً في اليومِ أو مرتين حتى استعدتُ ثقتي بنفسي فرحتُ أقسّمُ رزقي بين زوجتي ويدي وها أنا رجل ناجح في حياتي كزوجٍ وأبٍ وما التوفيق إلا من عند الله الذي جعلَ الفرجَ نهايةَ كلّ شدّة ومنحَ الإنسانَ عقلاً يدبّرُ الأمر مهما ضاقَ وينيرُ طريقَ الحائرين فسبحانه والحمد له في الأول والآخر
فاعلمْ بعد هذا هداكَ الله أن للجلقِ فوائدَ لا تُحصى على رغمِ أنوفِ الجاهلين
فصل في الطرق والوسائل
حدثني حميد ابن بزون العقابي الواسطي قال كان لي صديق يضربُ الجلقَ بكاغد السمبادة فقلتُ ويحه ألا يتقرّح أيره ويلتهب فقال بلى وبالرغم من ذلك كان مواظباً بشغفٍ ويصرخُ بعنفٍ متألماً فقلتُ له هذا ليس من أهلِ الجلقِ بل مجنون فأطرقَ حميد إلى الأرض صامتاً وغمامةُ حزنٍ تغطي وجهه حتى ظننتُ بأنه هو الفاعل وليس كما يدّعي لكنه يخفي ذلك خجلاً فآثرتُ أنْ لا أحرجه زائغاً بصري عنه متشاغلاً بلفّ سيجارةٍ حتى فاقَ من صفنتهِ ونظرَ إلي بأسى فعرفتُ بأنه يكتمُ أمراً يريد البوحَ به فتطلعتُ إليهِ مستدرجاً إياه دون فضول منصتاً إلى ما سوف يقول دون عجلةٍ فقد كنتُ واثقاً من أنه لم يعدْ يطيقُ إخفاء الأمرَ فقال وهو يتنحنحُ مزيلاً عبرةً في صدره خنقته اعلمْ يا صاحبي ولا تعجبْ من الأمر إنا ولدنا في زمانِ شؤمٍ وهلاك ولو كان لي علم بدورةِ الأفلاك لقلتُ ولدنا في ساعةِ نحسٍ ساعة دخولِ الشمسِ في جوفِ التنين ثم صمتَ كأنه قد رحلَ عني بعيداً أو أنه عدلَ عن الأمر وندمَ عمّا بدأ به الحديث فحسبتهُ صامتاً يستعيد لحظاتِ ضنى من فقرٍ أو حزنٍ أو فقدان حبيب فقلتُ فضفضْ يا صاحبي فقد قيلَ إنّ في البوحِ راحةً للروحِ اللائبةِ وعزاءً للنفسِ الخائبةِ ولا تتركْ أمراً يؤلمكَ كتمانُه ويصعبُ نسيانُه فقلْ وأنا صاغٍ عسى أنْ أعينكَ على ثقلِ حملكَ وحزنٍ يثقلكَ فقال وهو يزفرُ حسرةً رحمَ الله طويساً أينه من الشؤم قد كان أولى أن يقالَ أشأمَ من ابن بزون فقلتُ مازحاً مستعذباً الحكايةَ هوّن عليكَ يا رجل ما هذا الذي تقول فليس الندمُ من شيمِ الزاهدين وقد كان الفضولُ يدفعني لسماعِ المزيدِ فنظرَ إليّ حميد وقد تحركتْ دمعتان في عينيه وكادتا تفلتان من موقيهما حتى خجلتُ من بَطَري وخفتي وتهوري فقلتُ مصححاً أمري افتحْ خِرجَ كتمانكَ وبحْ بما يفور في كوامنكَ ترني مصغياً إليكَ إصغاء المحبِ الحاني كاتماً سرّكَ إنْ كان في الأمر سرّ معيناً إنْ اقتضى الحالُ ولو على حدّ رقبتي فقال بعد تلعثمٍ وترددٍ ولدتُ يومَ مجزرةِ سجنِ الكوت وخُتنتُ يومَ السحلِ المريع ودخلتُ المدرسةَ عامَ مجيء الحرسِ القومي واغتلمتُ يوم عودةِ البعثيين إلى الحكم وعشقتُ امرأةً يوم بدء الحرب العراقية الإيرانية فبربكَ قلْ لي مَنْ أكثر شؤماً أنا أم طويس فقلتُ له مهوّناً ومؤاسياً اعلمْ يا صاحبي أن المقامرَ الذكي لا تقتله حسرةُ الخسارة فهو عارف بأسرارِ اللعبةِ وما إدمانه إلا تحدٍ للقدر والنصيب فالمقامرُ يلعبُ النردَ مع الخصمِ وفي ذهنه أنه يلعب مع الله فإنْ فازَ فهو انتصار له على ما تخبئه الأقدارُ من أسرارٍ وإنْ خسرَ فليسَ لعلّةٍ فيه أو نقصان واعلمْ أنَّ مَنْ تقتله مرارةُ الخسران لا يفقه من حياته شيئاً ولا يعرفُ سرّ لعبةِ الحياة وماذا تضرّ قطرةُ مطرٍ من كان مبلولا أو غطّة لغريق واعلمْ أنّ هذه المأساة لم تنزلْ عليكَ وحدك فهي مأساةُ جيلٍ بأكمله قضى بين الحروبِ والسجون والمحظوظ مَنْ استطاعَ الوصولَ إلى المنفى وكما قيلَ من قبل بالعربان ولا بالتربان فالحمد للهِ الذي أنجانا من موتٍ محدقٍ ومن ظلمٍ مطبقٍ فالتفتَ إلي وقد لاحتْ على وجهه ابتسامة رضا واقتناع ثم قال لا تعجبْ إذنْ يا صاحبي إنْ رأيت أحدنا يأكلُ نفسَه ويضربُ الجلقَ بورقِ السَنْفرى أو يعاشرُ الوحوشَ كالشنفرى فنحن جيل قد أمْلصتْنا أمُّنا وألقتْ بنا على مزابلِ خرائبها مثل اللقطاء وأرخصتْنا الأحداثُ في سوقِ نوائبها كتوافهِ الأشياء فهززتُ رأسي معجباً بما قاله من وصفٍ لحالتنا مردداً مع نفسي للهِ درّ الحزانى ما أبهاهم عمقا وأعطرهم عبقا وأشجعهم صدقا خلقوا من الحزنِ شعرا ومن الخيالِ سحرا ومن عفّةِ النفس قناعة حتى خيّمَ الصمتُ علينا وكلّ منا يغورُ في أعماقِ ذاته مقلّباً شؤون حياتهِ مستخلصاً منها عِبرةً وزاداً للأيامِ القادمة ثم انفجرَ صاحبي بضحكةٍ لفتتْ انتباهي فتطلعتُ إليه مستفسراً حتى توقفَ عن الضحكِ فقال كأنه يعيدُ الحديثَ إلى بدئهِ فتذكرتُ حينئذٍ أمرَ صاحبهِ الذي يضرب الجلق بكاغد السمبادة وكأنه يعرف بما يدور في خلدي إذْ راح يمسحُ دموعَ ضحكهِ وقال ولي صديق آخر كان يضربُ الجلقَ بالرملِ الساخن فقلتُ وأنا أكتم سعالي وضحكي وأين تضعُ هذا في مراتبِ الجلق فقال إنها مرتبة يقال لها (الييزي قهر) فقلتُ واللهِ إنها تسمية موفقة لفعلها مطابقة ولكن هلا أخبرتني المزيدَ عن أصحابِ هذه المرتبة قال حدثني صديق من المعدان يقال له عبد السادة شمخي وكان جلاقاً ذا خبرةٍ وحرفة قال حينما كنتُ مقاتلاً في كردستان مع الأنصار كُلفتُ يوماً باحتطابِ الأشجار وقطعها لنقلها إلى مواقعِ الفوج وحينما تعبتُ من العمل نزلتُ عند عين ماء في أسفل الوادي فأخذتني سِنةٌ وحينما استيقظتُ وقعَ نظري على صخرةٍ أمامي رحتُ أتأملها كانتْ ملساءَ ومشقوقةً كحبّة دراق فتخيلتها طيزاً كبيراً سدّ علي الآفاقَ ولم أعدْ أرى أمامي غيره حاولتُ طردَ الفكرةَ من رأسي لكني لم استطع واستبدّ بي شبقي تلفتُّ فلم أرَ مَنْ يترصدني وكنتُ بعيداً عن الرفاق المشغولين بالاحتطاب عندئذٍ نهضتُ بهمّةِ مَنْ حسمَ أمرهُ حللتُ عقدةَ شروالي ووقفتُ كأني أبول ثم أدخلتُ قضيبي في الشقّ وتشبثتُ بردفي الصخرة راهزاً مصغياً إلى لهاثها ونغيطها حتى أفرغتُ سمّي على فخذيها وحينما انتهيتُ اقتربتُ من العين لأغتسلَ من الجنابةِ فرأيتُ الدمَ يسيلُ من قضيبي وقد تسلخَ جلده ثم تورمَ فقلتُ له ماذا فعلتَ بنفسكَ لقد حرمتها من جلقاتٍ لبضعةِ أيام على الأقل فنظرَ إلي مستخفّاً برأيي وقال مَنْ قال لكَ ذلك لقد واظبتُ على ما كنتُ عليه فقلتُ كيفَ وقد تسلخَ جلده وتورمَ عند ذاك ارتفعَ صوته بضحكةٍ أوسعَ من فمه وقال جاهراً دون خجلٍ كنتُ أخرِجُ رأسه من ثقبٍ في جيبِ الشروال وأمسكه بأطرافِ أناملي الخمس وأحلبه بسرعةِ الومض حتى أقذفَ فضحكنا حتى انقلبتُ على ظهري ونسيَ حميد حكايةَ الشؤم وحينما ذهبَ إلى شأنه وانفردتُ بنفسي رحتُ أتأمل الحكاية معجباً بجرأةِ الجلاقة وجَلَدهم وتحايلهم على الكبتِ والحرمان فتذكرتُ حادثةً جرتْ لي ويمكن إدراجها ضمن مرتبة (الييزي قهر) فقد كنتُ ببغداد مختفياً أثناء فترةِ الملاحقة بعد خرابِ الجبهة الوطنية وكنتُ وحيداً ضائعاً أبحثُ عن ملجأ يؤويني أقضي فيه الليل أما النهار فقد كنتُ أقضيه ماشياً في شوارعِ بغداد وأزقتها منضوياً بين زحامِ الناس فمررتُ مرةً في شارعٍ يقال له شارع النهر يبدأ من ساحة الوثبة في شارعِ الرشيد وينتهي بساحةِ الأمين وكان هذا الشارع سوقاً ضيقةً تصطفّ على جانبيها محلاتُ بيع الألبسة النسائية وأدواتُ الزينة وترتادها النساء متبرجات لذا فهي مزدحمة بالعشاقِ وهواةِ الطبقِ من الشبابِ وأهل الجلقِ فاستبدتْ بي شهوةٌ غريبة وطفحَ كيلُ شبقي وأحسستُ بتخشبٍ في جسدي كأني شارفتُ على نوبةِ صرعٍ واحتقانٍ في خصيتيّ فلم أعد قادراً على المشي ففكرتُ بأن أتبولَ في مرافقِ جامعٍ قريب وهذا ما فعلته وبللتُ قضيبي بماء باردٍ فتقلصَ وكشّ على نفسهِ حتى غدا مثل فأرةٍ خائفةٍ فقلتُ له مؤنباً عرب وين طنبوره وين وما أن خرجتُ إلى الشارعِ ثانيةً حتى عاد إلى انتصابهِ كأنه يثأرُ لنفسهِ من سخريتي فتعوذتُ باللهِ من الشيطان لائماً نفسي على دناءتها وسوئها ولكن لم تنفعْ استعاذتي ولومي بشيء فقد قضيَ الأمر ولي من الهموم التي تشغلني أكبر من طاقتي على تحملِ أمرٍ إضافي كهذا فتسللتُ ثانيةً إلى بيت اللهِ في الحيدرخانة مستغفراً لذنبي مستميحاً صاحبَ البيتِ العذر متيقناً من غفرانه لما يعلمه من ضعفي وقلّة حيلتي وهناك واجهتني مشكلةٌ ليست بالهينة فقد كانتْ أبواب المرافق لا تستر الجسدَ كاملاً فهي مكشوفة من الأسفلِ حتى الركبة ومن الأعلى حتى الصدر فكيف الأمر وقد استبدّ بي شيطاني وتحكمَ ولم تعدْ لي طاقة على مغالبته بسوى الاستكانةِ والانصياع فما كان مني إلا أن حللتُ عقدةَ حزامي وانحنيت إلى الأمامِ حتى التصقتْ رأسي بالباب مشكّلاً بجسدي زاويةً قائمةً كاتماً أنفاسي وصراخَ شهوتي والذي زاد من حرجي وحيرتي أن آذان المغرب قد أوشكَ أن يُرفع وتدافع المصلّون على المرافق قبل الوضوء وارتفعتْ أصواتُ بعضهم متذمرةً حانقةً وكأن الشيطان قد أنساهم أن الله مع الصابرين فراحوا يدقّون الأبواب ويحثّون الداخلين على العجلة بقضاءِ الحاجة وكنت عنهم متغافلاً متحايلاً بالآم القبضِ في معدتي حتى أنهيتُ مهمتي بهدوء وخرجتُ متنحنحاً مشمّراً ذراعيّ للوضوء كيلا يكتشفَ أمري أحد
ومن الأوضاع التي تدرج ضمن (الييزي قهر) كان لي أخ أكبر مني يأتي كلّ ليلة ثملاً وكنا ننامُ على سطح دارنا في ليالي الصيف فكنتُ أختلسُ النظر إليه وقد نامَ على بطنهِ عاضّاً المخدةَ بأسنانهِ مثل هرّ يتشبث برقبةِ أنثاه اللعوب كيلا تفلتَ من قبضةِ سطوته ماسكاً السرير بكلتا يديهِ وحوضه يصعدُ وينزلُ حتى يُفرِغَ ماء شهوتهِ في مهبلِ الفراشِ ويزفر زفرةَ انتعاش ثم ينام كنومِ أهل الكهف
ومن طرقِ الجلقِ الأخرى ما يُسمى بـ (السُلطاني) وفيه الجالقُ يجلسُ على أريكةٍ بجلسةِ شاعرٍ ينتظرُ هبوطَ وحي الإلهام عليه متأملاً مركّزاً نظره في نقطةٍ بعيدةٍ وهو يدخنُ سيجارةً أو نارجيلة أو ربما يشاهد فيلماً أو يسمعُ موسيقى ويقالُ لصفنةِ الجالقِ هذي (النَشَع) تمتدّ يد ضاربِ النشع ببطء نحو أيره يمسّده بحنوّ كأنه يمسّد رأسَ طفلٍ عزيز ويمرر قبضته عليه برقّةٍ من أصلهِ حتى رأسه وكلما اقتربَ من نهاية شوطه تماهلَ قليلاً منشغلاً بأمرٍ آخر حتى يطيلَ فترةَ انتعاظهِ وحينما تقتربُ اللحظة ويرتوي يسلّ منديلاً ورقياً من علبةٍ أمامه ويغمضُ عينيه برهةً وينهضُ دون أن تبدو عليهِ علامةُ ارتباكٍ أو سحنةُ إنهاكٍ مثل سلطانٍ حليمٍ يحكمُ بين رعيتهِ بالعدلِ وينام قريرَ العينِ مرتاحَ الجسدِ والضمير حدثني صديق لي قال كان في شارعنا يسكنُ رجل أعزبُ تجاوز الأربعين من عمره يقال له حسيب السائق رجلٌ تحلفُ الناسُ بأخلاقهِ وشهامتهِ وعفّته فلم يُعرف عنه زانياً أو لوّاطاً على الرغم من سوء صيت السائقين وما يُروى عنهم من حكاياتٍ تدلّ على قلّة حيائهم وخروجهم عن أخلاق الملّةِ ولا يعرفُ أحد من سكانِ الشارعِ عنه شيئاً فقد كان رجلاً صامتاً يسيرُ مطأطئ الرأس خجلاً من مماحكةِ النساء له وتطفلِ الفضوليين يلقي تحيةً هامسةً فينهضُ الرجالُ في استقبالهِ لكنّه يجتازهم إلى بيتهِ وهو يخفي عند خاصرتهِ قنينةَ العرقِ ملفوفةً بكيسٍ ورقي وقيلَ عنه همساً إنه جلاقٌ من ذوي الخبرةِ والكتمان وفجأةً أنهى حسيبُ عزلته وتزوجَ من أرملةٍ عَفَلّقٍ يقال عنها المشهورة أو القرج فهي وقحة سليطةُ اللسان ولكن لا يُعرف عنها أنها عاهرة بل مهرة نافرة لم يستطع أحد من الرجالِ ترويضها إلا حسيب السائق فقد أغلقتْ بعد الزواجِ بابها مستورة ولم تعد تخرج إلى الشارعِ إلا لقضاءِ أمرٍ ولكنّ أهل الخبرةِ في التلصصِ والوشاية قالوا إن حسيباً لم يطأها أو يقترب منها فقد كان يجلسُ في ركنٍ من أركانِ الغرفة مدخناً ويحتسي كأسه بتمهلٍ وزوجته ترقصُ له ترقص وتتعرى على أنغامِ شهوته وقيل والعهدة على القائلِ إنه كان يأتيها بغلامٍ يعملُ عنده مساعداً يواقعها وحسيبُ ينظرُ إليهما ويضرب الجلقَ وبعد أن شاعَ خبره بين الناس أطلقوا عليهِ لقب الديّوث أو الديّوس حتى اضطرَ إلى هجر المدينةِ والانتقالِ إلى مدينةٍ أخرى وقيل إنه قتلَ زوجته وانتحرَ فرحمةُ اللهِ على حسيب داعين الباري عزّ وجل أن يحتسبه شهيداً فقد قيلَ مَنْ مات في غربتهِ ماتَ شهيداً وما أشدَّ غربةَ الجلاق بين أناسٍ لا يعقلون وقد علمتُ من أهلِ الترحالِ والسياحة بأنّ (السُلطاني) طريقةٌ شائعة في بلاد الإفرنجة
وحدثني سيروان الكردي قال حينما جيء بي إلى معسكرِ اللاجئين العراقيين في طهران نُسبتُ إلى قاعةِ الشهيد مطهري اتخذتُ القسمَ السفلي من سريرٍ ذي طابقين وفي الليلة الأولى لم استطعِ النوم فقلتُ أقتل بعضاً من هذا الليل الطويل برأسِ جلق وفعلتُ وفي الصباحِ وجدتُ جبّار التميمي الذي يتخذُ الطابقَ العلوي من السرير غاضباً وقال لي لم استطع النومَ فابتسمتُ له معتذراً بخجلٍ بعد أن أدركتُ ما يرمي إليه فقال لي كاكا سيروان اضربْ (كبابي) قلتُ وكيفَ ذلك فقال لي يبدو أنك مازلت غشيماً وتحتاج إلى مَنْ يُهديك فالكبابي يا ولد هو أنْ تقبض الأيرَ براحتكَ وتطبق عليه بأصابعك الخمس وتظلّ تعصره وترخي كما يفعلُ صانعُ الكباب باللحمِ على السيخ فقلتُ جزاكَ الله يا شيخ كلّ خير ومنذ ذلك اليوم وأنا أشوي شهوتي على فحمِ الكبابي واعلمْ أعزك الله أن الكبابي هو الوسيلةُ الشائعةُ بين السجناء أو نزلاءِ الفنادق المكتظة بالمسافرين ومن الناسِ مَنْ يطلق عليها تسمية (المخفي) أو (الخنق) ولا أحبذُ هذه التسمية فهي تسمية لا روحَ فيها وتخالفُ ما اعتادَ عليه الجلاقة من أريحيةٍ وظرف ومسالمةٍ ووداعة
وهناك طريقة تسمى (المستعجل) أو (السريع) حدثني صديقٌ قال دعانا جلاق إلى بيتهِ لمشاهدةِ فيلم جنسي على ماكنة عرضٍ كهربائية فلبّينا الدعوةَ مسرورين وما أن بدأ العرضُ بقبلاتٍ وتعريةٍ حتى تعطلتِ الماكنة فقامَ صاحبنا لإصلاحها ونحن ننتظرُ بلهفةٍ وننظرُ كالمهبولين حتى استؤنفَ العرضُ وأوشك الرجلُ أن يولجه في أنثاه تعطلتِ الماكنةُ ثانيةً وهكذا سارَ الأمر ونحن نتقلبُ على نارِ شهوتنا وأيورتنا تنامُ وتفيق وتنامُ وتفيق كنومِ الخائفِ فضاقتْ صدورنا ونفدَ صبرُ أحدنا فنهضَ مستلاً الفيلم النيجاتيف من الماكنة وأفرده على الأرض ماسكاً طرفَ بدايته بكفّ وأيره بالكفّ الأخرى وراح يجلسُ ويقومُ ويجلسُ ويقوم ونظره مشدودٌ على الفيلم يتابع تسلسلهُ حتى جاءَ ظهره وسقط على الأرض لاهثاً بينا كنا نحن نتقاسمُ الفيلم وكلّ منّا اكتفى بلقطةٍ يبحلقُ فيها وقد ندمنا على أننا لم نجلبْ معنا مكبرات لرؤيةٍ أفضل
وقد سألتُ يوماً صباحَ الديواني وهو جلاقٌ ذو خبرةٍ عظيمةٍ ومن ذوي الاجتهاد والفتاوى وصاحبُ مرتبة راقية في مراتبِ الجلاقة عمّا كانَ يفعلُ حين يتسلخُ جلد أيره أو يتورم فقال هناك طريقتان واحدة تسمى (الدغدغة) وهي أنْ تقومَ بدغدغتهِ على عنقه وعند حزّ الختان تماماً والأخرى وتسمى (الخنيصري) وهي أنْ تمسكه من جانبيهِ بإصبعين وتحركهما على جذعهِ وراحَ يصفُ لي الطريقة بإصبعيه فقلتُ ولماذا سُميتْ بالخنيصري ولا يستخدمُ فيها الخنصر بل السبابة والإبهام أما كان الأولى أن تُسمى (التسديد) فقال بلى إنها من الأخطاء الشائعةِ عند الجلاقة
ومن الطرقِ الأخرى المعروفة والشائعة عند المبتدئين من أهلِ الجلق ما يُسمى (أبو التفلة) أو (الصابوني) وفقاً لما يستخدم فيها كالبصاق أو رغوة الصابون ولا أنصحُ بها لأنها مضرّة وتتركُ حرقةً عند التبول أو قد تتركُ شعوراً بالتقزز والنفور عند المستجد
هذا ما عرفته من الطرقِ الشائعة في العراق ولا علمَ لي بالطرقِ التي تتبع في البلدان الأخرى فربما لكل بلدٍ جلاقوه ولهم تقاليدهم وأعرافهم في الحرفة والله أعلم
إشارة
اعلمْ هداكَ الله أن العربَ أمّةٌ بَنَتْ مجدها على ادّعاء مكارمِ الأخلاق وادّعتْ ما ليس فيها من سائرِ الأمم فقد زعمتْ أنها خيرُ أمةٍ أخرجتْ للناس وكادتْ تكون حين خصّها الله بخاتمِ أنبيائه إلا أنها أضاعتِ الطريقَ المستقيم وضلتْ بفسادِ سلاطينها وخرابِ عقولِ علمائها الذين التهموا القشور وتركوا اللبّ فلم يعودوا من ذوي الألباب والعقول وحالُ شعرائها كحالِ علمائها ألهاهم المجدُ الذي يزعمون تاركين لوعةَ أرواحهم متغنين بالسيفِ والغزوِ متغاضين عن العشقِ والشدوِ واقفين على الأطلالِ متعامين عن العمران مقدمين الهجرَ على الوصالِ القاتلُ فيهم سيّد والعاشق مجنون فحالهم في ذلك كحالِ بني تغلبٍ إذْ قالَ فيهم الشاعر (على بحر البسيط) :
" ألهى بني تغلبٍ عن كلّ مكرمةٍ
قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثومِ "
فلا تعجبنّ من خلوّ أدبهم مما يشيرُ إلى الجسدِ على الرغم من أنهم عبيد له وإنْ ذُكرَ جسدُ المرأة فلم يُذكر لذاتهِ وإنما لإظهارِ فحولةِ الفارس الذي يقتحمُ الحصونَ ويتلذذُ بدماءِ ضحيتهِ فقد بحثتُ في الأدب العربي لم أجد شاعراً قد أشار إلى الشهوةِ إلا ترفعاً وهم يقبّلون نعلَها كلّ يومٍ ولم يُذكر الاستمناء إلا عند من صُنّفَ شعرهم في خانةِ شعرِ العتالين والصعاليك وأهل السخف فقد ذكره أبو الشمقمق وابن الحجاج رحمة اللهِ عليهما وقد صُنفا من أهلِ الحمقِ والسفاهةِ وهكذا الحالُ حتى يومنا الحاضر فتراهم يقولون فلانٌ يستمني أفكارَه ويعنون الإساءة فالاستمناء عندهم كفكرةٍ خلّب ليس عفّةً بل لأنهم درجوا على التقليد والادّعاء فكم من شاعرٍ جبانٍ يتغنى بالثورةِ والكفاح وكم من سلطانٍ جائرٍ وفاسد يُلقبُ بأميرِ المؤمنين وحالُ الناسِ كحالِ ملوكهم يصلّون خلفَ أميرهم صلاةَ الجمعةِ يوم الأربعاء فكيف إذا صارَ هذا الفاسد قيّماً على الأخلاق وما حال الموالي إلا كحالِ الأسياد فكما قيلَ الضحية تقلّد جلادها فقد راحوا يتفوقون على أسيادهم في الادّعاء والنفاقِ وهذا ما نراه اليوم واضحاً وضوحَ الشمسِ للبصير وبحثتُ في الشعر الحديث حتى عند الشعراء الذين ادّعوا التمردَ والعصيانَ على أعرافِ القبيلة فلم أجدْ ذِكراً للاستمناء إلا في موقعِ الإساءة كاستعارةٍ أو مجاز وحال الرواة والقصاصين كحالِ زملائهم الشعراء بل أسوء حالاً فقد بنوا شخصياتهم بعيداً عن الحقيقة فالبطلُ يقتلُ ويعشقُ ويضاجعُ إلا أنه أرفعَ من أن يختلي بنفسهِ مرةً ولقد هالني حجمُ الكذبِ والنفاقِ عند هؤلاء الكتّاب لكنّي وأنا أشارفُ على وضعِ الأسطرِ الأخيرة من هذهِ الرسالة أجدني واثقاً من أنّ الأجيالَ القادمة ستقلبُ المفاهيم وتعيدُ للإنسانِ حقيقةَ إنسانيتهِ التي طمسها المنافقون وتغافلَ عن ذكرها المزيفون والأدّعياء وبين يدي قصيدةٌ لشاعرٍ صديق من أهلِ الجلقِ وراويةِ أخبارٍ ومجتهدٍ ذي علمٍ وأدبٍ في قولِ الحق وقد وضعَ لها عنواناً غامضاً هو (طائر الغيلم) والغيلمُ كما هو معروف ذكرُ السلحفاة والغلامُ كثيفُ الشعر واضحُ الغلمةِ والفحولة يقول الشاعر العقابي الواسطي المولد والمنشأ (على مجزوء الوافر)
" على كفّي
ألقنُ طائرَ الشهواتِ ذاكرتي
وأطعمهُ الأناملَ وهي تكتظّ
بسيلٍ من رحيقِ الجمرْ
أثقفه الطعانَ
وكيفَ ينجو من شراكِ يدي "
خاتمة
اعلمْ هداكَ اللهُ أني وضعتُ هذا الكتاب في موضوعةِ الجلقِ خائضاً في بحرٍ صاخبٍ وهائجٍ فيه من الأسبابِ الكثيرة ما تجعلُ المسافرَ عرضةً للمهالكِ ونهشِ السمعة مجازفاً ليس حبّاً بالمخاطرِ ولكن كشفاً للحقيقة وإماطةِ لثامِ أدّعياء العفّة واعلمْ عزيزي القارئ أن الشعوب التي ارتقتْ سلالمَ المجدِ والحضارة ما كانتْ لتحوز مراتبَ الرقي والعزّة إلا لأنها نزعتْ عنها أقنعةَ الخوفِ والتسترِ على العيوب ووضعتْ تراثها موضعَ الشكّ والسؤال كاشفةً عن وجهِ إنسانها الحقيقي دون تزويقٍ أو خشيةٍ من رقيبٍ وهمي مقتفيةً آثار أقدامهِ على الأرضِ لا في السماء ساعيةً لإسعادهِ أولاً في رحلةِ الحياةِ القصيرة فلا خيرَ في دينٍ أو فكرٍ أو عُرفٍ لا يمجّدُ الحياة بإنسانها الحقيقي ولا يعينه على تجاوزِ مواضعِ ضعفهِ ولا ينتصفُ له من ظالمٍ أشرٍ أو سلطانٍ جائرٍ أو رجلِ دينٍ منافق وإذْ أهدي كتابي إلى هذا الإنسانِ القوي بأسبابِ قوّتهِ والضعيفِ بأسبابِ ضعفهِ فقد كنتُ أتلمسُ فيه خيطَ الغبارِ الذي يفضحه النورُ المتسربُ من الثقبِ فاصلاً ما بين الخطأ والخطيئةِ وما بين الإنسانِ والشيطانِ متحملاً وزرَ عملي هذا كاملاً فإنْ أخطأتُ في التوقيتِ فعذري أني شاهدُ عصرٍ ولستُ سياسياً يمالئ هذا وذاك من أجلِ حظوةٍ زائلةٍ أو فكرةٍ ناصلةٍ لقد عانيتُ الكثيرَ وأنا أتقصى أخبارَ الجلاقةِ وأتابعُ ظرفهم وآلامهم وقد تظهر للقارئ ثغراتٌ ونقصٌ في هذه الرسالة فعذري أني اعتمدتُ على نفسي في البحثِ وعلى ذاكرتي في تدوينِ الأخبار فكما هو معروف أن موضوعة بحثي بكرٌ وليس هناك من مصادر أغترفُ منها لاسيما وأنا أعيشُ عزلتي في هذا المعتقلِ البعيد وأني إذْ أستميحُ القارئ العذر أقول ليكنْ هذا البحثُ هو البداية على أملِ أن أتممه في القادمِ من الأيام إنْ شاء الله وقد يسألُ سائلٌ لماذا لم أتطرق في بحثي إلى موضوعةِ الجلقِ عند النساء فأقولُ لقد فكرتُ في الأمر ملياً لكنْ وأنتَ تعلمُ عزيزي القارئ ما لحقَ بهذا الأمر من تعميةٍ وسريّة فأنّى لي أنْ أعرفَ أسرارهنَّ وأتابع أخبارهنَّ لكني آملُ بأن كتابي هذا يحرّضُ إحدى الأخواتِ النجيباتِ من أهلِ الجلقِ على المبادرة فهي الأعرفُ مني بهذا وختاماً أهدي كتابي إليك عزيزي القارئ راجياً أنْ ينالَ شيئاً من الرضا واستغفرُ الله لي ولكَ والحمدُ للهِ على كلّ حال
انتهى بعونِ الله في فجرِ الثامن من جمادى الأولى عام 1403 هـ
معسكر اللاجئين العراقيين في مدينة خرم آباد غربي إيران